المركز العربي للبحوث والدراسات : دلالات اعلان بوتين التعبئة الجزئية في روسيا (طباعة)
دلالات اعلان بوتين التعبئة الجزئية في روسيا
آخر تحديث: السبت 01/10/2022 03:50 م أحمد سامي عبد الفتاح
دلالات اعلان بوتين

في خطاب متلفز للشعب الروسي الأربعاء الماضي، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين "التعبئة الجزئية"، واصفا القرار بالضروري لحماية الشعب من الحرب التي يشنها "الغرب بشكل جماعي".  وأكد بوتين أن التعبئة "جزئية" وتستهدف جنود الاحتياط ومن التحقوا في السابق بالجيش الروسي ومن يمتلكون خبرة عسكرية بهدف الدفاع عن الأراضي الروسية. من جانبه، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن القرار لن يشمل الطلاب أو المجندين الذين يخدمون لفترات إلزامية مدتها 12 شهرا في القوات المسلحة، معلنا استدعاء 300 ألف جندي من قوات الاحتياط الذين خدموا سابقا في الجيش بموجب إعلان التعبئة الجديد.

ويأتي هذا القرار بعد أن طال أمد الحرب وفشل روسيا في دخول كييف وإسقاط النظام الحاكم الذي تقول روسيا أن موالي للغرب ويشكل تهديدا جوهريا لمصالحها الحيوية وأمنها القومي. علاوة على ذلك، قدم الغرب المزيد من الدعم العسكري النوعي لأوكرانيا، الأمر الذي ساهم في دفع الأوكران لتحقيق تقدمات عسكرية على الأرض من خلال استعادة ما يقارب 6000 كيلو متر من الأراضي التي كانت تسيطر عليها روسيا.

من الجدير بالذكر أن هذا القرار جاء قبل أيام من إعلان روسيا ضم 4 مقاطعات أوكرانية لأراضيها (تشكل هذه المقاطعات قرابة 20% من الأراضي الروسية)، ما يعني أن روسيا ستكون في حرب مفتوحة مع أوكرانيا خلال السنوات القليلة المقبلة. علاوة على ذلك، ليس من المستبعد أن تقوم أوكرانيا بتطوير أسلحة نووية من أجل إجبار روسيا على التخلي عن الأراضي التي قامت بضمها بالقوة.

على صعيد متصل، يدرك بوتين أن الحرب الروسية الأوكرانية تشكل تهديدا جوهريا لمصيره هو شخصيا، حيث إن الهزيمة سوف تؤدي إلى تقزيم الدور الروسي في أوروبا والعالم لقرون مقبلة، ما يعني فشل كل الخطط الروسية التي هدفت إلى إعادة تشكيل النظام العالمي من جديد. ويدرك بوتين أن ارثه السياسي والعسكري سوف يرتبط بشكل مباشر بهذه الحرب لأنها الحرب الوحيدة التي تنازعه فيها أوروبا، على عكس ما حدث في سوريا او جورجيا. وفي نفس الصدد، كان روسيا تحصل على كثير من النقد الأجنبي من خلال تصدير الغاز الروسي لأوروبا، ولكن الأزمة الأخيرة دفعت أوروبا إلى البحث عن مصادر بديلة، ما يعني أن خسارة روسيا للحرب سوف تؤدي الي أزمة سياسية كبيرة داخل البلاد، لأنها بذلك ستكون قد خسرت عسكريا واقتصاديا.

رد فعل غير متوقع

ويبدو أن إعلان التعبئة قد دفع الكثير من الروس إلى  السفر خارج البلاد حيث أفادت وسائل إعلام روسية بنفاد تذاكر السفر إلى الدول التي لا يتطلب دخولها الحصول على تأشيرات مسبقة حيث ارتفعت أسعار تذاكر السفر  إلى تركيا وأرمينيا وأذربيجان بما يعادل أكثر من ألفي يورو. يشار إلى أن دول البلطيق، ليتوانيا ولاتفيا واستونيا، قد أكدت عدم إيواء الروس الفارين من التعبئة، بيد أن الحظر لا يشمل المنشقين أو اللاجئين. ورغم ذلك، فإنه من الصعب معرفة مدى انتشار حالة الذعر داخل المجتمع الروسي في أعقاب إعلان التعبئة الجزئية.

على صعيد متصل، أثار الإعلان غضب في جميع أنحاء روسيا، الأمر الذي أدي إلى اندلاع موجهة مظاهرات، الأمر الذي أدي إلى اعتقال قرابة 1200 شحض، وفقا لمنظمات حقوقية روسية. كما قام مئات الألاف بالتوقيع على عريضة ضد اعلان التعبئة الجزئية، رغم علمهم أن هذا الأمر يشكل خطورة كبيرة، لأن مهاجنة الجيش الروسي أو نشر أخبار كاذبة ضده جريمة يعاقب عليها القانون.

بالتأكيد، تلعب الدعاية الغربية التي تخاطب الشعب الروسي دورا كبيرا للغاية في إقناع الروس بخطورة الحرب في أوكرانيا وعدم نفعها للروس. وتحاول أوروبا بذلك استخدام قوتها الناعمة من أجل تشكيل جبهة شعبية رافضة للحرب في روسيا بهدف تشتيت القادة السياسيين والعسكريين.

في النهاية، رغم كل التقدمات العسكرية التي حققها الروس في أوكرانيا، إلا أنها لن تشعر بالأمان في ظل الدعم العسكري الغير مسبوق الذي تحصل عليه أوكرانيا من الغرب، مع العلم أن هذا الدعم من المتوقع أن يزداد بشدة خلال الفترة المقبلة، حتى إذا شهدت الحرب حالة من عدم الاستقرار النسبي. أضف إلى ذلك، قامت روسيا بضم 4 أقاليم لأراضيها، ما يعني أنها ستكون في حرب مفتوحة مع كل القوات الأوكرانية المتواجدة في هذه الأقاليم، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة أمد الحرب.