المركز العربي للبحوث والدراسات : تهديد مُلح... الأمن الأوروبي وأطفال داعش (طباعة)
تهديد مُلح... الأمن الأوروبي وأطفال داعش
آخر تحديث: الثلاثاء 05/11/2019 10:01 م ديفورا مارغولين، وآخرون- عرض: مرﭬت زكريا
تهديد مُلح... الأمن

إن ترك الآلاف من أنصار تنظيم الدولة الإسلامية المعتقلين وعائلاتهم في مخيمات سيئة الحراسة يشكل تهديداً للأمن القومي لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بشكل غير متوقع قراره بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ثم منح الضوء الأخضر لعملية توغل تركية. وخلال الفوضى التي أعقبت ذلك حذرت قوات سوريا الديمقراطية (SDF) التي كانت حتى تلك اللحظة الحليف الرئيسي لواشنطن في تدمير الدولة الإسلامية في سوريا، والتي أقرت بقدرتها على حماية السجون والمخيمات التي كانت فيها عشرات الآلاف من الأفراد وكثير منهم من مقاتلي الدولة الإسلامية وعائلاتهم وأنصارهم – ولكن تم تقويض قوات سوريا الديمقراطية بعد بدء العملية التركية بشكل كبير.

                ولكن تشير الاختراقات المتتالية من مركز اعتقال بالقرب من القامشلي، إلي رحيل حوالي 800 امرأة وقاصر من مخيم للمشردين داخليا خارج عين عيسى، وهروب لأكثر من 100 سجين من تنظيم الدولة الإسلامية خلال عملية التدخل التركي الأمر الذي يثير قلق أوروبا. و عند النظر إلي سياق دعوة زعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي إلى إطلاق سراح رجال ونساء وأطفال ما يسمى بالخلافة للجماعة في سبتمبر لعام 2019، فإن إلحاح هذا الوضع يصبح أكثر وضوحًا.

أولاً- سياسات واشنطن و حلفاءها الأوروبيين تجاه مواطنيهم المنضمين لداعش

                لا توجد خطة في الوقت الحالي لما يجب القيام به بعد ذلك، فلقد كان انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية مفاجئًا وفوضويًا، وجاء رد فعل الدول الأوروبية رمزيًا إلى حد كبير من خلال إدانة صاخبة للأعمال الأمريكية والتركية ولكن بدون استجابة ذات مغزى. ففي الماضي، دافعت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عن عودة المواطنين إلى بلدانهم الأصلية، حيث أعادت ما لا يقل عن 17 مواطنًا أمريكيًا (12 رجلاً وخمس نساء)، وفقًا لبرنامج جامعة جورج واشنطن للتطرف، وسهّلت عودة الكثير (بما في ذلك القصر) إلى البلدان الأخرى التي طلبت المساعدة مع مواطنيها.

                ومع ذلك، فإن انسحاب واشنطن من شمال سوريا يمكن أن يجعل هذا التسهيل أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلاً في المستقبل. أما بالنسبة لأوروبا والشركاء الغربيين الآخرين، فقد تهربوا في الغالب من مسؤولياتهم المتعلقة بالإعادة إلى الوطن، وألقوا باللوم في كثير من الأحيان على احتمال حدوث ردة فعل سياسية في الداخل. بل إن البعض، بما في ذلك المملكة المتحدة ذهبوا إلى أبعد من مجرد إلغاء الجنسية بشكل انتقائي عن مواطنيهم المنضمين إلي تنظيم داعش. لا يشكل هذا التقدير الخاطئ كارثة أخلاقية وإنسانية فحسب، بل إن تداعياته الأمنية خطيرة، لأن هؤلاء الأشخاص أنفسهم يمكن أن يصبحوا شريان الحياة بالنسبة للدولة الإسلامية للمضي قدمًا، سواء دعموها الآن أم لا.

