المركز العربي للبحوث والدراسات : مسارات متعددة: تداعيات الاهتمام الدولي بليبيا ومستقبل تواجد المرتزقة في ليبيا (طباعة)
مسارات متعددة: تداعيات الاهتمام الدولي بليبيا ومستقبل تواجد المرتزقة في ليبيا
آخر تحديث: الثلاثاء 11/05/2021 05:01 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
مسارات متعددة: تداعيات

أعلن مجلس الأمن الدولي في  17 أبريل 2020 قرارًا مهمًا بخصوص ليبيا، والذي تضمن نشر وحدات مراقبة دولية بالتعاون مع اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" لمراقبة وقف إطلاق النار، وقد استحوذت هذه القرارات على ترحيب كبير من جانب الحكومة الليبية وفق ما أعلنه رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة. وأن الحكومة على استعداد لتوفير الإمكانات لتسهيل عملها، كما دعا مجلس الأمن إلى دعم الحكومة في عملية إخراج المرتزقة من الأراضي الليبية.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن ليبيا بدأت عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة، ترمي إلى إعادة توحيد البلاد المقسمة منذ عام 2014  إلى حكومتين واحدة في الغرب وأخرى في الشرق، من أجل انتشال البلاد الغارقة في الفوضى عقب إطاحة نظام الزعيم الراحل معمر القذافي. وبالفعل، نجحت الأمم المتحدة في إقناع الأطراف الليبية بالوصول إلى صيغة حكومة وحدة وطنية انتقالية برئاسة عبد الحميد دبيبة، مهمتها التمهيد للانتخابات المقبلة في ديسمبر 2021.

مخرجات متعددة

يدعو القرار الأممي السلطات والمؤسسات ذات الصلة، بما في ذلك البرلمان، إلى اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في خارطة الطريق، لتيسير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر 2021.

كما يدعو لوضع الأساس الدستوري للانتخابات، وسن التشريعات عند الضرورة بحلول الأول من يوليو 2021، لإتاحة الوقت الكافي لمفوضية الانتخابات للتحضير للانتخاب في الوقت المحدد.

وينص القرار على ضرورة أن تقوم حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في ليبيا بتحسين الخدمات الأساسية للشعب، ومكافحة الفساد، وحماية حقوق الإنسان، وضمان الإدارة الشفافة والعادلة للموارد على النحو المنصوص عليه في خارطة الطريق.

وقد أعلن مجلس الأمن بالعمل على إتاحة الأصول الليبية المجمدة في مرحلة لاحقة لصالح الشعب، مع المطالبة بانسحاب جميع المرتزقة المسلحين من البلاد، وعدم تدخل جميع الدول الأعضاء في النزاع أو اتخاذ تدابير تؤدي لتفاقم النزاع.

والجدير بالذكر هنا يبدو أن تنظيم الإخوان في ليبيا قد بدأ مؤخرًا في افتعال أزمة سياسية جديدة، بعد أن شهدت اجتماعات تونس الأخيرة خلافات حول مجريات وأوضاع الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي يأمل كثيرون أن تخرج البلاد إلى بر الأمان؛ حيث يهدف تنظيم الإخوان إلى اختيار الرئيس الجديد لليبيا عبر اقتراع النواب وليس عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر، بعدما أدرك التنظيم أن شعبيته باتت معدومة تقريبًا، وأن الاقتراع المباشر من الشعب سيساهم بشكل كبير في إسقاط مرشحهم أو أي شخص يدعمونه في هذه الانتخابات. وأن محاولات التنظيم ما هي إلا محاولة للالتفاف حول إرادة الشعب الليبي وحقه في انتخاب رئيسه، وإن ما يحدث من تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها تنظيم الإخوان، يأتي في إطار المصالح الحزبية والتوازنات السياسية والأيديولوجية.

وفي المجمل فإن أحزاب الإسلام السياسي هي الأكثر خوفًا من إجراء أي انتخابات باقتراع مباشر من الشعب بعد أن تضاءلت شعبيتهم بشكل كبير داخل ليبيا، حيث إنهم لم يمتلكوا سوى بعض الجيوب القبلية التي لا يمكن أن تؤثر في الانتخابات. أن تنظيم الإخوان يحاول أن يجد من الانتخابات عن طريق مجلس النواب فرصة للتنافس على المقعد الرئاسي، بطرق ملتوية اتخذها من قبل في كثير من الاستحقاقات السياسية.

