المركز العربي للبحوث والدراسات : معضلة سنجار والصراع بالوكالة بين ايران و تركيا (طباعة)
معضلة سنجار والصراع بالوكالة بين ايران و تركيا
آخر تحديث: الخميس 23/06/2022 05:57 م
عزت نوح عزت نوح
معضلة سنجار والصراع

معظم الصراعات التي تشهدها العراق هي بالوكالة بين جهات فاعلة داخلية  وأخرى خارجية وغالبا ما تتحكم الأخيرة  مجريات طبيعة هذا  الصراع بحكم مصالحها الجيوستراتيجية داخل مناطق الصراع وهذا ما ينطبق على قطاع سنجار غرب محافظة نينوى العراقية، ولم تحظى سنجار بهذا القدر من الأهمية إلا بعد أن احتلته داعش عام 2014 وما ارتكبته من جرائم وإبادة جماعية بحق المكون الإيزيدي التي جعلت منها نقطة تحول مفصلية في تعامل المجتمع الدولي مع هذه القضية  إلى أن تم تحريرها عام 2015 إلا أنها لم تضع نهاية لمعانات سكانها وإنما تفاقم محنة الإيزيدين حيث أصبح الصراع في سنجار صراعاً بالوكالة.

أولاً- حلفاء طهران في مواجهة نفوذ أنقرة

بعد انسحاب قوات البيشمركة من سنجار عام 2017 بسبب الاستفتاء الذي أجرته حكومة إقليم كردستان عززت من هيمنة حزب العمال الكردستاني ووحدات مقاومة سنجار وفصائل الحشد الشعبي في المنطقة وفي المقابل تراجع نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني هناك مما مكّن إيران من بسط نفوذها وتأمين معبر آخر في العراق للاستمرار في إمداداتها العسكرية واللوجستية، انطلاقاً من سنجار مروراً بمناطق الإدارة الذاتية في سوريا وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط. وشكل هذا الحضور تهديداً مباشراً لمشروع المنطقة الآمنة الذي أقامته تركيا في الشمال السوري والتي تحاول توسيعها وصولاً إلي سنجار، إلا أن وجود بعض الفصائل المسلحة المقربة من إيران حالت دون ذلك، وهي الأكثر حضوراً في سنجار من حيث العدة والعدد وتتمركز هذه القوات بعض فصائل الحشد الشعبي في مركز القضاء بجانب الجيش العراقي وهي منتشرة أيضاً في شرق سنجار وجنوبها وصولاً إلى البادية والصحراء، أما حدود سنجار الشمالية المحاذية للحدود السورية، فتنتشر قوات أسايش إيزيدخان ووحدات مقاومة سنجار المرتبطة بحزب العمال الكردستاني مع والجيش العراقي، ولديها حضور أيضاً في مركز القضاء وجنوبه، وهناك دعم وتنسيق مشترك بين فصائل الحشد الشعبي وقوات البيشة ونواتها، وهذا ما يفسر بأن هنالك اتفاقاً غير معلن بين حزب العمال الكردستاني وإيران في سنجار، أي هنالك تحالف تكتيكي فرضته عليهم ظروف المنطقة، وقد تنتهي بانتهاء المصلحة، إلا أن هذا الوجود العسكري لم يمنع تركيا من إطلاق تهديدها وشن هجماتها الجوية على مواقع لحزب العمال الكردستاني في سنجار، أما إيران فهي ترد بوسائلها الخاصة ومن خلال الجماعات العراقية الموالية لها والتي تقصف أهداف تركيا في شمال العراق كما هو الحال مع معسكر زيلكان في بعشيقة شمال محافظة نينوي الذي تتواجد فيه القوات التركية، مع غياب مفهوم السيادة العراقية والدور الأمريكي والدولي في الضغط على الأطراف الفاعلة والمشاركة في هذا الصراع.

كما أن تركيا نجحت نوعاً ما بأن تحول مشكلة الحزب العمال الكردستاني من مشكلة تركية إلى عراقية بحتة، وربما الاشتباكات التي تحصل بين الجيش العراقي وقوات مقاومة سنجار في اقليم سنجار توكد ذلك، كما أنها نجحت أيضاً في توسيع نفوذها العسكري في شمال العراق من خلال وضع القواعد والنقاط العسكرية هناك بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني، وتأتي سنجار ضمن المخطط المرسوم لها لكونها سوف تحقق أهدافها المنشودة؛ أهمها قطع حلقة الوصل بين مناطق التواجد الكردي في شمال سوريا وتمركز حزب العمال الكردستاني في سنجار، كما أن سنجار تقع غرب مدينة الموصل بالتالي سوف تسهل الوصول إلى هذه المدينة التي لها أطماع تاريخية تحاول إعادة تحقيقها، إلا أنها  لا ترغب في توسيع دائرة عملياتها العسكرية في العراق تجنباً لصدامها المباشر مع الفصائل العراقية الموالية لطهران في سهل نينوي وسنجار تحديداً.

