ثانياً-
علاقة المجتمع المدني بالمساءلة الاجتماعية: اتجاهات نظرية
إن من
أبرز تعريفات المجتمع المدني بما هو "المجال خارج
السلطة والسوق والعائلة، حيث ينتظم الافراد والمؤسسات بمختلف اشكالهم وانتماءاتهم
للدفاع عن المصالح المشتركة". وقد شهدت العقود الماضية تناميا لحضور وتأثير
منظمات المجتمع المدني على كافة المستويات، دولية لا سيما في المسارات التي نظمتها
الأمم المتحدة حول التنمية وحقوق الانسان والبيئة وغيرها، ووطنية خاصة في إطار
الشراكات والمساهمات في التخفيف من التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على
الظروف الحياتية للمواطنين.
ولتلافي تأثير التجارب السلبية
لمنظمات المجتمع المدني لا بد من اعتماد معايير لقياس أدائها وتحديد دورها من خلال
هذه المعايير. ومن هذه المعايير، المستوى التنظيمي للمنظمة وتقييم الاثر الاجتماعي
والسياسي والبعد التنظيمي والهيكلي لاسيما الشفافية والإدارة الرشيدة وتداول
السلطة والقيم كالرؤية والأهداف ووسائل العمل ومستوى المشاركة المدنية في أعمالها وأنشطتها
والبيئة الخارجية التي تعمل فيها. وفي كل من هذه المعايير، يمكن اعتماد مؤشرات
تساعد على قياس أدائها وبالتالي تكوين صورة حقيقية عنها، وبذلك يكون التقييم
موضوعيا وواقعيا. ومن الأهمية بمكان فهم الادوار الاساسية التي يمكن لمنظمات
المجتمع المدني ان تلعبها في عملية مثل التنمية لكي تتمكن من صياغة البرامج
الملائمة لمشاركتها في كل مراحل العملية التنموية ,وبالتالي لا يجوز تحميل منظمات
المجتمع المدني نتائج غياب السياسات الوطنية والرؤية التنموية التي تقع ضمن
مسؤوليات الدولة او انعكاسات استشراء آليات السوق نتيجة غياب الانظمة التي تحمي
المجتمع منها.
وتتيح المساءلة لمنظمات المجتمع
المدني في صنع القرارات العامة وإخضاع الحكومة للمساءلة عن أفعالها، ولا سيما فيما
يتعلق بإدارة الموارد العامة. وهي طريقة لزيادة الكفاءة في أداء الحكومات عن طريق
تمكين المواطن من توضيح احتياجاته، وإشراكه بصورة كاملة في صنع أنشطة الحكومة مثل
صنع السياسات وإدارة الماليات العامة وتقديم الخدمات، في حين يتابع أداء الحكومة
ويراقبه ويقدم معلومات تقييمية عنه. وبهذا التعريف، فإن المساءلة الاجتماعية تصبح
في جوهرها عنصرا رئيسيا في إحلال الديمقراطية، وبالتالي تصبح ذات أهمية خاصة
بالنسبة للبلدان التي تمر بمرحلة تحول.
ثالثاً-
أفضل الممارسات .. المجتمع المدني وعوامل نجاح المساءلة الاجتماعية
فيما يلي توضيح لدور المجتمع
المدنى فى تدعيم المساءلة الاجتماعية وإنجاح تجاربها، حيث أن
المساءلة الاجتماعية هي أحدى المجالات الرائدة في أنظمة الحكم الرشيد، وهناك حاليا
العديد من ممارسات وأدوات المساءلة الاجتماعية المطبقة في أنحاء عديدة في العالم، بما
في ذلك الكثير من التطبيقات في المستويات المحلية التي تزيد من المشاركة المدنية
في الأجهزة الحكومية وتعزز المساءلة.
ورغم
التباين في تطبيقها نظرا لاختلاف السياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية،
فإنها تنطوي على العديد من العناصر أو "الدعائم" الأساسية، التي تشترك
فيها معظم ممارسات المساءلة الاجتماعية. وهذه العناصر الأساسية هي كما يلى؛
1. الحصول على
المعلومات
يعتبر
الحصول على أو إنتاج المعلومات ذات الصلة وإتاحتها للجمهور من الجوانب ذات أهمية
البالغة للمساءلة الاجتماعية. وكثي ًرا ما يتطلب إيجاد أدلة موثوقة لإخضاع
المسؤولين العموميين للمساءلة امتلاك وتحليل كل من المعلومات المتعلقة بجانب العرض
من الحكومة ومقدمي الخدمات وكذلك المعلومات المتعلقة بجانب الطلب من المستفيدين من
الخدمات الحكومية، والمجتمعات المحلية، والمواطنين. ويتيح الجمع بين بيانات جانب
العرض وبيانات جانب الطلب لمنظمات المجتمع المدني تكوين قاعدة معلومات ثرية ويمكن
التعويل عليها في الإجراءات التدخلية في مجال المساءلة الاجتماعية.