خروج المرتزقة

وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار إرسال فريق مكون من 60 مراقبًا دوليًا لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، ودعا المجلس الحكومة الجديدة في البلاد إلى التحضير لانتخابات حرة ونزيهة وشاملة في 24 ديسمبر المقبل، ولعل هذه القرارات الدولية من شأنها أن تلقي الضوء على مجريات الأوضاع الداخلية السياسية والأمنية، وشدد قرار مجلس الأمن على حاجة اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) لتطوير خطة بشأن كيفية تنفيذ التفويض الممنوح لآلية مراقبة وقف إطلاق النار. وتضم اللجنة العسكرية المشتركة 5 ضباط من الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، و5 ضباط من قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

ولعل هذا الاهتمام الدولي بتحقيق المسارات الأمنية والسياسية المتفق عليها داخليًا وخارجيًا من شأنه أن يلقي الضوء على انتشار المرتزقة والميليشيات المسلحة؛ حيث دعا ودعا قرار مجلس الأمن كافة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة (193 دولة) إلى دعم وتنفيذ اتفاق 23 أكتوبر 2020 لوقف إطلاق النار في ليبيا، بما في ذلك انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد من دون تأخير، كما شدد القرار على ضرورة الالتزام الكامل بقرار حظر السلاح المفروض على ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. وقد نص اتفاق وقف إطلاق النار -الذي تم التوصل إليه برعاية الأمم المتحدة- على انسحاب كل المرتزقة الأجانب من ليبيا خلال 3 أشهر من ذلك التاريخ، لكن ذلك لم يتم على أرض الواقع، وضمن هذا السياق سيتم نشر مراقبين في سرت بمجرد تلبية جميع متطلبات الوجود الدائم بما فيها الجوانب الأمنية واللوجستية والطبية والتشغيلية.

وتأتي أهمية القرار الأممي مع كشف وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو أن بلاده تعمل مع واشنطن للضغط على الأطراف ذات الصلة لطرد المرتزقة الأجانب من ليبيا. وقال الوزير الإيطالي، في تصريحات نقلتها وكالة "نوفا"، إنه سيتحدث مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش التي ستكون في روما يوم 22 أبريل 2021 عن ملف طرد المرتزقة الأجانب من ليبيا، والجهود التي تبذلها بلاده في هذا الشأن.

انعكاسات مختلفة

دعى النص المقترح جميع الأطراف الليبية إلى التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم بتاريخ 23 أكتوبر 2020، ويشدد على دعوة كلّ الدول الأعضاء إلى احترامه، بما في ذلك الانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، ويطالب الحكومة بإجراء تحضيرات لضمان أن تكون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة، فيما يشدد على ضرورة نزع السلاح وتسريح القوات وإعادة إدماج (اجتماعية) للجماعات المسلحة وجميع الفاعلين المسلحين خارج إطار الدولة، وإصلاح القطاع الأمني وإنشاء هيكل دفاعي شامل ومسؤول في ليبيا.

ومن المحتمل أن ينعكس الاهتمام الأممي بالأزمة الليبية في التأثير على مجموعة من الاتجاهات من أهمها الضغط نحو تعبئة الجهود الدولية لتعزيز المسارات الخاصة بتسوية الأزمة هناك من خلال الجهود السياسية والأمنية ومواجهة التدخلات الخارجية التي ساهمت في تعقيد مسارات التسوية.

وبالنسبة لتركيا فإنها تعتبر من أكثر الدول المنخرطة في الأزمة وقامت بنقل المرتزقة والميليشيات المسلحة للقتال بجانب حكومة الوفاق الليبية السابقة في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي، وهو الأمر الذي تسبب في تعقيد مسارات التسوية السياسية والأمنية، ومن ثم فإن هذه الخطوات الدولية التي تأتي كامتداد لمؤتمر برلين ما هو إلا تعزيزًا للتوجهات الخاصة بتسوية الأزمة، وهو الأمر الذي سوف ينعكس بصورة سلبية على الدور التركي هناك وحدود تأثيره على مجريات الأوضاع بعدما توحدت الجهود الإقليمية والدولية على ضرورة خروج المرتزقة التابعة لها كبداية لتسوية الأزمة الليبية. وفي الختام فإن القرارات الأممية ما هي إلا نوع من أنواع استمرارية الجهود لتسوية الأزمة والقضاء على القيود والعقبات التي تحول دون التسوية السياسية والأمنية للأزمة الليبية.

المراجع:

1) مجلس الأمن يتبنى قرارا بشأن ليبيا.. نشر مراقبين وإخراج المرتزقة، على الرابط: https://al-ain.com/article/1618593520

2) ليبيا: مجلس الأمن يدعم آلية وقف إطلاق النار ويدعو لانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، على الرابط: https://news.un.org/ar/story/2021/04/1074582

3) ليبيا.. "أزمة من صنع الإخوان" قبل انتخابات الرئاسة، على الرابط: https://cutt.us/ZRWh2