وارتفع مؤشر التنمية البشرية في المغرب من 0.51 درجة في
عام 1998 إلى 0.67 درجة في عام 2017 نموا بمعدل سنوي متوسط قدره 1.42٪.
وفي ضوء حرص المملكة على الاهتمام بالشباب كونهم المحرك
الرئيسي لعملية التنمية، نص الدستور المغربي على إنشاء مجلس خاص للشباب. ويعد المجلس
الإستشاري للشباب والعمل الجامعي، المحدث بموجب الفصل 33 من الدستور، هيئة
استشارية في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجامعية. وهو مكلف بدراسة
وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين، وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي،
واجتماعي، وثقافي، يهتم مباشرة بأوضاع
الشباب وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الإنخراط في الحياة الوطنية
بروح المواطنة المسئولة؛ وقد ترجم ذلك في المغرب بتضمين قانون الانتخابات الجديد،
حيث خصص 30 مقعدًا للمرشحين الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة؛15 وتتطلب معالجة العقبات تغييرات جذرية بعيدة
المدى في المناخ السياسي لتحقيق الاستقرار في القارة، فمن الممكن، على الأجلين القصير
والمتوسط، معالجة المعوقات الأكثر تأثيرًا في استثمار الشباب.
وفيما يتعلق بالتمويل ونظرًا لضحالة أسواق المال
الداخلية في القارة كأداة تمويلية، يصبح الاقتراض الوسيلة الجيدة أمام مختلف
المشروعات، ولمواجهة تكلفة الإقتراض المرتفعة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فعلى
رواد الأعمال الشباب تكوين والانضمام إلى جمعيات أعمال وتكتلات لمشاركة المخاطر عبر الإقتراض
الجماعي، وتقديم ضمانات مشتركة، وهو منهج متبع لتقليص الفائدة على الاقتراض
للمشروعات الصغيرة حول العالم.16
وعلى الحكومة المغربية بدورها، إن لم تتمكن من توفير
تمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بسبب نقص الموارد، أن تسهم في توفير ضمانات
للقطاع المصرفي لخفض الفائدة على التمويل، وأن تسهل من إجراء دخول السوق المصرفي
الأفريقي، من خلال التشريعات لزيادة العرض في موارد التمويل الأجنبية، بما يخفض
أيضًا من أسعار الفائدة، كما على الحكومة إزالة التعقيدات الإجرائية أمام إنشاء
وتوسع مؤسسات التمويل الصغيرة الأهلية والبنوك التعاونية كمصدر للتمويل متناهي
الصغر محدود القيمة والتكلفة؛17 ويبرز هنا كذلك دور مؤسسات التمويل الدولية وعلى رأسها البنك
وصندوق النقد الدوليين، والمؤسسات المانحة الأخرى غير الهادفة للربح، في توفير قروض
منخفضة أو معدومة الفائدة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بشكل مباشر أو من خلال مؤسسات وسيطة محلية.
وانطلاقًا من أن المجتمعات تعرَّف بأنها المناطق والمحافظات
والمقاطعات والبلديات التي تشكل أشخاصًا اعتباريين في القانون العام يديرون شؤونهم
بطريقة ديمقراطية، فقد أكد دستور المغرب الصادر عام 2011 على ضمان مشاركة السكان
المعنيين في إدارة أعمالهم ويعزز مساهمتهم في التنمية البشرية المتكاملة
والمستدامة؛ بالإضافة إلى هذا الهيكل الإقليمي، توجد هياكل وبرامج تنفيذية لتحسين
جودة إدارة المشاريع الإقليمية، ولتطوير إدارات السلطات المحلية وتطوير نظم
المعلومات والرصد والتقييم. سيتم اتخاذ الترتيبات اللازمة لتقديم الحسابات، وتفويض
الخدمات غير المركزة، والتقارب والتنسيق وتقييم السياسات العامة؛
وتشكل كل هذه المبادئ والآليات الإطار
القانوني والمؤسسي لمشروع "الأقلمة المتقدمة"، والذي يهدف إلى تنفيذ إصلاح
عميق للدولة، من خلال التخفيف التدريجي من تحكم الدولة وإلغاء المركزية، وإضفاء
