المركز العربي للبحوث والدراسات : بين الإستمرارية والتغير ...أبرز محددات سياسة إيران الإقليمية في عهد إبراهيم رئيسي (طباعة)
بين الإستمرارية والتغير ...أبرز محددات سياسة إيران الإقليمية في عهد إبراهيم رئيسي
آخر تحديث: الأربعاء 30/06/2021 07:02 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
بين  الإستمرارية

أجرت إيران واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية المتوقعة في تاريخ الجمهورية الإسلامية لتحديد خليفة الرئيس المعتدل حسن روحاني في 18يونيو 2021؛ حيث دفع الاستبعاد واسع النطاق للمرشحين الإصلاحيين والمعتدلين أكثر من نصف السكان المؤهلين إلى اتخاذ قرار بعدم التصويت، ومن هنا، ليس من المستغرب أن يفوز رجل الدين المحافظ ورئيس الهيئة القضائية إبراهيم رئيسي في هذه الاستحقاقات  بأغلبية كاسحة.

وفي هذا السياق، يعتقد العديد من المراقبين، أن فوز رئيسي والإقصاء الكامل للمعتدلين من المؤسسات الحكومية الرئيسية يبشران ببداية تغييرات مهمة في السياسة الإيرانية، ولكن عندما يتعلق الأمر بسياسة إيران الخارجية، وخاصة استراتيجيتها في الشرق الأوسط ، لا ينبغي للمرء أن يتوقع تغييرات جوهرية في السياسة أو تحولًا مفاجئًا.

فتميزت رئاسة حسن روحاني التي استمرت ثماني سنوات باختلاف جوهري في مقاربات السياسة الإقليمية بين الإدارة ووزارة خارجيتها من جهة، والفصيل المتشدد - وتحديداً الحرس الثوري  (IRGC)  وفروعه - من جهة آخرى؛ حيث يتمسك المعسكر المعتدل بنظرة ليبرالية للسياسة الإقليمية الإيرانية، قائمة على الحوار والدبلوماسية، ومن هذا المنظور، هناك صلة مباشرة بين مصالح إيران الوطنية وأمنها وبين مصالح جيرانها، ولهذا السبب، أشار كبار المسؤولين في إدارة روحاني، بمن فيهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، مرارًا وتكرارًا بشكل مباشر أو غير مباشر إلى فكرة إنشاء نظام أمن جماعي في المنطقة، واقترحوا بعض المبادرات مثل مبادرة هرمز للسلام وإنشاء منتدى أمن الخليج تحقيقًا لهذه الغاية. وفي المقابل، رغم أن نهج الفصيل المتشدد تجاه الشرق الأوسط يعتمد على وجهة نظر واقعية بشكل أساسي تعتبر أن تعزيز القوة الصلبة للبلاد بمثابة الأداة الأهم لتحقيق أكبر قدر من محددات الأمن القومي، إلا أنه لا يستبعد الحوار مع الدول الأخرى في المنطقة، لكن مؤيديه يعتقدون أن الحوار ممكن فقط من موقع القوة.

 

ففي بداية رئاسته، سعى روحاني إلى تطبيق النظرة الليبرالية السابقة على سياسة إيران الإقليمية، ومع ذلك، وجه المتشددون أول ضربة كبيرة لنهج روحاني باقتحام سفارة المملكة العربية السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد في يناير 2016. كما أدى انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي لعام إلى إضعاف موقف الفصيل المعتدل فيما يتعلق  بالسياسة الخارجية الإيرانية، ولاسيما في المنطقة. في مقابلة أجراها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في يناير 2021 ، أقر بأن دور وزارة الخارجية في سياسة إيران الإقليمية كان "قريبًا من الصفر". علاوة على ذلك،  أشار ظريف خلال تسريبات بعض التسجيلات الصوتية في إبريل الفائت إلى أن الحرس الثوري الإيراني قد همش وزارة الخارجية تمامًا فيما يتعلق  بالسياسة الإقليمية.

وبالتالي، يجب الاعتراف بأن  الفصيل المتشدد كان يسيطر  على صياغة السياسات وتنفيذها  -   فيما يتعلق بالمنطقة -  قبل انتخابات 18 يونيو بفترة طويلة. والشاهد على ذلك، هو توضيح المرشد الأعلى آية الله السيد علي خامنئي في خطاب ألقاه قبل الانتخابات مباشرة بأن السياسة الخارجية لا يتم تحديدها على مستوى وزارة الخارجية ولكن على مستوى أعلى. وعليه، تكشف المواقف التي اتخذها إبراهيم رئيسي وشخصيات سياسية مقربة منه - بما في ذلك المرشحان المتشددان الآخران اللذان انسحبا من السباق لدعمه - أنه يؤمن إيمانا راسخًا بالنهج الواقعي لسياسة إيران الإقليمية.

 وفي هذا السياق، يدافع رئيسي صراحةً عن نفوذ إيران وانخراطها في المنطقة، معتبراً ذلك العنصر الأهم في القوة الإيرانية، ويقول في ذلك:" إن قوة إيران الإقليمية أهم من قدراتها الدفاعية والصاروخية "، مضيفًا " إن الولايات المتحدة وإسرائيل تعرفان أن إيران لديها قدرة عملياتية عالية في المنطقة واليد العليا". ومن هنا، يشير رئيسي إلى أنه لا يمكن أن تتشكل معادلة جديدة في المنطقة دون موافقة الجمهورية الإسلامية.

