مثلت سياسات
"ترامب" التجارية المتمثلة في فرض عقوبات على الفولاذ والألومنيوم
الأوروبي، وانسحابه من اتفاقية المناخ محورها، علاوة على مناقشة الاتفاق النووي،
والأزمة السورية. أعرب "ماكرون" خلال هذه الزيارة رفض بلاده للسياسات
التجارية، ومؤكدًا على أهمية العمل العالمي بشأن تغير المناخ لأنه لا يوجد
"كوكب أخر للحياة"، كما أعلن عدم انسحابه من الاتفاق النووي.
والجدير بالذكر؛ أن
القيادة السياسية الفرنسية والبريطانية والألمانية تتسابق في إبرام اتفاقيات
جانبية وتكميلية مع "ترامب" وطهران بشأن برنامجها النووي، لمنع ترامب من
الانسحاب منه، وكبح الطموح النووي الإيراني من الاستمرار والتمدد لكي لا يصبح خارج
السيطرة(5).
انتهج
"ماكرون" بعض السياسات المتوافقة مع واشنطن تجلت في توجيه ضربه عسكرية
للجيس السوري بالتنسيق مع بريطانيا وواشنطن، علاوة على طرد المسئولين الروس
إثر عملية اغتيال العميل المزدوج
"سيرجي سكريبال" وابنته في مارس/ أذار 2018(6).
الحوار السياسي مع موسكو
اتخذت
"باريس" سياسة أكثر حدة تجاه موسكو نتيجة سياساتها العدائية تجاه الدول
الأوروبية، بالإضافة إلى تدخلها في الأزمة الأوكرانية، كما عززت العقوبات المفروض
عليها بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014. إلا إن "ماكرون" قد أعلن إنه
سيتعاون مع موسكو في إطار محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط.
استضاف سيد الإليزيه الرئيس الروسي
"فلاديمير بوتين" في مايو/ أيار 2017 بقصر "فرساي" لمناقشة
القضايا الخلافية بين البلدين. أعرب خلالها الرئيس الفرنسي على ضرورة التعاون بشأن
الأوضاع في سوريا، وعلاوة على مكافحة الإرهاب. وفي المقابل أوضح "بوتين"
أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين خاصة بعد فرض العقوبات على موسكو من قبل الجماعة الأوروبية(7).
الشراكة المتكافئة مع القارة الأفريقية
تعد باريس من أبرز
الدول الأوروبية النشطة في القارة السمراء، خاصة في مناطق غرب ووسط أفريقيا. يتبع
"ماكرون" خطابًا سياسيًا مغايرًا تجاه دول القارة، باعتباره جزءً ا من
الجيل الجديد، مؤكدًا إنه لن يملي على الأفارقة سياسات متعارضة مع مصالحهم. ترجم
"ماكرون" هذه السياسات بشكل فعلي عن طريق الزيارات المتبادلة، تجسدت في
جولته لغرب أفريقيا –(بوركينا فاسو، ساحل العاج، غانا)_ ومشاركته في القمة الأوروبية
الأفريقية.
جاءت هذه الجولة في
سياق تنامي الاضطرابات في البلدان الأفريقية الناطقة بالفرنسية، وانتقاد منظمات
المجتمع المدني في بلدان مثل –(الغابون، وغينيا، وتوجو، وتشاد)_ للحكومات الفرنسية
المتوالية نتيجة دعمها الضمني للحكومات الأفريقية الفاسدة. هدفت هذه الجولة إلى
ترسيخ شراكة متكافئة بين الجانبين، مع تعزيز التعاون في مجال التعليم، والاقتصاد
الرقمي، والهجرة(8).
التحرك الناعم تجاه المنطقة العربية
تُشكل المنطقة العربية
قلب التفاعلات الدولية، فقد اغتنم "ماكرون" حالة عدم الاستقرار السياسي في أعقاب تداعيات الثورات العربية،
ليقدم نفسه كفاعل مؤثر في مسار التفاعلات الداخلية. استند "ماكرون" في تحركاته
على أدوات القوة الناعمة فضلاً عن الزيارات الرسمية المتبادلة بين دول المنطقة.
