المركز العربي للبحوث والدراسات : المنطقة الآمنة .. أهداف السياسة التركية في سوريا (طباعة)
المنطقة الآمنة .. أهداف السياسة التركية في سوريا
آخر تحديث: الثلاثاء 31/03/2020 01:10 ص
د. شذى زكي حسن د. شذى زكي حسن
المنطقة الآمنة ..

الملخص

                إن فهم الأهداف التركية المتوخاة من إقامة المنطقة الآمنة يعين على إدراك كيفية وأهمية نشوء هذه  المنطقة على الحدود مع سوريا في ظل الرفض الدولي للتدخل العسكري واستمرار النزاع بين النظام والمعارضة  وتداعيات هذا النزاع على الأمن القومي  التركي. آخذين بنظر الإعتبار معايير عدة لاختيار الأرض الملائمة لتستضيف المنطقة الآمنة المحتملة، كالتوزيع الإثني والديني والمذهبي للسكان في المناطق الحدودية مع تركيا، إضافة إلى العلاقة القائمة بين سكان هذه المناطق والنظام السوري، ونظرة سكان هذه المناطق إلى تركيا، وطبيعة علاقتهم معها ومقاربتهم لخيار المنطقة الآمنة، فضلاً عن وجود أو انعدام وجود تنظيمات وخصوصاً حزب العمال الكردستاني في هذه المناطق التي قد تشكل تهديداً لأمن تركيا، من دون نسيان تأثير هذه المنطقة مستقبلاً على الاستقرار السياسي لسوريا.

المقدمة

   شكلت تطورات الحرب الأهلية السورية نقطة تحول مفتوحة الإحتمالات لإيجاد حل لها بفعل تشابك التدخلات الإقليمية والدولية وتعقيداتها السياسية والعسكرية وسعي كل القوى إلى تحقيق مصالحها ومحاولتها تجنب التصعيد وضبط الأحداث المتسارعة ، وبالأخص دول الجوار الجغرافي وفي مقدمتها تركيا التي تمتاز بعلاقات تتراوح بين التجاذب والتنافر مع سوريا حيث جددت دعوتها لإقامة المنطقة الآمنة في سوريا منذ كانون الاول 2019  عندما طرح الرئيس التركي أردوغان مشروع المنطقة الآمنة شمالي سوريا،  والذي سيكون حصرا تحت السيطرة التركية رافضا ضمنيا مقترحات وجود قوات دولية أو غربية فيها للفصل بين القوات الكردية والتركية.

  أن سعي تركيا لإقامة المنطقة الآمنة يأتي تحقيقا لأجندة ضم عملي لمناطق شمال شرق سوريا وإبعاد الوحدات الكردية عن حدودها وسحب أسلحتها ، في وقت تضغط فيه الأطراف الدولية على تركيا أن تقوم المنطقة الآمنة بتوافق دولي. وبتفهم مشروط لمخاوف تركيا من قبل الإتحاد الأوربي وإيران وروسيا والولايات المتحدة ، فقد وقعت تركيا إتفاقتين الأولى مع الولايات المتحدة في 17/ تشرين اول /2019، والثانية مع روسيا في 22/تشرين أول /2019 والتي أكدت تفهم الولايات المتحدة  وروسيا للمخاوف الأمنية المشروعة لتركيا وخاصة في شمال شرق سوريا والتنسيق على أساس المصالح المشتركة ودعم حقوق الإنسان وحماية المجتمعات الدينية والعرقية ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وأجنداته. وجدد الجانبان إلتزامهما بالحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية وحماية الأمن القومي لتركيا . وبذلك سيتم المحافظة على الوضع القائم حالياً باتفاقية آضنة. فتوالت العمليات العسكرية التركية بدءا بغصن الزيتون ودرع الفرات  ونبع السلام في 9 ت1 2019 الى تحقيق لهذا الهدف.

1- مشكلة البحث :- تحاول تركيا توظيف التناقضات في المواقف الأوروبية والأمريكية والروسية والإقليمية لتحقيق بعض المكاسب الميدانية عبر إنشاء المنطقة الآمنة والتي تمكنها من الإحتفاظ بدور فعال في التسوية الشاملة للأزمة السورية مستقبلًا .

2- أهداف البحث :- تسعى تركيا إلى استكمال ما بدأته في عام 2013 لإقامة منطقة آمنة في  شمال شرق سوريا رغم الضغوط الدولية معتمدة على النهج العسكري والدبلوماسي لإنشائها ، رغم مزاعمها أن هدف المنطقة الأساسي هو تحقيق الأمن لشمال سورية وعودة آمنة لمليون لاجىء سوري من تركيا، فيما أن غرضه التوسع في سورية باحتلال الجزء الشمالي منها وضمه إلى تركيا والتخلص من الأكراد، لمنع أي وجود لهم قرب الحدود التركية. وهو محاولة تركية لتوسيع نفوذها الإقليمي واستعادة مكانتها الدولية خاصة في ظل الإستقطابات الدولية.

3- أهمية البحث :- تكمن أهمية البحث في طبيعة الموضوع الذي يعالجه ، فهو من المواضيع التي تطرح نفسها بقوة في ظل متغيرات توازنات القوى الاقليمية والمنافسة الدولية في الشرق الأوسط وتجلياتها الواضحة في الأزمة السورية وتداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار السياسي في المنطقة العربية .

4-فرضية البحث :-  منذ اندلاع الازمة السورية تحولت سوريا إلى بؤرة للتوتر اجتذبت جماعات متطرفة ومرتزقة في حرب أهلية مزقت البلاد، كان لتركيا نصيب فيها. في البداية تدخلت لإسقاط نظام الأسد، لكنها في عام 2017 انضمت إلى كل من روسيا وإيران في قيادة عملية عسكرية وسياسية، تهدف إلى إعادة الاستقرار إلى سوريا. هذه العملية كان لها جناحان، سياسي هو المفاوضات، وعسكري هو إنشاء سلسلة من المناطق الآمنة أو مناطق تخفيف التوتر لإنهاء الحرب من جهة وتحقيق أهداف استراتيجية تمس الأمن التركي وتمدد النفوذ التركي في المنطقة العربية.

5- منهجية البحث :- بناءا على تقدم اعتمد البحث عدة مناهج منها الوصفي في عرض مشروع المنطقة الآمنة و توصيف الدول التي طرحت الفكرة ،  ومنهج التحليل السياسي في دراسة الدوافع الكامنة وراء المشروع والمنهج الإستشرافي لوضع مشاهد محتملة لأثر مشروع المنطقة الآمنة على التوازنات الدولية والإقليمية في الشرق الاوسط.

وفي ضوء ما تقدم يقسم البحث وفقا لما يلي :-

أولاً- طبيعة وحدود المنطقة الآمنة

                تعني المنطقة العازلة إقامة منطقة محددة تفصل بين طرفي نزاع تسيطر عليها قوة دولية، ويمكن أن تتصل بفرض حظر جوي. أما المنطقة الآمنة فلا تهدف عادة إلى الفصل بين أطراف النزاع، لكنها تهدف إلى توفير ملاذ آمن للمدنيين الفارين من أتون الحرب.(1)وتعرف منظمة هيومان رايتس ووتش المناطق الآمنة بأنها "مناطق تتوافق عليها الأطراف المتصارعة في نزاع ما، وتمتنع القوات المقاتلة عن دخولها أو شن هجمات عليها".(2) وتوفر هذه المناطق ملاذا للمدنيين المهجرين، حيث يمكنهم الحصول على الطعام والمأوى والرعاية الصحية والأمن بشكل أفضل من المناطق العالقة في الصراع. كما تمنع حركة الهجرة الجماعية إلى دول الجوار، الأمر الذي قد يشكل عبئا على البنية التحتية فيها ويشعل الخلافات السياسية.*

                أما الصراع في سوريا فقد أضاف عنصرا جديدا مهما إلى مفهوم المناطق الآمنة فيما يتعلق بإدارة الحرب مع تعدد الفاعلين الدوليين والإقليميين وتحركاتهم في اتجاهات متباينة التي تمازجت فيها المصالح والتنافسات الإقليمية والدولية ، وفتح مسارات متعددة لتسوية الصراع مما سمح للأطراف الإقليمية  بأن تلعب دورا محوريا فيها ومنهم تركيا التي إمتازت بقدرتها على التأثير في الساحة السورية. ولذا  اقترحت إنشاء المنطقة الآمنة وبعمق 20-30 ميلا داخل سوريا بحماية جوية وبحرية والتي تعدها الحل السياسي لمشكلة اللاجئين والمدنيين الفارين من الصراعات.