2. إعلاء صوت
المواطن
من
الدعائم الأساسية للمساءلة الاجتماعية إعلاء صوت المواطنين بما لديهم من احتياجات
وآراء وبواعث قلق، وهو ما يساعد الحكومة في تفهم أولويات المواطنين بشكل أفضل
وتحسين سبل تقديم الخدمات للناس. وتشير المقولة الشائعة" من الصياح إلى
المحاسبة" إلى أهمية صوت الشعب كوسيلة لترشيد ونقل وإيصال الرأي العام
بفاعلية إلى واضعي السياسات على نحو مثمر وإيجابي. وهناك استراتيجيات مهمة في هذا
الصدد منها: خلق متنفس ومنتديات للنقاش العام من أجل إرساء مبدأ الحوار بين
المواطن والدولة وبناء ثقة المواطنين ووعيهم بحقوقهم. كما تشمل هذه الاستراتيجيات
أيض ًا تيسير إقامة الائتلافات والتحالفات من أجل تجميع الآراء وتدعيم صوت الموا
َطنة، والاستخدام الاستراتيجي لكل من أشكال ووسائل الإعلام الحديثة والتقليدية.
ومن التحديات البارزة في هذا المقام التأكد من قدرة الجماعات المهمشة على إيصال أصواتهم.
3. الاشتراك في عملية تفاوض من
أجل التغيير
إن
القدرة على تحفيز استجابة المسؤولين العموميين وتحقيق تغيير طويل الأمد أكثر
العناصر تمثل أهمية وصعوبة في أية استراتيجية للمساءلة الاجتماعية. ويجوز أن تكون
عملية التفاوض منفصلة أو ذات طابع مؤسس ي، ويمكنها أن تأخذ شكل التفاعل المباشر
بين المواطنين والدولة ، أو اللقاءات على مستوى المجتمعات المحلية مع المسؤولين
الحكوميين، أو الأشكال غير المباشرة للتشاور والتفاوض. وقد أظهرت التجارب أن هناك
طريقاً وسطاً بين الاثنين، ألا وهو الاستعانة بميسر أو وسيط مدرب، يمكن كذلك أن
يكون ذا فاعلية كبرى في ضمان قيام علاقة مثمرة بين المواطن والدولة وإيجاد ممارسات
أكثر إيجابية تقوم على المشاركة.
هكذا
يمكن استعراض العوامل الهامة لضمان نجاح تطبيقات ومبادرات المساءلة الاجتماعية فى
ظل ما يمكن أن تساهم به مؤسسات المجتمع المدنى وذلك من واقع التجارب والممارسات
العملية على النحو التالى:
1. إن المساءلة الاجتماعية هي أكثر بكثير من مجرد أدوات ومهارات،
حيث أن نجاح مبادرات المساءلة الاجتماعية يعتمد على السياق الذى تعمل فيه، وهذا
يؤكد أنه على الرغم من أن الأساليب والأدوات للمساءلة الاجتماعية هي جانب مهم جدا
من تعزيز المساءلة الاجتماعية الا أن النجاح النهائي لمبادرات المساءلة الاجتماعية
يتوقف على السياق الذي تستخدم فيه هذه الأدوات، والمبادئ والقيم التي تحكم
استخدامها، من يشارك فيها؟ وكيف؟ لذلك، فالمساءلة الاجتماعية ليست مجرد استحداث
أدوات وآليات بل هي عبارة عن تغيير عقول وبناء علاقات وتطوير قدرات.
