المركز العربي للبحوث والدراسات : مأزق اليمن .. ومحددات التصعيد الإيراني السعودى في الشرق الأوسط (طباعة)
مأزق اليمن .. ومحددات التصعيد الإيراني السعودى في الشرق الأوسط
آخر تحديث: الإثنين 13/04/2020 07:14 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
مأزق اليمن .. ومحددات

ظهرت موجة من التصعيد المتبادل بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران على خلفية رغبة المملكة في تنفيذ اتفاق الرياض الذي عقدته السعودية بين التحالف الدولى لدعم الشرعية والمجلس الانتقالى الجنوبي المدعوم من قبل الإمارات العربية المتحدة، وهو الأمر أثار غضب قيادات جماعة الحوثي، وأدى إلى استهدافها مدنيين في مدينتى الرياض وجازان السعوديتين.

في السياق ذاتِه، تم إثارة عدد من الملفات الخلافية التي زادت من حدة التوتر الموجود بالفعل بين المملكة العربية السعودية وإيران والتي يتصدرها حقوق الإنسان وتّرصد كل منهما للأخرى للكشف عن مساوئ كل من نظام ولاية الفقيه وآل سعود، وهو الأمر أدى بكل من الرياض وأبوظبي لتحريك الدول العربية في مواجهة الأنشطة التخريبية الناتجة عن تغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة.

أولاً- الإستهداف الصاروخى...بين تهديد المصالح والرغبة في الإنتقام

وجهت المملكة العربية السعودية إنتقادات حادة لجماعة الحوثي اليمنية على خلفية تمكن قوات التحالف الدولى لدعم الشرعية باليمن من تدمير طائرات من دون طيار (مسيّرة) أطلقتها ميليشيات الحوثي في 27 مارس 2020  باتجاه بعض المنشآت المدنية المزدحمة بالسكان بمدينة أبها وخميس مشيط في السعودية، الأمر الذي أسفر عن بعض الإصابات بين المدنيين. وتكرر الأمر مرة أخرى في 29 مارس من العام ذاتِه، بعدما أعلنت المملكة العربية السعودية بأن قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي اعترضت صاروخين بالستيين أطلقتهما الميليشيا الحوثية من مدينتى صعدة وصنعاء اليمنيتين باتجاه  بعض المبانى المأهولة بالمدنيين في مدينتى الرياض وجازان السعوديتين الأمر الذي أسفر عن سقوط بعض الشظايا على المدنيين نتيجة تدمير الصاروخين(1).

وهو الأمر الذي رد عليه تحالف دعم الشرعية في اليمن الذي تقوده المملكة العربية السعودية في 30 مارس 2020، من خلال إطلاق عدة غارات على مقار عسكرية تابعة لميليشيات الحوثي في العاصمة صنعاء والحديدة؛ الأمر الذي شمل مخازن أسلحة، طائرات مسيرة، ومواقع للحرس الثوري في اليمن، حيث يوجد في هذه المناطق تخزين وتجميع وتركيب الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، وأماكن تواجد الخبراء من الحرس الثوري الإيراني ومخازن الأسلحة. تأسيسًا على ما سبق، يتضح أن طهران لازالت تنفذ تهديداتها التى توعدت بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة والذين يأتى على رأسهم المملكة العربية السعودية بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيراني في العراق مطلع يناير 2020 من العمل على تهديد مصالح واشنطن وحلفاءها في المنطقة لسنوات عدة قادمة(2).

يتوازى ذلك، مع تزايد حدة التصعيد بين طهران من ناحية وكل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية من ناحية أخرى، على أن تتصدر أزمة فيروس(كوفيد19) المعروف بكورونا أهم هذه الملفات الخلافية؛حيث تتهم واشنطن طهران بعدم قدرتها على إدارة الأزمة بشكل جيد، الأمر الذي أدى لزيادة عدد الوفيات والإصابات داخل إيران، وهو ما ردت عليه طهران بإتهامات مماثلة لاسيما فيما يتعلق بتعنت واشنطن ورفضها لمطالب إيران المتمثلة في رفع العقوبات الاقتصادية، وهو ما علق عليه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو،  بأنه لايمكن الوثوق بالنظام في توجيه أي أموال قد يحصل عليها من وراء تخفيف العقوبات إلى النشاط الإنساني، ولكن المؤكد أن النخبة ستسرقها أو ستوجهها إلى نشاط خبيث.

