في حين أعلنت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية في 22 أبريل/ نيسان 2018 عن زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشئون شرق آسيا والمحيط الهادي "سوزان ثورنتون" لـ"سيول" لمناقشة التعاون قبل قمة الكوريتين، لتبادل وجهات النظر حول أجندت الأعمال المتعلقة بكوريا الشمالية.
الموقف الدولي من القرار
رحب "دونالد ترامب" بإعلان "كيم" واعتبره "تقدمًا كبيرًا "بالنسبة لكوريا الشمالية والعالم، وإنه يمثل خطوة في سبيل تعزيز نجاح القمة المرتقبة معه، فيما أوضحت كوريا الجنوبية أن "هذا القرار سيساهم في خلق بيئة إيجابية للنجاح القمتين المقبلتين". في حين أصدرت الحكومة البريطانية بيان للإشادة بالقرار لانه يمثل تعبيرًا عن حسن نية كوريا الشمالية لإجراء المباحثات(7).
كما رحبت موسكو بالقرار داعية واشنطن وسيول للاغتنام الفرصة للحد من النشاط العسكري، والتوصل إلى اتفاق خلال القمة المقبلة. كما أشارت وزيرة الخارجية الاسترالية "جولي بيشوب" إلى ضرورة اتخاذ خطوات يمكن من خلالها التأكد من ضمان وقف التجارب.
وأعرب الاتحاد الأوروبي على لسان الممثلة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية "فيديريكا موغيريني" عن ترحيبها بإعلان "بيونغ يانغ" وقفها لإجراء التجارب النووية والصاروخية، يوم السبت الموافق 21أبريل/ نيسان 2018، معتبرة ذلك مؤشرًا إيجابيًا، معبرةً عن أملها في أن تأتي اللقاءات المزعم عقدها بين الكوريتين، وبين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، بنتائج ملموسة، كما أكدت على استعداد الاتحاد دعم المباحثات المقبلة.
في حين تساءل رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" هل سيؤدي القرار إلى تخلي كوريا الشمالية بشكل تام عن تطوير سلاحها وصواريخها النووية بشكل لا رجع فيه أم لا؟". وفي وقت سابق أعلن "آبي" إمكانية التطبيع مع "بيونغ يانغ" في حالة وقفها على الطريق الصحيح، أثناء المؤتمر الصحفي مع "ترامب" في 19 أبريل/ نيسان 2018.
محفزات القرار
تعاني "بيونغ يانغ" حالة من الخناق والتضيق في الآونة الأخيرة؛ نتيجة حدة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة ومن قبلها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. فقد أصدرت واشنطن في أغسطس/ آب 2017 ، "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، القاضي بتشديد العقوبات على الشحنات الكورية، وعلى الدول التي تتعاون معها، علاوة على التعامل التجاري مع كوريا الشمالي. أعقبه في سبتمبر/ أيلول من نفس العام قرار من الإدارة الأميركية بحق واشنطن في سحب أو تجميد أي حساب أو أصول مالية لأي شركة تتعامل مع "بيونغ يانغ".
كما ساهمت الضغوط الأميركية في حمل الصين على فرض حظر على الاستيراد والتصدير تشمل المشتقات البترولية، والنفط الخام، والفحم، والحديد، والرصاص، والمأكولات البحرية(8). الأمر الذي أدى إلى تراجع حجم التجارة بين البلدين في بداية عام 2018 إلى أدني مستوى لها منذ يونيو/ حزيران 2014 ، فقد بلغ 215.97 مليون دولار أميركي، بإنخفاض وصل إلى ما يقرب من 52% مع بدء سريان العقوبات. كما وصلت قيمة الصادرات الصينية إلى "بيونغ يانغ" إلى 168.88 مليون دولار في يناير/ كانون الثاني 2018، بينما بلغت الواردات من كوريا الشمالية 47.09 مليون دولار أمريكي(9).
وفي هذا السياق؛ أصدر مجلس الأمن في ديسمبر / كانون الأول 2017 عقوبات تستهدف الحد من حصول كوريا الشمالية على المنتجات البترولية والنفط الخام. الأمر الذي طوق "بيونغ يانغ" اقتصاديًا وهو ما اعترف به "كيم" في خطاب رأس السنة "أن بلاده تواجه أصعب تحديات على الإطلاق"، منوهًا أن "عام 2018 قد يكون صعبًا عليهم، في حين يتوجب عليهم الاعتماد أكثر على الذات". وقدرت الأمم المتحدة حجم الخسائر الناتجة عن الحظر الأخير، الذي فُرض بعد قيام بيونغ يانغ بتجربتها الصاروخية العابرة للقارات في يوليو/ تموز 2017 بما قيمته ثلاثة مليارات دولار(10).
