المركز العربي للبحوث والدراسات : العراق ليس لبنان .. كيف يمكن لبومبيو أن يواجه الميليشيات الإيرانية (طباعة)
العراق ليس لبنان .. كيف يمكن لبومبيو أن يواجه الميليشيات الإيرانية
آخر تحديث: السبت 21/11/2020 01:29 ص مايكل روبن، ترجمة: مصطفى صلاح
العراق ليس لبنان

أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في وقت سابق أنه أجرى سلسلة من المكالمات الهاتفية للمسؤولين العراقيين خلال الفترة الماضية مهدددًا بإغلاق السفارة الأمريكية إذا لم يتخذ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إجراءات أكثر حسمًا ضد الميليشيات المدعومة من إيران مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق العراقية، وغيرها من الميليشيات الإيرانية التي شنت في الأشهر الأخيرة هجمات صاروخية على مجمع السفارة الأمريكية في بغداد.

إن هذا التهديد في حال تحققه وتنفيذه على أرض الواقع سيكون بمثابة فرصة ذهبية لإيران، وهدف استراتيجي لها لضمان السيطرة وتعزيز نفوذها في بغداد في وقت تشهد فيه إيران مجموعة من الضغوط الداخلية والخارجية يمكن أن يجبرها على التراجع، ومن ناحية أخرى سيعود هذا الاتجاه من جانب الولايات المتحدة بفائدة كبيرة للجماعات الإرهابية بدلاً من هزيمتهم، خاصة وأن التصعيد الإيراني باستهداف المصالح الأمريكية  لم يتراجع بعد أن أمر وزير الخارجية مايك بومبيو في وقت سابق بإغلاق القنصلية الأمريكية في البصرة لأسباب مماثلة.

حماية المصالح الأمريكية

يجب على الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ترامب أو إدارة بايدن في حال فوزه اعتبار القيادة السياسية الحالية في بغداد بمثابة الحليف الموثوق به؛ فالرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قائدان مقتدران ولا جدال في توجههما الموالي للغرب، وكلاهما وطنيان عراقيان يسعيان للسيطرة على تلك الجماعات التي من شأنها تقويض السيادة العراقية أو العمل ضدها، ومن ثم فإن سحب البساط منهم يشير إلى كل العراقيين بأن الولايات المتحدة لن تدعم أصدقاءها، وفي الواقع قد يفعل بومبيو الآن بالعراقيين ما فعله ترامب سابقًا بالأكراد السوريين الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية(داعش).

ويجب الإشارة هنا إلى أنه إذا دفع ترامب وبومبيو إلى الأمام بتهديداتهما فستكون النتائج كارثية أكثر من قرار  الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2011، بإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن، وعلى الرغم من ذلك  استمرت السفارة الأمريكية في عملها، ومن جانب آخر فإنه في حال إذا أغلق بومبيو السفارة الأمريكية في العراق، فإن صور رجال الميليشيات المدعومين من إيران وهم يهاجمون المصالح الأمريكية عندما تغادر آخر مروحية ويرفعون أعلام ميليشياتهم على مبنى السفارة ستكون أكثر تدميرًا من الصور الأيقونية للانسحاب الأمريكي من فيتنام.

مفارقة مزدوجة

من المفارقات بالتأكيد أن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو  الذي يُعد مهندس حملة الضغط الأقصى على إيران  قد يكون مسؤولًا عن أكبر انتصار استراتيجي للجمهورية الإسلامية منذ أن أمر الرئيس رونالد ريجان مشاة البحرية الأمريكية بالانسحاب من لبنان بعد أن هاجم حزب الله السفارة الأمريكية وثكنات المارينز في عام 1983.

ولفهم كيف تبرر وزارة الخارجية أفعالها الآن، فمن الضروري تقدير تأثير النقاش اللاحق حول لبنان على واشنطن؛ حيث وضعت هجمات 1983 حزب الله على خريطة المؤثرين على المصالح الأمريكية، وواجهت جميع الإدارات اللاحقة صعوبة في إحلال السلام في لبنان والسماح للدولة اللبنانية بإعادة تأكيد سلطتها على كامل أراضيها مع تقليص النفوذ المتزايد لحزب الله لعقود من الزمن.

وضمن سياق آخر حاول  مجموعة من الدبلوماسيون الأمريكيون والعديد من أصدقاء لبنان من خلال الاعتماد على استراتيجية جديدة بناء ودعم المنظمات الوطنية العابرة للطوائف مثل القوات المسلحة اللبنانية، ولكن برغم هذه الجهود فإنها لم تفعل شيئًا من شأنه أن يخل بتوازن القوى الداخلي في لبنان، وبرغم ذلك نمت قوة حزب الله، ولم تكن القوات المناهضة لحزب الله قادرة على مواجهة الميليشيات المدعومة من إيران. وبدلاً من هزيمة حزب الله، سمح الجيش اللبناني للجماعة المدعومة من إيران بهزيمته، كما لم يكن النهج الأوروبي بالسماح لحزب الله بالحصول على بعض الحقائب الوزارية في الحكومة في موضعه الصحيح خاصة وأن هذا الأمر ساهم في تعزيز نفوذه وسيطرته.