الطابع الديمقراطي، وبالتالي تسريع عملية التنمية والتحديث وتحقيق حوكمة رشيدة
للبلاد.18
5- التعليم
في عام 1999، أعلن الملك محمد السادس عن بداية "عقد
التعليم"، كإشارة لبدء تحسين التعليم العام في المغرب؛
وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي كانت تواجه التعليم العام، كالتباينات الواسعة
بين الجنسين والمناطق (الحضرية والريفية)، ومعدلات التسرب المرتفعة من التعليم،
والانتقال الضعيف من التعليم إلى سوق العمل. لم يكن لدى المغاربة ثقة في نظام
التعليم العام، ومع ذلك ونتيجة لزيادة الجهود الحكومية شهد نظام التعليم العام
تحسينات كبيرة في السنوات الخمس عشرة الماضية؛ حيث كانت الأولوية العليا للحكومة
المغربية هي جعل التعليم العام أكثر سهولة، مما أدى إلى تحسينات كبيرة. ارتفع معدل
الالتحاق الوطني بالتعليم الابتدائي من 52% إلى 98% خلال عقد واحد فقط، كما تم
إجراء تحسينات مماثلة في التعليم الثانوي الأدنى (من 18% إلى 57%) والتعليم
الثانوي (من 6% إلى 32%). ونتيجة لذلك التحق عدد أكبر من الشباب الذين تتراوح
أعمارهم بين 15 و 21 سنة بالمدرسة (89%) مقارنة برفاقهم من المواطنين الذين تتراوح
أعمارهم بين 22 و 29 عامًا (74%)، وذلك علي مستوي الريف والحضر والذكور والإناث.19
كما تم إنشاء الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية في 2011، ومهمتها
توفير التعليم لكل المواطنين الذين لم تسعفهم الظروف على التعليم، وذلك عن طريق
عقد شراكات مع فعاليات المجتمع المدني كالجمعيات وغيرها، ومع ذلك نجد نسبة الأمية
في المغرب حسب تقرير أصدرته المندوبية السامية للتخطيط بلغت 41.9% بالنسبة للإناث
مقابل 22.1% بالنسبة للذكور سنة 2014. 20
6-
الطاقة
بذلت المغرب جهودًا كبيرة في مجال الطاقة وبالأخص الطاقة
الشمسية، مما مكنها لأن تكون من أوائل الدول الأفريقية في جذب الاستثمارات، وبدأت
في مشروع الطاقة المتكامل، ويهدف هذا المشروع التنموي المتكامل إلى توليد طاقة
مدفوعة بالطاقة الشمسية بإجمالي قدرة 2000
ميجاوات في خمسة مواقع رئيسية، و تم تصميم التقنيتين- الطاقة الشمسية المركزة والضوئية-
لاستخدامهما في هذه المحطات، و هذا البرنامج سيساهم بزيادة قدرها 14٪ من الطاقة
الشمسية في إجمالي الطاقة الكهربائية بحلول عام 2020 ومنع انبعاث 3.7 مليون طن من ثاني اكسيد الكربون سنويًا.21
كما أنشأت الحكومة "الوكالة المغربية للطاقة
الشمسية" في عام 2010 كأداة لتوظيف الموارد وتجنب المخاطر المحتملة في مجال
الطاقة الشمسية، وتعتبر شركة محدودة مملوكة بنسبة 25% من قبل حكومة المغرب؛ والوكالة
مستقلة عن ميزانية الدولة، وهي مسؤلة عن تقييم وتطوير وتمويل مشاريع الطاقة
الشمسية في المغرب، إلى جانب المساهمة بالأبحاث في مجال صناعة الطاقة الشمسية،
والتي تعتبر بدورها قطاع صناعي واستثماري جديد في المغرب. 22
7- الجهوية
يقصد بالجهوية أن كل جهة تكتفي بنفسها وأهلها ومواردها، فهي
المسؤولة عن تنمية جهتها، ووضع الخطط والميزانيات والبحث عنها وتدبيرها، وكل ما
يرتبط بمجالها، سواء من حيث التنمية البشرية أو التنمية بالموارد المادية. فكل ما
يرتبط بالتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية لن يدبر من طرف المركز(العاصمة) بشكل
أساسي، وإنما يتم تدبيره وإيجاد الحلول له من طرف الكفاءات الجهوية أو من خلال
الكفاءات الوطنية التي تقدم خدماتها للجهة وهي التي تتكلف بمصاريف ذلك كله، بل
ولها أن تبحث عن الكفاءات التي يمكنها القيام بذلك خارج الوطن إن افتقدتها في
جهتها أو على الصعيد الوطني.
