المركز العربي للبحوث والدراسات : فرصة واعدة...هل يمكن أن يقود العراق دور الوساطة في الخليج؟ (طباعة)
فرصة واعدة...هل يمكن أن يقود العراق دور الوساطة في الخليج؟
آخر تحديث: الخميس 06/05/2021 12:03 ص كاثرين هارفي وبروس ريدل- عرض: مرﭬت زكريا
فرصة واعدة...هل يمكن

ترجع جذور التطورات الملحوظة للتحسن التدريجي في  العلاقات بين المملكة العربية السعودية والعراق إلى عام 2015؛ حيث تم افتتاح معبر عرعر الحدودي - المعبر الرئيسي بين البلدين - لأول مرة منذ 30 عامًا، فضلاً عن توقيع عددًا من الاتفاقيات التي تغطي العلاقات الاقتصادية والثقافية خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الرياض في أواخر مارس 2021. والأهم من ذلك، هو التزام الرياض بزيادة حجم الاستثمارات في العراق، والتى من المتوقع أن تصل إلى 3 مليارات دولار، من الإجمالي الحالي البالغ حوالي 500 مليون دولار. وبعد أقل من 10 أيام من رحلة الكاظمي، استضافت حكومته محادثات مباشرة بين السعوديين ومنافستهم الإقليمية إيران.

والجدير بالذكر، أن المملكة العربية السعودية العلاقات مع إيران بعد الهجوم على سفارة الرياض في طهران، لكن اللافت للانتباه أن السعوديين استغلوا ذلك لإعادة  فتح سفارتهم رسميًا في بغداد لأول مرة منذ 26 عامًا، لذا، فإن قرارهم بفتح حوار الآن هو خطوة كبير، معاكسة لما كان الوضع عليه من قبل. وفي هذا السياق، أشار مسؤول عراقي في تعليقه على المحادثات إلى أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حريص للغاية على أن يلعب العراق دور " الجسر" بين جارتيه المتعاديتين. وعليه، تنذر المحادثات التي يستضيفها العراق بديناميكية جديدة محتملة في العلاقة بين إيران والعراق والمملكة العربية السعودية - اللاعبون الرئيسيون الثلاثة في الخليج العربي- والتي كانت في طور التكوين منذ عقود.

أولاً- تاريخ موجز لتغير التوازن في الشرق الأوسط

ينظر المحللين منذ عام 2003  إلى الخليج على أنه نظام ثنائي القطب يشكله التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية؛ فابتداءًا من أوائل السبعينيات، عندما انسحبت بريطانيا من المنطقة، تنافست إيران والعراق والمملكة العربية السعودية على الهيمنة، وحاولت إيران التي كانت آنذاك تحت حكم الشاه وأكبر وأقوى في ذلك الوقت، فرض سيطرتها على المنطقة بأكملها. كما سعى العراق البعثي، إلى ترسيخ هيمنته على الجانب العربي من الخليج، ولاسيما فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية. كان السعوديون أصغرهم ، وبالكاد يوجد جيش يمكن الحديث عنه ، كانوا الأضعف بين الثلاثة.

وفي هذا السياق، يمكن اعتبار المملكة العربية السعودية قائدة الميزان الخليجي، ووفقًا للنظرية الواقعية ، فإن "صاحب" الميزان ، أو "الموازن"، في نظام توازن القوى هو دولة لا تتماشى بشكل دائم مع أي دولة أخرى أو تحالف دول؛ حيث يكون هدفها هو تحقيق التوازن بين المحاور المتنافسة، والتأرجح ذهابًا وإيابًا حسب الضرورة، لكن يمكن القول على أن ما ساعد المملكة العربية السعودية في سبعينيات القرن الماضي على لعب هذا الدور هو أنها كانت تتمتع بعلاقات أفضل مع كل من إيران والعراق مقارنة بأي منهما مع الأخرى. كان السعوديون بالتأكيد متشككين في طموحات الشاه الإمبريالية، لكن كانوا جميعهم موالين للولايات المتحدة الأمريكية. وبالمثل، فإن السعوديين لم يثقوا في صدام حسين في العراق، لكنه على الأقل كان رجلاً سنيًا عربيًا، بحيث أنه عندما دفع الشاه أو صدام بسياسة إقليمية لم تعجب السعوديون، يمكنهم  التحول نحو الآخر لإفشال المبادرة.

ولكن أزعجت الثورة الإيرانية لعام 1979 والحرب الإيرانية العراقية عملية التوازن الدقيقة للسعوديين؛ حيث وقفت الرياض التى تنظر إلى إيران الثورية على أنها التهديد الأكبر، في تلك الحرب مع العراق البعثي. فعلى الرغم من أن العديد من المحللين يشيرون إلى هذا على أنه اللحظة التي بدأ فيها التنافس السعودي الإيراني، كان هدف السعوديين في ذلك الوقت هو إعادة التوازن بين أكبر لاعبين في الخليج.

