المركز العربي للبحوث والدراسات : تأثير الإعلام الجديد على تشكيل الهوية العربية (طباعة)
تأثير الإعلام الجديد على تشكيل الهوية العربية
آخر تحديث: السبت 21/11/2020 07:16 م
عبد الرحمن محمد عبد الرحمن محمد
تأثير الإعلام الجديد

الإعلام الاجتماعي شأنه شأن مفاهيم العلوم الاجتماعية ليس هناك مفهوم شامل جامع ولكن تتعد التعريفات والأطروحات التي تناولت المفهوم  وتعددت صور المفهوم فبعض يسميه بالإعلام الشبكي , وبعض بالإعلام الإلكتروني وآخرون بالإعلام الرقمي في حين يطلق عليها  أحيانًا بالإعلام الشبكي أو إعلام المجتمع ,و رغم الجذور التاريخية للإعلام الجديد كمضمون إلا أن مصطلح الإعلام الجديد  قد ظهر بشكل واضح في الآونة الأخيرة مع الثورة التكنولوجية ووسائل الاتصال, ولقد تعددت الدراسات التي تناولت مفهوم الإعلام الجديد وانقسمت إلى محورين يركز أولهما على إدماج الإعلام التقليدي بالوسائل الحديثة (الكمبيوتر) والشبكة المعلوماتية, بينما ينصب الثاني على تقنيات الاتصال الرقمي  بالأساس والتي أدت حتمًا إلى ظهور أنماط جديدة من الاتصال الإعلامي والجماهيري.

      ومن أبرز التعريفات المطروحة تعريف (لوجان) حيث يشير فيه إلى استخدام الوسائل الرقمية والتي تتميز بالفاعلية وثنائية الاتجاه في مقابل الوسائل التقليدية والتي تعتمد على الاتجاه الأحادي مثل التليفزيون والراديو والتي لم تتطلب في عملها أية تقنية, والعديد من وسائل الإعلام الجديد نشأت عن طريق استخدام وسيلة قديمة والتطوير فيها على سبيل المثال ظهر التليفزيون عام 1948 وكان يعد إعلامًا جديدًا آنذاك لكنه لم يعد يصلح الآن هكذا, ولكن بإدماج التليفزيون مع الكمبيوتر من خلال تسجيل الفيديو الرقمي (نظام  يصبح إعلامًا جديدًا . TiVo

   وفي الوقت نفسه هناك بعض الأطروحات التي عرضت قضية الإشكاليات المتعلقة بالإعلام الجديد كمصطلح حيث رأته أنه يقدم انقسامًا تعسفيًا بين كل من الإعلام القديم والإعلام الجديد ورأت أن هناك تجاهلًا بأن الإعلام الجديد (إعلام الشبكة العنكبوتية والرقمية) ليس وليد ليلة وضحاها بل له جذور تاريخية تصل لعقود طويلة ومن ثم الفصل التام بين الوسائط القديمة والجديدة ليس له دلالة ورواسخ منطقية.

تأثير الاعلام علي المجتمع:

يعتبر الإعلام عنصراً مؤثرا في حياة المجتمعات لقدرته الهائلة علي مخاطبة القسم الواسع من النسيج الاجتماعي ولترويجه مضامين اقتصادية وثقافية وسياسية واقتصادية وأيدلوجية قد يكون تأثيرها ايجابيا لصالح المجتمع ورقيه ،اذا احسن توظيف سيل الرسائل الاعلامية التي تروج لها كما تحمل في طياتها خطر ان يكون التأثير سلبيا اذا وظفتها قوي الهيمنة لاستلاب الهوية والترويج للقيم الهابطة ،في وسائل الاعلام ان لم يكن لها دور في غرس القيم الاجتماعية والمعايير الثقافية ،فإنها تؤدي الى تزييف الوعي وافساد العقول وانتهاك القيم التي تضمن حيز الخصوصية الثقافية لمجتمع ما. ولما كانت وسائل الاعلام-في ظل ثورة المعلومات والصورة ذات طبيعة كونية تستهدف الجمهور في الزمان والمكان الذي تريد، فإن ذلك منحها دورا كبيرا في عملية الضبط الاجتماعي من خلال قيامها بتوحيد الناس علي ثقافة واحدة يصبح الخروج عنها امرا صعبا لتصير عرفا في المجتمع وجزءاً من ثقافة المجتمع ،حيث أصبحت وسائل الاعلام هي التي تحدد للناس ما يصلح ومالا يصلح من خلال الإعلان عن اراء معينة والتكتم علي الأخرى فيخلق ذلك عند الناس ما يشبه العرف الذي يقبل ويتبع ويحظر من مخالفته .