انعكاسات التقارب بين الكوريتين على واشنطن
جاء التقارب الأخير بين الكوريتين بعد فترة انقطاع دامت لقرابة عشر سنوات نتيجة الضغوط الأميركية؛ حيث شهدت العلاقات الأميركية الكورية فترات طويلة من المد والجزر، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على سلوك "بيونغ يانغ" وجعلها أكثر عنفًا تجاه واشنطن وسيول. انتهجت "بيونغ يانغ" استراتيجية هجومية سواء على المستوى الخطاب الرسمي بتهديداها المستمر لواشنطن بأنها تمتلك صواريخ تستطيع الوصول لها، فضلًا على تهديداها ضرب جويرة "غوام"، أو بإمتلاكها برنامجًا نوويًا، كرد فعل مباشر على نشر نظام الدفاع الحراري المرتفع _(هو نظام دفاع أميركي مضاد للصواريخ)_ في كوريا الجنوبية. بجانب استمرار تجاربها الصاروخية العابرة للقارات. وفي إطار هذه التهديدات يكمن الخلاف الحقيقي بينهم حول طبيعة التهديد الذي تشكله كوريا الشمالية(11).
لذا فإن القمة بين الكوريتين ماهي إلا مؤشر إيجابي على تهدئة الأوضاع بين "واشنطن" و"بيونغ يانغ". وفي واقع الأمر أن المستفيد الأكبر من هذه القمة وما ستصل إليه من نتائج هو "دونالد ترامب" وذلك من أجل منافسة روسيا والصين تجديدًا في عمقهم الاستراتيجي. وكانت الأزمة الكورية بمثابة القوة الدافعة الجديدة للتنافس بين الأقطاب المهيمنة على النسق الدولي لتكون أحد آليات المواجهة المقبلة بينهم.
وعليه شرع "ترامب" بتصعيد تجاري من خلال اعتزام واشنطن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على 1300 سلعة صينية تستوردها من بكين(12)، كما يرغب في العودة إلى "الشراكة عبر المحيط الهادي" بعد أن وقع على الانسحاب منها في نهاية يناير/ كانون الثاني 2017 للوقوف في وجه النفوذ الصيني المتنامي. لمواجهة الصين اقتصاديًا نتيجة استمرار عجز الميزان التجاري بين البلدين لصالح الصين بقيمة 500مليار دولار، بالإضافة إلى خسائر بسبب سرقة حقوق الملكية الفكرية بلغت 300 مليار دولار، علاوة على إقدام الصين على تخفيض قمة العملة واتباع سياسة الإغراق لمنتجاتها، بجانب التوافق السياسي والأمني مع موسكو في عدد من الملفات الشائكة مثل بحر الصين الجنوبي حيث الدعم الروسي للصين، في مقابل الدعم الصيني لموسكو في الملف الأوكراني
ختامًا؛ مازالت المؤشرات إيجابية حتى الآن حول السلوك التمهيدي للزعيم الكوري في أعقاب التحضيرات الأولية للقمة، إلا إنه من المتوقع أن تتعامل "بيونغ يانغ" بحذر شديد في المباحثات القادمة. فبرغم من إعلانه وقف التجارب النووية، والمبادرة باستئناف المباحثات للتوصل إلى حل سلمي يضمن استقرار العلاقات بين الجانبين. إلا إنه سيتفاوض في البداية على وقف العقوبات الاقتصادية التي لعبت دورًا بارزًا في إعلانه الاستسلام بشكل غير مباشر للتفاوض لتخفيف حدة الضغط عليه، ثم التفاوض بشأن القوات الأميركية المتواجدة في سيول، انتقالاً إلى طلب الدول النووية نزع سلاحها.
في المقابل؛ برغم من التخلي الظاهري للصين وروسيا عن كوريا الشمالية بسبب العقوبات المفروضة عليها إلا إنهم لن يتركوها لقمة صائغة لواشنطن، وأن كنت أعتقد أن هناك دعمًا سريًا. من الواضح أن سيكولوجية الزعيم الكوري من الصعب التنبؤ بمساراتها في توجهاته الخارجية إلا إنه يحاول الدفع بعيدًا عن تكون نهايته في محكمة العدل الدولية، أو مقتولاً مثل الزعيم الراحل "صدام حسين". لذا فإنه لن يتخلى عن برنامجه النووي ولكنه سيكون في إطار سلمي على غرار طهران. ليكون صمام الأمان أمام المتغيرات الدولية والإقليمية المتلاحقة التي تكاد تعصف بنظامه في أي وقت.