                بينما يميل مجتمع السياسة الأمريكي إلى التركيز أكثر في الأشهر الأخيرة على شخصيات مثل "البيتلز"، الأعضاء البريطانيون في الدولة الإسلامية؛ حيث أن الغالبية العظمى من الأجانب الموجودين في شمال شرق سوريا في معسكرات مثل الهول التي تضم حوالي 68000 مقيم 94٪ من المحتجزين من النساء والقاصرين، و11000 منهم (7000 قاصر و4000 امرأة) من النساء و الأطفال. تعد بلدان مثل كندا حالياً من البلدان  التى  يعد لديها عدد الإناث أكبر من عدد الذكور اللائي يُحتجزن كداعمين لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وهناك أطفال أكثر من الرجال والنساء.

                وعليه، تجد الحكومات الغربية نفسها على مفترق طرق هل تعمل على عودة مواطنيها إلى الوطن أم لا؟ حتى الآن، كانت الإجابة المدوية لا. وعادة ما  تفسر الحكومات هذا الموقف من خلال الإشارة إلى الصعوبات التي ستواجهها في محاكمة هؤلاء الأفراد عند عودتهم. في حين أن مشاركة الرجال في الدولة الإسلامية تميل إلى أن تكون أكثر من قبل البيض لا السود، لكن لا يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لمشاركة المرأة.

ثانياً- وضع نساء التنظيم في مرحلة ما بعد داعش

                تباينت أدوار المرأة بشكل كبير داخل تنظيم الدولة الإسلامية؛ بعضهن كنا زوجات وأمهات ومربين للجيل القادم من تنظيم الدولة الإسلامية، بينما التحقت أخريات بلواء الخنساء (وحدة الشرطة الدينية من النساء التي تقوم بالدعاية والتجنيد). واليوم، لا تزال بعض النساء المنتميات إلى الدولة الإسلامية من المؤيدين المتحمسين للجماعة، ولا يزالن صامتين في التزامهن الأيديولوجي بتعاليمها. ومن المحتمل أن يساعدن في ضمان انتقال أيديولوجيتهم إلى الأجيال القادمة أو المساهمة في أنشطتها المستمرة، بما في ذلك ممارسة أشكال مختلفة من العنف بأنفسهم.

                والأهم من ذلك، أنه ليس كل النساء المحتجزات في معسكر الهول هم من المؤيدين لسياسات تنظيم الدولة الإسلامية، ناهيك عن نشطاءها. وبالتالي، يجب تقييم المخاطر المحتملة التي قد يمثلونها عند العودة إلى الوطن على أساس كل حالة على حدة. يبدو أن بعض الأجانب كانوا  غير موفقين في قرارهم بالسفر أو تم إكراههم أو إجبارهم على السفر، على وجه الخصوص، يمكن ملاحظة ذلك في الحالات التي يكون فيها شريكهم قد قرر المغادرة إلى الدولة الإسلامية وكان هناك تهديد بالانفصال عن أطفالهم -تاركًا لهم القليل من الوسائل التي يمكن أن تساعد في سفرهم إلى الدولة الإسلامية، لذا فإن احتمالات عودتهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم قد أصبحت ضئيلة للغاية.

                حتى لو كان هناك المزيد من الرغبة في العودة إلى الوطن في العواصم الغربية، لكن عامل الوقت يعتبر عنصر هام جداً، فخلال سبتمبر لعام 2019 زادت علامات التمرد داخل الملحق الذي يضم جميع النساء الأجنبيات والقاصرات في معسكر الهول. كانت هناك زيادة كبيرة في عدد الجرائم التي تم ارتكابها بالإضافة إلى أعمال عنف ضد مقاتلي قوات الدفاع الذاتي المتبقية الذين يحمون المخيمات ويديرونها.

                في هذا السياق تبدو احتمالات الاختراق من الهول (أو في الحقيقة انهيار الأمن داخلها) أكثر ترجيحًا. بالفعل دفع عدد من النساء للمهربين لتسهيل خروجهم، بمن فيهم النساء المستفيدات من حملات جمع التبرعات عبر الإنترنت. في هذه الأثناء، دأب تنظيم الدولة الإسلامية على إرساء الأسس لتفكيك هذه المعسكرات، حيث قام بتوزيع رسائل تهديد على المجتمعات المحلية تطالب فيها بالقبض على أي شخص يحاول الهروب من هذه المعسكرات.

