المركز العربي للبحوث والدراسات : لماذا لا تزال الطائرات بدون طيار هي مستقبل الحرب؟ (طباعة)
لماذا لا تزال الطائرات بدون طيار هي مستقبل الحرب؟
آخر تحديث: الجمعة 09/11/2018 05:58 م بول شاري، وآخرون - ترجمة: آية عبدالعزيز
لماذا لا تزال الطائرات

في مقال نشرته مؤخرًا مجلة الشئون الخارجية، جادل "جاكلين شنايدر" و"جوليا ماكدونالد"، استنادًا إلى أبحاثهم التي أجروها مع القوات البرية الأمريكية، بأن القوات تفضل الدعم الجوي القريب من الطائرات المأهولة بدلاً من الطائرات غير المأهولة أو الطائرات بدون طيار.

 بعد الإشارة إلى قيود الطائرات بدون طيار وانتشار ثقافة المقاومة في استخدامها، علاوة على استمرار الانتقاد الموجه لعمليات التطوير والتحديث الخاصة بها باعتبارها غير ضرورية، وعلى صناع القرار التوقف عن هذه الإجراءات وإعادة النظر في هذه الإجراءات مرة ثانية.

وعليه؛ يسلط بحث "شنايدر" و"ماكدونالد" الضوء على القيود المهمة لطائرات بدون طيار. فضلاً عن التطرق إلى قضيتين رئيسيتين حول كيفية تفكير الجنود حول الطائرات بدون طيار على النحو التالي:

1-     القضية الأولى: تتعلق بـ"مشكلة هندسية"؛ حيث تقتصر الطائرات بدون طيار على ما يُعرف بـ "soda straw" التي من خلالها يستطيع الطيارون بدون طيار مشاهدة المجال الحيوي للأحداث على الأرض، عبر تصويرها بجودة عالية الدقة، إلا إنهم في هذه الحالة يفتقرون إلى مجال الرؤية الأوسع الذي من شأنه مساعدتهم على وضع ما يرونه في سياقه. الأمر الذي من المحتمل أن ينعكس بشكل سلبي عندما يتم الاعتماد عليها في دعم القوات البرية في القتال.

في المقابل؛ يمكن للجنود الجالسين في قمرة القيادة أن يستوعبوا المعلومات المتعلقة بميدان المعركة بسرعة أكبر، خاصة إذا كان جالسًا في طائرة محسنة للحصول على دعم جوي قريب، مثل A-10. كما لا توجد طريقة سهلة لنقل البيانات الكافية إلى طيار بعيد لإعادة إنشاء نفس الدرجة من الوعي الظرفي.

 ومع ذلك، فإن النموذج الحالي للتحكم عن بعد في الطائرة ليس هو النموذج الوحيد الممكن. بالنسبة للدعم الجوي القريب، وقد يكون الأسلوب الأفضل هو التحكم في الضربة الجوية مباشرة في يد جهاز تحكم الهواء التكتيكي على الأرض، الذي سيكون لديه وعي أكبر بكثير من الوضع بعيد المدى عن ميدان المعركة.

وعليه بدأ برنامج الدعم الهوائي القريب الثابت الذي أنشأته وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (DARPA) في التحرك في هذا الاتجاه، مما يسمح لهم بالتحكم في تصوير الأحداث لدعم الطائرات المقاتلة للقيام بهجمات جوية مباشرة. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت اعتراضات المتحكمات الأرضية على الطائرات غير المأهولة ستتغير إذا كانت توجّه الطائرات نفسها.

2-     أما القضية الثانية: حول الأنظمة غير المأهولة (uninhabited systems): فقد استطاعت الطائرات بدون طيار تقليل المخاطر التي من الممكن أن يتعرض لها الجنود في المعركة، ولكنها انعكست بشكل عميق على قدراتهم في القتال فاستخدامهم الطائرات بدون طيار من خلال التوجيه الضربات جوية للأهداف جعلتهم بعيدًا عن الإحساس الحقيقي للمعركة بمعنى إنهم لم يكونوا "في القتال" جسديًا، وبالتالي كان لديهم جلد أقل في المعركة.

 هذا الانتقاد هو الأكثر جدلًا ولا يمكن التغلب عليه بسهولة بالتغيير في نموذج القيادة والتحكم. وعليه فقد استنتج "شنايدر" و"ماكدونالد" أنه في الحالات التي يكون فيها الجنود "على اتصال فعلي مباشر مع العدو"، سيظلون "مترددين في تفويض القرارات إلى الآلات". هذا الافتراض يحمل المزيد من التدقيق.

