المركز العربي للبحوث والدراسات : سيطرة القوات شبه العسكرية ...ومستقبل نظام ولاية الفقيه في إيران (طباعة)
سيطرة القوات شبه العسكرية ...ومستقبل نظام ولاية الفقيه في إيران
آخر تحديث: السبت 21/11/2020 08:25 م علي رضا إشراقي، محمد حسين مهدوى – عرض: مرﭬت زكريا
سيطرة القوات شبه

هناك مقولة جديدة تدور في إيران تشير إلى أن السلطة تُنتزع من الرأس إلى أصابع القدم، أي من الرجال الذين يرتدون العمامات إلى الإصلاحيين، ويقدم البرلمان الإيراني الجديد أحدث الأدلة على ذلك، فرئيسه الحالى محمد باقر قاليباف، هو عميد سابق في الحرس الثوري الإسلامي. ثلثا أعضاء مجلس إدارة البرلمان هم إما أعضاء سابقون أو لا يزالون ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني والمنظمات المعاونة له. لطالما توقع الكثيرون في إيران والولايات المتحدة الأمريكية استيلاء الحرس الثوري الإيراني على دفة صنع القرار في إيران، على أن يتمثل ذلك في انتخاب مرشح تابع للحرس الثوري الإيراني رئيسًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية في عام 2021.

وعليه، يشير الكاتبان علي رضا إشراقي الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية بجامعة نورث كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية، و محمد حسين مهدوى طالب الدكتوراة بجامعة كونيتيكت، أنه لأكثر من عقدين من الزمن، كافح الإصلاحيون داخل المؤسسة السياسية الإيرانية من أجل تعزيز قوة المؤسسات المنتخبة في مقابل سلطة الدولة الموازية، ولكن الواضح أنهم بدءوا يتصالحون مع فشل هذا المشروع ويستعدون لتعزيز سلطة أنفسهم.

 في السياق ذاته، من المتوقع أن يسيطر الحرس الثورى على الحكومة القادمة، وهو الأمر الذى يأتى في ظل حالة الاحباط العام داخل المجتمع الإيراني جراء التوترات الحزبية والأزمات المتفاقمة، واستنزفت العقوبات الأمريكية شريان الحياة الاقتصادي للبلاد:  حيث انخفض معدل القوة الشرائية إلى ثلثي ما كان عليه قبل عقد من الزمن، كما أن استياء الإيرانيين جراء عدم قدرتهم على التمتع بالمكانة الدولية التي يستحقونها أدى إلى ظهور شكل جديد من أشكال القومية.

ولكن يؤكد الكاتب على أنه يبدو وكأن سياسات الرئيس الإيراني حسن روحانى المخيبة للأمال فيما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية، فضلاً عن تردده في الاعتراف بأزمة جائحة كورونا تمثل في تهديداَ وطنيًا كبيراً وأدت رسائله المتناقضة حول هذا الموضوع إلى إرباك الجمهور بل، الأمر الذى جعله محط انتقادات المرشد الأعلى.

أولاً- الترهيب والترغيب

بات الحرس الثوري الإيراني محط اهتمام وطني ودولي منذ أواخر التسعينيات، ولكن عندما تولى المحسوبين على التيار الإصلاحى مقاليد الحكم في طهران، بدأت إحدى وسائل الإعلام الإصلاحية المنتشرة بكثرة في مراقبة وانتقاد الحرس الثوري. رداً على ذلك، شرع قادته في بناء شركة إعلامية خاصة بهم سعت لعرض صورة مبالغ فيها إلى حد كبير عنه. فعلى الرغم من أن الحرس الثوري يقدم الإيراني نفسه كعلاج للقلق القومي الإيراني، لكنه في الواقع مساهم كبير في المشكلة؛ حيث قام الحرس الثوري الإيراني بتوسيع الاقتصاد غير الرسمى، عن طريق نخبة جديدة فاسدة من رواد رجال الأعمال المهربين، الأمر الذى جعل بإمكانه أن يخرج السياسات والمشاريع الحكومية عن مسارها كما يشاء. طوال الوقت، في حين تصدر المنصات الإعلامية فكرة أن  السياسيين والبيروقراطيين هم المسؤولون عن ذلك.