ومنذ عام 2010،
فتحت نقاشات سياسية وأكاديمية واسعة، شارك فيها مختلف الفاعلين والمهتمّين؛ تم
الوقوف خلالها على مختلف المشاكل التي تُحيط بالتجربة المغربية في هذا الصدد؛ من
حيث التقطيع والصلاحيات والتمويل وتدخّلات الفاعلين.23 ، كما ناقش مجلس
الوزراء المغربي يوم 22 يناير 2015 مشروع القانون المُنظم للجهوية وأقرّ بعضا من فصوله
.
متجاوزين بذلك التنظيم التقليدي القديم القائم على
التمركز، والذي انطلقت منه الدول العربية المعاصرة في إطار الضبط وتولي جميع
الملفات وتدبيرها بقرارات فوقية، وبالتالي تنمية الجهة عن طريق التنافسية بينها
وبين منتخبيها، والحرص على الجودة والسلامة في الاختيارات والبرامج؛ وستظهر من
خلال التنافس تجارب متنوعة ومتعددة، وهي السبيل لكشف مدي الالتزام بالمسؤولية في
أي جهة من الجهات من خلال المقارنات التي سيقف عليها عموم الشعب من خلال التجول
والتنقل من جهة إلى أخرى، وتحقيق التكافل والتضامن بين الجهات لخلق توازن بينها؛
فإذا كانت الرهانات التنموية تقوم على الشراكات بين المدن من خارج الدولة الواحدة،
فلأن يكون ذلك بين جهات الدولة الواحدة.24
فالهدف هنا يكمن في خلق أقطاب جهوية متعددة، منها الاقتصادي
من إدارات مالية وصناعية وغيرها، ومنها الفلاحي وما يرتبط به من موارده كالماشية
والثروات الحيوانية وغيرها، ومنها جهات سياحية وأثرية، وهذا التنوع الجهوي احتياجات العرض الداخلي لعموم الشعب، ويجذب
السياحة ورؤوس الأموال الخارجية عندما تجد الأمن والجدية، وبالتالي توفير إطار
قانوني لتوزيع السلطة وممارستها وتحمل المسؤولية الكاملة في ذلك، التدرج في
الاستقلال التام والكامل للجهات في التدبير، ومنها المجال التعليمي، حيث سيكون لكل
جهة الحق في إنجاز مقرراتها الدراسية التي تتناسب مع طبيعتها؛ ولا بد من التذكير
بأن المغرب منذ أكثر من عشر سنوات أصبحت فيه المقررات الدراسية متنوعة ومتعددة في
المستوى التعليمي الواحد.25
ثالثاً-تحديات
التنمية التي تواجهها المغرب
تواجه العملية التنموية في المغرب مجموعة من التحديات
والعوائق التي تقف كحجر عثرة في سبيل تحقق التنمية الشاملة، نستعرض أهمها على
النحو التالي:
1-
الفساد
من الواضح أن مكافحة الفساد لا يمثل أولوية حقيقية في
المغرب بالنسبة للجهات الفاعلة السياسية الرئيسية كالسلطة التنفيذية والأحزاب
السياسية والبرلمان. بالإضافة إلى ذلك، فإنه عندما يتم تحليل إدارة هذه المؤسسات
من حيث الشفافية والمساءلة، سواء من حيث القواعد والممارسات، فإنها لا تبدو
مثالية.