في المقابل هناك حالات يتم فيها الأجهزة الآلية للمواجهة المخاطر بدلًا من الجنود للحفاظ عليهم مثل حالات التخلص من القنابل، وهذا يشير إلى وجهة نظر مختلفة عن تلك التي اقترحها شنايدر وماكدونالد: إن القوات في الواقع تحتضن هذه الأنظمة إذا ساعدت في الحد من تعرضها للأذى.

وفي الواقع، تخطط الولايات المتحدة العسكرية لاستخدام المركبات الآلية بالتزامن مع القوى البشرية ولتصدرهم الخطوط الأمامية أثناء عمليات القتال. وكثيرًا ما يوصف هذا النهج بأنه "manned-unmanned teaming" وينظر إلى عدد من السياقات، بما في ذلك المواجهة الجوية والبرية.

في بعض الحالات، تهدف هذه الأنظمة الروبوتية إلى حمل أسلحة أو معدات إضافية. وفي حالات أخرى، يتم استخدامهم في عمليات القتالية  ككشافة أمامية، مما يقلل من الخطر على البشر. وبشكل عام، فكرة أن الطيارين بدون طيار ليس لديهم جلد في المعركة تنقلب إلى علاقة معقدة مع مقاتلي الحرب مع الخطر. فالخطر هو مفهوم نسبي، ومن الشائع في الدوائر العسكرية تشويه سمعة الآخرين الذين يتعرضون لأذى أقل.

وقد تجسد ذلك في المقارنة المستمرة بين أولئك الذين يغامرون خارج السلك في الحروب الحديثة ينظرون إلى "fobbits"، والذين نادراً ما يتركون حدود قواعد العمليات الأمامية (FOBs). وبين القوات المقاتلة وقوات الدعم ، أو حتى أولئك الذين يذهبون في دوريات. كما تسخر قوات المشاة الخفيفة من المشاة الآلية، فضلاً عن سخرية الذين يذهبون إلى المعركة من القوات المحمولة جوًا.

وفي سياق استمرار هذا المنظورات داخل أرقة القوات العسكرية؛ فقد تم إدانة " immoral weapon" بوصفه سلاحًا غير أخلاقيًا عندما تم إنشاؤه، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه سمح للرماة الأقل مهارة بقتل الفرسان من مسافة بعيدة دون تعريض أنفسهم للضرر. ويعد هذا من وجهة نظر المحاربين القدماء الذين قاتلوا جنبًا إلى جنب بالسيوف والفؤوس من المرجح أن يروا إطلاق النار على شخص ما من مسافة بعيدة إنها نوع من عدم الشجاعة.

وهنا يمكن طرح تساؤل مهم وهو هل هذا يعني أنه يجب علينا التخلي عن الطائرات والبنادق والقتال، مقابل استخدام الآلات البدائية كالسكاكين والسيوف كنوع من أنواع الشجاعة؟

الحقيقة أن فكرة الشجاعة في الساحة المعركة قد تطورت بشكل كبير مع التطور التكنولوجي، الذي انعكس على تطور الأسلحة العسكرية، بشكل كبير فقد انتقلت من استخدام الأحجار والمقلاع للقتال بعيد المدى إلى استخدام المدافع والصواريخ ثم إلى الطائرات بدون طيار. أصبحت هذه التقنيات مزايا تتمتع بها الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة.    

علاوة على ذلك، غالباً ما تعاني الإصدارات المبكرة من التقنيات من عيوب كبيرة تجعل موضع شك عند استخدامها داخل المنشآت العسكرية، فقد كان الجيل الأول من البنادق والدبابات لديهم عددًا من العيوب التي فرضت بعض القيود على الجنود أثناء استخدامهم ولكنها تطورت بمرور الوقت.

وفي هذا الصدد فمازالت الطائرات بدون طيار تواجه بعض العيوب التي تقوض عملية الاستخدام مثل محدودية عملية أتمتة، وقد أوضحت خرائط الطرق التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية للأنظمة الآلية أهمية التحكم الذاتي وبما أن هذه الأنظمة أصبحت أكثر آلية وتحولت بعيدًا عن نموذج التحكم عن بعد في الوقت الحالي إلى نهج أكثر انسجاماً بين آلية الإنسان والآلة، فمن المرجح أن تتحسن العديد من مشاكل اليوم، مثل الاتصالات الهشة.