ثانيًا- حقوق الإنسان ...بين المكاشفة والتنديد

عولت الرياض في جلسات مجلس الوزراء السعودي المنعقدة خلال شهر مارس 2020 على سياسات الجمهورية الإسلامية فيما يتعلق بمكافحة كورونا، وبخاصة وضع السجناء من الأحواز السنة، لاسيما بعد إعلان منظمة حقوق الإنسان الأهوازية عن تأكديها إصابة سجينين بفيروس كورونا، كما أكدت على أن جميع السجناء أصبحوا مهددين بالإصابة نظرًا لإهمال السلطات الإيرانية في اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة لمنع انتشار هذا المرض. في السياق ذاته، أدانت الرياض تأخر السلطات الإيرانية في عزل وإسعاف المصابين الاثنين، فضلاً عن الامتناع عن إجراء فحوصات التأكد من الإصابة بعدوى كورونا لباقي السجناء الذين يعيشون مع المصابين في نفس الزنزانات، الأمر الذي يزيد احتمال انتقال العدوى إليهم(3).

كما كشفت وسائل الإعلام السعودي فيما بعد عن تكرار ظاهرة التمرد بين السجناء داخل السجون الإيرانية وهو الأمر الذي تكرر في 21 و 30 مارس 2020؛ حيث ظهر في المرة الأولى في سجن بارسيليون بمدينة خرّم آباد التابعة لمحافظة لورستان، أما في المرة الثانية، فحدث بسجن "عادل أباد" في شيراز على خلفية رفض مطالب السجناء المنادية بمنح أجازات أو إفراج مؤقت خشية تفشي فيروس كورونا داخل السجن(4).

يتوازى ذلك، مع شن المملكة العربية السعودية لحملة مماثلة كشفت من خلالها حجم الاغتيالات التي تقوم بها عناصر تابعة لجهاز الإستخبارات الإيراني لمعارضين إيرانيين في الخارج؛ حيث وجهت الحكومة النرويجية إتهامات في 25 مارس 2020 لطهران على خلفية تجنيدها لمواطنًا نرويجيًا من أصل إيراني يعمل لصالح المخابرات الإيرانية مع الاشتباه في صلته بالضلوع في مخطط لاغتيال شخصية معارضة من عرب إيران في الدنمارك(5).

وهو الأمر الذي تكرر مرة أخرى، في 28 مارس 2020 عندما وجهت الحكومة التركية إتهامات للسلطات الإيرانية على خلفية قيام ضابطين بالمخابرات الإيرانية بقتل المعارض الإيراني في إسطنبول مسعود مولاي وردنجاني بسبب انتقادات وجهها للقادة العسكريين والسياسيين بطهران، ولاسيما قادة الحرس الثورى(6). وفي المقابل، روجت الجمهورية الإسلامية لحملة مماثلة من خلال التركيز على موجة الاعتقالات التي قام بها ولى العهد السعودي محمد بن سلمان لبعض الأمراء من العائلة المالكة على خلفية رغبته في الانفراد بالسيطرة على زمام الحكم داخل المملكة وتصفية جميع المعارضين على حد قول المسؤولين الإيرانيين.   

ثالثًا- تحركات عربية بقيادة الرياض لمواجهة طهران

سعت الرياض لتكثيف جهودها فيما يتعلق بمواجهة السلوك الإيراني المزعزع لاستقرار المنطقة، الأمر الذي أدى لعقد جلسة للبرلمان العربي في 7 مارس 2020 للمطالبة بتشكيل إستراتجية عربية موحدة إزاء التدخلات الإيرانية التخريبية في دول المنطقة. وعليه، أدان رئيس البرلمان العربي الدكتور مشعل بن فهم السلمي خلال جلسة عقدت في جامعة عين شمس المصرية، الأعمال الإيرانية السلبية في دول الجوار ولاسيما داخل الإمارات العربية المتحدة والبحرين قائلاً:" إن التضامن العربي هو حجر الزاوية والسبيل الأمثل لمواجهة التحديات وتلبية متطلبات المرحلة الحالية لكافة الدول العربية، بما يحفظ أمنها واستقرارها ووحدتها ويُحقق نهضتها وتقدمها، في ظل التحديات الجسيمة التي تعيشها وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأزمات الاقتصادية الطاحنة، وتوظيف الطائفية وتكوين ورعاية الميليشيات داخل الدول العربية بغرض إضعافها وتفتيت وحدة مجتمعاتها"(7).

