المركز العربي للبحوث والدراسات : الميزانية العامة للدولة 2017/2018: إلى فضاء النمو أم أن الأزمة مستمرة؟ (طباعة)
الميزانية العامة للدولة 2017/2018: إلى فضاء النمو أم أن الأزمة مستمرة؟
آخر تحديث: الجمعة 25/08/2017 01:47 م إبراهيم نوار
الميزانية العامة

تخوض مصر منذ سنوات عددا من الحروب على جبهات متعددة في آن واحد. ولا أظن أن بوسع صانع القرار السياسي وحده أن ينتصر في هذه الحروب جميعا ولا حتى في واحدة منها بدون تعاضد مجتمعي قائم على أسس الإقتناع والمشاركة. الحروب التي تواجهها مصر صعبة وهي لا تحمل بصمات السنوات الأخيرة فقط، وإنما تمتد جذورها إلى عقود مضت. هناك حرب على صعيد السياسة تأزمت حتى انتقلت من حيز التطرف إلى دائرة ممارسة العنف المسلح. وهناك حرب على صعيد الإقتصاد فشلنا في التصدي لها فلجأنا إلى طلب النصيحة والمساعدة من صندوق النقد الدولي. وهناك حرب إدارية على الفساد يقف فيها المجتمع في مواجهة ظاهرة الإنحرافات المؤسسية في أجهزة الدولة، وهي الظاهرة التي تغولت في كل الأجهزة تقريبا ومنها أجهزة يفترض فيها ممارسة وظائف تنفيذ القانون أو العدالة وإحقاق الحق. وهناك حرب اجتماعية ألا وهي حرب القيم التي تجسد الآن صراعا حول طبيعة الهوية والمصير. والأخيرة في ظني هي الأشد شراسة والأكثر تجذرا والتي ستحتاج منا إلى زمن طويل للإنتصار فيها على القوى الحاضنة لقيم التخلف والجاهلية، حتى وإن كانت تتمسح بأطراف الدين.

وفي هذا المقال أواصل ما بدأته في الحديث عن الحرب الإقتصادية التي تخوضها مصر. وأتناول هنا عرض وتقييم صورة المستقبل الإقتصادي المتوقع في الأجل القصير كما ترسمه لنا الميزانية السنوية، وهي الصورة المالية التي لا تكتمل إلا بالإطلاع على مقابلها العيني الذي يتمثل في خطة التنمية الإقتصادية والإجتماعية للسنة المالية الحالية 2017/2018.  والغرض من هذا المقال أن نضع أيدينا على مفاتيح السياسة المالية التي تنطلق منها الميزانية وتتأسس عليها، وأن نعمل على تحليل مكوناتها وما قد تؤدي إليه في ظل القيود التي تحكمها، وبيان ما إذا كانت هذه السياسات ستؤدي بالإقتصاد إلى رحابة النمو أم إنها ستبقي عليه في حالة اختناق يجاهد للخلاص منها. وفي هذا المقال نعتمد على نص الميزانية، وعلى مستهدفات برنامج الإصلاح الإقتصادي المتفق عليه مع صندوق الدولي، وعلى تتبع تاريخي لبعض المؤشرات الإقتصادية المهمة التي تشكل محور مصالح الناس كأفراد، باعتبار أن هذه المصالح هي أساس "الأمن القومي"، وهو الأمن الذي يحاول البعض أن يخلطوا بينه وبين مصالح أجهزة الدولة؛ فالأمن القومي في نهاية الأمر هو سعادة وأمان المواطن الفرد، وكل ما يهدد الفرد هو تهديد للأمن القومي.

الميزانية والإعتبارات الشكلية

قد يعتقد البعض أن إثارة الحديث عن اعتبارات شكلية تتعلق بعملية إعداد ومناقشة وإصدار الميزانية هو ضرب من ضروب السخف. وهو في الحقيقة ليس كذلك، فالقاضي على منصة العدالة قد يرفض دعوى لخطأ في الإجراءات الشكلية، وقد يحكم نهائيا بناء على مثل هذه الخطأ بالبراءة أو بالإدانة. وللميزانية من الناحية التنظيمية إجراءات دستورية وقانونية محددة؛ فلها أجل لتقديمها للبرلمان من جانب وزارة المالية، ولها أجل للانتهاء من مناقشتها والموافقة عليها (بعد التعديل بالحذف أو الإضافة في كل كل أو بعض بنودها)، ولها أجل لإصدارها رسميا وبدء العمل بها. وفي حالتنا هذه السنة فقد قدمت وزارة المالية إلى البرلمان في نهاية اليوم الأخير لموعد التقديم، ثم تأخرت الميزانية في البرلمان إلى ما بعد موعد إصدارها، وعادت بعد ذلك إلى وزارة المالية لغرض ضبط الأرقام، ثم أرسلت للسيد رئيس الجمهورية للتوقيع عليها وإصدارها كقانون يعمل به من تاريخ نشره، حسب القواعد المعمول بها في إصدار القوانين. وصدر قانون الميزانية في 3 أغسطس 2017 أي بعد موعد بدء السنة المالية الجديدة بشهر وثلاثة أيام!

