المركز العربي للبحوث والدراسات : ضغوط متصاعدة ....دلالات تكثيف المساءلة البرلمانية لحكومة روحانى (طباعة)
ضغوط متصاعدة ....دلالات تكثيف المساءلة البرلمانية لحكومة روحانى
آخر تحديث: الخميس 13/08/2020 03:54 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
ضغوط متصاعدة ....دلالات

وجه رؤساء لجان البرلمان الإيراني في دورته الجديدة رسالة إلى الرئيس حسن روحاني في27 يونيو 2020، تطالبه بتغيير مسار سبع سنوات من إدارته على خلفية تفاقم المشكلات الاقتصادية وحالة الغلاء الشديدة التى يعانيها المواطن الإيراني، مشددين على أن البرلمان لن يصمت بشأن حقوق الناس، وتحمل الرسالة توقيع 12 نائباً انتخبهم النواب لرئاسة لجان تنظر في أداء الوزارات. يتوازى ذلك، مع التفشي الكبير لجائحة كورونا وحالة التردي التي يوجد عليها الوضع الاقتصادي في إيران، فضلاً عن التصعيد الخطير مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بعدة ملفات.

وعليه، سنعرض فيما يلي لأبرز الدوافع التي تقف وراء تكثيف الضغوط من قبل البرلمان الإيراني على روحانى:-

أولاً-  تدهور الوضع الاقتصادي

كانت خطة العمل المشتركة الشاملة أو ما يعرف بالاتفاق النووي الذى وقعته طهران مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عام 2015  بمثابة المنقذ للاقتصاد الإيراني؛ حيث هرول عدد كبير من الشركات الأجنبية متعددة الجنسية إلى السوق الإيراني، الأمر الذي تمخض عنه عقد إيران عشرات العقود لمشروعات استثمارية كبيرة كان من شأنها تحسين وضع الاقتصاد الإيراني بنسبة كبيرة. ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن ووعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بالخروج من الاتفاق النووي، وهو الأمر الذي نفذه بالفعل بعد قدومه إلى البيت الأبيض في مايو لعام 2018.

وعليه، تسبب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض ثلاث موجات من العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران إلى عودة هذه الأخيرة إلى المربع صفر، مما أدى لانخفاض قيمة العملة الإيرانية، ارتفاع الأسعار وزيادة نسبة التضخم والبطالة. وهو الأمر الذي ظهرت على إثره مجموعة من الاحتجاجات تمثل أخرها في تجمهر إيرانيون غاضبون على خدمة بيع الدولار أمام مقر البنك المركزي في 14 يونيو 2020 مرددين هتافات تطالب باستقالة محافظ البنك المركزي عبد الناصر همتى؛ حيث أودع بعض المواطنين أموالهم في مؤسسة "نيمائي" المدعومة من المصرف المركزي، على أمل الحصول على فوائد أو أراضٍ، لكن لم تُدفع لهم أية فوائد بل تمت مصادرة أموالهم بسبب إفلاس المؤسسة(1).

كما أشارت بعض المصادر الاقتصادية في إيران إلى أن طهران تعانى من موجة غلاء وارتفاع الأسعار، في أسواق الفاكهة والخضار والعقارات والأجهزة المنزلية. وهو ما تحول إلى حالة من القلق بسبب التضخم والغلاء، بالتوازي مع المخاوف المتصاعدة جراء تفشي فيروس كورونا في جميع أنحاء البلاد. في السياق ذاته، يأتي التدهور الاقتصادي بالتزامن مع الكشف عن حملات كبيرة من الفساد في إيران؛ حيث تم الترويج في 7 يونيو 2020 لمحاكمة نائب رئيس القضاء السابق أكبر طبري وشركائه على خلفية تورطه في إدارة شبكة  مكونة من 21 شخصًا بقضايا فساد، تبييض الأموال، استغلال النفوذ وتلقي الرشاوى(2).

ثانيًا- قرب الاستحقاقات الرئاسية

يمكن القول أن التيار المحافظ في إيران يرغب في انتهاز الفشل الذي منيت به حكومة روحانى على خلفية الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي في مايو لعام 2018 ، لتثبيت سيطرته على مؤسسات الحكم في إيران، ويأتي ذلك في خضم النجاحات التي حققها هذا التيار ولاسيما فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية التي عقدت في فبراير لعام 2020؛ حيث حصل مرشحي التيار المحافظ على 191 مقعدًا، 16 مقعدًا للتيار الإصلاحي و34 مقعدًا للمستقلين، وهو الأمر الذي فرض سيطرة شبه كاملة من قبل التيار المحافظ على مجلس الشورى الإسلامي(3).

