المركز العربي للبحوث والدراسات : الإمارات والهند: مستقبل التقارب السياسي والشراكة الاقتصادية (طباعة)
الإمارات والهند: مستقبل التقارب السياسي والشراكة الاقتصادية
آخر تحديث: الخميس 23/08/2018 01:34 م نهال أحمد
الإمارات والهند:

لم يكن تأثير الخلافات بين واشنطن وطهران محدود الأثر على الداخل الإيراني فحسب، لكن امتدت انعكاساته لتؤثر بشكل مباشر على توجهات السياسات الخارجية للدول. وعلى خلفية ذلك فقد قررت الهند دراسة عرض أمريكي  كانت واشنطن قد تقدمت به خلال محادثات جرت في نيودلهي  يوليو 2018، يقضي بتقليص الهند واردتها النفطية من إيران لأقصى حد ممكن، مقابل الحصول على استثناء أمريكي من العقوبات. ومن ثم يكشف التجاوب الهندي مع هذا العرض عن توجه جديد أكثر ديناميكية بشأن تركيز السياسة الخارجية الهندية تجاه دول الخليج وبالأخص مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ما ينذر بحقبة جديدة أكثر انفتاحًا في علاقة الدولتين،ستساهم في إثراها جذور وآفاق التعاون الأصيلة بينهما.

لمحة عن العلاقات الهندية ـ الإماراتية

ترتبط الإمارات والهند بعلاقات تاريخية ممتدة، فقد شكلت الهند خلال القرنين الـ 19والـ20 بحكم موقعها المميز ، المنفذ التجاري الرئيسي لدول الخليج العربي نظرًا لكونها مركز تسويق رئيسي للؤلؤ الخليجي إلى العالم، وكذلك المورد الأول لتصدير السلع والخدمات، بينما يعتبر ميناء رأس الخيمة من أهم الموانئ التي يتم خلالها تصدير  المنتجات الهندية إلى باقي دول المنطقة، وقد شهد عام 1975 بلورة حقيقية لعلاقات البلدين، حينما أرسى "الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" دعائمها خلال زيارته التاريخية للهند حينذاك، أعقبتها مباشرة زيارة لرئيسة وزراء الهند الراحلة "أنديرا غاندي" لدولة الإمارات عام 1981، والتي شكلت هي الأخرى نقلة نوعية أخرى في مسار علاقات البلدين، ولعل أهم ما يميز علاقة الدولتين وجود سمات مشتركة تجمع بين شعوبيهما، من أبرزها انتشار قيم التسامح، والالتزام، واحترام التعددية  والاختلاف، وهو ما  يتضح في كون الجالية الهندية من أكثر الجاليات قبولًا وانتشارًا بدولة الإمارات. وتعد  ولعل حنكة القائمين على السياسة الخارجية للدولتين، وقدرتهم على إدارة مساراتها بموضوعية تامة بما يخدم المصالح المشتركة للدولتين، من أهم محفزات دفع علاقة الدولتين قدمًا، بل وتتعدد الزيارات المتبادلة بين المسئولين باستمرار في مؤشر آخر على توطد علاقتيهما(1).

محفزات السياسة الخارجية للدولتين

دائما ما تدفع تطورات الأحداث الدول نحو إعادة هيكلة مسارات سياساتها الخارجية بما يتوافق مع   مصالحها الوطنية، ورغم ذلك إلا أن هناك بعض الدول التي تحرص على أن تخضع سياساتها الخارجية لمجموعة من القيم الثابتة والأصيلة، وخير مثال على ذلك سياسة دولة الإمارات القائمة على أسس التعايش السلمي والاعتدال وفقًا للنهج الذي وضعه مؤسس الدولة الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان". فقد دأبت الإمارات على تفعيل أدوات القوى الناعمة في تعزيز تواجدها، وتتضح أبرز ملامح هذا التوجه في الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المبرمة مع العديد من دول العالم في مختلف المجالات، وفي الوقت ذاته فقد كرس إيمان الإمارات بحق العيش بسلام في تعزيز مساعيها حول نشر مفاهيم الصداقة والأخوة لدرجة الانصهار في بوتقة المجتمع متعدد الجنسيات، وهو ما يتجسد بوضوح في نمط تعامل الدولة مع الجالية الهندية (2).