                 طرحت فكرة المنطقة الآمنة من وجهات نظر مختلفة  وبأوقات وظروف تمثل رؤى الدول المتنافسة على الساحة السورية وفقا لحسابات مصالحها الإستراتيجية ، فوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والقادة العسكريون الروس قدموا ميدانيا نموذجا جديدا للمناطق الآمنة يتجاوز نموذج حفظ السلام ، ونموذج أمن المدنيين في مناطق الصراع، نموذج "تخفيف التوتر" في سوريا، وهو يمثل آلية لإدارة الحرب بهدف وقف الاقتتال وفتح الطريق لتسوية سياسية  ويقود إلى خلق وضع سياسي جديد، يسمح للدولة المنهارة باستعادة سلطتها وسيادتها على أراضيها.(3)

                ويمكن القول بأن إنشاء مناطق تخفيف التوتر في سوريا قد بدأت فعليا اعتبارا من عام 2017 كمرحلة ثالثة من مراحل الإستراتيجية الروسية ، فالمرحلة الأولى كانت التدخل العسكري المباشر عام 2015، والمرحلة الثانية هي سلسلة مفاوضات سوتشي وجنيف وأستانة للتسوية السياسية، التي بدأت على التوازي مع  إنشاء مناطق تخفيف التوتر، والتي تم الإتفاق عليها في قمة سوتشي مايو 2017، التي تشمل الغوطة الشرقية في ريف دمشق التي يتواجد فيها مقاتلوا جبهة النصرة وتنظيمات أخرى، تضمنها روسيا وتديرها بالإشتراك مع الحكومة السورية. ومنطقة حمص وريفها الشمالي وتضمنها روسيا أيضا. والأهم إدلب، وتضم  ومناطق من محافظات اللاذقية وحماة وحلب. وتوجد أيضا منطقة رابعة في جنوب سوريا، وتضم درعا والسويداء والقنيطرة، وتتولى روسيا إدارتها بتفاهم مع الأردن وإسرائيل.(4)

                أما الإدارة الأمريكية فقد أيدت فكرة المنطقة الآمنة في كانون الأول 2018، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلحاق الهزيمة بـ "تنظيم الدولة الاسلامية"، وانسحاب القوات الأمريكية البالغ عددها ألفي جندي من سوريا.( بعد سنوات من الرفض للفكرة والتي طرحتها تركيا في عهد الرئيس أوباما). رغم قلق إدارة الرئيس ترامب عما قد يحدث للقوات الكردية دون وجود حماية أمريكية، فكتب الرئيس ترامب بعد عدة أيام من الإنسحاب ، تغريدة في صفحته في تويتر قال فيها إنه سيدمر تركيا اقتصادياً إذا فكرت بضرب الأكراد".(5) إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استغل التغريدة  ورد قائلا إن "القوات التركية مستعدة لإقامة منطقة آمنة شرقي سوريا بطول 32 كم داخل الأراضي السورية".(6)  وعادت القضية إلى الواجهة بشدة بعد أن استولت قوات سوريا الديمقراطية على آخر جيب الباغوز الذي كان يحتفظ به تنظيم داعش في آذار 2019. و لتبديد المخاوف الأمنية التركية ، توصل الجيش الأمريكي إلى اتفاق مع الجيش التركي للقيام بدوريات مشتركة في المنطقة الحدودية في إطار آلية أمنية اتفق عليها الطرفان في آب 2019. وأكدت الولايات المتحدة لاحقاً أن وحدات حماية الشعب سحبت الأسلحة الثقيلة من الحدود وفكت تحصيناتها هناك. وان الأكراد أظهروا التزامهم بآلية الأمن بعد أن تلقوا تعهدات من الجانب الأمريكي بأن تركيا لن تقوم بعملية توغل عسكرية في مناطقهم وأن الإدارة الأمريكية لن تتخلى عن الأكراد.(7)

                أما تركيا فطرحت مقترح إنشاء المنطقة الآمنة شمالي سوريا لأول مرة في آيار 2013، خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى واشنطن فقد أرادت أن تصنع واقعًا جديدًا ليس على المستوى السوري فقط , بل على مستوى الأمن القومي التركي ,انطلاقا من مصالها الإستراتيجية فهي إن نجحت في المعركة السياسية وإرضت الأطراف الفاعلة ولاسيما الولايات المتحدة فأنها ستكون صاحبة اليد الطولى في الشرق الاوسط ،  خاصة بعدما أدركت أن هدفها من التدخل إسقاط نظام الأسد لن يتم بالوسيلة العسكرية فقط ، فانضمت في عام 2017 إلى كل من روسيا وإيران في قيادة عملية عسكرية وسياسية، تهدف إلى إعادة الاستقرار إلى سوريا عبر سلسلة المفاوضات السياسية ، وإنشاء سلسلة من المناطق الآمنة لإنهاء الحرب. فأطلقت عملياتها العسكرية غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام وحصرت أهدافها في تطهير شرق الفرات من الجماعات المتطرفة، وحماية الأمن القومي التركي في المساحة الجغرافية الواقعة شمال الطريق الدولي M4 الاستراتيجي، الذي يربط الشمال السوري بعضه ببعض. وعلى الرغم من أن الطرح التركي للفكرة مجددا مع الاجتياح العسكري الاخير للحدود السورية أثار حفيظة كل من روسيا وإيران والولايات المتحدة  حول مدى إلتزامها بالتفويض المتفق عليه والذي يتضمن العمل على ضمان وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقلالها والذي بدا واضحا بالتوتر بين موسكو وواشنطن عندما أعلنت موسكو عدم علمها مسبقا بقرار الولايات المتحدة سحب قواتها من شمال شرق سوريا، بينما سارعت طهران إلى إجراء مناورات عسكرية على حدودها مع تركيا، تحسبا لأي تطورات غير متوقعة إلا أنه حقق الأهداف المرجوة منه مستفيدة من عوامل البيئة الإقليمية والدولية, ومنها أن أمريكا على استعداد لأن تغض الطرف عن دخول أنقرة للشمال السوري مقابل أن تتخلى أنقرة عن فكرة إسقاط النظام السوري وإن تترك الأمر للشعب السوري باعتباره صاحب القرار في ذلك وأن تقوم ببناء تلك المساحة , وتكون فيما بعد ملاذا للنازحين واللاجئين , ويتكفل الاتحاد الأوربي بتقديم الدعم مقابل إعادة قسم كبير من اللاجئين لتلك البقعة.(8)

                ومع  تعدد الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين على الساحة  السورية وتشابك وتعقد علاقاتهم توجب على تركيا أن تصل لنتائج مرضية مع أكراد الداخل  ومع دول الجوار ومع أمريكا وروسيا ، فعرضت مقترح هدف حماية المدنيين الفارين من النزاع السوري، وتوفير ملاذ آمن لهم من خلال منطقة آمنة وليس منطقة عسكرية عازلة. مؤكدة أن غاية هذه المنطقة حماية حدودها وشعبها من التهديدات الأمنية، وتطهير المنطقة من وحدات حماية الشعب التابعة لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا. ويندرج هذا المقترح ضمن مساع للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يبدأ بوقف الحرب وعودة اللاجئين.(9) حيث بدت تركيا عازمة على تنفيذ مقترحها بشأن شرق الفرات أمام المماطلة الأمريكية مع رفض تَكرار سيناريو اتفاق منبج الذي وقعته وواشنطن في حزيران 2018، الذي يقضي بانسحاب ما سمته "العناصر الإرهابية" إلى شرق الفرات وتشكيل مجلس محلي من سكان المدينة.(10) منذ الإعلان التركي الرسمي في منتصف كانون الأول 2018  ،فظهرت التساؤلات عن طبيعة هذه المنطقة وآلية تنفيذها وإدارتها.