ولكن قد تستمر أوجه القصور الأخرى في الأنظمة الآلية، ولكن مزاياها قد تفوق قيودها. بالنظر إلى الدبابات من الجيل الأول، يمكن للمرء أن يستنتج بسهولة أن الخيول بقيت خيارًا أفضل للفرسان؛ حيث تتطلب الدبابات الوقود والزيوت، في حين أن الخيول قوية ويمكن أن تأكل من الأرض. ومع ذلك، فإن مزايا الدبابات تغلبت على هذه العيوب.

فأكثر من 90 دولة وجماعات غير حكومية لديها بالفعل طائرات بدون طيار، فقد أضحت الجيش في جميع أنحاء العالم تتسابق لتطوير أنظمة التحكم الذاتي، ومن الممكن ـأن تحدث ثورة في هذا المجال دون أن تقوده الولايات المتحدة.  

وبالنظر إلى المقاومة الثقافية للأنظمة الآلية في الجيش الأمريكي كما يبرزها شنايدر وماكدونالد ، فإنها لا تقتصر دائمًا على أولئك الذين تتعرض وظائفهم للخطر. فقد تكون هذه المقاومة بسبب القيود الحقيقية لطائرات بدون طيار اليوم، لذا يجب على المهندسين العمل مع مقاتلي الحرب لفهم مخاوفهم وتحسين أنظمة الجيل التالي.

وأوضح الكاتبات أهمية الاستجابة التي قام بها "بول شارير" التي تعد خطوة مهمة حول الجدل المتعلق بالدور المستقبلي للأنظمة المستقلة في ساحة المعركة. معربين عن عدم موافقتهم عن هذه الاستجابة، مبررين أن "شارير" كان أكثر ثقة في أن التقدم التكنولوجي سيواجه تحديات التقنية التي تم الحديث عنها مسبقًا.

لذا فمن المهم أن نلاحظ أننا لا نقول أن مثل هذه التطورات لن تساعد أبداً - فهناك نقطة حتمية حيث تتحول الثقة إلى ثقة - ولكن ببساطة أننا أقل ثقة بأن هذا سيحدث على المدى القصير أو أنهم سيحلون كل القضايا. التي حددتها القوات خلال بحثنا. نتفق جميعا على الحاجة إلى تحديد مكان نقطة التحول هذه وكيف ومتى يمكن الوصول إليها.

بالنسبة لتوصيات سياستنا، فإننا لا نوصي بأن يتخلى الجيش الأمريكي عن التكنولوجيات الروبوتات- فقط أنه لا يمكنه استخدام التقنيات لإحداث ثورة في الحرب إذا ركز فقط على التكنولوجيا وفشل في معالجة الجانب الإنساني من المعادلة. على سبيل المثال ، إذا حاولت الولايات المتحدة تحسين فعالية القتال بدون طيار من خلال بناء أجهزة استشعار أفضل، ونشر مشغلات طائرات بدون طيار إلى مواقع بعيدة، والسماح للقوات بالتحكم في النظام من ساحة المعركة، أو دمج طائرات بدون طيار أفضل في التدريبات الأرضية واسعة النطاق؟ ربما تكون الإجابة مزيجًا من كل ما سبق، لكن في الوقت الحالي، فغالبية الجهود هي الحل الهندسي على حساب التجربة.

وكما يلاحظ شيفر فإن الجيش الأمريكي سيواجه بلا شك مستقبلًا بأسلحة آلية في ساحة المعركة. السؤال الرئيسي هو ما هي أنواع الأدوار التي ستلعبها هذه التقنيات؟

بدون فهم كيفية تأثير هذه الأنظمة الآلية والمستقلة بشكل متزايد على مبادئ الحرب، غالباً ما يعود النقاش حول هذه الأنظمة إلى الحجج التي لا يمكن دحضها. يمكن لمعارضي هذه الأنظمة أن يجادلوا بأنهم لا يقدمون قدرات جديدة لم يتم توفيرها بالفعل من قبل الأنظمة المأهولة. على الجانب الآخر، يمكن أن يقول المؤيدون أن الأنظمة ستوفر قدرات ثورية في ساحة المعركة ولكنهم يواجهون صعوبة في شرح كيفية ذلك. نحن بحاجة إلى فهم أفضل للإمكانيات التي يمكن أن تنشئها الأنظمة غير المأهولة لتحقيق النصر. كونها مستقلة في حد ذاتها وليست في قدراتها.

Paul Scharre; Jacquelyn Schneider and Julia Macdonald, "Why Drones Are Still the Future of War Troops Will Learn to Trust Them", Foreign Affairs,  February 15, 2018, at:

https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2018-02-15/why-drones-are-still-future-war