يشير الكاتب إلى أن الحرس الثوري الإيراني الذى اعتاد أن يسعى إلى تشويه سمعة خصومه فقط، مثل أعضاء إدارة روحاني، الذين وصفهم بأنهم "متواطئون" و "غير كفؤين" و "موالين للغرب". يلقى الآن باللوم على جميع الفصائل السياسية. على مدى العقد الماضي، استثمر الحرس الثوري الإيراني في إنتاج تاريخ تنقيحي من خلال الأفلام الوثائقية الروائية والمسلسلات التلفزيونية المصممة لجذب الجماهير الشباب دون ذكريات مباشرة عن ثورة 1979 وما بعدها. تقدم هذه الوسائل الإعلامية رواية اعتنى فيها الحرس الثوري بالشعب وحارب من أجل الوطن بينما قاتلت النخب السياسية فيما بينها وعملت في كثير من الأحيان ضد مصالح  الدولة لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية.

في الوقت الحالى، يقدم الحرس الثوري نفسه على أنه الحامي الوحيد الموثوق  للدولة الإيرانية، والقوة التي هزمت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ومنعت الأجانب و "عملائهم التخريبيين" من اختراق البلاد. وما ساعده على ذلك، هو تفوقه التكنولوجى فيما يتعلق بالمجال العسكرى، فعلى الرغم من محاولات حكومة روحاني الفاشلة لإطلاق قمر صناعى صغير لتصوير الأرض، استطاع الحرس الثوري الإيراني إرسال قمرًا صناعيًا عسكريًا إلى المدار في محاولته الأولى، يروج الحرس الثوري الإيراني لدوره كمنقذ للبلاد. خلال الوباء؛ حيث زعم أنه  وزع مساعدات وطرود غذائية على 3.5 مليون أسرة إيرانية محرومة، على أن تنخرط وتنخرط المعسكرات التابعة له في أنشطة بناء المجتمع لمساعدة المحرومين، الأمر الذى أدى  بمنظمات المجتمع المدني المستقلة للتشكيك في عمق وتأثير هذه التدخلات، لكن يبقي الحرس الثورى هو صاحب الألة الإعلامية الأقوى في البلاد.

ولكن يؤكد الكاتب على أنه لا يزال المواطنون الليبراليون المنتمون إلى الطبقة الوسطى في طهران يتذكرون استعراض القوة خلال احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، وكان لحملة الحرس الثوري الإيراني على مظاهرات نوفمبر لعام 2019 عواقب وخيمة على الإيرانيين الفقراء ومن الطبقة الدنيا في أماكن أخرى. وعليه يبدو وكأن الحرس الثورى يرغب في إثارة الخوف وكسب الحب في نفس الوقت. كما يعمل الحرس الثورى في الوقت الحالى على تعويد النخب الاقتصادية والثقافية على وجوده ويجعلها تشعر بالارتياح عند اختيار قادته كمرشحين، كما أنه يمكن المبالغة في الدور الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني، لكن غموض قطاع الأعمال في البلاد يجعل من الصعب التأكد من الحقائق.

                وقد وثقت دراسة حديثة أنه حتى عام 2014، لم يكن لدى الحرس الثوري الإيراني وغيره من المنظمات شبه الحكومية  النصيب الأكبر في أي من القطاعات الاقتصادية الـ 22 العليا في إيران، لكن لا توجد علاقة مباشرة بين الملكية والسيطرة في النظام الاقتصادي الإيراني؛ حيث تقوم الشركات المملوكة للبرجوازية العلمانية الإيرانية أحيانًا بتجنيد أعضاء مجالس إدارات ومديرين تابعين للحرس الثوري الإيراني من أجل تسهيل مناورات الأعمال.

 ويُنشئ الحرس الثوري الإيراني أحيانًا شركات للعمل تحت ستار القطاع الخاص، فبهذه الوسائل وغيرها، أصبح الحرس الثوري الإيراني صاحب عمل لا غنى عنه وأحد أكبر المقاولين العاملين في البلاد في مشاريع البناء، لكن الواضح أنه يفتقر إلى الموارد البشرية والخبرة اللازمة لإدارة أعمال بملايين الدولارات في مجالات الاتصالات والبنوك وبناء السفن والصناعات البتروكيماوية. وهكذا، يعمل قسم كبير من البرجوازية العلمانية الإيرانية إما بشكل مباشر أو كمقاولين للهذا التنظيم العسكرى.