                حددت تركيا هذه المنطقة على طول حدودها مع سوريا لإخراج التنظيمات المصنفة لديها إرهابية ومهددة لأمنها القومي من منطقة شرق الفرات. بامتداد ـ460 كم وبعمق 32 كيلومترا، على طول الحدود التركية السورية، على أن تضم مدنا وبلدات تتبع ثلاث محافظات سورية، هي حلب والرقة والحسكة، وأن تكون تحت سيطرة تركية كاملة على غرار ما حدث في مدينتي جرابلس والباب وعفرين. وتضم المنطقة الآمنة وفق الرؤية التركية المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرين (محافظة حلب)، وعين عيسى (محافظة الرقة) إضافة إلى مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، والمالكية (محافظة الحسكة)، وكذلك ستضم كلا من عين العرب (محافظة حلب)، وتل أبيض (الرقة) ، وسيجري توطين مليون سوري مقيم في تركيا في 200 ألف مسكن والبدء في خطة للإعمار في هذه المنطقة بتكلفة 27 مليار دولار. وتتضمن إنشاء 10 بلدات مركزية بتعداد سكاني يصل إلى 30 ألف نسمة لكل منها، وبناء مناطق صناعية فيها، بالإضافة إلى 140 قرية بطاقة استيعابية تصل إلى 5 آلاف نسمة لكل منها، وايجاد منطقة خالية من سيطرة حزب العمال الكردستاني عليها  حتى لا تتحول تلك المنطقة لخنجر في خاصرتها , ولكنها لا تمانع بأن يكون للأكراد السوريين دور فيها من خلال المجالس التي ستتولى قيادة المنطقة , ولكن الأكراد الذين على علاقة جيدة مع الأتراك ولديهم مقاتلون شاركوا في عملياتها العسكرية إلى جانب القوات التركية.(11) لكن لا يبدو أن لدى الطرف الأمريكي الرغبة في منح تركيا هذا التفوق الاستراتيجي، إذ عرضت واشنطن على أنقرة مناطق منفصلة بعضها عن بعض، بذريعة أن سكان تلك المناطق عرب وتركمان، مثل مدينتي تل أبيض وعين العرب، وبعمق 6 كيلومترات فقط.(12) هذا المشروع  لن يتم لمرحلة واحدة، وإنما ينقسم على عدة مراحل أولها الانتشار التركي في المنطقة الممتدة بين تل أبيض ورأس العين، بطول 120 كلم وعمق 30 كلم. وبخصوص باقي الشريط الحدودي، ممكن أن يستكمل من قبل الجانب التركي، بعد التوافق مع الأطراف التي تمتلك نفوذاً في المنطقة، للحصول على تأييد لها بالمزيد من التوسع. وهذا سوف يكون ضمن المسار التفاوضي الحالي التي تقوم تركيا بحثه مع الجانب الأمريكي والروسي، وأن كل تقدم تحققه أنقرة على مستوى المفاوضات السياسية، ينعكس على المستوى العسكري والميداني.

                تمتاز المنطقة الحدودية التركية – السورية المزمع إقامة المنطقة الآمنة عليها بثروات وحدودها السياسية تزيد في أهميتها وربما تعقد في مشكلتها فمشكلة المنطقة الشرقية والجزيرة الفراتية في سورية ليست في وصفها خزين سورية الإستراتيجي في المياه والزراعات الإستراتيجية والثروات الباطنية وعلى رأسها النفط والغاز ، بل في كونها كلمة السر في أي مشروع وحدوي بين سورية والعراق ، وهي المنطقة التي تتداخل وجودا وعدما في أمن واستقرار تركيا ، وهي الطريق الواصل أو المانع للتوسع الإيراني ، وهي لب (الكتلة الصلبة ) التي تمتد بين سورية والعراق.(13) وربما ستعمد تركيا بعد إقامة تلك المنطقة إلى "لبننة" اجتماعية ومن ثم سياسية , بمعنى أنها لن تسمح أن تكون تحت سيطرة مكون واحد , فهي لا تريدها كردية , ولا عربية لأن جنوب تركيا عربي أيضا , بل ديمقراطية توافقية , حيث وجود أعراق وقوميات وأديان مختلفة , وسوف تبقى تلك المنطقة مدة ربما تقارب الخمس سنوات , وفي مقابل ذلك سيكون ما تبقى من سورية تحت حكم النظام أو تساند الأقليات حتى توضع خارطة طريق لصناعة الاتحاد السوري أي أن الدولة المركزية في سورية قد انتهت فعلياً.

                أما التركيبة الديموغرافية للمحافظات السورية المحاذية للحدود التركية حيث يمكن أن تقام المنطقة الآمنة  تفترض مراعاة الأهواء السياسية لسكانها. بدءاً باللاذقية حيث يعيش التركمان السوريون في القرى الساحلية منها، تلك الواقعة على عمق نحو 70 كيلومتراً من الشريط الحدودي، وهذه القرى منتشرة بين القرى العلوية، بينما الشق الداخلي من اللاذقية تقطنه قرى سنية وهناك انعدام للثقة بين السنة والعلويين والتركمان في هذه المنطقة. والتركمان في اللاذقية معارضون للنظام، لكنهم لا يزالون هادئين حيث النظام قوي، والعلويون هم الغالبية.          وفيما تبدو اللاذقية منطقة مخاطرها منخفضة لإقامة منطقة آمنة فيها، لكون التركمان يعيشون في المنطقة الحدودية، إلا أنها تحمل مخاطر عديدة لاسيما وأن النظام  يسعى لأن يبقى قوياً فيها لأهميتها له، إضافة إلى أن المناطق التي يقطنها تركمان مختلطة أو مجاورة لقرى العلويين، ما قد يجعل المنطقة الآمنة هناك عرضة للاعتداءات. أضف إلى ذلك أن الطبيعة الجغرافية للاذقية ليست مناسبة لإقامة منطقة آمنة من ناحية السيطرة العسكرية عليها، بما أنها منطقة جبلية. حيث إحتضنت هذه الجبال مخيمات حزب العمال الكردستاني، ولا تزال المخاوف موجودة من استخدام هذه المنطقة لعبور رجال حزب العمال الكردستاني من سوريا إلى تركيا. في المقابل، لدى هذه المنطقة من ناحية احتمال إقامة منطقة آمنة فيها، قدرة على فتح المجال البحري للمساعدات الإنسانية غير الخاضعة للسيطرة السورية، بالتالي فهذا عامل أساسي لنجاح المعارضين. لكن، من جهة أخرى من شأن المجال البحري أن يضع المعارضة السورية والمنطقة الآمنة، خارج السيطرة التركية. فضلاً عن ذلك، إذا استغل النظام المشاكل بين العلويين والسنة العرب والتركمان، فإن نزاعاً مسلحاً كبيراً يصبح ممكناً. مما يجعلها قادرة على الحؤول دون نزاعات مسلحة بين العلويين والسنة.(14) وهناك إدلب ذات الغالبية السنية الساحقة، مع بعض القرى التركمانية، وهواها السياسي مؤيد للمعارضة السورية. وتؤيد الغالبية السكانية إقامة منطقة آمنة في إدلب، إضافة إلى أن المنطقة الحدودية بين إدلب وتركيا مؤلفة من مناطقة حرجية وجبلية بنسبة أقل من اللاذقية. في المحصلة، إدلب هي المنطقة الأفضل من ناحية السيطرة العسكرية عليها، وهي توفر القدرة الأفضل للمعارضة السورية لتنظم نفسها.

                من إدلب إلى حلب وسكانها المختلطين من عرب سنة ومسيحيين وأكراد وتركمان وأرمن وعلويين. ووفقا لمواقف هؤلاء من الحراك في سوريا يتواجد السنة العرب المنتفضون في الريف، أما المسيحيون العرب والأرمن فهم موالون للنظام أو بأحسن الأحوال حياديون، بينما التركمان معارضون للنظام، في مقابل انعدام فاعلية المشاركة الكردية في الحراك الشعبي.

                ونخلص إلى أن القرى والبلدات الحلبية المنتشرة على الحدود مع تركيا يقطنها عرب سنة وأكراد وتركمان، وهو ما يرجح الكفة لإقامة منطقة آمنة فيها. في المقابل  نجد أن حدود حلب مع تركيا، وهي عبارة عن 3 بلدات من الجهة السورية، هي الميدان وإقبيز وأزاز، هي منطقة خطيرة جداً لناحية التفكير في إقامة منطقة آمنة فيها، وذلك لأن سكان تلك المنطقة لا يحبذون ذلك الخيار، ولأن حزب العمال الكردستاني فاعل في هذه المنطقة المثلث، فضلاً عن أن طبيعة تلك المنطقة جبلية وحرجية. أما السكان الأكراد في حلب، فهم ينظرون إلى خيار إقامة منطقة آمنة في حلب كتهديد مباشر لهم. لكن، من الجهة التركية، يرى البعض أن إقامة منطقة آمنة في هذا المثلث حيث ينشط العمال الكردستاني، ستكون فرصة لعرقلة فعالية العمال الكردستاني.

                المنطقة الحدودية الأفضل في حلب، من وجهة النظر التركية لتحتضن منطقة آمنة، هي تلك الواقعة بين أزاز وجرابلس، بما أن الغالبية السكانية فيها من العرب السنة والتركمان، ولأن المعارضة قوية في هذه المنطقة. أضف إلى ذلك أن هذه المنطقة يسهل وصول اللاجئين إليها، لأنها قريبة من مناطق التمركز السكاني الكثيف. لكن مشكلة هذه المنطقة أن جغرافيتها المسطحة لا تسمح للمعارضة المسلحة بأن تنظم نفسها فيها.