وخلال الفترة من أول يوليو إلى 3 أغسطس إستمرت الوحدات المالية في العمل على أساس توجيهات وزارية وبقوة العادة والتقاليد. ولست أعلم على وجه اليقين كيف يتم مثلا صرف شيكات حكومية أو تسوية معاملات فيما بين أجهزة الدولة وبعضها أو بينها وبين الأغيار من حسابات لم تكن متاحة للصرف منها! وأظن أن احترام الدستور والقانون كان يوجب إصدار قانون مؤقت إما بمد العمل بالميزانية السابقة مع وضع مخصصات شهرية بواقع 1/12 لكل شهر تماما على أساس القيم التي كانت متاحة في الميزانية السابقة، أو باعتماد ميزانية مؤقتة لمدة شهر لتسوية معاملات الحكومة والمحليات والهيئات الخدمية العامة حتى يتم إقرار الميزانية الجديدة وإصدارها وإتاحة الموارد المالية لأجهزة الموازنة العامة للدولة. لكن يبدو أن الأمور سارت في هذا الخصوص بطريقة أقرب إلى العشوائية منها إلى أي شيء آخر منذ الأول من يوليو وحتى الثالث من أغسطس، وهو ما يجسد منطق "الورق ورقنا والبرلمان بتاعنا ونعمل اللي احنا عاوزينة"! وليس هكذا تدار المالية العامة للدولة.

إصدار الميزانية

أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسى في 3 أغسطس القانون رقم 145 لسنة 2017 بربط الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2017/2018. وطبقا للقانون قدرت استخدامات الموازنة العامة بمبلغ تريليون، و489 مليارجنيه تقريبا، وقدرت الإيرادات العامة بمبلغ 852 مليارا جنيه تقريبا. وبالنسبة لاستخدامات الموازنة العامة للدولة، بلغ اجمالى حوالي تريليون ومائتان وسبعة مليارات جنيه، أي أن الإيرادات العامة بأكملها تعادل 57.2% من الإستخدامات.

وتستهدف الميزانية العامة للدولة في السنة المالية 2017/2018 تحقيق قدر أكبر من الإستقرار الإقتصادي بما يتيح زيادة معدل النمو إلى 4.6% وتخفيض معدل البطالة إلى 11.5% وتوفير 750 ألف فرصة عمل جديدة، وتخفيض معدل التضخم إلى 13% فقط في نهاية العام 2018. ولا شك أن تحقيق هذه الأهداف من شأنه أن يخلق روحا جديدة في الإقتصاد ويعزز فرص تحسين مستويات المعيشة للمواطنين من كل الطبقات خصوصا الفقراء وغير القادرين والطبقة الوسطى. وسوف يواجه السعي لتحقيق هذه الأهداف تحديات قوية حيث أن الإجراءات النقدية والمالية والإقتصادية التي تم إعلانها منذ نوفمبر 2016 أدت فعلا إلى تعقيد ظروف الحياة للكثير من الفئات الإجتماعية بما في ذلك قطاعات الطبقة الوسطى، كما أدت إلى زيادة حدة الفقر واتساع نطاق انتشاره  في الأرياف وفي المدن.

مؤشرات رقمية

نسجل فيما يلي بعضا من ملامح ميزانية السنة المالية الحالية 2017/2018 في صورة مؤشرات رقمية سريعة بهدف إعطاء صورة عامة عنها قبل أن نبدأ في تحليل بعض مكوناتها والتعرف على منطلقات وأسس السياسة المالية والإقتصادية التي تنطوي عليها.

1-  قيمة المصروفات تبلغ 1206 مليار جنيه.

2-   قيمة الإقتراض المستهدف 635.6 مليار جنيه بنسبة 52.7% من قيمة المصروفات.