كما أصدرت اللجنة الرباعية العربية المعنية بتطورات الأزمة مع إيران والمكونة من (المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر ومملكة البحرين) في 4 مارس 2020 بيانًا على هامش اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته العادية رقم (153) أدانت فيه استمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، مستنكرة في الوقت ذاته، التصريحات الاستفزازية المستمرة من قبل المسؤولين الإيرانيين ضد الدول العربية. وأعرب رئيس اللجنة ووزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش، عن قلق الدول العربية إزاء استمرار الدعم الإيرانى للميليشيات التابعة لها في المنطقة، الأمر الذي يتضمن  استمرار عمليات إطلاق الصواريخ الباليستية إيرانية الصنع من داخل الأراضي اليمنية على المملكة العربية السعودية، الهجوم على منصات النفط التابعة لها والهجوم على سفن أبوظبي في بحر عُمان(8).

في النهاية: من الواضح أن القضية اليمنية ستظل حجر الزواية فيما يتعلق بالصراع الإيراني- السعودى في المنطقة، الأمر الذي يتمثل في تأكيد طهران على إنه على الرغم من الأزمات الطاحنة التى تمر بها في الداخل الإيرانى، إلا أنها لا يمكنها الاستغناء عن دعم الميليشيات التابعة لها في العواصم العربية لأنها تُعتبر بمثابة المصدر الأساسى الذي يستمد من خلاله نظام ولاية الفقيه في إيران شرعيته الرئيسية سواء في الداخل أو الخارج. ويتوازى ذلك، مع سعى المملكة العربية السعودية الحثيث نحو مواجهة النفوذ الإيراني الذي يهدف لتهديد مصالحها الحيوية في المنطقة، من خلال الكشف عن مساوئ نظام الجمهورية الإسلامية، خاصًة فيما يتعلق ببعض الملفات البارزة في ذلك والتي يترأسها حقوق الإنسان، اغتيال أفراد المعارضة الإيرانية في الخارج، فضلاً عن قمع الحريات في الداخل.

الهوامش

1-     التحالف يسقط طائرات حوثية أطلقت باتجاه السعودية، سكاى نيوز عربية، 27 /3/2020، متاح على الرابط https://cutt.ly/EtUSj2a .

2-     التحالف: استهدفنا مخازن صواريخ ومواقع للحرس الثوري باليمن، العربية.نت، 30/3/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/ztUSv9W

3-     توتر جديد في سجون إيران.. تمرد ونار في الأهواز، العربية.نت، 31/3/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/jtUSPlN .

4-     سياسة سادس تمرد في سجون إيران خشية كورونا، العين الإخبارية، 30/3/2020، متاح على الرابط التالى https://al-ain.com/article/iran-rebellion-virus-infection-prisons.

5-     الدنمارك تتهم نرويجيا بمساعدة المخابرات الإيرانية في تنفيذ مخطط اغتيال داخل بلادهم، الوفد، 25/3/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/ttUDeDm

6-     مسؤولون أتراك يتهمون طهران بقتل منشق إيراني في إسطنبول، أحوال تركية، 28/3/2020، متاح على الرابط التالى https://ahvalnews.com/ar/mswwlwn-atrak-ythmwn-thran-bqtl-mnshq-ayrany-fy-astnbwl/allaqat-altrkyt-alayranyt

7-     البرلمان العربي يطالب باستراتيجية موحدة لمواجهة إيران، العربية.نت، 3/3/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/PtUDnFC .

8-      وزير الخارجية يشارك في اجتماع اللجنة الوزارية العربية الرباعية ومتابعة تطورات الأزمة مع إيران في القاهرة، أخبار الخليج، 4/3/2020، متاح على الرابط التالى http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1202676