                بالاتجاه إلى الرقة، نتوقف عند الغالبية السنية العربية التي تقطن شريطها الحدودي، إضافة إلى أقلية تركمانية وكردية، مع التشديد على أن البنية العشائرية في هذه المنطقة لا تزال قوية جداً، ويلفت إلى أنه إذا أُقيمت منطقة آمنة على الحدود مع الرقة، فقد ينقلب موقف عدد من العشائر لتصبح ضد النظام السوري، جازماً بأن هناك أكراداً في غرب المحافظة، إلا أن فعالية العمال الكردستاني ضعيفة جداً في أوساطهم. من السهل السيطرة عسكرياً على هذه المنطقة؛ لأنها مسطحة وصحراوية، غير أن المشكلة الأكبر هي أنه يصعب وصول اللاجئين إلى هذه المنطقة والعيش فيها، بالتالي فلن تعطي إقامة منطقة آمنة هناك النتائج المرجوة، لكونه يجدر عبور نهر الفرات للوصول إلى الجزء الشمالي من الرقة بالنسبة إلى الآتين من المحافظات الأخرى.(15) أما الحسكة، التي يقطنها أكراد ومسيحيون وأرمن وعشائر عربية سنية (جبور وشمر)، فهي مصدر خطر كبير على تركيا؛ إذ إن الغالبية السكانية التي تقطن المنطقة الحدودية مع تركيا هي من الأكراد الذين لا يحبذون أبداً فكرة إقامة منطقة آمنة تركية في سوريا، رغم أن عدداً كبيراً منهم معارضون لنظام الأسد. ويبرز وجود خوف جدي من اندلاع معارك دموية بين العشائر العربية والسكان الأكراد في الحسكة إذا طرأ أي فراغ أمني أو سياسي في البلاد أو في المحافظة. ولا يفوت التركيز على أن الصراع على أشده بين كل من حزب الاتحاد الوطني، الذي يعتبر بمثابة الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، والحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه فعلياً رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني لإستمالة الأكراد السوريين، بالتالي، فإن (البارتي) قد يؤيد اتجاه تركيا لإقامة منطقة آمنة في الحسكة أو في مكان آخر في سوريا للقضاء على نفوذ العمال الكردستاني في أوساط أكراد سوريا. وفي نفس الوقت سيكون مناسباً لتركيا إعطاء منطقة الحسكة لنفوذ البرزاني إذا قررت ضم الشريط الحدودي الذي يمر في الحسكة إلى المنطقة الآمنة. لكن في المقابل، يحمل ذلك محاذير بالنسبة ؛ لأن تركيا بذلك قد تنشئ بنفسها إقليماً عراقياً شمالياً جديداً على حدودها مع سوريا، وسيكون حفظ توازن القوى القائم بين سكان الحسكة من العرب والأكراد مصلحة تركية بهدف الحفاظ على استقرار الحسكة. وأن إقامة منطقة عازلة تضم الشريط الحدودي في الحسكة، قد يخل في العلاقات الدقيقة بين العرب والأكراد وقد يؤثر ذلك سلباً على نظرة السنة العرب إزاء تركيا.(16)

                وفي ضوء ما تقدم يتضح أن العملية العسكرية التركية الأخيرة نبع السلام ، هي عملية تركية خالصة، من حيث الأهداف والوسائل، وتؤسس لتفعيل خطة المناطق الآمنة التي تم الاتفاق عليها في سوتشي، كما أن تركيا بدأت تنفيذها باتفاق مع الولايات المتحدة، بدون التنسيق مع الأطراف الأخرى أو إبلاغها مسبقا. لذلك فقد عادت روسيا وإيران إلى التأكيد على احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، وهو ما يتعارض مع تمسك تركيا بالشريط الحدودي بدعوى مكافحة الإرهاب، ومباشرة أنشطة اقتصادية على أراضي هذا الشريط، بدعوى توطين اللاجئين، وهو ما يعد خرقا لقواعد اللعبة المتفق عليها، وينطوي على إهدار لمسؤوليات الحكومة السورية، المدعومة من روسيا وإيران. كذلك فإن ردود الفعل الأوروبية والأمريكية، التي تضمنت وقف صادرات السلاح والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية تعني أن استمرار العمليات العسكرية التركية، سيكون مكلفا، ويهدد الدور التركي بأكمله، كشريك في العملية السياسية السورية، هذا الحذر الدولي الشديد يأخذ في الاعتبار المصلحة الروسية الإيرانية في تصفية نفوذ الولايات المتحدة في سوريا، والتحدي الخطير الذي ينتظر تركيا عند البدء في تسوية الأوضاع في إدلب، حيث تلعب هناك دورا مهما، والأهم ما يتعلق بمقومات السيادة السورية، التي تتضمن أن وجود أي قوات أجنبية على أراضيها، سيكون مشروطا بموافقة حكومتها المقبلة.(17)

ثانيا"-  المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا.. الأهداف التركية

                أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار والأمن في منطقة شرق الفرات عبر تشكيل مناطق آمنة في سوريا من أجل عودة 4 ملايين لاجئ سوري إلى بلادهم وإصرارها على بدء إقامة المنطقة الآمنة شرق الفرات بشكل انفرادي في حال عدم التوصل إلى توافق دولي بشأنها ، وتركيا هي وحدها التي تستطيع إقامة هذه المنطقة وتحت سيطرتها  وفقا لاتفاق قديم مبرم مع سوريا عام 1998(اتفاق أضنة)  والذي يسمح لتركيا بدخول الأراضي السورية عندما تواجه تهديدات ، وكجزء من أيديولوجية حزب العدالة والتنمية التي تعتبر المناطق الموجودة في الشمال السوري جزءا من الأراضي التي اقتطعت من تركيا إثر معاهدة لوزان، بعد الحرب العالمية الأولى 1922.(18) كما أنها لاتأبه للضغوط الدولية التي تمارسها الولايات المتحدة  وقرارها بإبقاء 400 جندي في سوريا، هو بمثابة رد غير مباشر على الخطط التركية،  وروسيا التي تحدثت عن نشر قوات لها هناك، والرفض الأوربي والإيراني الذي يرى أن تركيا غير قادرة على فرض سيطرتها على المنطقة الآمنة إلا بتوافق دولي . وكذلك رفض أكراد سوريا لإقامة منطقة آمنة تحت السيطرة التركية.(19)

                إن الوضع المرتبك على الساحة السورية ومساسه بالمصلحة التركية والأمن التركي جعل تركيا بغنى عن الشرعية الدولية لإقامة منطقة آمنة، ولفهم طرح المنطقة الأمنة لابد من توضيح الأهداف المتوخاة منها، فالمشروع التركي يقوم على :

1- حماية شريط الحدود التركية – السورية  

                ترى تركيا أن إقامة منطقة آمنة يقلص إمكانية  التدخل الخارجي عبر ضربة عسكرية ، أو تسليح المعارضة السورية ، وهو ما ترفضه واشنطن وباريس. وبالتالي يجب أن ينظر في عدة معايير لاختيار الأرض الملائمة لتستضيف المنطقة الآمنة المحتملة، كالتوزيع الإثني والديني والمذهبي للسكان في المناطق الحدودية مع تركيا، إضافة إلى العلاقة القائمة بين سكان هذه المناطق والنظام السوري، ونظرة سكان هذه المناطق إلى تركيا، وطبيعة علاقتهم معها ومقاربتهم لخيار المنطقة الآمنة، فضلاً عن وجود تنظيمات  مثل حزب العمال الكردستاني أو ما يدور في فلكه في هذه المناطق التي قد تشكل تهديداً ضد تركيا، من دون نسيان الطبيعة الجغرافية لتلك المناطق.(20)

                عندما طرحت تركيا فكرة المنطقة الآمنة، هدفت صنع حاجز بشري "منوع" داخل سوريا يحول دون اتصال أكراد تركيا بأكراد سوريا ويشكل فيما بعد خطرًا على وحدة تركيا . وتسمح هذه المنطقة بلجوء أعداد كبيرة من السكان إليها لأنها مستوية ومسطحة  ومن ثم نقلهم إلى الداخل السوري.(21)

                وانطلاقاً من المصلحة التركية، أن المكاسب التي قد يأتي بها خيار المنطقة الآمنة، تتمثل بالسماح لمسؤولين وكوادر من النظام باللجوء إلى تلك المنطقة، من ضباط جيش واستخبارات وسياسيين وبيروقراطيين ممن لم ينشقوا بعد لأسباب أمنية. هكذا، من شأن المنطقة الآمنة أن تخلخل النواة الصلبة للنظام. فضلاً عن ذلك، لن يكون ممكناً تنظيم الجيش المعارض من دون منطقة آمنة، بالتالي إنشاء هذه المنطقة سيكون العامل الذي سيسمح بتنظيم المسلحين، عندها ستزول العقبات التي تحول دون تسليحهم. مع إنشاء المنطقة الآمنة، سيضطر النظام السوري إلى التخلي عن إستراتيجية المماطلة، وقد تكون هذه المنطقة العنصر الأهم في إيجاد حل سياسي سلمي ديموقراطي للحرب الأهلية السورية. ومن شأن المنطقة الآمنة أن تحمي الأراضي التركية من التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي تطال المدن التركية القريبة من الحدود، وتوفير البيئة الملائمة لعودة السوريين إلى ديارهم، وتشكيل فرصة جديدة لإحلال وحدة الأراضي السورية. وسيتم فيها توفير المساعدات الإنسانية والحماية العسكرية و تأمين التعليم والغذاء والدواء والصحة والطرق الكهربائية، والعمل على تنفيذ دورات تدريبية أمنية، وستقوم تركيا بإنشاء وحدة حماية الحدود لضمان سلامتها وأمنها فضلاً عن وحدات أمنية داخل المدن.(22)