ويرجع ذلك لعدة اعتبارات، اهمها تدني مشاركة المؤسسات في
مكافحة الفساد سواء كانت مؤسسات العدل (فيما يتعلق بالسيطرة على الملاحقة
التنفيذية والفعالة للفساد)، ومكافحة السلطات للفساد والأحزاب السياسية والشرطة (بالنظر
إلى نتائج محاكمتهم بشأن الفساد)، والسلطة التنفيذية (بالنظر في إدارتها للقطاع
العام وإجراءات مكافحة الفساد) والبرلمان (من أجل رصدها للسلطة التنفيذية
والتزامها بمكافحة الفساد).26
إن مشاركة المؤسسات المغربية في مكافحة الفساد منخفضة بشكل
عام، حيث توجد فجوة واضحة بين الإطار القانوني أو المؤسسي وبين الممارسات وآلية تنفيذ
هذه القواعد. وتتخذ مكافحة الفساد في المغرب شكل سياسة رمزية في كثير من الأحيان،
حيث لا تتمتع مؤسسات مكافحة الفساد إلا بسلطات جزائية ضعيفة التحقيق نسبيًا، على
سبيل المثال شهدت هونغ كونغ انخفاضًا كبيرًا في الفساد مع مرور الوقت يعزي هذا
النجاح جزئيًا إلى إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، تتمتع بسلطات هائلة،
وبالتالي فإن السلطات المحدودة وافتقارها إلى الحكم الذاتي تجاه الحكومة هي
العقبات الرئيسية التي تعترض نجاح مهمته.27
إن الاقتصاد المغربي مدفوع في المقام الأول بالعملاء
والمحسوبية، حيث تمت خصخصة معظم الشركات المملوكة للدولة في التسعينيات، لكن
الجهات الاقتصادية الفاعلة المرتبطة بالقصر كانت تميل إلى الاستفادة بشكل غير
قانوني من تلك العملية. كما ان مشاركة الملكية المتزايدة في القطاع الخاص بالبلاد،
والنفوذ العميق لرجال الأعمال البارزين القريبين من القصر، كل ذلك أدى إلى تفاقم
مشاكل الشفافية طويلة الأمد خلال السنوات القليلة الماضية، مما يجعل من المجتمع
المغربي أقرب لشبكة من شبكات المحسوبية التي تمتد إلى كل المستويات.28
حسب مؤشر مدركات الفساد في منظمة الشفافية الدولية، فإن
مدى الفساد في المملكة لم يتغير بشكل كبير منذ عام 2007. ففي عام 2010، على الرغم
من التحسينات الهامشية في النتيجة الإجمالية بسبب إصدار تشريعات واعدة لم تنفذ بعد،
احتلت المغرب المرتبة 85 من أصل من 178 دولة ، وهو أقل بكثير مما كان عليه في عام 2000؛
وتغير الوصع في عام 2018 ، احتلت
المغرب المرتبة 73 من أصل 180 برصيد 43 من 100 وهو أفضل بكثير من ذي قبل.29
وقامت الحكومة مؤخرًا بسن قانون الحق في الحصول على
المعلومات، وذلك بعد سنوات من التأجيل والدعوات المتكررة من مجموعات ناشطة في
المجتمع المدني لبلورة قانون أساسي في هذا الصدد، ولكن القانون المعتمد بصيغته
الحالية يبقى محل انتقادات لاذعة من المجتمع المدني، بما في ذلك الفرع الوطني
لمنظمة الشفافية الدولية في المغرب، ويرجع ذلك إلى النقائص التي تشوب هذا القانون
والقيود الخطيرة التي يتضمنها، وعمل الفرع الوطني منذ سنة 2006 على المطالبة
بمشروع قانون يحترم المعايير الدولية.30
ولكن في نهاية المطاف احتوى القانون في نسخته النهائية
على توجيهات غامضة فيما يتعلق باستخدام المعلومات وإعادة استخدامها، كما يتضمن
سلسلة من الاستثناءات للدفاع الوطني والمعلومات المتعلقة بالأمن الداخلي والخارجي
والمعلومات الخاصة مما أضعف قوة هذا القانون بشكل عام.31
بالإضافة لتضمن القانون نصوص عقوبات قاسية على المواطنين
الذين يعيدون استخدام المعلومات بما يؤدي إلى الإضرار "بالمصلحة العامة"
أو "تحريف" مضمون المعلومات المحصل عليها، ثبت أن هذا القانون ليس فعال
بشكل تام، ولم يعكس عدة توصيات تقدم بها الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية في
المغرب وتوصيات جهات أخرى في المجتمع المدني، ولكن هذا لا يمنع أن هذه الخطوة التي
اتخذها المغرب مكنته من الانضمام إلى شراكة الحوكمة المفتوحة، وهي شبكة متعددة
الأطراف تضم حكومات ومنظمات من المجتمع المدني تعهدت بمكافحة الفساد. وتمثل هذه
الشراكة منبرًا مهمًا، ويضم أكثر من 70 دولة مشاركة ويعمل على تعزيز الشفافية في العالم.32
2- البطالة
تعد البطالة إحدي مظاهر القصور في الاستراتيجية التنموية
المغربية خلال العقدين الأخيرين، وهي تطول حوالى 23% من خريجي الجامعات والمعاهد
العليا. وترتفع لدى فئات أخرى خصوصاً المرأة، التي تعاني من بطالة تتجاوز 36%،
ويكون السخط في معظم الأحيان على الأوضاع الاجتماعية بسبب ضعف فرص التوظيف، مما
يكون سببًا مباشراً في تكوين قلاقل اجتماعية وحراك ضد الحكومة والمسؤولين، على
غرار ما حدث من قلاقل اجتماعية في "الحسيمة" ومدن أخرى.
