المركز العربي للبحوث والدراسات : حرب باردة جديدة .. لماذا ستكون الحرب الأمريكية الصينية مختلفة؟ (طباعة)
حرب باردة جديدة .. لماذا ستكون الحرب الأمريكية الصينية مختلفة؟
آخر تحديث: الخميس 06/02/2020 12:41 م روبرت د. كابلان - عرض: مصطفى صلاح
حرب باردة جديدة ..

تعد الحرب التجارية بين واشنطن والصين بمثابة الحرب الباردة الثانية بعد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وتخوض الولايات المتحدة والصين منافسة على التجارة والتكنولوجيا والسيطرة العسكرية على بحار جنوب وشرق الصين، وبشكل متزايد على صراع الإيديولوجية وحقوق الإنسان. كان البلدان في حرب إلكترونية منذ سنوات؛ حيث تعرضت الولايات المتحدة للهجمات الصينية على نظام أفراد البنتاجون وسجلات صيانة السفن التابعة للبحرية الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك حشد عسكري على كلا الجانبين في اتجاه صراع القوة العظمى. وعلى الرغم من ذلك، لا يرى أي من الطرفين أنه من مصلحته القومية الدخول في صدام مباشر باختصار، وبناء عليه فإن هذه الحرب تمثل امتدادًا للحرب البارد ، ولكنها مختلفة تمامًا عن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق.

التفوق الصيني على روسيا

إن عبقرية الصين الثقافية وقدرتها الجغرافية تفوق قدرة الاتحاد السوفيتي السابق خاصة وأن الساحل الشمالي للاتحاد السوفياتي كان محاطًا بالجليد معظم العام ، وكانت روسيا التاريخية قوة برية غير آمنة وغير مؤمنة ذات حدود طبيعية ضعيفة، وبالنسبة للصين فقد قال الأديب جوزيف كونراد بأن الصين تقع على خط ساحلي في المنطقة المعتدلة التي تمتد 9000 ميل على طول أحد ممرات الشحن الرئيسية في العالم، وهي منطقة غنية بالمعادن، وقادرة على أن تكون قوة بحرية عظمى علاوة على ذلك فإن خلافة الصين التي تعود إلى 3500 عام من السلالات، والتي كانت سلالة ماو تسي تونج هي الأحدث منها فقط، قد ورثتها بإرث من النظام المؤسسي وهو الأمر الذي يجعل من الصين أكثر ثقة في إمكانية مواجهة الاولايات المتحدة على عكس الاتحاد السوفيتي السابق، وضمن السياق ذاته تنتج روسيا عددًا قليلًا من السلع الاستهلاكية القابلة للتصدير كما أن شبكة الهواتف المحمولة من الجيل الخامس في الصين، والتي تقودها شركةHuawei Technologies ، تشكل منافسة شديدة في مواجهة الولايات المتحدة؛ حيث بلغت إيراداتها 122 مليار دولار في عام 2019 في حين لم تكن تملكه روسيا من قبل.

جانب آخر من جوانب التفوق الصيني أن الحرب الباردة الأولى بين الولايات المتحدة كانت تدور بصورة أساسية على محاولة الجانبين اكتساب مميزات في امتلاك القوة النووية ، ولكن الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين  ستتمحور أساسًا حول هيمنة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الحرب التجارية والتقدم في مجال القوة البحرية ومن ثم ستكون الحرب حول أي نظام معركة ذكي للجانب يمكن أن يعوق الآخر؛ حيث أن الحرب الباردة الأولى كانت تدور حول الكتائب العسكرية الكبيرة مثل كتائب الدبابات والرؤوس الحربية النووية، ولكن الحرب الآن سوف تكون حول رقائق السيليكون والدوائر الإلكترونية ومن يمتلك التفوق التكنولوجي.