ثانيًا- ترحيب إيراني ورفض تركي لإتفاقية سنجار

في تشرين الأول 2020، أعلنت الحكومة العراقية في بغداد وحكومة إقليم كردستان توصلهما إلى اتفاق حول تطبيع الأوضاع في سنجار وبرعاية بعثة الأمم المتحدة ولاقت هذه الاتفاقية ترحيب كل من السفارة الأمريكية والبريطانية في بغداد، إلا أنها أثارت حفيظة طهران باعتبارها خطوة نحو تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، كما أن الرد أتى سريعاً من بعض الفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي برفض هذه الاتفاقية والتي تدعو صراحة بإخراج كافة المجموعات المسلحة من سنجار باستثناء الجيش والشرطة العراقية، وترى هذه الفصائل بأنها هي التي خاضت المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سنجار وأحبطت المؤامرات التي تحاول إضعاف وتقسيم العراق، وأن الهدف من هذه الاتفاقية إيجاد موطيء قدم للنفوذ التركي في المنطقة من خلال إعادة انتشار قوات البيشمركة المتمثلة بحزب الديمقراطي الكردستاني، في المقابل لاقت هذه الاتفاقية ترحيباً من السفارة التركية في بغداد وأكدت على ضرورة تطبيق هذه الاتفاقية لتطبيع الأوضاع في سنجار وأعلنت استعدادها لإعادة إعمار هذه المنطقة ومساعدة النازحين في العودة إلى ديارهم.

كما أن هذه الاتفاقية أثارت حفيظة معظم أهالي سنجار لعدم وجود ممثل حقيقي لهم عقب المحادثات التي جرت حول هذه الاتفاقية وكذلك خشيتهم بتحولهم مرة أخرى لضحايا لاتفاقية قد تمهد عودة البيشمركة إلى سنجار بعدما تركوهم يواجهون مصيرهم عام 2014، لكن بعد مرور نحو سنتين لم تنفذ هذه الاتفاقية بشكل عملي، وذلك بسبب رفض المجموعات المسلحة التابعة لحزب العمال الكردستاني خروجها من المنطقة وتشكلت هذه المجموعات من المدنيين الذين حوصروا في جبل سنجار أيام احتلال تنظيم الدولة الإسلامية وأغلب مقاتليه من المكون الإيزيدي في سنجار، وكذلك يوجد متطوعين من الإيزيدين والشيعة بين صفوف الحشد الشعبي.

ثالثًا- خارطة السيطرة في سنجار

أولاً، وحدات مقاومة سنجار اختصارا باليبشة، تأسست هذه القوة في عام 2014 بدعم من حزب العمالي الكردستاني ويقدر عددهم أكثر من 2000 عنصر غالبيتهم من الإيزيدين العراقيين، وتحولت بعد ذلك إلى فوج 80 التابع للحشد الشعبي وتتمركز هذه القوات في شمال وجنوب إقليم سنجار ومناطق أخرى، كذلك يوجد مجموعات أخرى تابعة لها منها قوات أسايش يزيدخان ووحدات نساء إيزيدخان.

 ثانياً، قوة نوادر الشمر تشكلت هذه القوة عام 2016 وهي ضمن هيئة الحشد الشعبي وتتواجد في المناطق العربية المحيطة بقضاء سنجار ويصل تعدادهم نحو 500 مقاتل غالبيتهم من العرب السنة وتحديداً من عشيرة الشمر.

ثالثاً، قوة صقور سنجار وقوة سنجار؛ وهي فوجان تابعان للحشد الشعبي تبلغ تعداد هذه القوات حوالي 350 مقاتلاً، وتتواجد هذه القوات في مركز قضاء سنجار غالبيتهم من شيعة سنجار.

رابعاً، فوج لالش وفوج 79؛ ويبلغ تعداهم مجتمعان نحو 230 مقاتلاً من يزيدي سنجار وهي قوات تابعة لفصائل الحشد الشعبي، وتتمركز هذه القوات في شمال وجنوب إقليم سنجار.

خامساً، فوج شهداء كوجود؛ وهو فوج تابع لهيئة الحشد الشعبي؛ ويبلغ تعداده حوالي250 عنصراً من ذوي ضحايا الإبادة الجماعية الإيزيدية، ويتمركزون في قراهم الأصلية التي تعرضت للإبادة؛ منها قرية كوجود وتل قصب.

سادساً، قوة حماية إيزيدخان وبيشمركة سنجار؛ ويصل تعدادهم مجتمعين لحوالي 9000 مقاتلاص، وهي تابعة لوزارة البيشمركة في إقليم كردستان.

سابعاً، الجيش العراقي؛ وتتوزع هذه القوات في أغلب مناطق سنجار وهي مكونة من فرقة 20 وفوج من الفرقة المدرعة التاسعة ولواء من الفرقة 15، وهي منتشرة في القرى ومركز قضاء سنجار وعلى الحدود السورية العراقية.

ثامناً، الشرطة العراقية، ويبلغ تعدادهم أكثر من 1000 منتسب موزعين في منطقة سنجار، كذلك يوجد فصائل أخرى من الحشد الشعبي عززت نفوذها في سنجار بعد التهديدات التركية باجتياح سنجار وأهمها عصائب أهل الحق والنجباء ومنظمة بدر وكتائب حزب الله.

ويبدو أن معضلة سنجار لن تُحل قريباً في ظل الصراعات السياسية الدائرة على السلطة في العراق وكذلك ضعف الدولة العراقية أمام هذه التدخلات والتنافس الاقليمي على أراضيه وكذلك بسبب عدم وجود رغبة حقيقية من جانب المجتمع الدولي لإنهاء معاناة الآلاف من النازحين والعودة الآمنة لهم وحل ازدواجية الإدارة هناك والإهمال المتعمد من جانب الإدراة الأمريكية الحالية والتقاعص عن القيام بدور أكبر وفعال في حل هذه القضية، مما جعل  أهالي المنطقة يواجهون مصيرهم بين النزوح في الداخل والهجرة إلى الخارج وإفراغ العراق مما تبقى من مكوناته الأصيلة التي حافظت على وجودها طوال العقود الماضية.