وبالنظر إلي الأرقام
الصادرة عن البنك الدولي لا يبدو أن هناك تحسن ملحوظ خلال السنوات القليلة
الماضية، فلم نصل بعد إلى النسب المحققة في 2011و2012 و2013، إذ سجلت البطالة في
هذه السنوات أدنى مستوياتها في تاريخ المغرب تقريبًا؛ ووفق تقرير صدر عن البنك
الدولي في أبريل 2018، تلخصت هذه التحديات في ثلاثة تحديات رئيسية، وهي نقص الاندماج
بالسوق، فالشباب والنساء أقل اندماجًا في سوق الشغل، إذ إن مشاركة المرأة في اليد
العاملة متدنية ولا تتجاوز 23%.
بالإضافة إلى بطء نمو الوظائف؛ إذ لا تكفي فرص العمل
الجديدة لإستيعاب تدفق السكان في سن العمل، وسط غياب كبير للشركات الصغيرة
والمتوسطة، بينما يتمثل التحدي الثالث في تدني جودة الوظائف، فسوق الشغل المغربي
يغلب عليه الطابع غير الرسمي، في ظل بطء نمو الوظائف غير الفلاحية، وافتقار العمال
إلى آليات كافية للحماية والحوار الاجتماعي؛ وتفيد بيانات المندوبية السامية
للتخطيط بأن معدل البطالة للخريجين يبلغ 17%، أي أعلى من المعدل الوطني البالغ 9.8%،
ويرجع ارتفاع معدل البطالة بين الخريجين في جانب منه إلى اعتماد المغرب على
الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي لا توظف عادة الخريجين؛ كما انه يوجد عائق
آخر يتمثل في كون التدريس للأطفال في المدارس باللغة العربية الفصحى، بينما
تعليمهم الجامعي يكون بالفرنسية، وبحسب التحقيق فإن اثنين من كل ثلاثة أشخاص لا
يكملون تعليمهم في الجامعات العامة بالمغرب؛ لأنهم لا يتحدثون الفرنسية، هذا الأمر
يعتبره صندوق النقد الدولي عائقًا كبيرًا أمام النمو الاقتصادي؛ إذ يشير الصندوق إلى أن نسبة البطالة بين الشبان
تبلغ 25%، ويقارب متوسط الدخل السنوي 3440 دولار للفرد، وهو أقل من ثلث المتوسط
العالمي.33
الأزمة لا تتعلق بالدراسة فقط، حيث يكمن التحدي الأكبر
في القدرة على إجراء مقابلات الوظائف بالفرنسية، والعمل بنفس اللغة في حال كان
الخريج يسعى للعمل في مجال تخصصه، وإذ لم يتمكن من التغلب على هذا التحدي، فسيكون
لديه طريقان، إما البحث عن عمل في قطاعي الفلاحة أو الصيد، أو الانتظار في طابور
العاطلين المزدحم، إذ دخل نحو 280 ألف خريج سوق العمل العام الماضي، في حين لم
توفر الحكومة سوى 12 ألف وظيفة فقط.
