المركز العربي للبحوث والدراسات : تداعيات التغيير: ماذا بعد حل الكنيست الإسرائيلي؟ (طباعة)
تداعيات التغيير: ماذا بعد حل الكنيست الإسرائيلي؟
آخر تحديث: الأربعاء 29/06/2022 08:17 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تداعيات التغيير:

تتجه إسرائيل نحو إجراء خامس انتخابات عامة في أقل من أربعة أعوام، وذلك بعد أن توصلت الحكومة الائتلافية إلى أنها لن تتمكن من الصمود، وسيتبادل رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، منصبه مع شريكه في الحكم، يائير لابيد، وفق اتفاق سابق بينهما؛ حيث اتفق رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد على حل الكنيست وتعيين الأخير رئيسًا للوزراء بعد طرح قانون حل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات الإسرائيلية الأسبوع المقبل، ليصبح بذلك يائير لبيد رئيسًا للوزراء في المرحلة الانتقالية حتى يوليو 2023، في حين سيحل لابيد مكانه حتى نوفمبر 2025، ومن المتوقع أن يتم الإعلان بشكل رسمي حول تشكيل الحكومة مطلع الأسبوع المقبل.

وتجب الإشارة هنا إلى أنه في 13 يونيو 2021، أنهت إسرائيل فترة حكم استمرت 12 عامًا من دون توقف للزعيم اليميني بنيامين نتانياهو، بعد أزمة سياسية قادت الى أربع انتخابات في أقل من سنتين، بدا مستقبل الائتلاف المكون من 8 أحزاب يمينية وليبرالية وعربية مهددًا على نحو متزايد بعد أن انسحب منه عدد من الأعضاء، وهو ما تركه من دون أغلبية واضحة في البرلمان.

مسار التغيير

أبرم بينيت ولبيد اتفاقًا لتشكيل حكومة جمعتهما مع أحزاب أخرى يسارية ويمينية ووسطية الى جانب حزب عربي ذي توجه إسلامي، وذلك للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل. وبدأ الائتلاف المكون من ثمانية فصائل في التفكك عندما انسحب منه بضعة أعضاء، وكانت أغلبيته في الكنيست ضئيلة ودب فيه الانقسام بشأن قضايا مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والدين والدولة، وهو ما ساهم في فقدان الائتلاف لأغلبيته البرلمانية.

وينص الاتفاق على أن يتناوب الرجلين على رئاسة الحكومة في منتصف ولايتهما ومدتها أربع سنوات واستبدال بينيت بلابيد إذا حل البرلمان، وقد جاءت هذه الخطوة في محاولة لمنع بنيامين نتنياهو من العودة للحكم بعد اتفق رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد على تقديم مشروع لحل الكنيست والدعوة لانتخابات مبكرة. وسيتولى لابيد رئاسة حكومة انتقالية بعدما استنفدوا كل المحاولات لتحقيق الاستقرار على مستوى الائتلاف.

وضمن هذا السياق، خطوة بنيت ولبيد جاءت بعد التوصل إلى قناعة بأن الأزمة الحكومية دخلت في مرحلة معقدة بلا حلول، وأن الأمر يساعد المعارضة على الطعن بالحكومة والمساس بهيبتها أمام الجمهور. فالحكومة خسرت أكثريتها من 62 نائبًا إلى 59 نائبًا، بعد انشقاق النائبين عيديت سيلمان، وعميحاي شيكلي، وكذلك نير أوروباخ، من حزب «يمينا» الذي يرأسه بنيت. وصار للمعارضة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو 55 نائبًا. وباتت المعارضة تحتاج إلى 6 نواب آخرين حتى تستطيع إقرار قانون الانتخابات المبكرة. وهناك 6 نواب آخرون في المعارضة، هم نواب «القائمة المشتركة» برئاسة النواب أيمن عودة وأحمد الطيبي وسامي أبو شحادة، يهاجمون حكومة بنيت وحلفاءه، ولكنهم يرفضون مساعدة نتنياهو على العودة إلى الحكم. لهذا، لن يصوتوا لتبكير موعد الانتخابات.

