المركز العربي للبحوث والدراسات : كيان بديل: فرص وقيود إنشاء منظمة أوروبية جديدة (طباعة)
كيان بديل: فرص وقيود إنشاء منظمة أوروبية جديدة
آخر تحديث: الأربعاء 29/06/2022 08:22 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
كيان بديل: فرص وقيود

خلال قمة الدول السبع الكبرى المنعقد في ألمانيا أعلنت فرنسا عن إنشاء مجموعة أوروبية جديدة تضم الدول التي ترغب في الانضمام والدول التي غادرت الاتحاد مثل بريطانيا، بالإضافة إلى إمكانية انضمام الدول التي لا ترغب الانضمام للاتحاد الأوربي ويمكن استيعابها في كيان سياسي آخر.

وضمن هذا السياق، أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ترحيبه بهذه الخطوة التي ستتيح لبريطانيا الاشتراك في صنع السياسة الأوروبية بعد البريكست من مداخل أخرى مؤثرة تحافظ على التماسك الأوروبي من جانب، ومن جانب آخر، توسيع دائرة التأثير الأوروبية في السياسات الإقليمية والعالمية.

وقد برزت هذه الفكرة للمرة الأولى في عام 2016 من جانب بريطانيا وفق ما تم إعلانه في قمة السبع الصناعية الكبرى، ولعل أهم الدوافع لخروج مثل هذه الأطروحات إلى النور تتمثل في تصاعد الطلبات الخاصة بانضمام الدول إلى الاتحاد الأوروبي بعد الأزمة الروسية الأوكرانية والخوف من إمكانية خروج بعض الدول الأوروبية من الاتحاد.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن صحيفة "إكسبريس" نشرت تقرير حول إمكانية حدوث تصدعات في دول الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا وأن الرئيس الفرنسي ماكرون قد يضطر إلى الانصياع لضغط داخلي والدعوة لاستفتاء على عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي خاصة أنه لم يستطع تأمين الحد المطلوب للحصول على أغلبية مطلقة خلال الانتخابات التشريعية في فرنسا؛ حيث فاز ائتلافه بـ245 مقعدًا فقط من أصل 289 مقعدًا مطلوبًا لتحقيق الأغلبية من إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 557 مقعدًا.

اتجاهات متعددة

عرض ماكرون مشروع إنشاء "مجموعة أوروبية جديدة" في التاسع من مايو 2022 أمام البرلمان الأوروبي وسط نقاش بشأن قبول انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي في ظل العملية العسكرية الروسية في تلك الدولة، خاصة وأن انضمام أوكرانيا المحتمل إلى الاتحاد الأوروبي قد يستغرق عقودًا، وهو ما دفعه إلى اقتراح إنشاء "منظمة سياسية أوروبية" تتاح عضويتها لدول من خارج التكتل قد تكون بريطانيا من بينها.

 ويستهدف هذا المشروع بالدرجة الأولى الدول التي تأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبشكل أساسي أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا، كما يستهدف دول غربي البلقان، التي تنتظر دورها للانضمام منذ سنوات عدة مثل صربيا ومقدونيا الشمالية. وأن هذا الإجراء سيزيد من إمكانية وجود نهج حكومي دولي بحيث يتم إشراك البريطانيين ودول غرب البلقان في دائرة السياسة الأوروبية. فالمشروع يسعى أيضًا إلى جذب الدول الأوروبية التي لا ترغب في الانضمام إلى الاتحاد، مثل سويسرا والنرويج. ويوفر هذا المشروع شكلًا آخر من أشكال التعاون، باعتباره سيسمح للأمم الأوروبية الديموقراطية التي تؤمن بهذه القيم الأساسية، بإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي والأمني. وهذه الخطوة تأتي ضمن تحركات لمعالجة مخاوف الدول أوروبية التي لا تمتلك قوة عسكرية تمكنها بمفردها من مواجهة التهديدات، بحسب ما كشفته حرب أوكرانيا.