واللافت للانتباه في هذا السياق، أن ما يشار إليه عادة بالمعسكر المتشدد في المجال السياسي الإيراني ليس بالتأكيد كيانًا موحدًا، بل هناك اختلافات واضحة بين المجموعات والشخصيات المختلفة حول مجموعة متنوعة من القضايا. ولكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، يبدو أنهم جميعًا متفقون على تلك المبادئ الواقعية الأساسية المذكورة سابقًا. وعلى هذا النحو، من المرجح أن يؤدي فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية إلى إحداث تقارب واضح بين موقف السياسة الخارجية للإدارة وتلك الخاصة بالمؤسسات الحكومية الأخرى التي كانت بالفعل تحت سيطرة الفصيل المتشدد، وخاصًة الحرس الثوري الإيراني. ففي الواقع، وبالنظر إلى أن دور الإدارة ووزارة الخارجية محدود بالفعل فيما يتعلق بتنفيذ السياسات، وهذا يعني أنه سيكون هناك استمرارية في التوجه العام للسياسة الخارجية الإيرانية واستراتيجياتها في المنطقة وخارجها. وفي الوقت نفسه، سيؤدي هذا الإجماع إلى زيادة ثقة مؤسسات الدولة غير المنتخبة، وتحديداً المجلس الأعلى للأمن القومي (SNSC) والحرس الثوري الإيراني، في وزارة الخارجية عندما يتعلق الأمر بتنفيذ سياسات إقليمية معينة. وبالتالي، يقلل هذا بدوره من احتمالات الاحتكاك بين الإدارة وتلك المؤسسات، ومن هنا، من المتوقع أن أي مبادرات إقليمية قد تقترحها الإدارة لن يتم عرقلتها من قبل قبل الفصيل المتشدد - كما حدث فيما يتعلق بالتقارب المحتمل مع المملكة العربية السعودية في عام 2016.

وعلى المستوى العملي، سيكون لهذا الاتجاه الجديد العديد من الآثار الرئيسية.؛ أولاً ، بالنظر إلى أن الفصيل المتشدد يعتبر التدخل الإقليمي لإيران عنصرًا رئيسيًا في قوتها الوطنية، ستواصل طهران تقديم الدعم الفعال لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد،وكذلك وكلائها في سوريا والعراق واليمن، الأمر  الذى يعنى بدوره أن طهران لن تكون مستعدة بأي حال من الأحوال لاستكمال الاتفاق النووي، ولكن من المتوقع إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة باتفاق إقليمي مع واشنطن.

وبعبارة أخرى، ستستمر إيران في النظر إلى القضايا النووية والإقليمية على أنهما ملفان منفصلان تمامًا؛ فالحالة الأولى هي في الأساس قضية خلافية رئيسية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حيث لا تلعب دول أخرى في المنطقة - على الرغم من رغبتها المعلنة – دورًا رئيسيًا في ذلك. في الواقع، لقد بدأت بالفعل عملية الحوار الإقليمي هذه؛ حيث بدأت إيران والإمارات العربية المتحدة تقاربًا قبل بضعة أشهر، ومن المثير للاهتمام أن نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كان من بين أوائل الشخصيات الإقليمية رفيعة المستوى التي هنأت الرئيس الإيراني الجديد على فوزه في الانتخابات. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تستمر المحادثات التي تتم بوساطة عراقية بين إيران والمملكة العربية السعودية تحت قيادة إبراهيم رئيسي.

 وبحسب ظريف، فضل المسؤولون السعوديون انتظار نتيجة الانتخابات الإيرانية لمواصلة المفاوضات، لكنهم تلقوا تأكيدات بأن رغبة طهران في نزع فتيل التوتر مع الرياض لن تتضاءل في ظل الإدارة المقبلة، لأن مجلس الأمن القومي، وليس وزارة الخارجية، هى التى قادت  المفاوضات مع السعوديين منذ البداية.

وعليه، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أنه وفقًا لمنطق الفصيل المتشدد، فإن التفاوض لا يكون ذا مغزى إلا من موقع القوة، وعلى هذا النحو، فإن حقيقة أن إيران بدأت مؤخرًا في إبداء الاهتمام في تهدئة التوترات مع المملكة العربية السعودية تنبع في المقام الأول من التصور الإيراني بأن الرياض تتعرض لضغوط متزايدة من طهران وحلفائها من الحوثيين اليمنيين، وبالتالي ليس أمامها خيار سوى التوصل إلى نوع من الاتفاق مع الجمهورية الإسلامية. نتيجة لذلك، ورغم أن طهران جادة في متابعة السبل الدبلوماسية مع الرياض، فإن أي تحول مستقبلي محتمل في ميزان القوى الإقليمي على حساب إيران قد يعيد الجانبين إلى توترات جديدة.

ختامًا: من المتوقع أن تكون سياسة إيران الإقليمية في ظل رئيسي مزيجًا من الجهود المستمرة لتوسيع النفوذ الإقليمي والرغبة في نزع فتيل التوترات مع الجيران العرب، ومع ذلك، فإن التناقض المتأصل في هذا النهج بين المنطق الأمني ​​والأدوات الدبلوماسية يمكن أن يتسبب في فشل استراتيجية إيران من الناحية العملية.

Hamidreza Azizi, Convergence and Continuity – Iran’s Regional Policy Under the Raisi Presidency, Friedrich-Ebert-Stiftung, 24.06.2021, available at https://www.fes.de/en/referat-naher-mittlerer-osten-und-nordafrika/iran-elections/artikelseite-iranelections/konvergenz-und-kontinuitaet-irans-regionalpolitik-unter-praesident-raissi?fbclid=IwAR0U35gGFbqIDbSl6tGurVNYvcrllxOCOrIV5rT9ec_eqUTHDyk-jD_l4Io