وتتطلع المغرب إلى تحديث الإدارة
وتحسين مناخ الأعمال، التي تحتل فيه المرتبة 68 عالمياً. وتطمح إلى أن تصبح ضمن
الـ50 الأوائل، وتقوية الرقابة على السياسات العامة لجعلها أكثر إفادة للسكان، وهو
مطلب قديم لاستقطاب مزيد من الاستثمار والاستفادة من الكفاءات البشرية المتاحة، إذ
لم يسبق أن كان للمغرب هذا العدد الكبير من المهندسين والأطباء والعلماء والخبراء
والتقنيين في كل المجالات والمعارف والعلوم، التي تكلف سنوياً أكثر من 7 مليار دولار
لإعدادها.34
3-
الطاقة
تم إلغاء الإعانات المخصصة
للبنزين والديزل والكيروسين تقريبًا منذ عام 2007، كما أن أسعار الكهرباء في
المغرب لا تمثل التكاليف الحقيقية لأنها أقل من متوسط تكاليف الإنتاج والنقل، وهذا
يخلق عبئًا ماليًا كبيرًا على الميزانية الوطنية، بالإضافة إلي الاعتماد على
استيراد الطاقة، فعلى خلاف بعض جيرانها في المنطقة، يعتمد المغرب اعتمادًا كبيرًا
على الطاقة الهيدروكربونية المستوردة، وتؤثر واردات الطاقة هذه سلبًا على الميزان
التجاري للمغرب وتجعل اقتصاد المغرب واستقراره السياسي عرضة لتقلبات الأسعار
العالمية.35
4- الاقتصاد
تتزايد المخاطر أمام الاستثمارات
المغربية المباشرة في إفريقيا، في ضوء تراجع مناخ الأعمال، الناتج عن تصاعد مخاطر
الامتثال المتعلقة بالفساد أو الاحتيال أو المشكلات القانونية والتنظيمية في دول
القارة، وكذلك مخاطر الأمن ومطالب الكثير من المنظمات غير الحكومية والمجتمعات
المحلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من عمليات التدقيق والنزاعات الضريبية،
وإعادة التفاوض بشأن الاتفاقات الحكومية، أو القيود المتزايدة على الصادرات تشكل
عقبات أمام المستثمرين الأجانب الراغبين في الاستثمار في القارة. 36
وانخفضت تدفقات الاستثمارات
الأجنبية المباشرة لمنطقتي غرب ووسط إفريقيا، اللتين تحظيا باهتمام مغربي متزايد،
بنسبة 22% بالنسبة لمنطقة وسط افريقيا، حيث بلغت 5,7 مليار دولار، و11% بالنسبة
لمنطقة غرب افريقيا، حيث بلغت 11,3 مليار دولار، مع استمرار تباطؤ الاقتصاد
النيجيري، إذ انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في نيجيريا بنسبة 21%. 37
رابعاً-
الخاتمة والتوصيات
يتضح مما سبق أن المغرب قد أهتمت
بتطوير رؤية شاملة بدءًا من النهوض بالبنية التحتية وشبكات الطرق، والإهتمام
بالتنمية الحضرية وتحقيق تقدم ملحوظ في الاقتصاد وجعله اقتصاد متنوع غير مقتصر علي
القطاع الزراعي بشكل أساسي، بالإضافة لمحاولة حل مشكلة الفقر والبطالة عن طريق الاهتمام
بعدة جوانب أهمها؛ النهوض بالتعليم والتركيز علي المشروعات وجذب الاستثمارات؛ وفي
سبيل تدعيم الديمقراطية تم إجراء اصلاحات مؤسسية والاهتمام بالمشاركة السياسية
وادماج الشباب في العملية السياسية، فضلًا عن محاولة التقليل من التحكّم المركزي
للدولة في شتى مناحى الحياة والاهتمام بتدعيم الجهات الأصغر المختلفة بما يضمن
تقسيم مسؤلية توفير الخدمات والمساعدة في الحكم، كما ان المغرب تسعى حثيثًا للتغلب
على المشكلات العديدة التي تواجهها وعلى رأسها الفساد والبطالة ومشكلات الطاقة.