2- القضاء على حزب العمال الكردي

                تؤكد تركيا بأن "وحدات حماية الشعب" التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعاً مسلحاً ضد تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي من أجل الحكم الذاتي للأكراد في مناطق تواجدهم في جنوبي شرقي تركيا. ولا تنكر وحدات حماية الشعب تبنيها أفكار الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، لكنها تصر على أنها كيان مستقل ولا علاقة لها به عسكرياً.(23)  وتعد تركيا هذه الجماعة إرهابية مثلها مثل تنظيم الدولة الإسلامية، حيث خاضت الوحدات معارك دامية وشرسة ضد "الدولة الإسلامية" عندما كانت الأخيرة في أوج قوتها عامي 2014 و2015 كما خاصت العديد من المعارك ضد الجماعات السورية الإسلامية المتشددة مثل "جبهة النصرة" وغيرها عندما حاولت الأخيرة السيطرة على المدن والمناطق الكردية في سوريا.(24) ومع دخول الولايات المتحدة  والدول الغربية عسكريا في سوريا بهدف القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية ، كان المقاتلون الأكراد الطرف الوحيد المؤهل الذي قبل التعاون مع الجانب الأمريكي لمحاربة التنظيم.

                وفي كانون الثاني 2018، وبعد تصريحات المسؤولين الأمريكيين نيتهم مساعدة قوات سوريا الديمقراطية في إنشاء قوة أمنية حدودية جديدة، أطلق الجيش التركي حملة عسكرية ساعدها في ذلك الفصائل والكتائب السورية المعارضة  اطلق عليها "غصن الزيتون" للسيطرة على منطقة عفرين الكردية التي كانت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب منذ اندلاع الحرب في عام 2012 وبدعم أمريكي بحجة مكافحة تنظيم داعش ، انتشر تنظيم بي كا كا" في مناطق شرق الفرات، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى يونيو عام 2015.وتمكن بي كا كا" من إخراج داعش من مدينة عين العرب (كوباني) بريف محافظة حلب، ومن ثم من مدينة تل أبيض بريف محافظة الرقة، واحتل تلك المنطقتين اللتان تعتبران من أهم المناطق في شرق الفرات. ووسع التنظيم نطاق المساحات التي احتلها فيما بعد، ليشمل مناطق سكنية مهمة مثل رأس العين وسلوك والدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية بريف محافظة الحسكة .ويستهدف التنظيم بين الحين والآخر، المناطق السكنية التركية المجاورة للحدود السورية، ويشكل خطرا على الحدود التركية من خلال الأسلحة الموجودة بحوزته. اذ يوجد في مناطق سيطرة التنظيم 13 مستودعا يتم فيه الإحتفاظ بالأسلحة المرسلة إليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية منذ أبريل عام 2016.(25)

                وبذلك يكون لتركيا دافع مهم في إنشاء المنطقة الأمنة يتمثل في إفشال إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية يشكل مصدر تهديد سياسي وعسكري وحتى لايكون ملهما للإنفصاليين فيها .إضافة إلى أن الدعم الغربي للوحدات الكردية تجاوز محاربة تنظيم داعش وتحول إلى تهديد لأمنها القومي.

3- وحدة الأراضي السورية

                تبذل تركيا أقصى ما تملكه من قدرات جيوسياسية من أجل حماية مصالحها الإستراتيجية الأساسية، والدفاع عن صون وحدة إقليمها الترابي، إلى جانب حماية وحدة الأراضي السورية. وتتركز سياسة تركيا تجاه سوريا اليوم حول ثلاثة محاور: تحسين الوضع الأمني وظروف الحياة اليومية للسوريين، ومحاربة "الإرهاب"، ومن ثم تسريع عملية التحول السياسي والحفاظ على وحدة الأراضي السورية. وفي الوقت الذي تترابط فيه هذه الأهداف فيما بينها، فإنّ لكل واحد منها متطلبات مختلفة على مستوى الأدوات والوسائل. وفي هذا الصدد، تستخدم تركيا أدوات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وعسكرية لمساعدة سوريا على الخروج من أزمتها. تعتبر تركيا مسألة سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها هدفها الأساسي، وترفض بقوة أي أجندات إنفصالية أو محاولات لرسم حدود جديدة في الشرق الأوسط. كما تشدد على ضرورة حل الصراع من خلال عملية سياسية سورية- سورية بإشراف ومساعدة الأمم المتحدة، وعلى أساس قرار الأمم المتحدة رقم 2254. وتساند أنقرة تأسيس لجنة دستورية في جنيف، وتعمل على تشكيل هيئة ينصب عملها على صياغة دستور جديد يستند إلى الديمقراطية والحريات العامة ويكون مقبولاً من الشعب السوري. ولإحلال سلام واستقرار دائم في سوريا تحافظ على خطوط تواصل مع نظام الأسد وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية التركية بوضوح، "إن بلاده ستفكر في تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية فقط في حال كانت منتخبة من قبل الشعب السوري بعد عملية إنتخابية حرة ومراقبة من قبل الأمم المتحدة".(26) ومنذ سنوات تولي تركيا أهمية خاصة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وذلك من خلال القمم الثلاثية التي تجري بين تركيا وروسيا وإيران.(27) وقد تلعب القوى الدولية الفاعلة في سوريا، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأروبية، دوراً داعماً لتركيا على صعيد تحقيق الاستقرار في سوريا، وتأمين مستقبل ديمقراطي، وازدهار إقتصادي للسوريين، إذ أن دعم الدول الغربية للدور التركي سيعزز من موقف هذه الأخيرة في المفاوضات. في حين أن الإنتصارات العسكرية التي يحققها محور روسيا-إيران-نظام الأسد، بالإضافة إلى محاولات بعض الدول العربية تطبيع علاقاتها مع دمشق، وما يجري حالياً من مناقشات حول إعادة نظام الأسد إلى عضوية جامعة الدول العربية يبعث رسالة واضحة أنه ليس على نظام الأسد تنفيذ أي من المطالب الأساسية التي نادت بها مظاهرات 2011، كشرط للحصول على المساعدة الدولية لإعادة إعمار سوريا.(28)

ثالثاً- الموقف الدولي والإقليمي من المنطقة الآمنة

                تباينت المواقف الدولية من المشروع التركي لإقامة المنطقة الآمنة والتي تريدها تركيا تحت سيطرتها سياسيا وعسكريا، وفيما يلي توضيح للمواقف الدولية والإقليمية منها:-

1-    الموقف الأمريكي

                توصلت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لاتفاق يقضي بأن تكون المنطقة الآمنة في الشمال السوري تحت سيطرة الجيش التركي، ورفع العقوبات عن أنقرة، واستهداف العناصر الإرهابية. جاء ذلك في بيان مشترك يضم 13 مادة، حول شمال شرق سوريا، عقب مباحثات بين الرئيس التركي أردوغان، ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، وأخرى بين وفدي البلدين. وذكر البيان، أن تركيا والولايات المتحدة تؤكدان على علاقاتهما كعضوين وثيقين في حلف شمال الأطلسي ، وأن الولايات المتحدة تتفهم هواجس تركيا الأمنية المشروعة حيال حدودها الجنوبية.(29)*

                فبعد الاتفاق الجديد بين أنقرة وواشنطن، أعلن جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، أن الولايات المتحدة وتركيا حددتا "المنطقة الآمنة" بأنها "المنطقة التي تعمل فيها تركيا حالياً" بعمق 30 كيلومتراً في جزء رئيسي من شمال شرق سوريا سيتم تنفيذه بشكل تدريجي. وأعلن الأكراد قبول الاتفاق  على أن تكون هذه المنطقة محصورة بين مدينة رأس العين وبلدة تل أبيض.

                وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية شون روبرتسون "نراجع في الوقت الحالي الخيارات حول مركز التنسيق المشترك مع نظرائنا العسكريين الأتراك". مشيرا إلى أن "آلية الأمن سيتم تنفيذها على مراحل". وتابع روبرتسون "الولايات المتحدة جاهزة لبدء تنفيذ بعض الأنشطة بسرعة في الوقت الذي نتابع فيه المحادثات مع الأتراك".(30) ووفقاً لتطورات الأحداث، يقر البلدان بأن التطورات الميدانية وخاصة في شمال شرق سوريا تتطلب تنسيقا أوثق على أساس المصالح المشتركة والحفاظ على تعهداتهما باستمرار أعمال مكافحة " تنظيم داعش" شمال شرق سوريا وضرورة استهداف العناصر الإرهابية ومخابئها وتحصيناتها ومواقعها وأسلحتها وآلياتها ومعداتها فقط.(31) مع تأكيد الجانب التركي بتأمين حياة وسلامة السكان في جميع الأماكن المأهولة الواقعة ضمن المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية ويؤكد أنه سيولي أقصى درجات الاهتمام لتجنب الأضرار بالمدنيين والبنية التحتية. وتجديد البلدين إلتزامهما بوحدة سوريا وسلامة أراضيها وبالحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، الرامي إلى إنهاء الصراع السوري وفقا للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.(32)

 

2-الموقف الروسي

        عارضت روسيا في وقت سابق إنشاء منطقة آمنة شمالي سوريا بدعوى الحفاظ على السيادة السورية. جاء ذلك في توضيح الرئيس بوتين لموقف بلاده الرافض للمنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها شمالي سوريا من قبل تركيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية واستمرار الجهود الأمريكية لدعم القوات الكردية في شمال شرق سوريا ومنع بسط ما أسمتها الحكومة السورية سيطرتها على تلك المنطقة . وقال خلال مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره التركي أردوغان في موسكو  قائلا "إن إنشاء منطقة آمنة على الحدود الجنوبية لتركيا خطوة إيجابية من حيث وحدة الأراضي السورية". وأضاف: "نفهم جيدا حساسيات تركيا ويجب ضمان أمن حدودها وهذا حقها المشروع".(33)

        تنبع دواعي القلق  الروسي من تبعات التفاهم التركي – الأمريكي لفصل شمال شرق سوريا واستمرار نظام الأسد حليفها الإستراتيجي ، وترى روسيا أن الشرعية الدولية تتطلب موافقة نظام الأسد على أي عمليات تجري على أراضيها. وذلك على خلفية المساعي التركية الأمريكية لإقامة "منطقة آمنة" شرقي الفرات.(34)

                 في المقابل جدد الرئيس التركي  أردوغان إصراره على إنشاء منطقة آمنة تحت أي ظرف، مشيراً إلى اتفاق مبدئي على اعتبار إدلب منطقة آمنة مع روسيا وإيران. فجاء الموقف الروسي الجديد، بعد التلويح بإمكانية مشاركة الشرطة العسكرية الروسية في إنشاء منطقة عازلة على الحدود بين سوريا وتركيا  بعد محادثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان  وهي مؤشرات لاتفاق أولي على ترتيبات جديدة في إطار مقاربة أوسع تربط بين الملفات المعقدة في العلاقة الروسية التركية في سوريا منها  خفض التصعيد في إدلب و تسيير دوريات مشتركة بين البلدين، وعدم السماح  بتشكيل كيانات إنعزالية في شمال سوريا وضمان وحدة أراضي سوريا ووحدتها السياسية وعودة اللاجئين . وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين (إن بلاده تشارك تركيا قلقها بشأن الإرهابيين المتواجدين على حدودها مع روسيا). وشدد على أنه لا بد من إطلاق حوار واسع بين النظام السوري، وكافة الجماعات الكردية المسلحة. وطالب المجتمع الدولي تقديم الدعم الإنساني بلا تمييز للاجئين العائدين إلى سوريا. وأكد على أنه لا يجب أن تؤثر الأحداث الميدانية على الأرض على عمل اللجنة الدستورية السورية.(35)

         وتقف عدة عناصر وراء تحول الموقف الروسي من المنطقة الآمنة، أبرزها أن موسكو ترى الفرصة مواتية لحمل المكون الكردي في مناطق الشمال على الإقتراب أكثر من النظام، والتخلي عن طموحات غذتها الرعاية الأميركية طويلاً. وثانيها أن موسكو ترى أن إنجاز ترتيبات المنطقة الآمنة قد يشكل نقطة البدء لانسحاب القوات الأميركية من المنطقة، وفقاً لتعهدات سابقة أطلقها الرئيس دونالد ترامب، وترى أوساط روسية أنه جاد في تنفيذها قبل حلول الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة. وثالث العناصر أن موسكو تتطلع إلى لعب دور أساسي في ترتيبات هذه المنطقة، في إطار المقاربة الجديدة للوضع بالاتفاق مع أنقرة، لذلك لم يكن مستغرباً أن أوساط الخبراء الروس بدأت تتحدث عن احتمال أن يطرح الجانبان التركي والروسي آليات مشتركة لرعاية هذه المنطقة، بينها مثلاً احتمال التفكير بتسيير دوريات مشتركة ووضع نقاط مراقبة ثنائية. بذلك، فإن موسكو لعبت دوراً تطمينياً للنظام من جانب، ولأنقرة من جانب آخر.(36)

 

3-الموقف الإيراني

      كانت إيران هي الحليف الأول لنظام الأسد منذ بداية الأزمة، وبدون دعم إيران كانت المعارضة السورية أسقطت النظام بالفعل في صيف وخريف 2013. وإيران هي من دعت وشجعت روسيا على الدخول العسكري المباشر في سوريا، في خريف 2015، عندما أصبح واضحا أنها ونظام الأسد في طريقهما لخسارة المعركة مع المعارضة.(37) ولكن، ومنذ ربيع 2019، بدأ الإيرانيون يلحظون جهدا روسيا حثيثا لإخراجهم من، أو على الأقل إضعاف نفوذهم في سوريا. اذ نظم الروس ميليشيات سورية موالية لهم، سلحت وتتلقى أوامرها من القيادة الروسية في قاعدة حميميم. كما دفع الروس النظام لإجراء تغييرات واسعة النطاق في قيادات الجيش السوري وفي أجهزة النظام الأمنية والإستخباراتية، بهدف استبعاد حلفاء إيران وأصدقائها. وفي أكثر من حالة، سيما في العلاقة مع تركيا والولايات المتحدة، أجرى الروس اتفاقات حول سوريا، بدون استشارة الجانب الإيراني، ولا النظام. ولا يخرج عن هذا التوجه الشراكات واسعة النطاق بين الشركات والبنوك الروسية مع رجال الأعمال السوريين، ودفع هؤلاء لمعارضة النفوذ الإيراني في بلادهم. الأخطر من ذلك كله، التفاهم الضمني بين روسيا وإسرائيل، الذي سمح للأخيرة بتوجيه ضربات موجعة لمواقع إيرانية، بما في ذلك مستودعات عسكرية نوعية، في كافة أنحاء سوريا، وبدون أي رد فعل من الجانب الروسي الذي يتحكم كلية في الأجواء السورية.(38) كان الخروج الإيراني من سوريا أحد المطالب الأمريكية الرئيسة التي أعلنتها الإدارة  الامريكية ضمن شروط التفاوض مع إيران وبدء مرحلة جديدة من العلاقات. وتزداد المؤشرات لدى طهران على أن روسيا لا تعارض هذا المطلب الأميركي (-الإسرائيلي، بالطبع)، بل وتعمل جاهدة على تحقيقه، سعيًا من روسيا للانفراد بالشأن السوري، وإدراكًا من موسكو لأن الغرب لن يقدم على التعاون في إعادة بناء سوريا بدون خروج إيراني عسكري منها. بمعنى، أن طهران باتت ترى تفاهمًا روسيا-أميركيا، مؤيدًا من  إسرائيل حول إخراجها، أو إضعاف نفوذها بصورة كبيرة، في سوريا.(39)

   وهنا تظهر النوايا الحقيقية، فالمصالح المتضاربة بين إيران وتركيا والتسابق على توسيع نفوذهما، لذا لم يكن غريبا أن تشن طهران هجوما سياسيا يربك خطط إردوغان في سورية فأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية رفضها مخطط "المنطقة الآمنة" الذي تسعى تركيا إلى إقامته في شمالي سورية، وتتفاوض حوله مع الولايات المتحدة، ما يضع حكومة الرئيس التركي رجب إردوغان في مواجهة مع حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني. اذ عدته "إن اتفاق الولايات المتحدة على إقامة منطقة آمنة في شمال سورية أمر استفزازي ومثير للقلق"  كما عبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي ، في إشارة إلى توصل أنقرة وواشنطن لاتفاق في 7 أغسطس 2019على إنشاء مركز عمليات مشتركة لمخطط "المنطقة الآمنة" الذي يحلم به إردوغان.(40)

