المركز العربي للبحوث والدراسات : الانسحاب الأمريكي من كابول... ومصير المرأة الأفغانية (طباعة)
الانسحاب الأمريكي من كابول... ومصير المرأة الأفغانية
آخر تحديث: الخميس 14/03/2019 08:50 م شيريل بينارد، ترجمة: مرﭬت زكريا
الانسحاب الأمريكي

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية منذ ما يقرب من عامين في تحسين وضع المرأة الافغانية؛ حيث عملت واشنطن على صياغة دستور يضمن حقوقهم و يدعم تمثيلهم السياسي عن طريق الكوتا من خلال البرلمان، فضلاً عن بناء المدارس، تقديم المنح الدراسية، تمويل مساكن الفتيات من المناطق الريفية للالتحاق بالجامعة في المدن.

في السياق ذاته، أشارت الكاتبة اليهودية من أصل نمساوي و رئيسة مؤسسة راند الأمريكية "شيريل بينارد" إلي اطلاق الإدارة الأمريكية عدد كبير من البرامج التدريبية لإعداد الأفغانيات لشغل المناصب القيادية، مع وجود مدربين موارد بشرية لتعليمهن كيفية التعبير عن أراءهن، تصميم البرامج والمنصات السياسية، كيفية الترشح للمناصب، حسن التصرف، التواصل الفعال و بدء الأعمال التجارية الخاصة بهم.

وعليه، تقر الكاتبة أنه حان الوقت لأن تتحمل النساء الأفغانيات المسئولية لإدارة عجلة القيادة وتبدأ في فعل ما كان يتعين على النساء فعله في كل مكان عندما يريدن حقوقهن؛ ويعنى ذلك الكفاح داخل بلدهم ومجتمعهم.

فالمرأة الغربية لم تحصل على حقوقها من خلال مجموعة من المدربين من ثقافة مختلفة جاءوا بكثير من الأموال لرفع الاضطهاد عنهم، ولكن من خلال طريق طويل من الكفاح، وعبر إثبات قدرتنا وقيمنا والمثابرة. فكانت كل خطوة صعبة المنال بالنسبة لها؛ الحق في التصويت، الحق في الدراسة، الحق في العمل، الحق في عدم التعرض للضرب من قبل الزوج، والحق في التملك.

وقوبلت كل هذه المحاولات بالسخرية، العنف، القوانين والأنظمة القضائية الجائرة إلى حد كبير، وتسببت العديد من هذه التغييرات في حدوث اضطراب اجتماعي والمناقشات كثيرة لفترة طويلة من الوقت والبعض منها مازال جارى؛ المطلوبة داخل مجتمعاتنا. إن التقدم نحو مزيد من العدالة والإنصاف والإدماج عملية يجب على كل مجتمع أن يمارسها بنفسه.

ولذا، أعربت امرأتان أفغانيتان  عبر صحيفة "نيويورك تايمز" عن خيبة أملهما من حقيقة تعريف حقوق المرأة المتضمنة في محادثات السلام الحالية بأنها مسألة أفغانية داخلية؛  حيث تشعر المرأة الأفغانية أنه ينبغي فرض حقوق المرأة اجبارياً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

 ولكن مازالت ترى الكاتبة أن الطريق الحقيقي والدائم لتحسين أوضاع المرأة في أفغانستان، و طريقة التقدم الوحيدة، هو النقاش الأفغاني الداخلي؛ لن يكون سريع أو سهل، و ربما يستغرق الأمر مئات السنين كما كان الوضع  في حالة الدول الغربية، و لكن يظل هو الطريق الوحيد الصحيح.

فعلى مدى فترات طويلة نشرت بعض الصحف صوراً فوتوغرافية من أفغانستان في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، تُظهر النساء الأفغانيات في التنانير القصيرة، أو يلعبن التنس، يتفوقن في ملاعب كرة الطائرة، كمضيفات في الزي الأنيق، أو يقودن السيارات حول كابول.

 و المقصود من هذه الصور هو إظهار مدى الحزن على تراجع الاوضاع إلي الخلف، ولكن ما زالت القيادات الأفغانية تعول كثيراً على فكرة المؤامرات الخارجية، لإخفاء ضرورة النظر إلي الأزمة الحقيقية؛ فضلاً عن محاولة منع وصول هذه الصور إلي داخل البلاد.  ومن ناحية أخرى تشير الكاتبة إلي أن المرأة الافغانية تتمتع بنفس القدر من الذكاء و الحكمة مما يمكنها من تحقيق أهدافها السياسية و الاجتماعية.

كما أن  لديهم الآن مجموعة من القادة المتعلمين والمثقفين، لذا يجب على هؤلاء النساء مواجهة حقيقة أن برنامج عملهم هو بلدهم، وأن هذا هو المكان الذي يجب أن يُظهروا فيه الشجاعة والذكاء الاستراتيجي، وأن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بفرض حقوق المرأة اجبارياً من أجلهم لن يمهد الطريق للتغيير الاجتماعي في افغانستان.