ففي ظل الواقع الإعلامي، تعمل الرسالة الإعلامية علي استهداف شرائح عريضة في المجتمع في صيغة تثير انتباهه وتستميل عواطفه من خلال توظيف مختلف الوسائل الحديثة وما يصدر عنها من تصورات وأفكار ومبادئ تعمل علي احداث تغير مقصود في المجتمع تحت وطأة اغراء لا يقاوم تكرس فيه منظومة جدية من القيم والمعايير، لتصنع قلقا جماعياً وتحدث هلعا في النسيج الاجتماعي لا مبرر له، لان القائمين علي الاتصال يؤمنون بان الجمهور قوة كامنة بمجرد تحريكها او استفزازها يمكن ان تغير الكثير علي ارض الواقع بما يخدم مصالح الوافد الغريب .

إن اثارة الافراد والجماعات وإعادة تشكيل اتجاهاتهم وسلوكياتهم هو مهمه الاعلام المعاصر، الذي يمكن عده-دون مبالغة-إعلاميا مجانبا للقواعد والضوابط والقوانين التي ينبغي ان تحكم مجاله وتحقق توازنه، لما ينطوي علية من تمرد علي الثوابت وتحرر من كل رقابة، لتتحقق هيمنتها الناعمة التي تسعي القوي الامبريالية الي انتاج وتداول خطاب جذاب شكلا ومضمونا لاستثارة الجمهور والتلاعب بعقلة من دون ان يدرك، مستعيرا الكثير من المفاهيم والأفكار التي تحظي بمكانة مميزه داخل النسيج الاجتماعي المستهدف وإعادة صياغتها وتوظيفها علي نحو يخدم مقاصد وغايات القائم بالاتصال .

إن المتأمل في طبيعة التغطية الاعلامية ل ظاهره الارهاب يلاحظ اختلافات كثيره تصل الى حد التناقض احيانا سواء كان ذلك على مستوى التناول او على مستوى الشكل وهو ما ارجعه عدد من الباحثين في مجال الاعلام الى غياب خطه مبرمجه ومنهجيه لدي وسائل الاعلام العربية لمواجهه هذه الظاهرة، فقد لوحظ أن سمات المعالجة الاعلامية لهذه الظاهرة تركزت على الحدث أكثر من التركيز على التطرف والإرهاب التي يظهر لها اسبابها وعواملها. حيث تتوارى في الغالب معالجه جذور هذه الظاهرة اسبابها العميقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية مما يجعلها تبدو كأنها مجردة او مطلقه حيث تسود في الغالب معالجه العمليات الإرهابية كحدث منعزل وليست عمليه تجري في سياق معين وتحدث في بيئه معينه..

ولذا، على الدول العربية الاخذ بالأساليب الاعلامية الجديدة لمقاومه الارهاب وذلك من خلال عدة أبعاد:

١_اعادة النظر في الخطاب الاعلامي العربي بشأن قضايا الارهاب

٢-الاهتمام بالمعالجة الاعلامية المتعمقة لقضايا الارهاب

٣-الاهتمام بضرورة تدريب القائمين بالاتصال الذين يتصدون لقضايا الارهاب..

٤_وجوب تفعيل مواثيق الشرف الاعلامية واصدار تشريعات لضبط الممارسات الاعلامية المختلفة.

ونكرس الضوء على أبعاد الاعلام على مفهوم الهوية وقدرته في التأثير فيها :

أولاً- تعريف مفهوم الهوية:

لقد حصر الكثير من الباحثين والدارسين في مفهوم الهوية ومحدداتها والقضايا المثار حولها وتجاذباتها واعتبار مفهوم الهوية موضوع  دينامي قابل للتكيف والانفتاح والتجدد امام المستجدات الفكرية والسياسية والسوسيولوجيا .ويعتبر مفهوم الهوية مثله مثل معظم ما في العلوم الاجتماعية و الانسانية يتصف بالعمومية و يحمل الكثير من المعاني  وكنه يعتبر في التعريفات العربية: هو تعريف الشخص لذاته بمعني هو هو  حيث تشخيصه وتحققه في ذاته وتميزه عن غيره فهو وعاء الضمير الجمعي لاي تكتل بشرى ومحتوى لهذا الضمير في الوقت نفسه بما يشمل هم وقيم وعادات ومقومات تكيف وعى الجماعة وردها في الوجود والحياه داخل النطاق الحفاظ على كيانها الي حد يصل بتعريف جماعته نحن والأخرون بهم

وكان للإعلام الجديد بصمته  الواضحة على الهُوية حيث أدت هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة إلى خلق مجتمعات افتراضية بشكل ضخم إلى حد لا يمكن الإلمام به وتقييده وبالتالي كان لذلك تداعيات واضحة على تغيير نمط تفكير الأفراد والجماعات وأصبحت المسافات والحدود الجغرافية أشكال وهمية لا تستطيع إيقاف هذا الغزو التكنولوجي الافتراضي وأضحت هذه المجتمعات الافتراضية هي الواقع الجديد الذي يُشكل حياة الأفراد وأصبحوا مرتبطين إلى حد كبير بالأجهزة الحديثة كالحاسوب والهاتف المحمول والأدوات الأخرى وذلك  أنتج ما يُسمى " بالفرد الحاسوب"  وذلك إشارة لكونه أصبح مبرمجًا وأفرز نوعًا جديدًا من الهُوية لم يكن موجودًا ولا يتم تحديده فهو خليط ناتج عن مزيد من الانفتاحات والتداخل وتظهر الهُوية الافتراضية أو فضاء السايبر Cyber Space والذي يجعل الأفراد أشخاص " أنترنتية" تنزوي في ثقافات غيرها حتى وإن كان على حساب هُويتها وإن كان هذا قد يشبع رغبات وحاجات نفسية لدى الأفراد إلا أنه يخلق قلق الانتماء لكونهم متشرذمين في ثقافات وأفكار وهُويات مختلفة غير قادرين على تحديد ذاتهم الأصلية التي يجب الانتماء لها .

  والحديث عن إشكالية الهُوية لا ينفصل عن اللغة فلا نجد جماعة من البشر لها نفس الهُوية إلا ولها نفس اللغة وفي كثير من الأحيان تسعى لفرض لغتها هذه ولعل النموذج الشهير على ذلك الكرد فرغم أنهم يتوزعون على أكثر من دولة إلا أنهم ينتمون فقط لقوميتهم وهويتهم ويتحدثون لغة واحدة رغم اختلافها عن باقي أقاليم الدول المتواجدين فيها , فاللغة هى التي تصون وتحمي الهوية وهى تحيا بالاستعمال والتداول ونتيجة للوسائل التكنولوجية الحديثة هذه تبعثرت الهُويات ليسود نموذج ثقافي وحيد ويصيح هو المركز وهو ما يُعرف باسم المثاقفة حيث انحسار الهويات المختلفة في ثوب جديد وهذا بالتأكيد سلبي حيث ما هو إلا قضاء على ثقافة لصالح أخرى ومثال على ذلك نجد ضعف اللغة العربية بسبب هيمنة اللغة الإنجليزية على الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) .

                وتعد الهيمنة اللغوية أمرًا في غاية الأهمية حيث بذلك الهيمنة يتم بث أفكار تسيطر على عقول الشعوب ليصبحوا أمام معضلة وهي طغيان اللغة الأجنبية على معاملاتهم اليومية

وهذا إضافة إلى انتشار ما يسمى باللغة الفيسبوكية على مواقع التواصل الاجتماعي بين الشباب على وجه التحديد وهو ما جعل الهُوية في وضع أكثر صعوبة، ولقد ارتبط ذلك بإشكاليات أخرى تداخلت مع بعضها البعض.

المراجع

1- أ.د فضل الربيعي، كتاب إشكالية الهوية وتأثيرها في الصراع

2- أحمد اسماعيلي، ايدلوجيا الاعلام الجديد والوعي الزائف مقاربه في استراتيجية الاقناع، المركز الديمقراطي العربي

3- أ.د. أحمد أحمد محمد زارع، وسائل الاعلام وقضايا الإرهاب ،مجله البحوث الإعلامية

4- أسماء عاصم احمد، الاعلام الجديد: الإشكاليات وانماط التغيير