4- الموقف الكردي

                   أبدى التحالف الوطني الكردي موقفه حيال التفاهمات الأمنية بين كل من أمريكا وتركيا من طرف وبين الولايات المتحدة الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية من طرف آخر .جاء ذلك عبر بيان رسمي اصدرته قيادة التحالف الوطني الكردي أكدت على أهمية التفاهمات المتعلقة بإقامة المنطقة الآمنة في شمال وشرق سوريا وتوظيفها لتكون عامل استقرار في المنطقة، وتضع حداً للذرائع التي تتحجج بها الحكومة التركية لتنفيذ مآربها التوسعية، وللهروب من أزماتها الداخلية ”الأمنية والإقتصادية والسياسية”, كما تم التأكيد على ربط أية حلول مستدامة مع تحرير عفرين من الاحتلال التركي, وكذلك سائر الأراضي المحتلة في الشمال السوري مع  يتعرضون له من إحداث تغيير ديمغرافي فيها بتغيير طابعها القومي.(41)

 

5- موقف النظام السوري

   صرحت المستشارة الإعلامية والسياسية لرئيس النظام السوري بشار الأسد بثينة شعبان، أن المنطقة الآمنة في شمال شرقي البلاد لن تكون إلا في ظل الدولة السورية.

ونقلت صحيفة الوطن السورية عن شعبان قولها “لم تتشكل اللجنة الدستورية خلال السنوات الثلاث الماضية لأننا متمسكون بثوابتنا الوطنية وبقرارنا المستقل، ولن نسمح لأحد التدخل بدستور بلدنا، فالكلمة الفصل ستكون للسوريين وليس للدول المعادية”.

وأكدت المستشارة أن تحالف سوريا الذي وصفته بأنه “استراتيجي” مع كل من روسيا وإيران لا يمكن القضاء عليه ولن يتأثر بكلام الذين يهاجمون إيران لمصلحة “إسرائيل”.

وتناولت شعبان موضوع مصير الكُرد في سوريا، مشددة على أن “الكُرد مكون أساسي من مكونات الشعب السوري والجميع متساوون في المواطنة، ومعظم الكُرد يدافعون عن الوطن وغيره كأي مواطنين آخرين.(42)

الخاتمة

                يرتبط مستقبل منطقة الشريط الحدودي السوري – التركي بطبيعة التفاهمات التركية الروسية وموقف الولايات المتحدة من هذه التفاهمات ، إضافة الى الرؤية التركية لكيفية تحقيق اهدافها الاستراتيجية ومدى بقاء محدودية الفعل على الأرض ، ومع احتمالية نجاح تركيا في اقامة المنطقة الآمنة على طول حدودها الجنوبية سواءا باعتمادها على إمكانياتها العسكرية أو بواسطة الاتفاقات التي وقعتها مع الولايات المتحدة وروسيا التي تقضي بإبعاد الوحدات من على الشريط الحدودي وبالمساحات التي تمكنها من حماية أمنها القومي وفقا للأهداف التركية ، وهو أثبت فعليا جدية تركيا وقدرتها على تحمل تبعات تدخلها في سوريا والإنجازات التي حققتها على الأرض وتجربتها في عملياتها العسكرية والتي حققت هدفها الإستراتيجي في إفشال إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية، إضافة الى خضوع الوحدات الكردية بعد الخذلان الأمريكي لها وقبولها الانسحاب من الحدود بموجب الإتفاقيات التي وقعتها مع روسيا والولايات المتحدة ومقاومة الضغوط الدولية . وبذلك تتحقق مصالح الأطراف جميعا بالحدود المقبولة لكل منها ، من حيث إخراج الأمريكان رغم رغبة الرئيس ترامب بإبقاء قوات أمريكية في سوريا بحدود 400 عسكري في قاعدة “التنف” الأمريكية عند مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية لحماية النفط شرقي سوريا، وإضعاف الأكراد من مصلحة روسيا وإيران والنظام السوري .

                مع استمرار حالة الشك المتبادل بين جميع القوى المتواجدة على الساحة في شرق سوريا، والتدافع للقوى، إقليميا ودوليا، تحت سقف الحرب الشاملة أو المواجهة العسكرية واسعة النطاق. بمعنى، أن كافة أطرافه تعمل على إيقاع ضربات موجعة، ولكن محدودة، بالخصوم، بدون الذهاب بعيدا. ما يبدو أن طرفا من الأطراف لا يريد حربا، بل إن كافة الأطراف تعلن صراحة رغبتها تجنب التصعيد إلى مستوى الحرب. ولكن مثل هذا الاشتباك التدافعي لقوى متعددة لم تشهده منطقة أخرى من العالم منذ عقود، قد تصل بالأمور في لحظة ما يصبح فيها من الصعب على النوايا المسبقة ضبط الإيقاع المتسارع ، سيما إن وجدت القوى الإقليمية الرئيسة، تركيا وإيران، صاحبة المصلحة المباشرة في جوارها الإقليمي، أن ليس ثمة وسيلة أخرى لوضع حد لخسائرها.

الهوامش

1)      ويكيبيديا الموسوعة الحرة ، على الرابط:- i https://ar.wikipedia.org › wiki

2)      ميشال نوفل، عودة تركيا الى الشرق ،الدار العربية للناشرين ،بيروت ،2010 ، ص 26

**وهناك من يقول إن التجمعات الكبرى للمدنيين من مجموعة عرقية أو دينية بعينها يجعلهم أكثر عرضة للهجمات العرقية وتمر بمشاكل أمنية وهناك أيضا خطر اختلاط عناصر من المقاتلين بالمدنيين، ما يحول المناطق الآمنة إلى أهداف عسكرية مشروعة. وأن المدنيين خارج المنطقة الآمنة قد يعتبروا "هدفا مشروعا وفي الكثير من الحالات، ثبت أن المناطق الآمنة قد تكون مصدرا للخطر. ورغم وجود بعض الأمثلة الناجحة، إلا أن هناك حالات كانت فيها هذه المناطق سببا في إزهاق الأرواح بدلا من إنقاذها. وبالنظر إلى التاريخ، يندر رصد منطقة آمنة داخل منطقة صراع، وكانت آمنة بالفعل "ومثالها البوسنة عام 1995 ورواندا عام 1994وتكررت النتائج نفسها في سريلانكا، حيث خاضت الحكومة حربا أهلية استمرت 26 عاما، ضد مجموعة نمور التاميل المتمردة.

وفي ضوء هذه الأمثلة، فإن تاريخ المناطق الآمنة جدلي. وتختلف تبعاتها ونتائجها. ويتفق الخبراء على أن النوايا الحسنة لا تفضي بالضرورة إلى نتائج جيدة. لإن ذلك يرجع "لتعقيد الأهداف من وراء تحديد مناطق آمنة. فالهدف من إنشاء مناطق آمنة نادرا ما يكون إنسانيا تماما. فهي عادة ما تهدف لحماية الدول القوية من تدفق اللاجئين، أو كمسوغ لإعادة طالبي اللجوء إلى مناطق الصراع. وبالتأكيد هناك زاوية سياسية بحتة لتحديد من يمكن أن يكون ضحية حرب، ومن يعتقد أنه يستحق الحماية. .للتفصيل : انظر الويكيبيديا ، مصدر سبق ذكره

- ويكيبيديا الموسوعة الحرة ،مصدر سبق ذكره.

3)      قمة موسكو.. موقف روسي جديد من إنشاء المنطقة الآمنة في شمال ...

https://ayyamsyria.net › archives

29‏/08‏/2019/ 8/ 2019،.