3-   بذلك يبلغ المتوسط الرسمي للاقتراض المستهدف بواسطة وزارة المالية 3.3 مليار جنيه يوميا. المالية عودتنا ان تقترض أكثر من المستهدف.

4-   بذلك فإن نسبة 47.3% فقط من المصروفات العامة من المتوقع تمويلها بواسطة موارد حقيقية.

5-   تتمثل اهم الموارد الحقيقية في إيرادات الضرائب، وتقدر في الميزانية بحوالي 604 مليار جنيه.

6-   الضرائب المستهدفة تعادل 14.7% من اجمالي الناتج المحلي (اقل من نصف المتوسط العالمي).

7-  أهم موارد الضرائب تأتي من أغلبية المواطنين بمن فيهم غير القادرين. توزيع اهم مصادر الايرادات الضريبية كنسبة من اجمالي الناتج المحلي كما يلي:

-  حصة الضرائب العامة:    6.9%

 - ضرائب القيمة المضافة:   6.2%

-  الجمارك :                   1.0%

8-   فوائد الديون المستحقة خلال السنة المالية تبلغ  381 مليار جنيه بنسبة 31.6% من المصروفات العامة.

9-   قيمة الاقساط المستحقة السداد على القروض وغيرها تبلغ 265.4 مليار جنيه بما يعادل 22% من المصروفات.

10-                       بذلك فإن عبء المديونية (= مدفوعات الفوائد واقساط القروض) على الميزانية العامة للدولة في السنة المالية الجديدة يبلغ 646.4 مليار جنيه مصري بنسبة 53.6% من المصروفات.

11-                      قيمة الاستثمارات الإجمالية المستهدفة في الميزانية (بدون القطاع الخاص) تبلغ 135.5 مليار جنيه بنسبة 11.3% من المصروفات، بنسبة 3.3% من اجمالي الناتج المحلي.

12-                     العجز الكلي المتوقع 370 مليار جنيه بنسبة 9% من إجمالي الناتج المحلي. (أتوقع ان يتجاوز العجز هذا الرقم بنسبة تتراوح بين 0.5% إلى 1.0% من اجمالي الناتج المحلي على اقل تقدير)

وتكشف أرقام الميزانية من الآن الصعوبات الاقتصادية التي ستواجهها البلاد. لكن الحكومة تأمل في أن يساعد إنتاج الغاز من حقل ظهر في شرق البحر المتوسط إضافة إلى حقول شمال الإسكندرية على توليد موارد مالية إضافية وتقليل الضغوط المتوقعة.

المشكلة الرئيسية التي تواجهها الحكومة هي التضخم الشديد في قيمة الدين العام الداخلي والخارجي واندفاعه الى خارج نطاق السيطرة. هذا قد يتسبب في أزمة مالية واقتصادية جديدة مالم تبادر الحكومة الى تحويل إنفاقها الاستهلاكي إلى إنفاق استثماري في مجالات منتجة وسريعة العائد، خصوصا للحد من الواردات ووقف الإنفاق على المشاريع المظهرية غير ذات النفع الإقتصادي.

مصادر الخلل في مالية الدولة

تعاني المالية العامة من خلل هيكلي شديد ومزمن بسبب توسع التمويل بالعجز والأقتراض لتمويل الإستهلاك الحكومي، إضافة إلى الرغبة في خلق مناخ "معنوي" جيد يتيح للحكومة قدرا من التأييد الشعبي. والحقيقة أن اتساع نطاق العجز والمديونية أصبح الآن المصدر الرئيسي للخلل في مالية الدولة، ومن ثم فإنه يعتبر المصدر الرئيسي لعدم الإستقرار ولضعف أجهزة الدولة. ولن يستطيع جهاز الدولة تحقيق الإستقرار السريع إذا لم تتمكن الحكومة من إعادة العجز والدين العام داخل نطاق السيطرة؛ فذلك شرط ضروري للسيطرة على التضخم والحد من غلاء المعيشة وتوفير فرص عمل أكثر لما يقرب من مليون من طالبي العمل الجدد كل سنة، إضافة إلى مخزون البطالة المتراكم.

وقد صدرت الحكومة للرأي العام مقدمة مفادها أن التخلص من الدعم، أو إلغاء الدعم لغير المستحقين هو الطريق لتحقيق التوازن المالي، ثم زادت مقدمة أخرى مفادها أن تخفيض حصة الأجور في الميزانية العامة للدولة هو أيضا مطلب رئيسي لتحقيق التوازن المالي. وسوف أقدم فيما يلي الدليل على فساد كل من المقدمتين.