وتعكس المنظومة القيمية التي تحكم تحركات السياسة الإماراتية في علاقاتها الخارجية مع دولة الهند، أنموذجًا للتعايش الإنساني والحضاري والتسامح العرقي والديني والسياسي، ولعل الإحصائيات الرسمية بين الدولتين خير دليل على ذلك. وقد شكلت زيارة رئيس الوزراء الهندي  "ناريندرا مودي" في أغسطس عام 2015،باعتبارها الأولى من نوعها لرئيس وزراء هندي إلى دولة الإمارات منذ زيارة رئيسة الوزراء الراحلة "أنديرا غاندي" عام 1981؛ طفرة جديدة في مسار علاقات البلدين، والتي سعى خلالها "مودي" إلى تحقيق تحولات كبرى على الصعيدين الداخلي والخارجي، بما  يساهم في إثقال النفوذ الهندي وتعزيزه إقليميًا ودوليًا. وقد دفعه ذلك نحو صوغ سياسة خارجية تعتمد على التعاون والعمل المشترك كجزء من إستراتيجية تنموية وطنية عبر التفاعل مع الدول المؤثرة إقليميا على رأسهم الإمارات العربية المتحدة، ومن هنا  فقد انصبت أبرز توجهات السياسة الخارجية الهندية نحو التركيز على منطقة آسيا ؛ مستثمرة بذلك ما تمتلكه منطقة الخليج  تحديدًا من موارد نفطية يمكن أن تدفع نيودلهي نحو مزيد من تحسين أوضاعها، وفي الوقت ذاته حرصت الهند على تعزيز استخدامها للقوة  الناعمة عبر دفع مغتربيها لتوطيد علاقتهم الحضارية والشعبية  كنمط آخر من أنماط تقوية الأواصر لاسيما الجالية الهندية بالإمارات (3).

وقد ساهم كون الهند عضوًا بمجموعة "البريكس"  في امتلاكها إمكانيات تؤهلها لان تصبح في موقع أكثر تميز ضمن التفاعلات الدولية. ويعد تصاعد خطر الإرهاب من ضمن المخاطر المشتركة التي تسعى الدولتين لمواجهتهما ، فنجد أن استشعار الهند والإمارات لخطورة تلك الظاهرة، وتأثيرها المباشر على مسيرة التنمية، جعل من الضروري أن تشهد العلاقات بينهما لاسيما على المستوى الأمني مزيدًا من التعاون. وعلى الجانب الآخر يسعى الجانبان نحو تحقيق أكبر استفادة من تقلبات أوضاع الاقتصاد العالمي بما يوفر لهما فرصًا واعدة يمكن خلالها تجاوز العديد من العواقب والتحديات. ومن هنا كانت الحاجة نحو العمل باستمرار من أجل تطوير علاقتهما وسياستهما تجاه بعضهما بما يتواءم مع تطورات الأوضاع.

شراكة إستراتيجية

تتعدد أنماط الشراكة الإماراتية ـ الهندية، لتشمل أبعاد سياسية، اقتصادية، دفاعية، أمنية، وكذلك على مستوى التعاون التكنولوجي. ولعل الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجانبين خير شاهد على التصاعد الملحوظ في معدلات التعاون ما بين البلدين.

العلاقات الاقتصادية

يشكل الجانب الاقتصادي اللبنة الأساسية للعلاقات الإماراتية الهندية، ويستدل على ذلك من بعض الإحصائيات؛ على سبيل المثال إجمالي الشركات الهندية التي تعمل بالإمارات، والتي يقدر عددها بنحو خمسين ألف شركة بقيمة استثمارات تبلغ حوالي 80مليار دولار ، بينما تحتل شركات الإعمار العقارية والإنشاءات البترولية الصدارة، فيما تعتبر الجالية الهندية هي الأكثر تأثيرًا وتواجدًا  في قطاع الوظائف بالإمارات. وعلى حين تجد الشركات والمؤسسات الإماراتية كشركة "أبو ظبي الوطنية للطاقة" ، وجهاز أبو ظبي للاستثمار وشركات أخرى عدة نطاقات وفرص واسعة للعمل والاستثمار والانتشار في السوق الهندي بالغ الضخامة بقيمة استثمارات تبلغ 13 مليار دولار، وعلى الجانب الآخر  تعتبر الهند ثاني شريك للإمارات بعد الصين حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين ما قيمته 60مليار دولار سنويا، وتصدّر الإمارات إلى الهند ما قيمته 27 مليار دولار سنوياً، بينما تبلغ صادرات الهند إلى الإمارات 33 مليار دولار. ومن أبرز أوجه التعاون الاقتصادي بين الدولتين تأسيسهما "صندوق البنية التحتية الهندية الإماراتية" الذي يهدف إلى الوصول إلى رصيد قيمته  75 مليار دولار. بينما تتبادل الدولتين إجمالي رحلات يومية تبلغ 135 رحلة جوية بإجمالي نحو 950 رحلة جوية بين البلدين أسبوعيا، وتعكس المؤشرات الحالية عن طفرة ربما تشهدها العلاقات الثنائية على المدى القريب(4).  

