المركز العربي للبحوث والدراسات : دوافع متعددة .. الأزمة الليبية في الاستراتيجية الإيرانية (طباعة)
دوافع متعددة .. الأزمة الليبية في الاستراتيجية الإيرانية
آخر تحديث: السبت 27/06/2020 02:35 ص
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
دوافع متعددة .. الأزمة

على الرغم من عدم وجود مصالح مباشرة بين إيران وليبيا بحكم البعد الجغرافي وعدم وجود أقلية شيعية في طربلس، إلا إنه ظهرت بعض المؤشرات الهامة التى تؤكد سعى طهران لإيجاد موطئ قدم لها هناك، ولاسيما بعد عام 2011 قبيل أحداث الربيع العربي والإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي، على خلفية الكميات النفطية الهائلة التى تتمتع بها هذه الدولة، كونها سوق متعطش للمنتجات الإيرانية وبخاصة العسكرية منها، فضلاً عن أنها إحدى الساحات الهامة التي يمكن لطهران العمل من خلالها على مواجهة المحور الأمريكي- الخليجي المناوئ لها في عدد من العواصم العربية.

في السياق ذاته، ساهمت إيران بالتعاون مع بعض الدول الأخرى مثل تركيا وقطر في تأجيج الصراع في عدد من دول المنطقة ومن بينهم ليبيا؛ حيث سارعت طهران بعد سقوط معمر القذافي لمحاولة اختراق المجتمع الليبى ثقافيًا من خلال توجيه الشباب الليبي نحو الدراسة في الحوازات العلمية الموجودة بمدينة قم الإيرانية، واللافت للانتباه أن طهران لطالما تستخدم الجانب الثقافي كزريعة لنشر المذهب الشيعي والثقافة الفارسية، وهو الأمر الذي يتحول فيما بعد إلى اختراق سياسى واقتصادى.

أولاً- مواجهة المحور الأمريكى – السعودى

يمكن القول أن الرغبة الإيرانية بالتدخل في الصراع الليبي نابعة بالأساس من محاولاتها المستمرة لإضعاف المحور الأمريكي – الخليجي، على خلفية الدعم الكبير الذي يقدمه هذا المعسكر لقوات المشير خليفة حفتر، في الوقت الذى توجد فيه عدد لا بأس به من الملفات العالقة بين طهران وواشنطن، يتصدرها مستقبل الاتفاق النووي الذى خرجت منه الولايات المتحدة الأمريكية في مايو 2018، فضلاً عن الصراع الدائر بين طهران من ناحية وكل من واشنطن والرياض من ناحية أخرى بسبب الأنشطة التخريبية التى تهدف من خلالها الميليشيات المسلحة الموالية لطهران في المنطقة إلى تهديد المصالح الأمريكية والسعودية، على خلفية اعتبار إيران للرياض بمثابة المنافس التقليدي لها في الشرق الأوسط.

                يتوازى ذلك، مع تأكيد مساعد رئيس مجلس الشورى الإسلامي للشؤون الدولية أمير حسين عبد اللهيان في 8 يونيو 2020 على الدور السلبي الذى تلعبه كل من واشنطن وتل أبيب في الأزمة الليبية من خلال تغريدة له على موقع تويتر قال فيها:" أن ليبيا تحترق لعشرة سنين في نيران أزمة صنعها المحور الصهيو- أمريكي"، مضيفًا " إن استعادت ليبيا جبروتها التاريخي وحافظت على وحدتها الوطنية وسيادة كامل أراضيها وعاد السلام والاستقرار الى هذا البلد الاسلامي والعربي، فسيكون ذلك لصالح العالم الإسلامي والمنطقة"؛ حيث تدرك طهران جيداً أن مصير ليبيا سيكون كنظيرتها سوريا التى كانت ولازالت ساحة مفتوحة لبسط النفوذ من قبل جميع الحلفاء الإقليمين والدوليين، لذا، تحاول طهران إيجاد موطئ قدم لها هناك إنطلاقًا من موقع ليبيا الجغرافي المتميز الذي يعد نافذة هامة على القارتين الأوروبية والأفريقية(1).

والجدير بالذكر، أن ذلك يأتى في خضم مرحلة من المراحل شديدة الصعوبة التي تمر بها الدولة الإيرانية على الصعيدين الداخلى والخارجي، ولاسيما فيما يتعلق بجهودها الرامية إلى استعادة النفوذ في كل من العراق وسوريا التي تواجه فيهما إيران نوع من التطويق الأمريكي – الإسرائيلي – الخليجى وبخاصًة بعد اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى قاسم سليمانى في يناير الماضي الذى كان يعتبر بمثابة المسؤول الأول ومهندس العمليات الإيرانية في الخارج. 