هل الدعم مسؤول عن خلل الميزانية؟

يمثل الدعم أداة من أدوات السياسة المالية لتصحيح الخلل والتشوهات في العلاقة بين هيكل توزيع الدخل وبين مستويات الأسعارفي سلعة أو خدمة واحدة أو أكثر. ومن ثم فإن الدعم من حيث الفلسفة هو وسيلة من وسائل الحماية الإجتماعية. وهذه الوسيلة لا يقتصر استخدامها على الدول النامية أو الدول الفقرة، وإنما يشيع استخدامها في كل دول العالم بما فيها الدول المتقدمة ومنها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا. وأسوق أسماء هذه الدول للتدليل على أن الدعم لا يرتبط يسياسات اقتصادية إشتراكية أو يسارية وإنما هو أداة من أدوات السياسة المالية إكتسبت مصداقيتها من حقيقة أن التنمية البشرية ومكافحة التفاوت الشديد في الدخل الإقتصادي للأفراد والفئات والإجتماعية المختلفة يجب أن يمتد لتحقيق وضمان استمرار قدرة الأفراد على الحصول على احتياجاهم الضرورية ماديا واجتماعيا. ولذلك فإن الدولة المتقدمة التي تحترم مواطنيها لا تتخلف أو تتأخر في العادة عن تقديم أشكال مختلفة من الدعم إلى مواطنيها مهما كان العبء الناتج عن ذلك على الميزانية العامة للدولة.

ومن أشكال الدعم التي يتم تقديمها كوبونات مجانية للسلع الغذائية الرئيسية مثل الألبان، وإعانات نقدية لرفع مستوى دخول الأفراد الذين تقل أجورهم أو دخولهم عن الحد الأدنى للدخل، وصرف الدواء مجانا لغير القادرين (بإتاحة الأدوية العادية في الصيدليات المطابقة للمواصفات وليس أدوية مصنعة خصيصا خارج أي مواصفات للجودة)، وإتاحة المساكن الإجتماعية بالإيجار المدعم، وتقديم إعانات للحوامل، وتقديم خصومات أو إعفاءات كاملة لكبار السن وللأطفال وللعاطلين عن العمل على تذاكر السفر الداخلي وكذلك على تذاكر المسرح والمهرجانات الثقافية الرسمية التي تنظمها الدولة. الدعم ليس بدعة، والمدعومون غير القادرين ليسوا عالة على المجتمع بل إنهم كتيبة من كتائب بناء أي مجتمع.

المدهش في برنامج تخفيض أو إلغاء الدعم إنه يرفع شعار تقديم الدعم لغير القادرين، لكنه يستخدم معاييرا وإجراءات تنزل الضرر أساسا بغير القادرين!

 

ولبيان حقيقة الدعم نبين هنا العلاقة بين الدعم وإجمالي الإنتاج المحلي، وبشكل خاص الحصة التي يستحوذ عليها الدعم، وأهميتها، وما يمكن أن يتحقق للإقتصاد في حال تم إلغاء الدعم بأكمله. ويبين الجدول التالي تطور نصيب مخصصات الدعم والمزايا الإجتماعية المختلفة والمنح من إجمالي الناتج المحلي لمصر في السنوات الخمس الأخيرة بما فيها السنة المحلية الجديدة.

ويوضح الجدول أن مخصصات الدعم (بما فيها دعم مصدري الخضروات والفواكه، ودعم ترفيق المناطق الصناعية الذي يستحوذ عليه غالبا أصحاب النفوذ) تبلغ في المتوسط 8% من إجمالي الناتج المحلي، أي أقل من حصة الفوائد التي تدفعها الحكومة للبنوك الدائنة لها! وهذا يطرح السؤال التالي: لماذا لا تهتم الحكومة أولا بتخفيض حصة الديون وفوائدها من إجمالي الناتج المحلي قبل أن تحاول تصدير اللوم إلى الدعم الذي يتم توجيهه إلى غير القادرين بغرض تمكينهم من المحافظة على الحد الأدني الطبيعي للحياة وليس الحد الأدنى الإجتماعي؟! 