وفيما يلي
توصيات لبعض المشكلات التي تواجهها المغرب:
1- الفساد
ينبغي تعديل القوانين التي تقيد حريات الصحافة والمجتمع
المدني والأفراد، وتأسيس هيئات مكافحة فساد مستقلة سياسيًا وتتمتع بموارد كافية
يناط بها قيادة محاربة الفساد، كما ينبغي إلزام جميع المسؤلين في القطاع العام
بتقديم إقرارات الذمة المالية وتوفيرها للعامة، وسن وإنفاذ قوانين تضمن حق الوصول
إلى المعلومات، وتفعيل مدونات السلوك للموظفين العموميين ، وضمان قيام الحكومة
بتهيئة وضع آمن وتنفذ قوانين وآليات لحماية المبلغين عن الفساد، وإدماج المواطنين
والمجتمع المدني في محاربة الفساد والإبلاغ عنه وتشجيع ذلك من قبل مؤسسات المجتمع
المدني، وأخيرًا الملاحقة القانونية وتنفيذ العقوبات الملائمة علي أي مسؤل مهما
بلغت مكانته.38
2- النقل
إن الاهتمام بالنقل والبنية
الأساسية يعتبر عامل جذب مهم للاستثمارات الأجنبية إلى المغرب ومحفز رئيسي للبدء
في المشاريع المختلفة، وذلك يستدعي جهودًا من المملكة المغربية تتضمن عمل خطة
شاملة للتنسيق بين القطاعات المعنية
المختلفة، ولاسيما وزارة الداخلية، ووزارة النقل، ووزارة الإسكان والتنمية
الحضرية، ووزارة الاقتصاد والمالية، فضلًا عن سن تشريعات للحد من الإنبعاثات
الناتجة عن الإستخدام المفرط لوسائل النقل الخاصة ومحاولة توفير وسائل النقل
العامة ووضع دعم عليها، وذلك في سبيل الحد من مشكلة الإزدحام.
3- السياحة
لا يمكن تحقيق تنمية سياحية
مستدامة دون توحيد جهود جميع أصحاب المصلحة، من المهم أن يقوم تعاون جميع الجهات
المعنية في السياحة مبني على المشاركة واحترام القيم والقواعد والمبادئ التي تضمن
الشفافية والتضامن وتكافؤ الفرص والاحترام المتبادل؛ وبالتالي يتعهد أصحاب المصلحة
في السياحة بما يلي:
ضمان حرية الحركات السياحية وتجنب أي قيود تمييزية،
وتسهيل الوصول إلى السياحة لجميع الفئات السكانية، لا سيما الشباب والأسر
والمتقاعدين وأصحاب الدخول المنخفضة وكبار السن والمهاجرين وأسرهم، مراعاة خصوصيات
أنواع الإعاقة المختلفة، وتعزيز وتنفيذ المساواة بين الجنسين في جميع أشكال
التنمية السياحية، حماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال، والامتثال للوائح
المعمول بها، ضمان الشفافية الكاملة للعلاقات التجارية، وحظر جميع أشكال الفساد أو
الممارسات غير الأخلاقية، اعتماد مناهج تهدف إلى مراعاة المسؤولية الاجتماعية
لشركات السياحة، وتعزيز الملصقات والجوائز، بالإضافة إلى بناء الرأسمال البشري، والسعي
إلى محو الأمية من خلال تخصيص المزيد من الموارد البشرية والمالية لبرامج محو أمية
الكبار، وتشجيع الأُسَر الفقيرة على تعليم أبنائها، تقليص عدم المساواة، ويمكن
الحدّ من عدم المساواة عبر فرض ضرائب تصاعدية واعتماد إنفاق عام مُوجَّه بشكل
أفضل، وتدعيم سياسات إعادة توزيع الدخل،
تحسين بيئة الأعمال. يجب أن يقدّم القادة حوافز إلى أصحاب المشاريع غير
الحكومية كي ينضمّوا إلى اقتصاد المغرب الرسمي، ويشجّعوهم على التقيّد بالتزاماتهم
الاجتماعية والمالية تجاه موظّفيهم، تعزيز اللامركزية السياسية والمالية. يمكن
المساهمة في تحسين السياسات التنموية المحلية عبر زيادة مشاركة الفاعلين غير
الحكوميين، بما في ذلك المجالس المحلية المُنتَخَبة ومنظمات المجتمع المدني.39
وختامًا؛ من مجمل الدراسة السابقة
نري أن التجربة المغربية في التنمية تعتبر إحدى التجارب الفريدة التي يجب على الدول
العربية والإفريقية الإستفادة منها واستلهامها، وأنه من المهم أن يصحب عملية
التنمية الشاملة الإلمام الكامل بكافة الجوانب المستهدف تطويرها وكزا المعوقات
ليتم العمل علي حلها، وذلك في سبيل إنجاح العملية التنموية عمومًا؛ ولقد كشفت
الحقبة الأخيرة للمغرب عن العديد من المعوقات في مجالات عديدة، مما يستدعي من
الرباط تفعيل استراتيجيتها بشكل متكامل ومندمج، مع ضرورة التعاون مع القوي
الإقليمية والدولية المعنية.