بالنظر إلى لبنان، فإن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو والرئيس ترامب لديهم الكثير من التساؤلات حول حقيقة إمكانية منح مزيد من الوقت لمواجهة الميليشيات الإيرانية في داخل العراق. وهنا يمكن التفرقة بين الوضع في لبنان والعراق وإن كان لدى بعض القادة المدعومين من إيران مثل كتائب حزب الله أو عصائب أهل الحق تطلعات لأن يصبحوا حزب الله الجديد في داخل العراق، خاصة وأن هذه الميليشيات في الأساس ظهرت نتيجية الاستجابة لدعوات آية الله العظمى السيستاني لهزيمة الدولة الإسلامية، وهنا يمتلك العراقيون القدرة على التفريق بين تلك الجماعات التي نشأت استجابة لدعوة السيستاني وتلك التي شكلها الحرس الثوري الإسلامي قبل عقد من الزمن لمحاربة الأمريكيين الذين يعملون على إعادة بناء العراق.

تغيرات متعددة

يقع وزير الخارجية بومبيو الآن ضحية خلل في السفارة الأمريكية في بغداد، خاصة بعدما أصبح مجمع السفارة سجن أكثر من كونه سفارة، ونادرًا ما يغادر أولئك الذين يخدمون داخل أسوارها المحصنة أراضيها، وأصبحوا يقرؤون باستمرار تقارير عن الميليشيات لكنهم لا يعرفون بغداد الحقيقية التي شهدت تغيرات عديدة في السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي أوقع المسئولون الأمريكيون في مجموعة من الأخطاء أهما تضخيم الدبلوماسيون لحجم التهديدات الإيرانية للمصالح الأمريكية في تقاريرهم التي تنفصل بشكل متزايد عن الواقع الذي يعيشه العراقيون، وعلى العكس من ذلك يعتبر العراقيون على نحو متزايد أن الميليشيات التي تطلق نيران الأسلحة على مجمع السفارات في بغداد والسفارة الأمريكية بمثابة معاداة للعراقيين وللولايات المتحدة. وقد كانت هجمات الميليشيات على العراقيين هي التي حولت الاحتجاجات التي أطلقها العراقيون قبل عام واحد فقط إلى حركة أطاحت برئيس الوزراء وأتت بالكاظمي إلى السلطة.

وفي وقت سابق أظهر الكاظمي استعداده للتحرك؛ فقد قامت قوات الأمن بمداهمة منشأة كتائب حزب الله واعتقلت 14 (تم إطلاق سراح معظمهم لاحقًا)، وهو الأمر الذي دفع هذه الميليشيات إلى محاولة اغتيال الكاظمي في منزله بعد أن تمكنت من الوصول إلى مسافة قريبة منه،  وعلى الرغم من حياة الكاظمي كانت في خطر كبير، إلا أنه لم يكن هناك دعم أمريكي له، وقد تلقى الكاظمي القليل من الاتصالات من السفارة الأمريكية في بغداد أو واشنطن، وربما إذا كانت إدارة ترامب جادة بشأن رغبتها في جعل الكاظمي يتصدى للميليشيات، فقد تفكر في كيفية إقناع أولئك الذين يضعون حياتهم في مواجهة هذه الميليشيات، بأن الدعم الأمريكي ليس سريع الزوال أو يأتي عابرًا.

استراتيجية بديلة

بدلاً من الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من العراق، قد يفكر ترامب وبومبيو في استراتيجيات أخرى لمحاسبة أولئك المسؤولين عن خيانة العراق وتهديد أرواح الأمريكيين، قد يدفعون قدمًا لضمان إجراء انتخابات جديدة في العام المقبل بموجب قانون الانتخابات المعدل، بالإضافة إلى تقديم المساعدة إلى الكاظمي للوفاء ببعض وعوده من أجل إقناع جيل الشباب العراقي بأن التغييرات على قدم وساق والتي ستعدهم بمستقبل أفضل.

وفي النهاية فإن الواقع هو عكس ذلك ففي سوريا، وأفغانستان، والآن العراق، فقد أظهر كل من ترامب وبومبيو للدول الحليفة بأنهم لم يصبحوا قادرين على الوفاء بالتزامتهم تجاه هذه الدول، وهو الأمر الذي قد ينعكس على مدى نظرة هذه الدول للولايات المتحدة كحليف موثوق به، كما ساهم هذا الوضع في اتجاه روسيا نحو بناء علاقات استراتيجية مع بعض من هذه الدول التي كانت في السابق حليفة للولايات المتحدة، وقد ينتقد ترامب "الحروب التي لا نهاية لها" لكن عليه أن يفكر في شكل العالم إذا لم يكن لدى الولايات المتحدة تحالفات ولا الثقة اللازمة لبنائها.

Michael Rubin, Mike Pompeo Needs to Understand: Iraq is not Lebanon, September 28, 2020, at:

https://nationalinterest.org/feature/mike-pompeo-needs-understand-iraq-not-lebanon-169729