ثانيًا- مصدر للموارد النفطية

تعمدت إيران إضافة بعض من الضبابية على موقفها إزاء القضية الليبية وعدم التدخل فيها بشكل مباشر على الأرض على خلفية إدراكها لأهمية ليبيا بالنسبة للأوروبيين ولاسيما فيما يتعلق بمصادر النفط والغاز الموجودة في البحر الأبيض المتوسط، في ظل احتياجها الشديد لهم للوقوف إلى جانبها في مواجهة الضغوط الأمريكية والحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني الذى تعول طهران على إمكانية عودة واشنطن إليه بعد انتهاء الفترة الرئاسية الحالية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال العام الجارى، ومجئ أخر ديمقراطي.

في السياق ذاته، يمكن قراءة ذلك في ضوء الرغبة الإيرانية في الحصول على نصيب من الغاز الموجود في المناطق التي تسيطر عليها القوات التابعة لحكومة الوفاق، على خلفية حاجة هذه الأخيرة لتصريف منتاجاتها النفطية، الأمر الذى لن يتم إلا عبر السوق السوداء التي تعى طهران كل خباياها نتيجة العقوبات الأمريكية والدولية التى فرضت عليها لفترة طويلة من الزمن، مع إمكانية التنسيق مع تركيا التى باتت أحد اللاعبين الأساسيين على الساحة الليبية ولاسيما فيما يتعلق بالدعم  الذى تقدمه لرئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج(2). 

ثالثًا- سوق للسلاح

أثيرت بعض الاتهامات الموجهة إلى طهران بالتورط في الصراع الليبي في الفترة اللاحقة على أحداث الربيع العربي في عام 2011، على خلفية نشر مسلحين موالين لحكومة الوفاق الليبية صوراً لأسلحة وبعض الصواريخ التى تشبه 302M بعيد المدى، الأمر الذى أثار عدة تساؤلات حول علاقة إيران بهذه الميليشيات المسلحة. وما يعزز هذه الفرضية هو أن ذلك يأتى بعد أيام قليلة من ضبط سفينة إيرانية تابعة للحرس الثورى مدرجة على قائمة العقوبات الامريكية والأوروبية المفروضة على إيران متجهة نحو ميناء مدينة مصراته الليبية، والتي أظهرت بعض الصور التى تم التقاطها من داخل السفينة أنها محمّلة بآلاف الصواريخ المطابقة للصاروخ  M302الذي ظهر لدى قوات حكومة الوفاق، والجدير بالذكر، أن صاروخ 302M من نوعية صواريخ تستخدمها جماعة الحوثى اليمنية، والذى أكدت طهران فيما بعد أنه صناعة إيرانية(3).

 على الناحية الأخرى، أكد مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون خلال رسالة بعثها إلى مجلس الأمن في 8 مايو الفائت على  إمداد طهران لقوات خليفة حفتر بأسلحة متطورة، على خلفية التقاط بعض الصور للمسلحين الموالين لحفتر وبحوزتهم أسلحة إيرانية الصنع من طراز "دهلاوية"، الذي يعتبر بمثابة نسخة معدلة من "الكورنت" الروسي. وعليه، يتضح مما سبق مدى الاستغلال الإيراني للحرب الدائرة في ليبيا لبيع السلاح، فضلاً عن التورط في دعم الميليشيات التابعة لكلا الطرفين المتصارعين(4).

الهوامش:

1-      أمير عبداللهيان: ليبيا تحترق لعشرة اعوام في نيران شعلتها أمريكا والصهاينة، وكالة أنباء مهر، 8/6/2020، متاح على الرابط التالي: https://cutt.ly/aiubNh7 .

2-      أحمد فاروق، ما هي حدود الدور الإيراني في الساحة الليبية؟ مركز الانذار المبكر، 18/6/2020، متاح على الرابط التالي: https://cutt.ly/ziumy0N .

3-      ليبيا.. هل توجد علاقة بين إيران وصواريخ الوفاق المدمرة؟ 20/5/2020، عربية.نت، متاح على الرابط التالي: http://ara.tv/pqnex .

4-      هوامش حول اتهام إسرائيلي لإيران بإرسال أسلحة متطورة إلى حفتر، 21/5/2020، عربي-21، متاح على الرابط التالي: https://cutt.ly/aiuWQpU