2. يجب عند ممارسة وتطبيق أحدى أدوات المساءلة لابد من التعرف على الأطراف الفاعلة
/أصحاب المصلحة، فالتحليل الرسمي والغير رسمي للأطراف الفاعلة يعتبر خطوة حاسمة في
تصميم أي مبادرة من مبادرات المساءلة الاجتماعية. هذا التحليل ينبغي أن يفيد في
تحديد مجموعة كاملة من أصحاب المصلحة سواء المؤثرة في المبادرة أو التي تتأثر
بالمبادرة وكذلك يفيد في تقييم علاقات المساءلة وعلاقات القوة فيما بينها. وأثناء
اجراء هذا التحليل فإنه من الأهمية بمكان فك مفاهيم واسعة سواء المتعلق منها
بالحكومة والمتعلق بالمجتمع المدني وتفهم الطبيعة المعقدة والغير متجانسة لهذه
الكيانات واستكشاف تنوع الآراء والمصالح والعلاقات بينها وفيما بينها. استخدام
النهج الذى يتيح لك التعامل مع كل من جانب العرض وجانب الطلب. في مبادرات المساءلة
الاجتماعية تصبح التدخلات على كل من جانب العرض (الحكومة) وجانب الطلب (المواطن /
المجتمع المدني) ذات أهمية شديدة، بالرغم من أن المبادرات الفردية قد تتعامل مع
مجموعة واحدة فقط من العوامل الا أنه ينبغي لها أن تسعى إلى أن تأخذ في الاعتبار
نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات على كل من العرض وجانب الطلب ، وتذكر أن
المواجهة ما بين الطرفين هي مفتاح الحل.
3. إن العقوبات والحوافز هي مفتاح الحل فالتجربة تبين أن الجمع
ما بين الحوافز والعقوبات غالبا ما تكون الأكثر فعالية في تحقيق تعزيز المساءلة
الاجتماعية. فمن الأفضل أن تقدم مبادرات المساءلة الاجتماعية المكافآت للسلوك
المسئول (على سبيل المثال، شهادات تقدير ، ردود فعل ايجابية ، ومكافآت أو ترقية
على أساس تقييم العميل) فضلا عن احتمال عقوبة أو عقوبات (على سبيل المثال، اخطار
لفت نظر، وإجراءات قانونية، وتخفيض في الدرجة الوظيفية) للسلوكيات الغير مسئولة.
4. يجب أن يوائم أو يتوافق النهج مع السياق. فنهج المساءلة
الاجتماعية يعتمد اعتمادا كبيرا على السياق الذي تطبق فيه. ولذلك فإن ما حول
القرارات هي الأداة التي ستستخدم ومن سيتم اشراكهم وعما اذا النهج الذى سيتم
اتخاذه نهجا سياسيا أو واقعيا وإلى أي مدى ينبغي أن تكون آليات المساءلة
الاجتماعية مستقلة أو مؤسسية، يجب أن تتم على أساس كل حالة على حدة.
5. إن الوصول إلى المعلومات ووسائل الإعلام أمر بالغ الأهمية.
جودة وإمكانية الوصول إلى المعلومات العامة والبيانات هو أحد المحددات
6. هناك عدد من الشروط الرئيسية لنجاح آليات المساءلة
الاجتماعية ولا غنى عن توافرها. في كثير من الحالات، قد تحتاج الجهود الأولية للمساءلة الاجتماعية إلى التركيز على
تعزيز حرية الإعلام، ومعالجة عدم رغبة الإرادة السياسية للكشف عن المعلومات، أو
تعزيز القدرات التقنية للمؤسسات العامة لتسجيل وإدارة وإتاحة البيانات ذات الصلة.
دور وسائل الإعلام المستقلة في تثقيف المواطنين ومراقبة الأداء الحكومي أمر بالغ
الأهمية. في العديد من البلدان، يمكن أن تلعب الإذاعة المحلية دورا هاما بشكل خاص
في إعلام وإعطاء صوت لسكان الريف و/أو الأميين. وتعتبر الاستخدام الاستراتيجي ودعم
كل من الاعلام التقليدي والحديث عامل مشترك لمعظم مبادرات المساءلة الاجتماعية
الناجحة.
7. إن أدوات المساءلة الاجتماعية تعمل بشكل أفضل عندما يجد كل
من المواطنين (مستخدمي الخدمة) والقطاع العام ( مقدمي الخدمة) المنفعة المتبادلة
والقيمة في استخدامها. يمكن للمواطنين التماس مكاسب كبيرة في تحسين الشفافية والتأثير على عملية صنع القرار في القطاع العام. وعلى الجانب الآخر
يستفيد مقدمي الخدمات والموظفين العموميين من وجود إدارة شفافة وتحسين شرعية.