                بالنظر إلى هذه المخاطر، من الأهمية بمكان أن تعيد الدول الغربية النظر في موقفها، في حين أن بعض هؤلاء النساء ما زلن ملتزمات بشدة بقضية الدولة الإسلامية، ولكن تأسف العديد من النساء لرحلتهن إلى سوريا ويسعون إلى ترك هذا الفصل من حياتهن. لذا، يجب على الدول الغربية النظر في تسهيل مغادرتهم وملاحقتهم وإلقضاء على التطرف، لأنهم إلى جانب العديد من الحجج الأخلاقية والإنسانية لمثل هذه السياسة، فإن هؤلاء النساء يعتبرن من المقولات اللائي يمكن الاعتماد عليهن في التحدث عن الأكاذيب والنفاق والعنف الذي ارتكبته الدولة الإسلامية في أوج ازدهارها، الأمر الذي يحتمل أن يردع الآخرين من اللذين يفكرون في الانضمام إلى الجماعة في المستقبل.

ثالثاً- وضع القاصرين في ظل تنظيم الدولة الإسلامية

                بات وضع القاصرين المرتبطين بالدولة الإسلامية أكثر تعقيدًا وإلحاحًا، لأن هناك الكثير منهم محتجزون في المخيمات. فعلى سبيل المثال، يُحتجز ما يقدر بنحو 55 % من سكان المخيم  من أطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا، بمن فيهم العديد من القصر الذين تيتموا بسبب النزاع. بغض النظر عما يُعرف أنهم قاموا به أثناء عيشهم تحت حكم الدولة الإسلامية، يجب ألا يعاقب الأطفال على تصرفات والديهم وقراراتهم فمعظمهم نُقلوا قسراً إلى أراضي الدولة الإسلامية أو وُلدوا فيها دون أي خيار للمغادرة ثم يُلزمون بالعيش وفقا لمذهبها.

                كما إن المخاطر التي ستواجهها الدول الأوروبية في حالة انهيار المخيمات لا يمكن التغلب عليها، إذا هربوا أو أجبروا على المغادرة، فسيجد الكثيرون أنفسهم في منطقة معادية بدون شبكة أمان. علاوة على ذلك، بالنظر إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية يضع بشكل روتيني  الأطفال كجنود في الخطوط الأمامية لذا، فإنهم على الأرجح سيجدون أنفسهم عرضة لخطر الهجمات الانتقامية. يمكن للقلة التي تمكنت من تجنب العنف الهبوط في مرافق الاحتجاز التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية، والأسوأ من ذلك أنه يمكن أن ينتهي بهم المطاف في مراكز اعتقال يديرها نظام بشار الأسد؛ حيث قد يواجهون الإعدام، التعذيب، العنف.

يعاني عدد كبير من الأطفال ربما الغالبية منهم من اضطرابات ما بعد الصدمة وغيرها من الآثار النفسية والجسدية والاجتماعية الناجمة عن العيش لسنوات عديدة في منطقة حرب. لقد فقدوا بعض أفراد أسرهم وشهدوا أعمال عنف رهيبة، وعانوا من صدمة لا يمكن تصورها. بالنسبة للمئات من الشباب من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا وكندا  في شمال سوريا فمن المؤكد أن هناك طريقة للخروج في حالة قيام دولهم الأصلية بواجباتهم الأخلاقية والإنسانية والأمنية تجاه أصغر مواطنيهم. وكلما ظل هؤلاء الأطفال منفصلين عن بلدانهم الأصلية، قد يتعرضون للعنف والأيديولوجيات المتطرفة، كلما كان من الصعب إعادة إدماجهم في مجتمعاتهم.

                لا يمكن للحكومات أن تنظر ببساطة إلى الحل الأخر الذي يتمثل في التخلي عنهم بسوريا، سيما في ذلك الوقت لأنه يعتبر بمثابة التخلي عنهم إلى الدولة الإسلامية أو نظام الأسد أو غير ذلك من الاحتمالات المرفوضة، الأمر المؤكد أن له تداعيات سلبية طويلة الأجل. لا ينبغي اعتبار هؤلاء الأطفال مسؤولين عن أخطاء والديهم ويجب ألا يُدانوا بمستقبل مظلم.