القيم والتقاليد المتضمنة في الثقافية عميقة الجذور، مثل ما يطلق عليه "رمز الشرف" الخاص وعليه، تشير الكاتبة إلى أنه يجب على المرأة الافغانية أن تدرك أن طالبان ليست مشكلتهم الوحيدة، لكن بالبشتون، هي أكثر تدميرا بكثير لحياة المرأة، والتي اتضح معظمها أنه غير إسلامي ومعادٍ للإسلام؛ فعلى سبيل المثال، يسمح تقليد البشتون لأباء الفتيات بمنح الوعود بالزواج عندما يكن رضّع، وحتى قبل ولادتهن.

نتيجة لذلك، تحتاج النساء الأفغانيات إلى ضمان تطبيق الإسلام وتفسيره بشكل صحيح إلي  أقصى حد ممكن، من قبل أشخاص على دراية بالشريعة الإسلامية، وليس من قبل بعض ملالي القرية الجاهلين كما كان الحال في الماضي، كما يمكن لطالبان أن تكون حليفاً يعتمد عليه في مكافحة تقاليد البشتون المناهضة للمرأة.

و في مشروع مشترك بين مؤسسة راند و مركز وودرو ويلسون الدولي؛ فقبل  بضع سنوات، عكف الباحثين في هذا المشروع على جمع أحدث التطبيقات والتفسيرات لقانون الأسرة في العالم الإسلامي، حتى يتسنى للنساء الأفغانيات الاستفادة من عمل نظرائهن المسلمين وأن يكونوا مستعدين مع اقتراحات وبرامج موضوعية لتطبيق هذه القوانين وتنفيذها.

 من ناحية أخرى، يجب على كل ناشط سياسي فعال و المرأة الأفغانية بالتعاون مع زملائهن بغرض حل المشاكل التي تواجهن، وعليه يستند انتقاد طالبان للحركة النسائية في كابول على أساس قوى. و أشارت بعض التقارير إلي أن "ما يسمى بالنشطاء في مجال حقوق المرأة ظلوا في أفغانستان لمدة سبعة عشر عامًا، وفي هذه الفترة جاءت بلايين الدولارات إلى أفغانستان، ولكن لا تزال كابول من أكثر الدول التي تموت فيها النساء أثناء الولادة على خلفية نقص المرافق الصحية و الفساد. و ذهبت الأموال التي تم جلبها  بغرض انفاقها فيما يسمى بحقوق المرأة إلى جيوب أولئك الذين يرفعون شعارات حقوق المرأة كذباً.

ويبقي التساؤل الرئيسي هل من الجيد أن تصبح طالبان جزءاً من الحكم الرسمي في أفغانستان؟ هل بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تتفاوض مع جماعة إرهابية كان باستطاعتها الإيقاع بها بكل سهولة؟ لكن تعنى السياسة التعامل مع الحقائق على الأرض. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، لابد من مواجهة حقيقة أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها، على الرغم من طفرات التقدم المدوية، بريق البنتاغون ومراكز التفكير والبرامج التطويرية لكن تظل في النهاية غير قادرة على هزيمة طالبان.

 لكن يتمحور السبب الرئيسي حول عدم رغبة واشنطن في البقاء إلى أجل غير مسمى في بلد صغير مع  اهمال جميع الدول الأخرى التي تتطلب اهتمامها واستثماراتها، ويشير ذلك من ناحية أخرى إلي عدم القدرة على فهم المجتمع الأفغاني غير المستعد لتقبل قيم الحداثة المستوردة من قبل واشنطن. بدلاً من ذلك يجب أن تعمل المرأة الأفغانية لتطوير الاستراتيجيات الخاصة بها من أجل التقدم.   

والأهم من ذلك، ينبغي على أنصار حقوق المرأة الأفغانية، عدم قضاء الوقت في الشكوى، ومن هنا يكون الاجتماع مع نساء طالبان أكثر إفادة، لأن ذلك من شأنه تقديم نظرة ثاقبة لما للقيم التي تؤمن بها المرأة الأفغانية وكيف تعيش، ومدى تأثير عقد من الزمان للحياة في دول الخليج الأكثر تقدمية نسبياً على تفكيرهم نحو الأفضل.

ختاماً: يجب أن تفكر الأفغانيات بعد الانسحاب الأمريكي من كابول بطريقة جادة فيما بعد هذه المرحلة، وأليات النقاش داخل المجتمع الأفغاني حول القيم الأساسية لتقدم المجتمع، و لكن ليس من الأفضل تشكيل القيم الاجتماعية من قبل الجيوش أو الفاعلين من غير الدول. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فيجب أن يكون لديها مساهمة هامة في الاتجاه المستقبلي لترسيخ القيم الاجتماعية الأفغانية الجديدة، مع توضيح الأمر لطالبان أن أي مساعدات إنمائية دولية لاحقة، وكذلك مكانة بلدهم في المجتمع العالمي، سوف تعتمد على سلوكهم فيما يتعلق بحقوق الإنسان و المرأة.

Cheryl Benard, Afghan Women are In Charge of Their Own Fate: Afghan feminists cannot prevent or delay what is likely inevitable—the overdue U.S. pullback. It is time that they take action for themselves, National Interest, available at: