المركز العربي للبحوث والدراسات : دوافع متعددة...لماذا تساعد الصين طهران في تخطى العقوبات الأمريكية؟ (طباعة)
دوافع متعددة...لماذا تساعد الصين طهران في تخطى العقوبات الأمريكية؟
آخر تحديث: الخميس 26/08/2021 08:09 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
دوافع متعددة...لماذا

كشف مركز أبحاث الدفاع الإسرائيلي"Israel Defence "  في 23 أغسطس الجارى عن وجود ترتيبات خاصة بين إيران والصين لتشغيل وتمويه أسطول نقل النفط الإيراني؛حيث تمتلك إيران أسطولاً مكون من نحو 143 ناقلة، قادرة على نقل نحو 102 مليون برميل من النفط الخام و 11.8 مليون برميل من الغاز الطبيعي السائل، بقيمة إجمالية تزيد على 7.7 مليار دولار، وشرعت إيران من خلال استخدام هذه الناقلات في نقل النفط سرًا إلى الصين وكوريا الشمالية وروسيا وسوريا ولبنان وفنزويلا، بمساعدة كبيرة من قبل بكين.

ومن هنا، تطرح هذه المساهمات الصينية التى تبدو على قدر كبير من الخطورة بعض الدلالات الهامة التى يمكن توضيحها فيما يلي:

أولاً- مواجهة واشنطن

تهدف الصين من وراء مساعدة إيران في تهريب نفطها إلى تكثيف الضغوط الإقليمية والعالمية المفروضة على الولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما في ظل الحرب الاقتصادية الدائرة بين الطرفين، فضلاً عن اظهار قوتها في تحدى العقوبات الأمريكية وبل وتسهيل تخطيها لبعض الدول الصديقة والتى تحظى معها بمصالح قد لا تبدو هينة مثل إيران. وفي هذا السياق، يتضح أن بكين تستخدم منطقة الخليج العربي لتشتيت الانتباه الأمريكي والدولي بعيدًا عما يجري في بحر الصين الجنوبي من تغييرات جيو سياسية، وخاصًة فيما يتعلق بالتوسعات التى يقوم بها الجيش الصيني هناك.

ومن هنا، ترغب الصين ليس فقط في مزاحمة الوجود الأمريكي بالمنطقة وملء الفراغ الذى خلفته واشنطن في دول الشرق الأوسط، ولاسيما فيما يتعلق بأفغانستان والعراق، وإنما في مساعدة دول المنطقة على مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما اتضح في الاعتراف الصيني السريع بحركة طالبان والتأكيد على ضرورة التعاون مع إيران في العمل على استقرار الحدود الجغرافية، ويتوافق ذلك مع تصريح الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي خلال مراسم تنصيبه بأن إيران ستتوجه لتطوير علاقتها بالقوى الشرقية مثل روسيا والصين.  

ثانيًا- أهمية خاصة

تتطلع الصين من خلال المساعدات التى تقدمها لطهران فيما يتعلق بتهريب النفط الإيرانى إلى الاستفادة من المميزات التى تحظى بها هذه الدولة والتى يتمثل أبرزها في الموقع الجغرافي الهام الذى يقع بين بحر قزوين وبحر العرب، بما يجعل إيران الجسر البري الوحيد للصين من خلال آسيا الوسطى، فضلاً عن أنها المورد الأساسي النفطى للصين.

 ويبدو أن بكين تحاول استغلال الجانب الإيراني بغرض توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، بالتوازى مع الفوضى التى يحدثها الإنسحاب الأمريكي من هذه المنطقة، على أن يتمثل الشاهد الأبرز على ذلك في أفغانستان التى تسبب انسحاب القوات الأمريكية منها في فراغ استراتيجي وأمنى كبير، أدى إلى سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم وحدوث موجات من الهجرة غير الشرعية من قبل الأفغان إلى الدول المجاورة في نهاية المطاف.

بالإضافة إلى ذلك، تتطلع الصين إلى استغلال نفوذ إيران القوى في كل من العراق وسوريا للوصول بسهولة لمياه البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال الحضور الإيراني في ميناء طرطوس السوري، والسيطرة على معبر البوكمال الحدودي في محافظة دير الزور ومعبر القائم في محافظة الأنبار العراقية.

ثالثًا- مصالح متوافقة

يشير التقرير الصادر عن مركز أبحاث الدفاع الإسرائيلي إلى أن الصين تساعد إيران في بيع النفط المهرب في إطار نظرتها لطهران كشريك استراتيجي في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير) لعدة عقود، وهي استراتيجية يقودها الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني منذ عام 2013؛ حيث أنفقت الصين أكثر من 300 مليار دولار على هذه الاستراتيجية منذ ذلك الوقت، ومن المتوقع أن تنفق مئات المليارات عليها أيضًا خلال العقد المقبل.

 وفي هذا السياق، تعتبر بكين أن الاستثمار في إيران وسيلة بالنسبة لها  لتصبح قوة عالمية وليست إقليمية فقط. كما أن نهج إيران تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى، والعداء بين الجانبين، يعتبر أداة مهمة للصين، التي تتمثل استراتيجيتها في الاعتماد على" الحرب غير المباشرة "، والتى يطلق عليها "استراتيجية الحرب بدون اتصال"، ولاسيما فيما يتعلق باستخدام إيران كأداة في مواجهة الغرب.

 ويتوازى ذلك، مع سعى إيران منذ فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لاستراتيجة "الضغوط القصوى" لاستخدام كافة السبل الممكنة بما يتضمن الشرعية وغيرها  لجذب العملات الأجنبية وتحسين الوضع الاقتصادي المتدهور، وخاصًة بالتزامن مع التفشي غير المسبوق لجائحة فيروس كورونا في إيران.

 وعليه، ذهبت طهران لعقد اتفاقية التعاون الاستراتيجى الشامل مع بكين والتى قامت على ضخ الصين لحوالى 400 مليار دولار في كافة قطاعات الاقتصاد الإيراني، بما يمنح طهران الفرصة الكافية لتعزيز الضغوط المفروضة على الإدارة الأمريكية  الحالية بشأن الرضوخ لقراراتها فيما يتعلق بالعودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة التى عقدتها مع دول (5+1) في عام 2015، فضلاً عن تخفيف حدة الضغوط الداخلية من خلال تحسين مستوى معيشة المواطن الإيراني، نظراً للاحتجاجات المتصاعدة داخل المحافظات الإيرانية المنددة بتدنى مستوى الخدمات الاجتماعية مثل المياه والكهرباء، وتأخر دفع رواتب الموظفين والعمال.

ختامًا: من المتوقع أن يتوقف مستوى التعاون بين إيران والصين على المصالح المتبادلة فيما بينهما والأهمية الاستراتيجة التى تتمتع بها كل منها بالنسبة للأخرى، ومدى صمود الولايات المتحدة الأمريكية في الدفاع عن مصالحها، فضلاً عن السماح بتطور هذه العلاقة بين كل من طهران وبكين. ويتوازى ذلك، مع قدرة إيران على ضبط قائمة أولوياتها بشأن حسابات التكلفة والعائد بما ينصرف ليس فقط إلى تقديم حلول للمشكلات القائمة بل وقدرتها على استشراف حاجاتها في المستقبل، ولكن إنطلاقًا من المصاعب التى واجهتها إيران بعد الخروج الأمريكي من خطة العمل المشتركة الشاملة لعام 2015 فإن التعاون بين طهران وبكين لابد وأن يتوسع بغض النظر عن تداعيات التنافس الأمريكي  الإيراني القائم.