وضمن هذا الإطار، يمكن لأوكرانيا وكذلك دول أقل تقدمًا على طريق العضوية، مثل البوسنة والهرسك، بالإضافة إلى الدول التي تحاول الانضمام للاتحاد منذ عقود ولم تلب كافة شروطه، في إشارة واضحة إلى تركيا أن تصبح أعضاء في المنظمة في انتظار استكمال إجراءات العضوية التي تستغرق وقتًا طويلًا. وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأنه يرغب في أن يكون هناك مساحة حيث يمكن فتح نقاش خارج الاتحاد الأوروبي.

ملامح جديدة للعلاقات

إن الاقتراح الذي أطلقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمام البرلمان الأوروبي، بمناسبة اختتام مؤتمر مستقبل أوروبا في ستراسبورغ، بإنشاء منظمة سياسية أوروبية، لم يكن مقترحًا جديدًا، بل يرجع إلى الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، قبل 3 عقود، كما أن الاقتراح الذي أعاده ماكرون قوبل بتفاوت كبير، فقد رحبت به ألمانيا، بينما أدى إلى إحباط أوكراني. فعلى الرغم من إعلان ماكرون بأن المنظمة السياسية الأوروبية التي اقترحها ستكون مكملة وليست بديلة لآلية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، باعتبار أنها تمثل هيكلة أقوى للعلاقات على صعيد السياسة والطاقة والاستثمارات مع العديد من البلدان الأخرى الراغبة بذلك. إلا أن ذلك ساهم في تعارض وجهات النظر حول مضمون إنشاء هذه المنظمة على سبيل المثال أعلن الرئيس الليتواني غيتاناس نوسيدا بأن الأمر يعكس عدم وجود رغبة في ضم أوكرانيا سريعًا إلى الاتحاد الأوروبي.

من جانب آخر، رحبت الرئيسة المولدافية بـمبادرة ماكرون وقالت إنها تتيح تسريع انضمام بلادها إلى الاتحاد الأوروبي. وأضافت ساندو إن "مولدافيا بلد له تاريخ أوروبي وسيحظى من دون شك بمستقبل أوروبي"، مشددة على تصميم بلادها على نيل العضوية في الاتحاد الأوروبي. وتابعت "ندرك أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عملية طويلة الأمد ومعقدة تتطلب بذل الكثير من الجهود والكثير من العمل. نحن لا نبحث عن طريق أقصر مسافة. نحن جاهزون للعمل ولبذل الجهود". بالإضافة إلى ذلك، لقى تصريح ماكرون ترحيبًا واسعًا من المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي شدد على سعادته البالغة، معتبرًا قرارات فرنسا تجاه أوروبا دفعة جديدة وقوية للقارة.

ومن المتوقع أن يصبح التجمع الجديد إطارًا للتعاون الأوروبي، غير خاضع لقواعد اتفاقيات الاتحاد، بل مسرحًا للتعاون في اختصاصات كالنظام الديمقراطي والحريات، بعدما توالت طلبات الالتحاق بالاتحاد الأوروبي؛ حيث وقّع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مطلع مارس طلب الانضمام، وتبعته جورجيا ومولدوفا.

وفيما يتعلق بتوقيت الإعلان عن إنشاء هذه المنظمة فإنه يتعلق بصورة مباشرة بتداعيات الأزمة الاوكرانية، ورغبة فرنسا في أن تدير الأزمة مع روسيا بصورة مختلفة بعيدًا عن طموحات الرئيس الأوكراني الدخول للاتحاد الأوروبي، ومن جانب آخر، ألا يظهر أمام روسيا أن قبول عضوية أوكرانيا ردة فعل للحرب؛ لذا يصبح الكيان الجديد بمثابة تجمع للدول الأوروبية التي لم تدخل الاتحاد حتى الآن.

في الختام: لم تتضح ملامح ومكونات هذه المنظمة الجديدة التي سينعقد الاجتماع الأول للمجموعة السياسية الأوروبية على مستوى رؤساء الدول والحكومات في النصف الثاني من العام الجاري في ظل رئاسة تشيكيا للاتحاد الأوروبي. وبالتالي فهذه الدعوة ما زالت في دور التكوين وعلى الرغم من طابعها السياسي إلا أنها يمكن أن تكون أكثر تنسيقًا في مجالات أخرى اقتصادية وأمنية وإن كانت في مجملها لن تكون بديل للاتحاد الأوروبي.