فقبل عقد واحد فقط من الزمان، اعتبرت النخب الثقافية العمل في المشاريع التي كلفها الحرس الثوري الإيراني أو مولها من المحرمات. ولكن حاليًا، لم يعد هذا هو الحال، فعلى سبيل المثال، عمل مسعود كيمياي ، وهو مخرج سينمائي شهير مؤخرًا مع منتج تابع للحرس الثوري الإيراني. قام المخرج محمد حسين ماهدافيان – على الرغم من إنه من أشد المؤيدين لروحاني - بإنتاج أفلام وثائقية حائزة على جوائز وأفلام روائية مدعومة من الحرس الثوري الإيراني.

ثانيًا - مرواغة الانقسام

يتمتع الحرس الثوري الإيراني بالعديد من المزايا فيما يتعلق بالتنافس على السلطة داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكنه لا يكاد يكون كتلة صلبة لا يمكن إيقافها، فعلى  الرغم من الحصة الاقتصادية الكبيرة التي يمتلكها الحرس الثوري الإيراني، لا يزال الفرع التنفيذي لإيران يحكم الاقتصاد في جميع المجالات الحيوية؛ حيث تضع الحكومة السياسة المالية والنقدية، وتتحكم في موارد النفط والغاز، وتدير خزينة الدولة، كما تهيمن الحكومة أيضًا على قطاعات أخرى مثل  الرعاية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، التي يعتمد عليها الحرس الثوري الإيراني بشكل متزايد لبناء شبكات المحسوبية الخاصة به.

علاوة على ذلك، فإن الحرس الثوري الإيراني أكثر انقسامًا وأقل انضباطًا مما يُفترض أن يكون عليه، كانت التوترات موجودة منذ البداية، عندما نشأت النزاعات بين القادة رفيعي المستوى خلال الحرب الإيرانية العراقية؛ حيث أصبح الضباط المحبطون الذين تركوا الحرس الثوري الإيراني خلال الثمانينيات دعاة بارزين للإصلاح السياسي، ترك البعض الفيلق خلال شقاق واحد في أوائل التسعينيات وغادر آخرون في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وعليه، وثق الباحثين الفجوات بين الأجيال داخل الحرس الثوري الإيراني، وانقسام كل جيل منهم على نفسه تعكس وسائل الإعلام الغزيرة للحرس الثوري الإيراني هذه الاختلافات، على سبيل المثال، توقفت مؤخرًا منظمة الأوج للفنون والإعلام التابعة لها عن تصوير الخصوم في أفلامها على أنهم أعداء قبيحون ومضحكون للنظام، في السياق ذاته، أنتج فرع إعلامي آخر تابع للحرس الثوري الإيراني برنامجًا تلفزيونيًا يسمى غاندو، والذي برر اعتقال مراسل واشنطن بوست جيسون رضائيان، التوترات بين هاتين المجموعتين الإعلاميتين الشابتين في الحرس الثوري الإيراني تصل أحيانًا إلى الجمهور، حيث انتقدت المجموعة الثانية في  فبراير الطريقة المتشددة لأوج في صناعة الأفلام  متهمة إياه بـإهدار أموال النظام وموارده.

لكن عندما يتعلق الأمر بإقناع الجمهور، لم تجلب يد المساعدة ولا القبضة الوحشية للحرس الثوري الإيراني الاحترام الذي يريده؛ حيث  أنتج اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية للواء قاسم سليماني في يناير 2020 لحظة قصيرة من التضامن؛ حيث حجب الإيرانيون الغاضبون صورهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي حدادًا على ذلك، لكن بعد أيام، أسقط الحرس الثوري الإيراني طائرة ركاب أوكرانية، واحتفظ نفس الأشخاص بصور ملفاتهم الشخصية سوداء للتعبير عن غضب من نوع مختلف.

