المركز العربي للبحوث والدراسات : كيف يمكن لفيروس كورونا أن يؤثر على المجتمعات متعددة العرقيات؟ (طباعة)
كيف يمكن لفيروس كورونا أن يؤثر على المجتمعات متعددة العرقيات؟
آخر تحديث: الخميس 23/04/2020 03:10 ص جريث نوبرت، ترجمة: مصطفى صلاح
كيف يمكن لفيروس كورونا

هناك العديد من المؤشرات على أننا نعيش اليوم في عالم من التفرقة والعنصرية والتي وضعت بعض الأشخاص من بعض الدول في العالم في موضع غير متناسب مع باقي المجتمعات وخاصة فيما يتعلق بتقديم الخدمات الصحية بالإضافة إلى تدهور الظروف المعيشية ونقص الفرص الأساسية للصحة والرعاية.

                    وليس من المستغرب أن وباء COVID-19 ألقى الضوء على هذه المشكلة حتى داخل أكثر المجتمعات تمدينًا وهي الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث هناك ملمح أساسي وهو أن المجتمعات الفقيرة تمثل أكثر المجتمعات انتشارًا للفيروس المستجد وبصورة مرتفعة بين الأمريكيين الأفارقة مقارنة بالبيض، وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست على سبيل المثال ، أنه في حين أن 14 ٪ من سكان ميتشجان هم من الأفارقة السود، فإن 40 ٪ من وفيات فيروس COVID-19  منهم.

                    وليس غريبًا أن يكون هذا هو النمط المألوف لعلم الأوبئة الاجتماعية والأمراض المعدية، وفي سياق الوباء الحالي، فمن المرجح أن يحصل السود على وظائف منخفضة الأجر لا تسمح بخيارات العمل عن بعد أو تقدم تأمينًا صحيًا أو إجازة طبية مدفوعة الأجر، وهو ما ساهم في ظهور هذه النتيجة.

لا ثروة ، إذن صحة سيئة

                    يتحمل الفقراء والمهمشون بالفعل بشكل غير عادل عبء الكثير من هذه الأمراض مثل أمراض الجهاز التنفسي الربو وأنواع معينة من السرطان والسكتة الدماغية وأمراض القلب والأوعية الدموية، ويبدو أن هذا الوباء المستجد لا يختلف والفقر في الولايات المتحدة مرتبط كثيرًا بالعرق والإثنية.

                    إن الصلة بين الفقر والأمراض المعدية موثقة جيدًا؛ حيث تبلغ نسبة دخول المستشفيات المرتبطة بالإنفلونزا في الأحياء ذات الدخل المنخفض ضعف مثيلاتها في الأحياء ذات الدخل المرتفع، كما أن دخول المستشفيات للأطفال من الالتهاب الرئوي البكتيري أعلى بكثير في الأحياء ذات الدخل المنخفض مقارنة بالأحياء ذات الدخل المرتفع، وينطبق الشيء نفسه إلى حد كبير على مرض السل في الولايات المتحدة حيث يستمر الانتقال الفعال للسل في الأحياء الفقيرة - وهي أنماط لا تعود ببساطة إلى عدد أكبر من الناس الذين يعيشون في هذه المناطق.

                    على سبيل المثال يرتبط السل بصورة خاصة منذ فترة طويلة بالحالة الاجتماعية والاقتصادية، وخلال مواجهة وباء السل المنتشر في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين كان هناك نمط ملحوظ؛ حيث كان الأشخاص المهاجرون والذين يعيشون في بيئات فقيرة أكثر عرضة للإصابة بالسل وأقل احتمالية لتلقي الرعاية.

                    وبناء عليه تقدم حالة السل محور بالغ الأهمية لفهم كيفية ظهور هذه الفوارق، والعمليات المرتبطة بها على المستوى المجتمعي، مثل عمليات الفصل السكاني التي تم تنفيذها منذ أوائل القرن العشرين، وقد وضعت هذه العمليات بشكل منهجي السكان من الأقليات العرقية والإثنية في المجتمعات ذات الدخل المنخفض بموارد أقل ومزيد من التعرض للمخاطر البيئية ومن بينها الأوبئة.

الاستبعاد الممنهج

                    استفادت المجتمعات الحضرية للعرق الأبيض من عمليات التنمية في القرن العشرين بشكل منهجي، وهو الأمر الذي أدى إلى تشريد باقي الأجناس الأخرى، وساهم ذلك أيضًا في وجود مجتمعات أقلية ذات نسب أكبر في الكثير من الأحياء المتدنية منخفضة الجودة والفقر مع آثار مباشرة على مخاطر الأمراض المعدية اللاحقة، وبالتالي يتم وضع السكان غير البيض بشكل غير ملائم في ظروف تزيد من تعرضهم لمسببات الأمراض المعدية، وتحد من قدرتهم على الوصول إلى الرعاية الصحية للتخفيف من آثار الأمراض والأوبئة.

                    ومن ناحية أخرى فإن نقص الموارد أيضًا في المجتمعات ذات الدخل المنخفض يزيد من الانتشار الكبير للحالات المزمنة، على سبيل المثال فإن الأحياء والمدن ذات الدخل المنخفض التي تقل فرص الحصول على الغذاء الصحي وفرص أقل للنشاط البدني لديها معدلات أعلى من ارتفاع ضغط الدم والسمنة ومرض السكري، وغالبًا ما تؤدي هذه الحالات المزمنة إلى ضعف المناعة، مما يجعل الأفراد أكثر عرضة للأمراض المعدية.

التمييز الاجتماعي

                    يعد التمييز الاجتماعي واحدًا من أكثر الآثار السلبية للعيش في مجتمع منخفض الدخل هي الخسائر المزمنة وخاصة تلك المتعلقة بجهاز المناعة؛ حيث يؤدي الحرمان الاجتماعي والاقتصادي من خلال التمييز وعدم الاستقرار في العمل والسكن وانعدام الأمن الغذائي إلى زيادة الضغط المجتمعي، ومن ثم يمكن أن تنشط الأمراض المعدية مثل السل أو COVID-19 بين السكان الذين يعيشون في مجتمعات منخفضة الدخل على حد سواء بسبب زيادة التعرض لمسببات الأمراض المعدية وانخفاض قدرة الأفراد على مكافحة العدوى.

                    ويبدو أن COVID-19 يمتلك نفس التأثير مثل السل. إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لمواجهة تداعياته فإن التفاوتات التي نراها ستزداد فقط في الأشهر والسنوات القادمة، وفي النهاية فإنه في حين أن الأمراض المعدية مثل السل ، أو COVID-19 يمكن أن يزيد من التفاوتات الصحية، فمن شبه المؤكد أنها ستؤدي إلى تفاقم تلك الموجودة وهو ما يسلط الضوء من جديد على عواقب عدم المساواة التي اعتدنا عليها جميعًا.

 

المرجع

 

Grace A. Noppert, How Coronavirus Is Disproportionately Impacting Black and Poor Communities, April 13, 2020, at:

https://nationalinterest.org/blog/buzz/how-coronavirus-disproportionately-impacting-black-and-poor-communities-142482