                ومع تطور الوضع على الأرض في شمال سوريا خلال الأيام الأخيرة الماضية، تغلق نافذة الفرصة لإيجاد حل استباقي تسيطر عليه الحكومة تمامًا في حالة حدوث احتمال سيناريو سيئ يأخذ فيه نظام الأسد هؤلاء الأفراد مع زيادة رقائق المساومة. كما هو الحال مع المقاتلين الأجانب من حرب العراق؛ حيث يمكن إطلاق سراح أولئك الذين يوافقون على عدم استهداف النظام السوري ويتركون في أجهزتهم الخاصة، بما في ذلك الانضمام إلى مجموعات في مناطق أخرى أو تنفيذ هجمات خارج حدود سوريا.

                وإذا لم ينتهي بهم المطاف في سجون الأسد، فمن المرجح أن يعودوا إلى أيدي الدولة الإسلامية أو بعض الجماعات المتطرفة العنيفة الأخرى، مما يثقل كاهل المجتمعات المحلية المجهدة أصلاً والتي لم تكن موضع ترحيب وعانت كثيراً تحت حكم داعش. قد يكون الأمر غير مستساغ بالنسبة للبعض، لكن تركهم ليس بالخيار الأفضل، ومن المؤكد أن وجودهم في سوريا سيجعل الدول الغربية أقل أمانًا على المدى الطويل.

رابعاً- بعض الدروس المستفادة

                يمكن استخلاص بعض الدروس المستفاد من التعامل العراقي مع الأجانب ففي عام 2018 وحده، أدان العراق حوالي 616 أجنبيا بأنهم أعضاء في الدولة الإسلامية، بما في ذلك 466 امرأة و108 قاصر. حُكم على العديد من النساء بالسجن مدى الحياة، بينما حُكم على أخرون بالإعدام. تعرضت السلطات العراقية لانتقادات شديدة بسبب المحاكمات السريعة والتي غالبًا ما تفتقر إلى أدلة مهمة، وتتعامل مع الأشخاص المحتجزين في ظل ظروف قاسية. وهناك أيضًا تقارير متعددة عن عمليات اعتقال تعسفي، واعترافات قسرية، بل وتعذيب قُصّر أثناء الاحتجاز.

                وعليه، يبدو أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين روسيا وتركيا يعني أن مستقبل سوريا سوف يتحدد إلى حد كبير دون تدخل الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، فإن اتفاق النقاط العشر الذي تم التوصل إليه بينهما لا يمس قضية معسكرات النازحين أو المحتجزين، تاركًا وضع هؤلاء الأفراد غير واضح، لكن لا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار سيظل قائماً، وكذلك ما الذي سيكون عليه مستقبل الأجانب في سوريا إذا تم القبض عليهم من قبل تركيا هل ستطلق أنقرة سراحهم وتنكر مسؤوليتهم أو تعتقلهم أو تعمل على إعادتهم إلى وطنهم؟

                في النهاية: يجب إعادة هؤلاء النساء والأطفال إلى بلادهم على الفور بطريقة محكومة وخاضعة لسيطرة الحكومة، يجب أن يُمنح البالغين محاكمات عادلة فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبوها، ثم يُسجنون ويُعاد تأهيلهم وإعادة إدماجهم حسب الاقتضاء. تقع مسؤولية الأطفال على عاتق بلدانهم الأصلية، والتي تحتاج إلى معالجة آفاق الرعاية والتأهيل المستقبلية. حتى أولئك الذين أجبروا على ارتكاب جرائم يجب أن يتم  الاعتراف بهم دولياً كضحايا يستحقون اتباع نهج متعاطف وداعم. وتمتلك الدول الغربية مؤسسات قضائية واجتماعية وعقابية قوية قادرة على إدارة قضية وإدماج هؤلاء السكان، لذا، يجب أن يفعلوا ذلك قبل فوات الأوان.

Devorah Margolin, Joana Cook, Charlie Winter, In Syria, the Women and Children of ISIS Have Been Forgotten, Foreign Policy, 26/10/209, available at :

https://foreignpolicy.com/2019/10/26/in-syria-the-women-and-children-of-isis-have-been-forgotten/?fbclid=IwAR3E_G91vt5diqXv4vsP1Yh0K Oc1yI8FYB8EEatpTCBNJR2Zillev3jbIM