4)      بين المنطقة الآمنة والعازلة إختلف العالم على الرابط: www.shaam.org › news › --معضلة أمريكا في سوريا. بين إرضاء تركيا وحماية الأكراد، mubasher.aljazeera.net ‏13/01‏/2019

5)      بين المنطقة الآمنة و العازلة إختلف العالم ، الميادين  ، على الرابط :-

www.shaam.org › news › syria-news

6)      معضلة أمريكا في سوريا.. بين إرضاء تركيا وحماية الأكراد ...

mubasher.aljazeera.net › news

13‏/01‏/2019

7)      ترامب يفسح الطريق أمام عملية تركية في سوريا والأكراد يرون ...

https://www.bbc.com › arabic › middleeast-49956123

07‏/10‏/2019 -

8)      المنطقة الآمنة في شمال سوريا: الأهداف والمراحل | الجزيرة

mubasher.aljazeera.net › news

13‏/10‏/2019

9)      نفس المصدر

10)   https://www.bbc.› arabic  middleeast-5028087،03‏18/11‏/2019 -

11)  المنطقة الآمنة في شمال سوريا: الأهداف والمراحل | الجزيرة مباشر

mubasher.aljazeera.net › news

13‏/10‏/2019 10/ 2019https://www.dw.com

12)  المنطقة الآمنة في شمال سوريا: الأهداف والمراحل | الجزيرة نت على الرابط:

mubasher.aljazeera.net › news,2019/10/13

13)  اويتون اورهان ، المنطقة الامنة في سوريا 4 خيارات تركية - مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات على الرابط:- https://fikercenter.com › tags s

14)  اويتون اورهان ، المنطقة الامنة في سوريا 4 خيارات تركية - مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات على الرابط:- https://fikercenter.com › tags

15)  الخيارات التركية الصعبة في سوريا | مركز الروابط للدراسات ...

https://rawabetcenter.com

17‏/06‏/2016

16)  أردوغان: توسعة المنطقة الآمنة بسوريا حل لمشكلة اللاجئين

https://www.aa.com.tr www.acrseg.org ،22‏/10‏/2019)

17)  اف . ستيفن ، سياسة تركيا الخارجية في عصر الشك والغموض ، ترجمة محمود عزت البياتي ، سلسلة كتب ثقافية ، بيت الحكمة ، بغداد ، 2018، ص77

18)  محمد ياس خضر، الدور الامريكي في سياسة تركيا حيال الاتحاد الاوربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ،2010، ص121

19)  محمود درويش ،الاهداف التركية في المنطقة الامنة ، لماذا تصر تركيا على الانفراد بإدارة المنطقة الآمنة في سوريا؟ السياسة الدولية  ، العدد215 ‘2019 ،ص45

20)  انعكاسات الضغوط الدولية على تركيا  .خيارات المنطقة الامنة   - المركز العربي للبحوث ...

www.acrseg.org › ...

22‏/10‏/2019,

21)  العملية التركية في سوريا: ما هي "المناطق الآمنة وهل ينجح. على الرابط :

https://www.bbc.com › arabic › middleeast-50280877, 2019/11/3

22)   نفس المصدر

23)  عبد الله اوج الان، الدفاع عن الشعب ،  مؤسسة اوج الان للثقافة والبحث العلمي ، 2005 ، ص ص 204-203

24)  خورشيد دلي، تركيا وقضايا السياسة الخارجية ، مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة ، ابو ظبي ، 2019 .على الرابط :- ttps://futureuae.com

25)  خورشيد دلي ، مصدر سبق ذكره

26)  عمر أوزكيزلجيك مراد يشلطاش، السياسات التركية في سوريا وآفاقها من منظور تركي | مركز الجزيرة للدراسات...studies.aljazeera.net › reports › 2019/03

12‏/03‏/2019

27)  صلاح مصطفى. ، انعكاسات الضغوط الامريكية والاوربية  على التحركات التركية في شمال سوريا - المركز العربي للبحوث على الرابط :- www.acrseg.org

22‏/10‏/2019

وهذه أبرز مضامين البيان التركي الأميركي:

1-      تتفهم الولايات المتحدة هواجس تركيا الأمنية المشروعة حيال حدودها الجنوبية، ويؤكد البلدان على علاقاتهما كعضوين حليفين في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

2-      يقرّ البلدان بأن التطورات الميدانية -خاصة في شمال شرق سوريا- تتطلب تنسيقا أوثق على أساس المصالح المشتركة.

إعلان

يحافظ البلدان (تركيا والولايات المتحدة) على تعهداتهما في حماية أراضي وشعوب الدول الأعضاء في الناتو ضد جميع التهديدات، وفق مفهوم "الجميع من أجل الفرد، والفرد من أجل الجميع".

يجدد البلدان التأكيد على تعهداتهما بحماية حياة وحقوق الإنسان والمجتمعات الدينية والعرقية.

تركيا والولايات المتحدة ملتزمتان باستمرار أعمال مكافحة "داعش" (تنظيم الدولة الإسلامية) شمال شرق سوريا؛ الأمر الذي يتضمن أيضا التنسيق المناسب بشأن الأشخاص المهجرين من المناطق التي كانت سابقا خاضعة لسيطرة "داعش" ومراكز الاحتجاز.

تتفق تركيا والولايات المتحدة على أن عمليات مكافحة الإرهاب يجب أن تستهدف الإرهابيين وحدهم ومخابئهم ومآويهم ومواقعهم والأسلحة والمركبات والمعدات.

يتعهد الجانب التركي بتأمين حياة وسلامة السكان في جميع الأماكن المأهولة الواقعة ضمن المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية، ويؤكد أنه سيولي أقصى درجات الاهتمام لتجنب الإضرار بالمدنيين والبنية التحتية.

يجدد البلدان إلتزامهما بوحدة سوريا وسلامة أراضيها وبالحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، الرامي إلى إنهاء الصراع السوري وفقا للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.

يتفق الجانبان على استمرار أهمية وفعالية إنشاء منطقة آمنة لضمان القضاء على الهواجس والمخاوف المتعلقة بالأمن القومي لتركيا بما في ذلك إعادة سحب الأسلحة الثقيلة من وحدات حماية الشعب وتدمير جميع تحصيناتهم الحربية.

إعلان

المنطقة الآمنة ستكون في المقام الأول تحت سيطرة القوات المسلحة التركية وسيعمل الجانبان على زيادة التنسيق لتنفيذ جميع الجوانب المتعلقة بها.

سيوقف الجانب التركي (بشكل مؤقت) عملية نبع السلام لضمان انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة الآمنة في غضون 120 ساعة، على أن توقف عملية نبع السلام عقب استكمال هذا الإنسحاب.

بمجرد إيقاف عملية نبع السلام، توافق الولايات المتحدة على عدم مواصلة فرض العقوبات بموجب الأمر التنفيذي الصادر في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بحظر ممتلكات لمسؤولين أتراك وتعليق دخول أشخاص معينين يسهمون في الوضع بسوريا، وستعمل وتتشاور مع الكونغرس، حسب الاقتضاء، لتأكيد التقدم الحاصل لتحقيق السلام والأمن في سوريا، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وبمجرد إيقاف عملية نبع السلام وفقا للفقرة 11، ترفع العقوبات الحالية بموجب الأمر التنفيذي المذكور.

يتعهد الطرفان بالعمل سوية من أجل تطبيق جميع الأهداف المحددة في هذا البيان. المصدرمنطقة آمنة بيد الأتراك وسحب للأسلحة من الأكراد.. 13 بندا في ...www.aljazeera.net

18‏/10‏/2019

28)  بعد الاتفاق الأمريكي التركي..كيف ستواجه سورية المنطقة على الرابط :-

https://www.alalamtv.net › news,2019/8/8.

29)  بعد الاتفاق الأمريكي التركي..كيف ستواجه سورية المنطقة على الرابط :-

https://www.alalamtv.net › news,2019/8/8

30)  ترامب يفسح الطريق أمام عملية تركية في سوريا والأكراد يرون، على الرابط:-

https://www.bbc.com › arabic › middleeast-49956123. 2019/8/6s،29‏/08‏/2019

31)  موقف روسي جديد من المنطقة الآمنة في ظل إصرار تركي على الرابط :-

https://www.trtarabi.com,2019/2/24

32)  قمة موسكو.. موقف روسي جديد من إنشاء المنطقة الآمنة في شمال ...

https://ayyamsyria.net › archives

29‏/08‏/20197

33)  أفضل الخيارات السيئة لإدلب السورية ،على الرابط :-

https://www.crisisgroup.org › syria ›.2019/3/ 14

34)  روسيا تغيّر موقفها من المنطقة الآمنة شمالي سوريا بشكل مفاجئ!

https://orient-news.net › news_show

35)  إيران تطعن إردوغان: المنطقة الآمنة في سورية "مرفوضة" - عثمانلي

https://3thmanly.com › article › إيران-تطعن-إردوغان-المنطقة-الآمنة-في-سوري...

18‏/08‏/2019

36)  صعوبات الصعود الإقليمي: تركيا وإيران على رمال سوريا ...

studies.aljazeera.net › positionestimate › 2019/08

37)  صعوبات الصعود الإقليمي: تركيا وإيران على رمال سوريا ...

studies.aljazeera.net › positionestimate › 2019/08

29‏/08‏/2019

38)  إيران تطعن إردوغان: المنطقة الآمنة في سورية "مرفوضة" - عثمانلي

https://3thmanly.com › article › إيران-تطعن-إردوغان-المنطقة-الآمنة-في-سوري...

18‏/08‏/2019

39)  انقسام كردي حول "المنطقة الآمنة"... و"قسد" تأمل باتفاق مع تركيا

https://www.alaraby.co.uk › politics

17‏/01‏/2019

40)  النظام السوري يعلن موقفه من المنطقة الآمنة بعد الاتفاق التركي ..

https://ara.yekiti-media.org -