المركز العربي للبحوث والدراسات : وقف اطلاق النار في كاراباخ.. كيف استفادت منه تركيا وروسيا؟ (طباعة)
وقف اطلاق النار في كاراباخ.. كيف استفادت منه تركيا وروسيا؟
آخر تحديث: الأحد 22/11/2020 12:56 ص
أحمد سامي عبد الفتاح أحمد سامي عبد الفتاح
وقف اطلاق النار في

في 9 نوفمبر 2020، وقعت أرمينيا اتفاق لوقف إطلاق النار مع أذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ الذي تسيطر عليه أرمينيا منذ قرابة ثلاثة عقود. هذا الإتفاق أثار غضب كبير ضد رئيس الوزراء الأرميني، باشينيان، الذي كتب في منشور له على الفيس بوك أن هذا الإتفاق ليس انتصار لأرمينيا لكنه ليس هزيمة أيضا. كما أكد رئيس الوزراء الأرميني أنه قد بحث الوضع الميداني مع كبار القادة والمستشارين العسكريين الذين أكدوا أن توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار هو الحل الأمثل لأرمينيا في الوقت الحالي لتجنب المزيد من القتلى في صفوف قواتها.

دور بارز لتركيا

منذ اليوم الأول لإندلاع المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان، دعمت تركيا أذربيجان بكل الوسائل؛ بما فيها الدعم اللوجيستي والعسكري المباشر. وقد لعبت الطيران التركي المسير دورا مهما في حسم المعارك لصالح أذربيجان. ومن هنا، يمكننا القول أن النظام التركي قد عمل على تحقيق عدة منافع في الوقت ذاته. أولا، حاول حزب العدالة والتنمية استغلال الحرب في كاراباخ من أجل رفع شعبية الحزب الحاكم الذي تبني صراحة سياسة لدعم القوميات التركية في آسيا. علاوة على ذلك، حاولت تركيا تجنب الخطأ السابق الذي ارتكبته في التسعينيات من القرن الماضي، حينما تخلت عن أذربيجان ولم تقدم لها الدعم اللازم من أجل مواجهة أرمينيا. السلوك التركي في ذلك الوقت له ما يبرره حيث أن أنقرة كانت تحاول عدم الإشتباك مع أرمينيا بسبب الخلفية التاريخية للنزاع بين الطرفين. كما كانت أنقرة حليف موثوق لدي أوروبا، ومن ثم لم ترد للنزاع الأرميني الأذري أن يكون سببا في توتر العلاقات بين الطرفين.

ثانيا، حاول الحزب الحاكم في تركيا استغلال الدعم التركي لأذربيجان من أجل ترويج فكرة استقلالية السياسية الخارجية التركية في المنطقة. هذه الفكرة في حد ذاتها مهمة جدا للحزب الحاكم لأنها تشكل المرتكز الرئيسي لتبرير سياسات الفشل الإقتصادي التي يعاني منها الاقتصاد التركي مؤخرا. بعبارة أخري، الإعتماد على أفكار مثل حرب اقتصادية مع الغرب، تصنيفات غير واقعية من وكالات التصنيف الائتماني العالمية، فضلا تراجع الإستثمار بسبب أزمة كورونا تشكل مخرجا مهما للحزب الحاكم من كل الأزمات التي يمر بها. ولذلك، الوجود التركي في أذربيجان كان مهما للغاية من أجل التأكيد على استقلالية القرار التركي الخارجي وتضارب المصالح مع أوروبا.

ثالثا، تعد تركيا دولة "معزولة عرقيا" في المنطقة. ويمكننا تعريف الدولة المعزولة عرقيا على أنها الدولة التي لا ترتبط بشكل مباشر مع امتدادها العرقي التاريخي. بالنظر إلى التاريخ التركي، نجد أن أن موطن الأتراك الحقيقي هو آسيا. كما تتحدث عدد من الدول الآسيوية اللغة التركية. ويعد أذربيجان قرغيزستان وأوزباكستان أبرز هذه الدول. لكنه من الملاحظ أن تركيا لا تتصل بريا بأي من هذه الدول إلا باقيلم ناخشيفان المستقل ذاتيا داخل جمهورية أذربيجان، مع العلم أن هذا الإقليم مفصول تماما عن أذربيجان. وقد دفعت تركيا للحرب في كاراباخ من أجل إجبار أرمينيا على توقيع اتفاق يسمح لأذربيجان بمد طريق بري من أجل الإتصال بهذا الأقليم، ما يمنح تركيا فرصة ذهبية للإتصال بريا مع كل عمقها العرقي والتاريخي.