تجسد الدور الفرنسي
بشكل كبير في رعاية جهود الوساطة في إدارة الملف الليبي من خلال التوصل إلى اتفاق
بين رئيس الوزراء الليبي "فائز السراج" -الذي يمتلك الشرعية السياسية
التي تدعمه في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة-، وقائد الجيش الوطني "خليفة
حفتر" –يمتلك الشرعية العسكرية والقدرة على المواجهة التنظيمات الإرهابية- في
28 يوليو/ تموز 2017، لإتمام المصالحة الوطنية، عبر الحل السياسي السلمي للأزمة
الليبية، بعيدًا عن القوة والعنف، تمهيدًا لاستعادة الاستقرار السياسي. إذ إنها
المرة الأولى التي استطاعت فيها قوى دولية التوصل لاتفاق بين الفرقاء الليبيين بعد
محاولات القاهرة وأبوظبي.
قاد
"ماكرون" أيضًا جهود الوساطة في الملف اللبناني لإقناع رئيس الوزراء
اللبناني "سعد الحريري" التراجع عن استقالته التي أعلن عنها بشكل مفاجئ من
المملكة العربية السعودية في نوفمبر / تشرين الثاني 2017. تُوجت هذه الجهود بعدول
"الحريري" عن قراره وعادته إلى بيروت، لبحث مستقبل الأوضاع اللبنانية مع
الرئيس "ميشيل عون". هذا بجانب محاولته التوسط لحل الأزمة الخليجية،
وتسوية الأوضاع بشكل سلمي، علاوة على دعمه للوساطة الكويتية(9).
المغرب العربي... والذاكرة التاريخية
تتمتع دول المغرب بأولوية خاصة في
الاستراتيجية الفرنسية باعتبارها امتداد للنفوذ الفرنسي في المنطقة، كما إنها
أصبحت دولًا مصدرة للإرهاب والهجرة غير الشرعية من القادمة من القارة الأفريقية
إلى الدول الأوروبية المقابلة لها على الساحل المتوسط. قدم "ماكرون" نفسه
للدول المغرب العربي على غرار سالفه في إنه يرغب في ترسيخ علاقات قوية معهم تهدف إلى
تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي.
تمثل الجزائر بعدًا
استراتيجيًا على وجه الخصوص في التوجهات الخارجية للرئيس الفرنسي تبلورت ملامح هذا
التوجه في زيارة "ماكرون" للعاصمة الجزائرية في ديسمبر/ كانون الأول 2017،
لبحث الأوضاع في ليبيا ومناقشة ملف الإرهاب، معلنًا استعداده تسليم جماجميم قادة
الثورات الشعبية الموجودة في متحف باريس وتونس، موضحًا إنه لا ينتمي إلى قادة
الاستعمار. إلا إنه لم يقدم على الاعتراف بشكل صريح على الجرائم الفرنسية خلال
فترة الاستعمار التي توعد باعتذار عنها إبان حملته الانتخابية، مبررًا إنه يود بناء
شراكة جديدة مع الجزائرين قائمة على الندية وليست رهينة الماضي.
دعا خلال الزيارة إلى
حل الخلاف الجزائري المغربي حول منطقة الصحراء، باعتبار أن بلاده تقف على قدم
المساوأة بين الجانيبن. اعتبر أن الحوار بينهم مسألة ضرورية لمواجهة تحديات
المنطقة المتلاحقة. لم يتوقف "ماكرون" عند هذا الحد إلى إنه زار دولة
تونس في نهاية يناير/ كانون الثاني 2018 لدعم عملية التحول الديمقراطي، وتعزيز
التعاون الاقتصادي بينهم. فقد حضر خلال الزيارة "المنتدى الاقتصادي
التونسي-الفرنسي" وذلك لتشجيع المؤسسات الفرنسية على الاستثمار في تونس
لمساعدة الاقتصاد التونسي.