المركز العربي للبحوث والدراسات : تركيا تنظر إلى أوروبا والولايات المتحدة من أجل دعم استقرار اقتصادها المجروح (طباعة)
تركيا تنظر إلى أوروبا والولايات المتحدة من أجل دعم استقرار اقتصادها المجروح
آخر تحديث: الأربعاء 17/06/2020 12:59 ص دان أربيل.. ترجمة: أحمد سامي عبد الفتاح
تركيا تنظر إلى أوروبا

بسبب تراجع أداء الإقتصاد التركي، يشعر الرئيس أردوغان بضغط كبير من أجل إعادة الإقتصاد إلى ما كان عليه قبل تراجع سعر الليرة، لكنه يرفض في الوقت ذاته الحصول على مساعدات مالية خارجية. في مارس الماضي، تم اكتشاف أول حالة فيروس كورونا في البلاد، لكنّ الأعداد أخذت في التنامي حتى وصلت إلى أكثر من 163 ألف وأكثر من 4000 حالة وفاة.

وقد اتسم رد فعل الرئيس التركي بالبطء نوعا ما، حيث احتاج إلى عدة أيام قبل أن يقوم بفرض إجراءات قاسية خاصة بالتباعد الإجتماعي، إغلاق المحلات وفرض حظر تجوال عام في عدد من المدن. وبعد نحو ثلاثة شهور، تشير الإحصائيات أن أرقام الإصابات والوفيات بدأت بالتناقص بشكل ملحوظ.

في 1 يونيو، تم رفع عدد من القيود التي كانت مفروضة على السفر، المطاعم، المنشآت الرياضية، المتاحف، الشواطئ، فضلا عن  المزار الكبير بمدينة اسطنبول. وتدل هذه الإجراءات أن الدولة تتجه تدريجيا للعودة إلى ما كانت عليه قبل مارس الماضي، حيث تم اكتشاف أول حالة بفيروس كورونا.

مؤشرات اقتصادية تثير الإهتمام

إضافة إلى التحدي الصحي الذي تواجهه الدولة بسبب فيروس كورونا، نجد أن الإقتصاد التركي قد تضرر بشكل كبير خلال الفترة الماضية، حيث خسرت الليرة التركية 13% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي في بداية 2020، ما ساهم في رفع الدين العام وتقليص الإحتياطات من النقد الأجنبي، فضلا عن زيادة معدلات البطالة التي بلغت 13.4% في يناير 2020.

بسبب كورونا، تم تعليق النشاط السياحي، الذي يعد مصدرا للعملة الصعبة لتركيا، كما تم اغلاق كل أنواع العمل الغير ضروري، ما دفع الحكومة التركية لإنفاق مليارات الليرة لمواجهة الأضرار التي نجمت عن ذلك. ولعل المخاوف الثلاثة التي تؤرق الأتراك هي تراجع سعر صرف قيمة عمليتهم المحلية أمام الدولار، ارتفاع معدلات البطالة، فضلا عن تراجع الإحتياطي الأجنبي.

في 6 مايو، تراجعت الليرة إلى أدني مستوى لها، حيث بلغت 7.26 مقابل الدولار الواحد، كما ارتفع معدل البطالة ليصل إلى 17.2%. أيضا، تقلصت الإحتياطات النقدية الأجنبية لتصل إلى 77.4% مليار دولار(الأقل منذ عام 2009، وفقا لصندوق النقد الدولي). وفقا لهذه المؤشرات، فقد توقع عدد من المحلين أن يشهد الإقتصاد التركي كسادا خلال عام مقبل على الأقل، خاصة أن الرئيس التركي قد رفض بشكل قاطع اللجوء إلى صندوق النقد الدولي بسبب الذكريات السيئة التي جمعت الصندوق بالإقتصاد التركي خلال عام 1998، حينما فرض الصندوق على تركيا اتخاذ اجراءات تقشفية قاسية أضرت بالفئات الأقل دخلا. وفي هذا الصدد، يتضح أن الرئيس التركي يعلق أماله بشكل كبير على إنشاء خطوط لتبادل العملات المحلية مع عدد من الدول.

العلاقات مع الإتحاد الأوروبي

بمناسبة اليوم الأوروبي، أرسل الرئيس التركي رسالة إلى الإتحاد الأوروبي حملت نبرة تصالحيه، حيث عبّر الرئيس التركي عن دعم بلاده لما تواجهه أووربا جراء فيروس كورونا، كما أبرز دعم بلاده لعدد من دول الإتحاد خلال مواجهة المرض. وقد ذّكر الرئيس التركي الإتحاد بأنه قد اتخذ عدد من الإجراءات التمييزية والإقصائية ضد تركيا، إلا أن الطرفين رغم ذلك يقعان في قارب واحد. وقد اتضح من هذه الرسالة أن الرئيس التركي يدرك أن الوقت قد حان من أجل إصلاح العلاقات التركية الأوروبية، مؤكدا أن بلاده تصر على الحصول على عضوية كاملة داخل الإتحاد الأوروبي في المستقبل.