تناغم تركي روسي

يعد بروز الدور الروسي في المنطقة في الفترة الأخيرة أمرا بارزا للغاية. وتحاول روسيا بناء قاعدة تحالفات جديدة في المنطقة لتستغل بها الفراغ الذي نجم عن التراجع الاستراتيجي لدور الولايات المتحدة في المنطقة. كحليف تاريخي لروسيا، طلبت أرمينيا دعم روسيا ضد الهجمات الأذرية, لكن موسكو أعلنت في بيان رسمي لها في 31 أكتوبر 2020 أنها ملتزمة بتقديم الدعم العسكري اللازم لأرمينيا في حالة ما انتقلت المعارك للأراضي الأرمينية. ويعد هذا التصريح في حد ذاته اعترافا روسيا بسيادة أذربيجان على إقليم كاراباخ المتنازع عليه منذ قرابة الثلاثة قرون بين البلدين.

الملفت للنظر هو التناغم التركي الروسي في المنطقة. فبعد اتفاقيات عديدة بين البلدين في سوريا، وتفاهمات سياسة وعسكرية في ليبيا، برز تناغم الدولتين مجددا في إقليم كاراباخ. التوافق مع تركيا منح روسيا دور مباشر في الصراع من خلال لعب الوساطة بين طرفي النزاع. علاوة على ذلك، أرسلت موسكو قوات حفظ سلام لمنع عودة الإشتباك بين الدولتين مرة آخرى في تطور ملفت للدور الروسي على حساب دور الأمم المتحدة الذي كان من المفترض أن يكون أكثر بروزا هنا.

حيثيات الاتفاق

يعد أهم بنود الإتفاق هو وقف إطلاق النار بين الطرفين على حدود الإشتباك الحالية ليوم 10 أكتوبر، على أن يتم تبادل الأسري بين الطرفين. كما تعهدت أرمينيا بالانسحاب من إقليم كارباخ بشكل تدريجي، على أن يتم إعادة منطقة كيلبجار إلى أذربيجان بحلول 15 نوفمبر، ومنطقة لاتشين بحلول أول ديسمبر. بحلول 20 نوفمبر، حصلت أذربيجان منقطة أغدام وجزء من منطقة غازاج.

بالنسبة لقوة حفظ السلام الروسية، ويبلغ عددها  1960عسكريا يستقلون 90 ناقلة جند و 380 مدرعة. ومن المقرر أن تنتشر هذه القوة بالتزامن مع الإنسحاب الأرميني، على أن يتم بقائها لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد. وتتولي هذه القوة مراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين. كما تختص هذه القوة بمراقبة الطريق البري الذي من المقرر أن يربط بين أذربيجان وإقليم ناخيشيفان. كما تشرف هذه القوة على عودة اللاجئين الأذريين إلى مناطقهم.  

ذكر الرئيس الروسي أنه قد أقنع الأتراك بعدم الإشتراك في مهمة قوة حفظ السلام لمنع استفزاز أرمينيا وضمان التزامها ببنود الإتفاق. القبول التركي كان أمرا متوقعا، خاصة أن أنقرة تريد دعما روسيا غير مباشرا لأذربيجان. بعبارة أخري، الدور الروسي في مراقبة وقف إطلاق النار بين البلدين سيكون مرهونا فقط باستمرار الإتفاق والتزام أرمينيا به. ولذلك، سوف تعمل روسيا بكل قوتها من أجل إقناع أرمينيا للبقاء داخل الإتفاق، لأنه هذا الأمر يضمن وجود القوات الروسية على الأراضي الأذرية.

الوجود الروسي في أذربيجان يحمل أهمية آخرى لموسكو لأنه يجعلها قريبة من خطوط امدادت الغاز الأذري لأوروبا، وهو الأمر الذي يقلق أوروبا بكل تأكيد. علاوة على ذلك، أثبتت الدبلوماسية الروسية فعالية كبيرة في التعامل مع نزاعات المنطقة، وهو الأمر الذي قد يمنحها الفرصة للتمدد أكثر من خلال تكوين تحالفات جديدة في المنطقة.

في النهاية، يتعين أن نؤكد أن التعاون التركي الروسي يشهد ازدهارا في الوقت الحالي، حيث تمكنت الدولتين من تجاوز خلافات قوية في الملف السوري، كما تمكنت الدولتان من تنسيق سياساتهما في ليبيا وإقليم كاراباخ.

References

Indian express, Explained: What is the peace deal signed between Azerbaijan and Armenia? Retrieved on November 21, 2020.  At:

https://indianexpress.com/article/explained/explained-what-is-the-new-peace-deal-between-armenia-and-azerbaijan-7046542/

Al Ahram online, Armenia declares no-fly zone in Armenia and Nagorno-Karabakh. Retrieved on November 21, 2020.

http://english.ahram.org.eg/NewsContent/2/9/393645/World/International/Armenia-declares-nofly-zone-in-Armenia-and-Nagorno.aspx

-          روسيا اليوم، أبرز بنود اتفاق روسيا وأرمينيا بشأن قرة باغ، تاريخ النشر 10 نوفمبر، الرابط:

https://arabic.rt.com/world/1171994-%D8%B9%D9%84%D9%89%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D9%82%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A3%D8%B1%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A3%D8%B0%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D9%82%D8%B1%D9%87-%D8%A8%D8%A7%D8%BA/