جدول (1) تطور قيمة الدعم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي والمصروفات العامة في الميزانية

السنة

المتغير

2017/2018

2016/2017

2015/2016

2014/2015

2013/2014

إجمالي الناتج

4107.0

3247.0

2709.0

2430.0

2102.0

قيمة الدعم شاملا المزايا الإجتماعية والمنح

332.7

206.4

201.0

198.6

228.6

الدعم والمنح والمزايا/الناتج (%)

8.1

6.4

7.4

8.2

10.9

المصدر: وزارة المالية (تقديري الميزانية للسنتين الأخيريتين والأرقام الفعلية للسنوات الثلاث السابقة)، والنسب من حساب الكاتب

لكن الصورة لم تكتمل بعد. ذلك فهم سياسة الدعم يتطلب تفكيك المنظومة والتعرف على محتوياتها، وعلاقة مكوناتها ببعضها وبسياسة الدعم ماليا واقتصاديا واجتماعيا. ويبين الجدول التالي هيكل توزيع الدعم في ميزانيات السنوات الماضية وميزنية العام الحالي

 

جدول (2) هيكل توزيع الدعم والمنح والمزايا الإجتماعية

الدعم

222.7

128.5

138.7

150.2

187.7

السلع التموينية

63.1

41.1

42.7

31.5

35.5

المواد البترولية

110.1

35.0

51.0

73.9

126.2

الكهرباء

30.0

27.4

28.5

23.6

13.3

الصادرات

2.6

2.6

3.7

2.6

3.1

المزارعين

1.0

5.2

1.7

1.3

0.6

نقل الركاب

1.7

1.6

1.6

1.6

1.4

الصناعة

1.4

1.4

0.4

0.4

1.6

*تختلف قيمة الدعم بمعدل تباين مرتفع عند مقارنة تقديرات الميزانية الأصلية بأرقام الحساب الختامي

أرقام السنوات 2016 و 2017 (موازنة) وأرقام السنوات  2103 – 2015 /2016 فعلي

 

ويوضح الجدول (2) أن القيمة المرصودة لدعم الطاقة في الميزانية الجديدة تبلغ 140.1 مليار جنيه بما يعادل 63% من قيمة مخصصات الدعم وما يزيد عن ضعف قيمة الدعم المخصص للسلع التموينية. ويعكس الرقم الخاص بدعم الطاقة بصورة أساسية نتائج تخفيض قيمة الجنيه وتعويم سعر الصرف، وهو قرار حكومي يجب أن تقابله إجراءات للحماية الإجتماعية، حسب تعليمات صندوق النقد الدولي. كذلك يجدر التنويه هنا إلى حقيقتين: الأولى إن الحكومة تحسب سعر بيع الإنتاج المحلي من النفط والغاز إلى المواطنين على أساس الأسعار العالمية، وهذا يعد معيارا محاسبيا ينطوي على خلل شديد، ويؤدي إلى خلق تشوهات في أسواق المنتجات المحلية وكذلك في هياكل الأجور. ويكفي النظر إلى تكلفة الأجور والمرتبات والحوافز في شركات قطاع الطاقة لنشهد التشوهات الحادة في سلم الأجور، وهي تشوهات يدفع ثمنها المستهلك النهائي الذي تدعي الحكومة إنها تعمل من أجل مصلحته. ماذا لوطلب الفلاحون من المستهلكين أسعار منتجاتهم حسب الأسعار العالمية؟! أو طلب العمال أجورهم بمعدلات الأجور العالمية؟! لكن الدولة أعطت لنفسها الحق في أن تبيع للمصريين الغاز المصري والبترول المصري بالأسعار العالمية، وقامت بنقل ودائع صناديق التأمينات والمعاشات إلى حسابات الخزانة مقابل صكوك وهمية تدفع عليها الحكومة فائدة هزيلة لا علاقة له على الإطلاق بأسعار الفائدة التي تدفعها الحكومة للبنوك. أصحاب المعاشات يدعمون الدولة في حقيقة الأمر بالفرق بين ما تدفعه الحكومة للبنوك وما تدفعه لصناديق التأمينات والمعاشات التي تتكون مواردها من مدخرات المصريين، ومعظمهم إن لم يكون أصحاب المعاشات جميعا يندرجون في قائمة غير القادرين.  