ثالثًا- عندما تفشل الأيديولوجيا

يؤكد الكاتبان على أنه في الوقت الحالي، قد تكون القوة السياسية الأكبر للحرس الثوري الإيراني هي ضعف خصومه؛ حيث فاز روحاني بالانتخابات في عامي 2013 و 2017 على وعد بإعادة الأمل للشعب الإيراني، لكنه ينهى حاليًا فترة رئاسته الثانية الآن فترة ولايته وسط حالة من اليأس واسعة النطاق، الأمر الذى تمثل في اندلاع احتجاجات على مستوى البلاد في عامي 2018 و 2019 كما تفتقر الإدارة الإيرانية الآن إلى المصداقية لتعبئة قاعدتها الاجتماعية ضد الحرس الثوري الإيراني في صناديق الاقتراع أو في الشوارع.

ولكن إذا كان الحرس الثوري الإيراني يرغب حقًا في إدارة الحكومة فهو أمر أكثر تعقيدًا،  فالموارد السياسية والاقتصادية التي تحتفظ بها الحكومة مغرية بالتأكيد، لكن أظهر الواقع العملى أن من يتولى السلطة التنفيذية ، بغض النظر عن الانتماء السياسي، من المرجح أن يصبح شوكة في جانب الحرس الثوري الإيراني، حتى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي جاء بدعم كامل من المنظمة، سرعان ما أصبح مارقًا بالنسبة لهم . لقد أثبت تاريخ الجمهورية الإسلامية مرارًا وتكرارًا أن أولئك الذين يتولون أدوارًا تنفيذية وإدارية يستثمرون في تعزيز التطبيع، على حساب الحماس الثوري، ولكن هذا الأمر يعتبر بمثابة الإرث الحقيقى للحرس الثورى ولاسيما فيما يتعلق بالتجارة.

حيث يمكن للحرس الثورى بصفته منظمة شبه حكومية، أن يتمتع بأفضل ما في العالمين، ويبقى بعيدًا عن الأعمال اليومية للحكم ويتدخل فقط عندما يرغب في ذلك، إذا أدارت المنظمة بدلاً من ذلك الشؤون اليومية للبلاد، فستضطر إلى إجراء تعديلات وتنازلات مستمرة قد تضر بسمعتها الثورية. على سبيل المثال، بعد مقتل سليماني، دعا بعض مقاتلي الحرس الثوري الإيراني إلى انتقام قاسٍ، وهو الأمر الذى لم تستطيع الحكومة القيام به.

في السياق ذاته،  يعتبر وقوف قادة الحرس الثوري الإيراني خارج الحكومة، هو ما جلعهم يجدون وقد العديد من المناسبات التى تمكنهم من الوقوف إلى جانب الشعب، أمر الذى تمثل في  تعاطفهم مع العمال المضربين بسبب عدم دفع أجورهم، المشاركة في جهود الإنقاذ والإغاثة بعد الفيضانات والزلازل، والمتقاعدين الذين يلومون الحكومة على خسارة مدخراتهم رغم أن الحقيقة تقر بأن المؤسسات المالية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني هي التي سرقت أموالهم.

في النهاية، يشير الكاتب إلى أنه من المتوقع أن تنذر الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة بعودة المتشددين إلى السلطة، ولاسيما بعد أن فقد الإصلاحيون معظم رأس مالهم الاجتماعي ومكانتهم، لكن عام 2021 لن يمثل نهاية السياسة في إيران، على العكس من ذلك ، سيضيف فقط فصلًا جديدًا إلى كتاب مفتوح النهاية. فالصراع بين النخب السياسية الإيرانية موجود منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية وسيستمر في إنتاج فرص للتغيير - تغيير حتى من نوع وبطريقة لا تروق للمعارضة ولا للنخب الحاكمة- قد يتوق الحرس الثوري الإيراني إلى السيطرة ، لكنه قد لا يكون سعيدًا بالنتيجة.

Ali Reza Eshraghi and Amir Hossein Mahdavi, The Revolutionary Guards Are Poised to Take Over Iran: But Does the Paramilitary Force Have What It Takes to Govern?, Foreign Affairs, August 27, 2020, available at:

 https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2020-08-27/revolutionary-guards-are-poised-take-over-iran?fbclid=IwAR1yyl9fmNV2m_0ptuKe4xAHGMecK0zJDSZSqpMlMCFeQSkj48K6nlDMZw8