8. في بعض الدول قد يكون التزام القطاع الحكومى بالشفافية
ومفهوم مشاركة المواطنين في صنع القرار غير متكافئ وفى هذا السياق يصبح تقديم
أدوات المساءلة الاجتماعية من خلال مبادرات تجريبية أو يتم تقديمها بشكل تدريجي
لحشد الدعم لتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة والحكم التشاركي، وبالمثل، قد لا يكون
المجتمع المدني والمواطنين على استعداد لدعم المساءلة الاجتماعية بسبب عدم الثقة
في القطاع العام أو عدم وجود ثقافة المشاركة المدنية. وفى هذا السياق يمكن تقديم
وادخال أدوات المساءلة الاجتماعية بطريقة تدريجية لبناء مثل هذه الثقافة بتعزيز
الطلب على المساءلة من أجل مزيد من الاصلاحات.
رابعاً- المجتمع المدني والمساءلة الاجتماعية في مصر
تشير
تجربة مصر في تطبيق المساءلة الاجتماعية حتى الآن إلى قيمتها في تحسين المساءلة
وفي تحسين الخدمات بمختلف القطاعات، وفي إعطاء المواطنين قدرة على التعبير عن
الرأي بوصفهم المستخدم النهائي. ويعد ما يظهره الربيع العربي من اهتمام متزايد
بالحكم الديمقراطي نقطة بداية مهمة لمشاركة المواطنين في تحسين الخدمات، وغير ذلك
من المجالات الرئيسية للإدارة العامة، مثل صنع السياسات وإدارة المالية العامة.
وتظهر آليات استطلاع آراء المواطنين أن المساءلة الاجتماعية لديها إمكانية حقيقية
لإحداث تحول في طريقة تقديم الخدمات الحكومية والعامة.
ومع بدء حكومات المتعاقبة في مصر في إرساء أسس ديمقراطية جديدة عقب ثورتين،
يبدو واضحا أن الرسالة الآتية من المواطنين ولا سيما الشباب والمرأة تتمثل في
رغبتهم في أن يشاركوا في العملية. ومن شأن ممارسة المساءلة الاجتماعية تسهيل هذه
المشاركة، مع تشجيعها لإدخال تحسينات حقيقية على أسلوب عمل الحكومات وعلى الخدمات
المقدمة. ويمكن أن يسهم في تدعيم التحول السياسي بعدة طرق مهمة، منها:
1- أن يبعث برسالة مفادها أن الحكومة
المصرية لا بد أن تلتزم بمزيد من الشفافية والمساءلة، وتسمح للمواطنين بالنهوض
بدور نشط في صياغة هذه الإصلاحات وتنفيذها.
2- أن يجعل السياسات أكثر اتصالا
باحتياجات المواطنين. ويمكن أن يساعد توفير آليات المشاركة في حوار السياسات على
الحد أيضا من مخاطر عدم الاستقرار السياسي. حيث كان الإقصاء من أمور الحكم من
العوامل المهمة التي كانت سببا لتفجر الثورات العربية.
3- تمكين المواطن من المطالبة
بخدمات أفضل وبالرقابة على استخدام الموارد العامة، وهو ما يضعه في موقف يجعل منه
عنصرا مهما في محاربة الفساد بالجهاز الحكومي والمحاباة وسيطرة النخبة.
وما
المساءلة الاجتماعية إلا صورة من صور المساءلة تنبثق عن أفعال المواطنين ومنظمات
المجتمع المدني الرامية إلى مساءلة الدولة على سبيل المثال في المخالفات
الانتخابية والفساد والانتهاكات الحقوقية وتصحيحها وتحسين عمليات مراجعة الإنفاق
العام، وكذلك الجهود المبذولة من الحكومة والأطراف الفاعلة الأخرى (وسائل الإعلام،
القطاع الخاص، الجهات المانحة) لمساندة هذه الأفعال.
ومن
شأن المساءلة الاجتماعية توفير مجموعات إضافية من المراجعات والتوازنات للدولة من
أجل الصالح العام، مما يفضح وقائع الفساد والإهمال والقصور التي لا يتوقع أن
تعالجها أشكال المساءلة الأفقية أو لا تقدر على معالجتها. على عكس صور المساءلة
الرأسية الأخرى مثل الانتخابات، يمكن غالباً ممارسة المساءلة الاجتماعية بشكل
مستمر من خلال وسائل الإعلام والسلطة القضائية وجلسات الاستماع العامة وهيئات
المحلّفين المشكلة من المواطنين والحملات والمظاهرات، إلخ. وهكذا فإن آليات
المساءلة الاجتماعية تكمّل وتعزز آليات المساءلة الحكومية الرسمية، بما في ذلك
الآليات السياسية والمالية والإدارية والقانونية.