لقد تحالف السعوديون مع العراق طالما استمرت إيران في الحرب، لكن الأهم من ذلك أنهم ما زالوا يتواصلون مع طهران. فعلى سبيل المثال، سافر وزير الخارجية السعودي آنذاك سعود الفيصل إلى طهران في عام 1985، في ذروة الحرب. لكن وصلت العلاقات السعودية الإيرانية إلى أدنى مستوياتها بعد موسم الحج عام 1987، عندما بالغت قوات الأمن السعودية في رد فعلها تجاه مظاهرة إيرانية وقتلت 402 حاج، لكن في الحج للعام التالي، والذي تزامن مع نهاية الحرب، قدم السعوديون بادرة حسن نية مهمة للإيرانيين: حيث أعرب الملك فهد عن حزنه لغياب الحجاج الإيرانيين، نتيجة اندلاع الحرب في العام السابق، والتى كان يتمحور هدفها حول إعادة تأسيس علاقة وظيفية مع إيران حتى يتمكنوا من إعادة التوازن الخليجي بمجرد انتهاء الحرب. لكن غزو صدام حسين للكويت عام 1990 أدى إلى تعليق قدرة السعوديين على التأرجح بين إيران والعراق؛ حيث قطع السعوديون العلاقات مع العراق وكانوا يأملون في أن يتم استبدال صدام، لكنهم لم يكونوا متحمسين بشأن غزو إدارة جورج دبليو بوش للإطاحة به، فقد دعموا في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين خططًا لإثارة انقلاب في بغداد لجلب زعيم عراقي جديد إلى السلطة - جنرال عربي سني - يمكنهم العمل معه. وعليه، جاء الغزو الأمريكي بنظام برلماني يهيمن عليه الشيعة؛ حيث كان ينظر الملك السعودي عبد الله ، الذي حكم خلال الفترة من 2005 إلى 2015 ، إلى العراق الجديد بقيادة الشيعة كشريك لموازنة إيران. لكنها باتت حليفة لإيران، وتابعة لها، بل ومنصة انطلاق لطموحاتها في الهيمنة.

كان السعوديون هم اللاعب الخليجي الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع كل من بغداد وطهران، لكبمجرد أن أصبح الشيعة العراقيون، الذين تربطهم صلات عميقة بإخوانهم في الدين في إيران، متمكنين في بغداد، فقد السعوديون هذه الميزة. لذا، من المتوقع أن تتمتع العراق بطبقة قيادية ذات الأغلبية الشيعية والعربية بعلاقات أفضل مع كل من إيران والمملكة العربية السعودية أكثر من العلاقات التي ستقيمها كل منهما مع الأخرى. ففي حين أن المملكة العربية السعودية كانت تتمتع ذات مرة بميزة القدرة على التأرجح بين جارتيها الخليجيتين الأقوى، فإن هذا الامتياز يعود الآن إلى العراق، الأمر الذى من شأنه أن يمكنها من أن تحتل موقعًا كصاحب الميزان الخليجي الذي احتلته المملكة العربية السعودية من قبل.

ثانيًا- هل هناك دور جديد للعراق؟

كان العراق يهدف خلال السنوات الأخيرة إلى اتباع سياسة خارجية تتسم بعدم الانحياز، بما يتضمن علاقات متوازنة مع كل من إيران والمملكة العربية السعودية. فغالبًا ما يقوم رؤساء الوزراء العراقيون بجدولة رحلات إلى طهران والرياض معًا من أجل إظهار هذا التوازن. وكما قال رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي في عام 2017 ، فإن العراقيين "يرفضون أن يكونوا جزءًا من سياسة المحاور". لكن يشير الواقع  إلى إن العراق كان ضحية  للمنافسات الإقليمية.

وفي هذا السياق، يؤكد الكاتبان على أن ميزة العراق في موقف عدم الانحياز هذا هي أنه بمرور الوقت - إذا كان بإمكانه أن يظل غير منحاز - سيكون قادرًا على لعب دور كبير في الوساطة مع  جيرانه الأقوياء في الخليج، كما فعلت المملكة العربية السعودية منذ جيل مضى. لكنها يمكن أن تكون أيضًا بمثابة جسر بين إيران والمملكة العربية السعودية، كما يبدو أن رئيس الوزراء الكاظمي ينوي اليوم. في الواقع، يعتبر العراق هو المكان الطبيعي لكل من إيران والمملكة العربية السعودية لحل خلافاتهما، فضلاً عن أن الانفراج السعودي الإيراني يعني منطقة وعراقًا أكثر هدوءًا.

لكن على المدى القريب، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان العراق سيكون قادرًا على القيام بذلك. ليس من المؤكد على الإطلاق أن المملكة العربية السعودية وإيران لديهما بالفعل الإرادة للمصالحة، ولاسيما أن الرياض مازالت غارقة في المستنقع اليمني، لذا، يحتاج السعوديون إلى إيران لإقناع الحوثيين بإنهاء الحرب التي ينتصرون فيها والتي تتعرض فيها المدن السعودية لتهديد مستمر بالهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة. ومن هنا، إذا أسفرت المحادثات التي يتوسط فيها العراق عن وقف إطلاق النار ، فسيكون ذلك بمثابة تحسن كبير في تهدئة التوترات الإقليمية، فضلاً عن تخفيف أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

لكن الواقع، أن العراق لا يزال أضعف بكثير من ممارسة نوع من النفوذ على جارتيه من شأنه أن يساعد في دفع عجلة المصالحة. لكن المحادثات السعودية الإيرانية التي قيل إنها جرت في العراق في وقت سابق من إبريل لعام 2021، قد تنذر بديناميكية ستظهر بشكل كامل في المستقبل.

في النهاية: من المتوقع أن يعود العراق - الذي كان خارج الخدمة لسنوات عديدة - ، كلاعب رئيسي في المنطقة، وبمجرد حدوث ذلك، يمكن أن يساعد في تخفيف التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران، لذا، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تدعم الجهد العراقي في هذا الإطار، التى بالطبع من مصلحتها خفض التوترات الطائفية في المنطقة، وهو ما يتوافق مع توجهات الرئيس الأمريكي جوبايدن التى تجعل إنهاء الحرب في اليمن أولوية.

المصدر

Katherine Harvey and Bruce Riedel, Can Iraq play the role of a bridge in the Gulf?, Brookings, available at https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2021/04/22/can-iraq-play-the-role-of-a-bridge-in-the-gulf/