في السياق ذاته، أدى فوز عمدة طهران ومسئول الحرس الثوري السابق محمد باقر قاليباف بمنصب رئيس البرلمان الإيراني، في التصويت الذي جرى في 28 مايو 2020 في ظل منافسة شديدة مع  العضو البرلماني السابق حميد رضا حاجي بابايي الذي انسحب في النهاية لصالح قاليباف، تحديات كبيرة للرئيس الإيراني حسن روحانى تمثلت في ملاحقة  التيار المحافظ له من خلال الترويج لقضايا الفساد والتضييق على الحريات والعمل على تأجيج العلاقة بين الحكومة والمواطنين(4).

لذا، يمكن القول أن التيار المتشدد يشن حملة كبيرة في مواجهة حكومة روحانى يرغب من خلالها في التعويل على الفشل الكبير الذي منيت به حكومته بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي لحرمان التيار الإصلاحي الذي يعاني من ضعف كبير بالفعل من التعويل على إمكانية الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة والتي من المفترض عقدها خلال العام القادم.

ثالثًا- التصعيد مع واشنطن

يأتي الخلاف بين حكومة روحاني ومجلس الشورى الإسلامي الذي يسيطر عليه التيار المتشدد في ظل حالة من التصعيد غير المسبوق بين الولايات المتحدة الأمريكية وطهران ولاسيما فيما يتعلق بملفين أساسيين يتمثلان في قضية حظر السلاح والتقارير السلبية الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران. حيث ترى واشنطن ضرورة تمديد حظر السلاح الذي من المقرر انتهاءه في أكتوبر 2020، مبررة ذلك بأنه سيمنع إيران من تقديم الدعم العسكري للميليشيات التابعة لها في المنطقة، والتي تقوم بتهديد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها بشكل أساسي.

                وفي المقابل، أكدت طهران على أن رفع الحظر المفروض على استيرادها أو تصديرها للأسلحة هو أحد الحقوق المكتسبة لها بموجب الاتفاق، فضلاً عن أنه ليس من حق الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في هكذا قضية بحكم أنها أصبحت ليست طرفًا رئيسيًا في الاتفاق النووي بعد خروجها منه في مايو لعام 2018 . ومن ناحية أخرى، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع يونيو2020 عن أن مخزون طهران من اليورانيوم المخصب بات يتجاوز الحد المسموح به والمنصوص عليه في الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع دول (5+1) بنحو 8 أضعاف؛ حيث بلغت الكمية التي قامت إيران بتخصيبها في العشرين من مايو للعام الحالي 1571.6 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب، بينما الحدّ المسموح به هو 202.8 كيلوغراماً فقط(5).  وهو الأمر الذي رد عليه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في 16 يونيو الجاري، مؤكداً أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية جاء متأثراً بضغوط أمريكية – إسرائيلية، وعلق ظريف في ذلك من خلال تغريدة له على موقع تويتر، قائلاً:" إن الأمريكان وبالتعاون مع الكيان الصهيوني وبعض الدول الأخرى قاموا بتحركات خلال السنوات الأخيرة لممارسة الضغوط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتدمير الاتفاق النووي، ومن المؤسف شاهدنا أن التقرير الأخير للوكالة الدولية قد تأثر بجانب من هذه الضغوط، لذا، هناك حاجة ماسة للتعاون والتشاور مع القوى الكبرى لئلا نسمح بأن تؤثر هذه السياسة وتحقق هدفها وهو تدمير الاتفاق"(6).

الهوامش

1-     بوادر احتجاجات جديدة في إيران بعد موجة غلاء، الشرق الأوسط، 15 يونيو2020، متاح على الرابط التالي:

 https://cutt.ly/DpFNezC

2-     نائب رئيس القضاء الإيراني السابق يحاكم بتهمة إدارة شبكة فساد، الشرق الأوسط، 7 يونيو 2020، متاح على الرابط التالي:

 https://cutt.ly/NpFMuQI

3-     إيران: نسبة مشاركة هي الأضعف منذ عقود في انتخابات يتوقع أن يفوز فيها المحافظون بالأغلبية البرلمانية، فرانس 24، 21فبراير 2020، متاح على الرابط التالي:

 https://cutt.ly/apF1TTg

4-     انتخاب رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف على رأس مجلس الشورى، فرانس 24، 28مايو 2020 ، متاح على الرابط التالي:

 https://cutt.ly/tpF0BVB

5-     الطاقة الذرية: إيران تضاعف مخزون اليورانيوم وتمنع الزيارات الميدانية، وكالة الأنباء الألمانية (دويتشة فيله)، 5يونيو 2020، متاح على الرابط التالي:

https://cutt.ly/npF9L0Z

6-     ظريف: التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية متأثر بالضغوط الأميركية والصهيونية، وكالة تسنيم الدولية للأنباء، 16 يونيو 2020، متاح على الرابط التالي:

 https://cutt.ly/lpF3N5u