بالإضافة إلى ذلك، ونتيجة زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية، قال بينيت إن حكومته عززت النمو الاقتصادي وخفضت معدل البطالة وقضت على العجز للمرة الأولى منذ 14 عامًا. ولكن بينيت لم يكن مع ذلك قادرًا على الحفاظ على تماسك الائتلاف، وقرر التنحي قبل أن يتسنى لحزب الليكود اليميني الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو تقديم اقتراح بحل البرلمان.

نتانياهو  وفرص العودة

مع تفاقم أزمة الائتلاف الحاكم في إسرائيل وتصريحات رئيس الوزراء، نفتالي بنيت، بأنه في «حال عدم تمرير قانون المستوطنين، خلال الأسبوعين المقبلين، فإن الحكومة ستصل إلى نهاية طريقها»، أكدت مصادر مقربة من حزب الليكود المعارض، أن رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو يفضل أن يشكل حكومة بديلة برئاسته في هذه الأيام، وفقط بعد ذلك يتوجه لانتخابات جديدة مبكرة؛ حيث حاول رؤساء الائتلاف ممارسة ضغوط على اليمين المعارض حتى يؤيد تمديد سريان هذا القانون، وجندوا لذلك عددًا من قادة المستوطنات. لكن اليمين كان يجد في إفشال هذا القانون مهمة مقدسة، واعتبرها أهم فرصة لكسر الحكومة وسقوطها. وهنا قرر بنيت ولبيد استباق المعارضة. خاصة وأنه تم تشكيل الائتلاف من ثمانية أحزاب من شتى ألوان الطيف السياسي. ولم يوحد الائتلاف سوى الرغبة في أن يصبح من المستحيل على نتنياهو تشكيل حكومة.

 وبما أن بنيت لا يستطيع السيطرة على حزبه، والجناح اليميني في حكومته يطلب تنازلات من الجناح اليساري والعربي، أصبح هناك صعوبة في إمكانية استمرار الحكومة، ومن ناحية أخرى يمارس الليكود ضغوطًا على نواب اليمين، وهؤلاء يمارسون الضغوط على العرب ويهددون بالانتخابات. ولكن القرار في التوجه إلى الانتخابات يحتاج إلى أكثرية في الكنيست. والمعارضة لا تتمتع بأكثرية كهذه إلا إذا صوت معها النواب الستة في «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية بقيادة أيمن عودة وأحمد الطيبي وسامي أبو شحادة. وهؤلاء لم يحسموا اتجاههم، فمن جهة هم لا يوافقون عن استمرار حكومة بنيت، ومن جهة ثانية لا يريدون أن يكون البديل حكومة جديدة برئاسة نتنياهو. خاصة وأن الاستطلاعات تشير إلى أنهم قد يخسرون مقعدًا في الانتخابات القادمة، ولذلك امتنعوا عن التصويت في الماضي بتأييد انتخابات جديدة، لكنهم في النهاية أعلنوا عن توجههم بتأييد حل الكنيست.

وكان يُفترض أن تتجنّب حكومة نفتالي بينيت، وهي الوحيدة في تاريخ إسرائيل، التي دعمها حزب عربي، وتم تشكيلها لإطاحة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو، إثارة القضايا الخلافية، لكن في نهاية المطاف تعثرت بسبب واقع الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني المعقد؛ حيث يكافح رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو للعودة ولو جزئيًا إلى الحكومة، مستغلًا الانقسامات بين الأحزاب اليهودية اليمينية والعربية الإسرائيلية، التي نجحت في الاستمرار لعام كامل.

في الختام: تأتي هذه التطورات الداخلية في إسرائيل بالتزامن مع مجموعة من المتغيرات الإقليمية والدولية ولعل أهمها أن هذه الخطوة جاءت قبل أسابيع قليلة من زيارة سيقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة لإعادة ترتيب الأوضاع في مواجهة التداعيات السلبية للأزمة الروسية الأوكرانية، في حين تعول إسرائيل على هذه الزيارة لمساعدتها في مواجهة أزماتها الداخلية ودعم وتعزيز العلاقات الأمنية الإقليمية ضد إيران.