في ضوء ما سبق يمكن القول بأن آليات
وأدوات المساءلة الاجتماعية تساهم في تعزيز الخدمات العامة والاستقرار والنمو
الاقتصادي؛ حيث أن هناك آليات وأدوات مختلفة كثيرة يمكنها تعزيز المساءلة
الاجتماعية (مثلاً، تعزيز إمكانية النفاذ إلى المعلومات، أو تعزيز وسائل الإعلام
المستقلة، أو استخدام أدوات معينة مثل بطاقات مرئيات المواطنين أو هيئات المحلّفين
المشكلة من المواطنين).
وللمساءلة الاجتماعية قيمة
جوهرية. ويمكن لآلياتها أن تسهم فيما يلي:
- إرساء وتطبيق سياسات تستجيب
لمصالح المواطنين.
- ضمان تخصيص الموارد للمجالات
والخدمات التي يحتاج إليها المواطنين.
- رصد تدفق الموارد للحد من
الفساد.
- مراقبة نوعية ما يقدم من سلع
وخدمات.
وعلى
نحو أشمل، فإن بيئة السياسات، التي تتسم بالشفافية والتي تساعد المساءلة
الاجتماعية على وجودها،يمكن أن تؤدي إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية.
وتظهر البحوث الاقتصادية أن البلدان التي تتمتع بدرجة أعلى من الشفافية تكون أكثر
قدرة على المنافسة؛ وأن ارتفاع معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر والقدرة على
المنافسة يرتبط بارتفاع النمو.
ويمكن
للمساءلة الاجتماعية تعزيز نواتج التنمية والتقدم نحو تحقيق التنمية البشرية بوجه
عام علاوة على تحقيق وتوطين أهداف التنمية المستدامة بتعزيز الروابط بين الحكومات
والمواطنين من أجل:
·
تحسين
محور تركيز تقديم الخدمات العامة.
· رصد الأداء الحكومي وتعزيز الحكم المتجاوب أو
الحكومات المفتحة.
· التأكيد على احتياجات الفئات المستضعفة في صياغة
السياسات وتنفيذها.
· المطالبة بالشفافية وكشف الإخفاق الحكومي والفساد
وتعارض المصالح.
· تيسير إقامة روابط فعالة بين المواطنين والإدارة
المحلية في سياق اللامركزية.
·
تمكين
الفئات المهمشة المستبعدة تقليدياً من العمليات المتعلقة بالسياسات.
تجدر الإشارة إلى أنه قد نظمت اللائحة التنفيذية لقانون نظام الإدارة
المحلية رقم 43 لسنة 1979 وفقا لآخر التعديلات عبر أربع مواد دور المواطنين فى
الرقابة والمساءلة الاجتماعية، ففى مادتها (41)؛ للمجلس الشعبى المحلى بالاتفاق مع
المحافظ أن يقرر تمثيل المنتفعين من المواطنين فى الإدارة والإشراف على المشروعات
والأجهزة والوحدات والخدمات العامة، والتى تقوم على إدارة وتسيير المشروعات
والخدمات العامة بالمحافظة، وذلك فى أثنى عشر مجال محلى على النحو التالى؛
التعليم، الثقافة، الصحة، الشئون الاجتماعية، المعاشات والتأمينات الاجتماعية،
النقل والمواصلات، الإسكان، المياه، الكهرباء، الصرف الصحى، توزيع السلع التموينية
والشعبية، المساجد.
كما
حددت المادة (42) شروط التمثيل لضمان الشفافية لمشاركة الفعالة من المواطنين فى
الإدارة والرقابة الشعبية المحليين، ومن أهم الشروط؛ النزاهة والغيرة على الصالح
العام، مقيم بالوحدة المحلية، لا يكون عاملا فى تلك الجهة الإدارية أو من أعضاء
مجلس النواب أو المجالس الشعبية المحلية.