التحول في نمط الحروب

إن الحرب الباردة الأولى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق كانت تشير إلى قمة العصر الصناعي، إلا أن الحرب الباردة الأمريكية-الصينية تبشر بالمرحلة الثانية من عولمة ما بعد الصناعة؛ حيث كان للعولمة التي استمرت لمدة ثلاثة عقود بعد سقوط جدار برلين تأثير على توحيد العالم وخلق طبقات متوسطة جديدة من خلال التجارة الحرة وتبادل الأفكار وبروز نمط جديد من الممارسات الإدارية والتحول إلى المعرفة العلمية. فيما تتمثل المرحلة الثانية حول تقسيم العالم إلى مجالات سياسية وتجارية واستهلاكية وتكنولوجية مختلفة. ويجب الإشارة هنا إلى أن العولمة لم تكن أبدًا نظامًا أمنيًا خالٍ من الصراع، كما هو معلن عنه في الأصل ولكنه كان مجرد مرحلة مؤقتة محايدة من حيث القيمة من التنمية الاقتصادية.

وخلال الحرب الباردة الأولى تعاون الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر من الصين الشيوعية من أجل موازنة المواجهة مع الاتحاد السوفيتي. ولكن خلال الحرب الباردة الحالية فإنه من المستبعد تحقيق التقارب الأمريكي مع روسيا للتوازن ضد الصين خاصة وأن الصين وروسيا متحالفة، وليس على شفا صراع عسكري مع بعضهما البعض كما كان الحال في عام 1969 قبل عامين من رحلة كيسنجر السرية إلى بكين.

وعلى العكس من نمط الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي التي تضمنت معاهدات الأسلحة النووية، وعملية هلسنكي لحقوق الإنسان على خلفية أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كانوا قد قرروا وضع قواعد وحدود حول هذا الصراع لمنعه من الاستمرار للوصول إلى المواجهة النووية ومع ذلك فقد تجنب الرئيس دونالد ترامب حتى الآن الدبلوماسية التقليدية مع الصين لصالح الحوار حول قضية التبادل التجاري. نظرًا لأن ترامب قد قلل من أهمية الحرب الباردة الأمريكية-الصينية واختزالها في موضوع واحد في هذه الحرب التجارية.

مواجهة متعددة

على الرغم من اقتصار سياسة الولايات المتحدة على الحرب التجارية مع الصين إلا أن هناك العديد من الملفات التي يمكن توظيفها في مواجهتها مثل محنة ملايين المسلمين في مقاطعة شينجيانغ وهذا الملف الحقوقي من الممكن أن يتم استثماره لإدانة معاملة النظام الصيني لهذه الأقلية؛ حيث يمثل المسلمون في غرب الصين قضية حقوق إنسان بالنسبة للولايات المتحدة، ومن زاوية أخرى فإنهم يمثلون قضية استراتيجية للصينيين لأن الصين الغربية على مدار قرون كانت أضعف جزء من الإمبراطورية الداخلية للصين، وأن تحقيق الاستقرار فيها إلى جانب المناطق الحدودية الأخرى في الصين هو ما يمنح الصين القدرة على مواجهة الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي سيزيد من قدرتها على التركيز على تعزيز قوتها البحرية، وبالتالي فإن القمع الذي تقوم به الصين في شينجيانغ وتوسعها البحري العدواني في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي يرتبطان بصورة وثيقة ببعضهما.

ومن جانب آخر فإنه يمكن للولايات المتحدة إجراء حوار واسع النطاق واتخاذ تدابير بناء الثقة مع الصين، خاصة وأن هذه الأدوات من النوع الذي اتبعته واشنطن في الفترة الأخيرة من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق، والتي تتمثل في أن قضية حقوق الإنسان مثل معاملة الإيجور يمكن أن تثار مع احتمال حدوث بعض التحسن في الوضع الذي لن ينظر إليه على أنه تنازل من جانب الصينيين، وليس من جانب الولايات المتحدة، وذلك لأن الصراع بين الجانبين سيكون أكثر صعوبة من الصراع كما كان بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق؛ حيث أن التكنولوجيا تهيمن على الحرب الباردة الجديدة ومن المحتمل أن تساوي قدرة الصين قدرات الولايات المتحدة في هذا الأمر.


Robert D. Kaplan, Why the U.S.-China Cold War Will Be Different?, January 19, 2020, at:

https://nationalinterest.org/blog/buzz/why-us-china-cold-war-will-be-different-114986