أنماط التعاون الأمني

على خلفية التهديدات الأمنية المتصاعدة ، وفي ظل تنامي ظهور الجماعات الراديكالية والتنظيمات الإرهابية، أصبح التعاون على المستوى الأمني هو الأبرز في علاقات الدول. فعلى مستوى العلاقات الهنديةـ الإماراتية تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم المشتركة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الإستخباراتية والتحكم فيما يتعلق بتجريم التدفقات النقدية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى الحلف الاستراتيجي الذي يجمع الدولتين منذ عام 2003، حينما تم التوقيع خلال زيارة الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" للهند على اتفاقية تعاون استراتيجي في  مجالات الأمن والسياسة الدفاعية إلى جانب الالتزام بإجراء تمارين عسكرية وتدريبات دفاعية مشتركة لتطوير القدرات القتالية للطرفين.

شراكات الذكاء الاصطناعي

تم خلال الأسبوعين الماضيين إطلاق الشراكة الإستراتيجية بين الإمارات والهند في مجال الأبحاث والاستثمار والشركات الناشئة في قطاع الذكاء الاصطناعي، ويتوقع أن تبلغ أرباح هذه الاستثمارات حوالي 20 بليون دولار  خلال العشر سنوات الأولى من إطلاقها . وقد أكد الرئيس التنفيذي "للهيئة العامة للاستثمار" الهندية "ديباك باغلا" على أن الهدف من هذه الشراكة العمل على إنشاء تطبيقات مبتكرة تسهم في رفع كفاءة الخدمات الحكومية إلى جانب تعزيز فاعلية القطاع الخاص. وفي هذا السياق سيتم تشكيل لجنة تسعى إلى الدفع نحو تطوير المجال البحثي بما يساهم في زيادة عوائد هذا الاستثمار الجديد. وتشكل هذه الخطوة اتجاهًا مشتركًا نحو بلورة تقنيات الذكاء الاصطناعي باعتباره نواة  تقدم وتطور المجتمعات والحرص المتبادل نحو إحداث تغيرات كبرى للوصول إلى مستويات معيشية أكثر حضارية(5).

إجمالاً؛ فقد استطاعت كل من الهند والإمارات أن يحققا التوازن والانفتاح الحضاري استنادا إلى أسس ومعايير التسامح والتناغم والاندماج بما لا يطغي على خصوصية الآخر أو حتى المساس بسيادته، ورغم التطورات  الخطيرة التي تشهدها الساحة الدولية والتي تهدد  الأمن والاستقرار العام ،بل وأدت في نماذج عدة إلى توترات ما بين الدول، إلا أن العلاقات الإماراتية الهندية تظل أنموذج للسياسة الخارجية الناجحة المعتدلة، والتي انعكست بشكل واضح في تعزيز المكانة الإقليمية لكلاهما، بل ويتوقع أن تشهد علاقات البلدين على المدى القريب مزيد من التعاون والانفتاح  القائم على أسس التعايش وتعزيز التسامح بين مختلف الشعوب.

المصادر:

(1)الإمارات والهند.. علاقات تضرب في أعماق التاريخ، جريدة الخليج الاماراتية، بتاريخ 23/1/2017 ، متاح على الرابط:                                                                                                                                                https://bit.ly/2jnFqIr

 (2) مصطفى صلاح، على خطى المؤسِس: محددات السياسة الخارجية الإماراتية، المركز العربي للبحوث والدراسات ، بتاريخ 7/5/2018، متاح على الرابط:                      http://www.acrseg.org/40726

 (3) أية عبد العزيز، تحولات جديدة.. كيف تتغير السياسة الخارجية الهندية تجاه «إسرائيل»؟، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، بتاريخ 22/1/2018، متاح على الرابط:

https://bit.ly/2MA1rpj

 (4) سالم الكتبي،تاريخ ومشتركات بين الهند والإمارات، العرب اللندنية، بتاريخ 22/8/2015، متاح على الرابط:                                                                                                                                              https://bit.ly/2nNAZdC

 (5)الإمارات والهند تطلقان «شراكة استراتيجية» في قطاع الذكاء الاصطناعي، جريدة الحياة اللندنية، بتاريخ 28/7/2018، متاح على الرابط:                                                                                          https://bit.ly/2OMMFcd