هذا وقد بينت المادتين (43) و(44) دور ومهام لجان
المنتفعين وبالتعاون مع الأجهزة المختصة بالمرفق العام فى بحث السياسة العامة
للمرفق ومتابعة وتقييم أوجه النشاط بما
يؤدى إلى حسن أداء الخدمات، وبغرض الحد من تعارض المصالح ومكافحة الفساد اعتبر
ممثل المنتفعين متطوعا مكلفا بخدمة عامة لا يجوز له الحصول على مبالغ أو مزايا أو
معاملة خاصة فى التعامل معها، ويحكم كل ذلك بلائحة يصدر بها قرار من المحافظ
المختص. تجدر الإشارة فى هذا الصدد أن المادة التى سبقت مواد لجان المنتفعين
وإشراك المواطنين، وهى المادة (40) من اللائحة التنفيذية لقانون نظام الإدارة
المحلية قد عززت من دور المجالس الشعبية المحلية فى سلطة الرقابة على مختلف المرافق
والأعمال فى نطاق المحافظة فى إطار من التعاون بين المجلس المنتخب والجهاز المعين
للإدارة المحلية، من خلال الطلب من المحافظ تقديم تقارير الأنشطة مدعمة بالبيانات
الإحصائية ومعدلات الإنتاج والخدمات، وعرض تقارير دورية عن تنفيذ خطط التنمية
المحلية ودراسة كيفية مواجهة المشكلات والمعوقات.
توصيات للحكومة والبرلمان
لتفعيل دور المجتمع المدني في المساءلة الاجتماعية
هكذا بعد هذا الاستعراض، قد اتضح
ارتباط مفهوم المساءلة الاجتماعية ارتباطًا وثيقًا مع المشاركة، لا سيما مشاركة
المواطنين والمجتمع المدني، والتي تميّز المساءلة الاجتماعية عن الآليات التقليدية
للمساءلة . ففي كثيرٍ من الحالات، لا يشارك المواطنين والمجتمعات المحلية ومنظمات
المجتمع المدني في أنشطة المساءلة الاجتماعية فقط، ولكن يتجاوزونها للشروع
بالسيطرة عليها. فبينما تركز العديد من المقاربات التشاركية حصراً على المجتمع
بصفة أحادية وفردية، توسع آليات المساءلة الاجتماعية فرص المشاركة على المستوى
الكلي وتضمن إشراك المواطنين والمجتمع المدني وحتى المحلي في التحليل أو صياغة
الموازنات الوطنية وتربط نتائج عمليات الرصد والتقييم التشاركية بالمسائل المتعلقة
بالموازنات والحكم على مستويات تقديم الخدمات العامة، الخ.
ويظهر واضحاً أن مؤسسات المجتمع
المدني قد نجحت، إلى حدٍ مقبول، في تنفيذ الدور المطلوب منها. وقد أظهرت بأن لديها
القدرة التشاركية الذاتية على تحقيق نتائج تشغيلية كبيرة مثل تحسين الأداء واتخاذ
تدابير تصحيحية، وكذلك نتائج عملية مثل التغييرات المؤسسية والحكومية والعلاقات
التنظيمية والتي تم تحقيقها باعتماد المنهجية المنظمة لمبادرات المساءلة
الاجتماعية خلال المراحل المختلفة.
إلا أن
ذلك، لا يعني أن نرضى بواقع تطبيق معايير المساءلة الاجتماعية على هذا النحو.
فالأمر يتطلب أكثر من ذلك، مع ضرورة تشكيل منتدى أو عنوان واسع؛ تتلاقى فيه معظم
مؤسسات المجتمع المدني؛ لتتدارس وتتعاون من أجل خلق حالة متينة ودائمة تساهم في
تطبيق مجمل مطالب هذه المساءلة، وتفعيل مضامينها بصورة مستمرة.
خلاصة القول: إن المساءلة
الاجتماعية هي التي تدفعنا إلى أداء واجباتنا حين لا يوجد حسيب أو رقيب سوى
ضمائرنا. هذه المساءلة هي التي تحركنا لأداء واجباتنا الوطنية والمجتمعية، لذلك
غرسها وتعزيزها في المجتمع يصبح ذا أولوية قصوى وأهمية كبيرة لأنها تساعد في توجيه
جهودنا وتوظيفها لخدمة المجتمع الذي أصيب بالانحراف الاداري والقيمي.
إن تعزيز
حس المساءلة الاجتماعية قضية مهمة للفرد وللمجتمع بأسره. فبدونها لا تنهض
المجتمعات ولا تتقدم، وبدونها لا تستطيع الدولة توحيد جهود الأفراد ووضعها في
مسارها الصحيح لخدمة أغراض التنمية الشاملة.