بعد ذلك بعدة أيام، خرج وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ليؤكد أن العلاقات الأوروبية التركية يجب أن تتم إعادة هيكلتها مع التأكيد على عدة محاور أساسية، وهي الإتحاد الجمركي واتفاق المهاجرين الذي وقع في مارس 2016. ويشير التغيير في لهجة المسئولين الأتراك إلى رغبتهم في الحصول على دعم مالي أوروبي من أجل تجاوز محنتهم الإقتصادية.

من الجدير بالذكر أن العلاقة بين الطرفين قد تضررت بشكل كبير بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة التي وقعت في 2016، حيث تتهم أوروبا تركيا بتقويض المؤسسات الديمقراطية وفرض قيود على حرية التعبير والرأي. كما عزز الغزو التركي لشمال سوريا في خريف 2019 الخلافات بين الطرفين.

بالتأكيد، لم يكن التدخل التركي في ليبيا بمعزل عن زيادة الشد والجذب بين الطرفين، خاصة أن التدخل في ليبيا يرتبط بشكل رئيسي بالصراع على الغاز في شرق المتوسط. ردود فعل المسئولين الأوروبيين كانت إيجابية، حيث أكد عدد منهم أن الإتحاد يدرس تقديم حزمة دعم إقتصادي لجيران الإتحاد، لكنه لم يتخذ قرارا نهائيا بعد. كما أكد الإتحاد الأوروبي مجددا عزمه على مواصلة مفاوضات إنضمام تركيا للإتحاد مرة أخرى، خاصة بعد أن عدد من المعايير السياسية والإقتصادية.

العلاقات مع الولايات المتحدة

ويعد البنك الفيدرالي الأمريكي هدفا آخرا للرئيس التركي من أجل الحصول على تمويل خلال الفترة المقبلة من خلال تبادل العملات لتزويد الإقتصاد التركي بالدولار من أجل الحفاظ على سعر صرف الليرة. ورغم أن الفيدرالي الأمريكي قد اتخذ إجراءات غير مسبوقة من أجل تسهيل تمويل بعض الدول إلا أن تركيا لم يتم تضمينها مطلقا في هذا الأمر. وقد أشار مسئول أمريكي أن أنقرة قد فتحت جبهة مفاوضات مباشرة مع البنك الفيدرالي الأمريكي، لكنه أكد في الوقت ذاته أن التمويل سوف يعتمد على معايير إقتصادية وليست سياسية.

في هذا الصدد، حاولت تركيا تقليل حدة التوتر مع الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية من خلال إرسال دعم طبي لمواجهة فيروس كورونا، كما أسقطت بهدوء وعدها السابق بتفعيل منظومة إس 400 الروسية الذي كان من المفترض أن يتم في إبريل الماضي. علاوة على ذلك، بدأ الطرفان تنسيق جهودهما في سوريا، كما اتفقا على عدم السماح للنظام السوري بالسيطرة على ادلب. وقد اتفق الطرفان على تقديم الحل السياسي في سوريا ومقاومة المحاولات الإيرانية للتمدد. وبينما لا تستهدف إيران تركيا بشكل مباشر، إلا أن أنقرة لا تعتبرها دولة صديقة رغم التعاون التجاري الكبير بين الطرفين.

على الرغم من ذلك، لا تزال الخلافات قائمة بين الطرفين في شمال سوريا، حيث يمتلك الطرفان رؤى متناقضة بخصوص الأكراد. كما ساهم تطوير العلاقات التركية الروسية في زيادة التوتر التركي مع واشنطن. كما اعتبرت الولايات المتحدة منظومة اس 400 تهديدا مباشرا لطائرة اف 35 التي تعد الإستثمار العسكري الأكبر للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

هل سيؤتي هجوم أردوغان ثماره ؟

خلال الأيام الأخيره، صعدت الليرة التركية لتحقق 6.82 مقابل الدولار. وقد أرجع بعض المحللين ذلك لسياسة تبادل العملات بين أنقرة والدوحة، خاصة أن قيمة التبادل بلغت 15 مليار دولار. وحتى هذه اللحظة، لم تثمر محاولات أردوغان التقاربية مع أوروبا وأمريكا عن أي نتيجة تذكر. و بينما ترفض تركيا ماعدة صندوق النقد الدولي، تصر الولايات المتحدة وأوروبا على فرض معايير إقتصادية من أجل الموافقة على تبادل العملات. على الرغم من ذلك، يصر أردوغان على عدم إجراء تغييرات في سياساته الإقتصادية، ما يجعله بعيدا عن المعايير التي تضعها مؤسسات النقد الأوروبية والأمريكية. ورغم مساعدة القطريين، إلا أن الإقتصاد التركي لا يزال في حاجة لمصادر دعم مالية إضافية. كما أن الزيادة الطفيفة التي حققتها الليرة التركية سوف تتعرض لإختبار حقيقي خلال الأيام القادمة.


,Dan Arbell, Turkey looks to Europe and US to help stabilise its wounded economy, 1 june 2020, at:

https://www.iiss.org/blogs/analysis/2020/06/turkey-economy?fbclid=IwAR2itAkmZSgOf70X5EXMTlJ0ndVY0YXqhyXthy6Jx8ZUyQzmDMQDvb-C_SU