فى ضوء على ذلك نقدم فيما يلى عدة
توصيات للفاعلين الرسميين وغير الرسميين فى صنع السياسات التى تعنى بدور المجتمع
المدنى وتعزيز المساءلة الاجتماعية:
-
إن المشاركة النشطة للمواطنين في
الشؤون العامة تتطلب بيئة مواتية. فمن شأن سن التشريعات الملائمة للتشجيع على
حرية التعبير، وإجراء انتخابات حرة مستقلة ، وحرية تكوين الجمعيات، أن يوفر
ضمانات مهمة للمواطنين ينبغي أن تكون لها أولوية في عملية التحول.
- إن تواصل الحكومة مع المجتمع المدني أمر بالغ
الأهمية لبناء الثقة وإشاعة الطمأنينة: ففي مناخ ما بعد الثورات الذي يتسم عادة
بارتفاع مستوى التطلعات، يمكن للحكومة الجديدة أن تغتنم الفرصة لإشراك المواطنين
وأصحاب المصلحة من جميع فئات وشرائح المجتمع في عملية صنع القرار بجميع مستوياتها:
سواء منظمات المجتمع المدني، أو المجتمعات المحلية، أو ممثلي الفقراء والمحرومين،
أو الجماعات الدينية، أو النسائية. وينبغي دعم هذه المشاركة بآليات للحوار
الحقيقي.
- إن إفصاح الحكومة مسبقا عن المعلومات المتعلقة
بخططها خلال الفترات الانتقالية يساعد على ترويض تطلعات. فخلال الفترات
الانتقالية، تواجه الحكومة تحديات تتمثل في الاستجابة لمطالب متعددة في الوقت
ذاته. ويتمثل جزء من نجاح تركيا على سبيل المثال في إدارة الفترات الانتقالية في
إعلان خطط عملية واقعية وجداول زمنية متوقعة لتحقيق المعالم الرئيسية لتلك الخطط،
وهو نهج أسفر عن مساندة واسعة النطاق للحزب الحاكم من مواطنين لديهم المعلومات
اللازمة.
- من الأهمية بمكان الاستثمار في تحسين الخدمات من
خلال إقامة علاقات شراكة مع المجتمع المدنى والمستخدمين للخدمات: فالمشاركة
الشعبية التي تقودها منظمات المجتمع المدني يمكنها أن تؤدي إلى تحولات ملموسة في
طريقة تقديم الخدمات. وجدير بالذكر أن منظمات المجتمع المدني باستطاعتها أن تكون
حليفا قويا للحكومة في إحداث التغيير الإيجابي، وعادة ما يتم ذلك في مجال تقديم
الخدمات.
-
إن المشاركة
مع نطاق واسع من أصحاب المصلحة يزيد من شرعية الحكومة الجديدة ومن استدامة
الاصلاحات. خلال الفترات الانتقالية تفتقر الحكومة الجديدة إلى الشرعية اللازمة
لتنفيذ إصلاحات طويلة المدى. وتواصلت الحكومة مع منظمات المجتمع المدني
والأكاديميين ومراكز البحوث والجماعات الدينية والجماعات الطلابية. من الدروس
الرئيسية المستفادة أن أي نظام سياسي منفتح وتشاركي يحتوي الجميع ويخضع للمساءلة
يستطيع أن يحقق التوافق الوطني المطلوب وإثارة شعور الجماهير بالمسؤولية وكسب
مساندتهم لأولويات الإصلاح الوطني والأهداف الإنمائية.
إن الإجراءات المعتمدة على
التشاور مع المستفيدين من خلال لامركزية الإصلاحات والتنمية المدفوعة باعتبارات
المجتمعات المحلية هي التي تكفل مشاركة المواطنين وتحسين الخدمات: وبالنظر إلى أن
التحولات تستغرق وقتا، فإنه يمكن للحكومات الجديدة أن تركز على تنفيذ برامج تعطي
نتائج سريعة، كبرامج التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمع المحلي. وعلاوة على ذلك،
فقد يسهم اتباع الأساليب المعتمدة على التشاور مع المستفيدين خلال عملية التحول في
مساعدة المواطنين على تحديد احتياجاتهم بأنفسهم، ويساعد على تدعيم المؤسسات
المحلية، وإرساء أسس ثقة المواطنين في الحكومة.