جدول (3) نصيب دعم السلع الغذائية والوقود من إجمالي الناتج المحلي

السنة

المتغير

2017/2018

2016/2017

2015/2016

2014/2015

2013/2014

الناتج المحلي

4107.0

3247.0

2709.0

2430.0

2102.0

الدعم

5.4%

4.0%

5.1%

6.2%

8.9%

السلع الغذائية

1.5%

1.3%

1.6%

1.6%

1.7%

المواد البترولية

2.7%

1.1%

1.9%

3.0%

6.0%

الكهرباء

0.7%

0.8%

1.1%

0.9%

0.6%

المصدر: وزارة المالية (الأرقام الأصلية)، النسب المئوية من حساب الكاتب

 

ويبين جدول (3) حقيقة الوزن النسبي للدعم السلعي من إجمالي الناتج المحلي، وهو يكشف إلى حد كبير فساد المقدمة التي تسوقها الأجهزة الرسمية وتطنن بها وسائل الإعلام الحكومة وغير الحكومية إلا من رحم ربي وحاول أن يتقصى الحقيقة فيما يقال. لقد تم تخفيض الدعم خلال الفترة الزمنية التي تغطيها بيانات الجدول إلى 5.4% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية الحالية مقارنة ب 8.9% في السنة المالية 2013/2014. ماذا يعني ذلك من الناحيتين المالية والإقتصادية؟ إنه يعني أن السياسة المالية نجحت في تحرير ما يعادل 3.5% من إجمالي الناتج المحلي من مخصصات الدعم، فهل تم توجيه هذه النسبة من الناتج المحلي للإستثمار مثلا؟ أو هل تم توجييها لتخفيض الدين العام؟ أو تم توجييها لتخفيض الحاجة إلى التمويل بالعجز؟ الإجابة القاطعة هي: لا، لم يحدث أيا من ذلك، وإنما استمرت الدولة في الإقتراض وبمعدلات أسرع! واستمرت في التمويل بالعجز وبمعدلات أوسع! المثير للسخرية أن وزراء الحكومة مشغولون إلى أقصى حد بتخفيض الدعم على السلع الغذائية الذي يمثل فقط 1.5% من إجمالي الناتج المحلي، في حين يغمضون أعينهم عن الإنفلات في فاتورة مكافآت رؤساء ومديري الهيئات العامة وبعض الفئات المشمولة بالرعاية!

إن حكومات ما بعد ثورة يناير أخذت على عاتقها هدف تخفيض الدعم من باب العمل على إصلاح الخلل في الميزانية وتحقيق التوازن المالي. وعلى أساس المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بدأت حكومة الببلاوي في تطبيق برنامج للإصلاح المالي والإقتصادي بتطبيق ثلاثة معايير جديدة للحد من الإنفاق العام، وهذه المعايير هي:

-         تقييد الزيادة في الأجور في الحكومة والقطاع العام

-         تخفيض الدعم بما في ذلك دعم الطاقة

-         توسيع قاعدة الخاضعين للضريبة بغرض زيادة الحصيلة الضريبية

وكانت توقعات الحكومة في ذلك الوقت تذهب إلى أن العجز في الميزانية سينخفض إلى 11% من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بنسبة 12.8% في السنة المالية 2013/2014.

وقد التزمت الحكومات المتعاقبة (حازم الببلاوي- إبراهيم محلب- شريف إسماعيل) بعد ذلك بهذه المعايير الثلاثة فتم تخفيض دعم الطاقة إعتبارا من أول يوليو 2014 بقيمة 41 مليار جنيه، تعادل 30% تقريبا مما كانت عليه. كما تبنت الحكومة برنامجا لتحرير قطاع إنتاج وتوزيع الطاقة خلال فترة تتراوح بين 3- 5 سنوات. وقد ورد التزام تخفيض الدعم وتحرير سوق الطاقة في خطاب رسمي وجهته وزارة التعاون الدولي إلى رئيس البنك الدولي بتاريخ 12 نوفمبر 2015 أي بعد عام تقريبا من زيارة كان قد قام بها خبراء صندوق النقد الدولي إلى مصر (11-25 نوفمبر 2014) للتشاور مع الحكومة بشأن برنامج شامل للإصلاح المالي والإقتصادي.

لكن هذه السياسة الثابتة التي التزمت بها حكومات ما بعد 25 يناير و30 يونيو لإلغاء الدعم إصطدمت بسياسات أخرى إتخذتها هذه الحكومات وأدت إلى زيادة الأمور تعقيدا ومنها تخفيض سعر الصرف وتعويمه في ضربة واحدة بينما يعاني الإقتصاد من هشاشة شديدة في بنيته وآليات عمله. وبينما كانت تقديرات صندوق النقد الدولي (في عام 2015) تذهب إلى أن الجنيه المصري مقوم بأكثر من قيمته بما يتراوح بين 15% إلى 30% إذا بمحافظ البنك المركزي يقرر تخفيض قيمته وتعويمه ليخسر في أيام قليله أكثر من نصف قيمته أمام العملات الدولية الرئيسية.

السياسة المالية التي تكشف عنها الميزانية الأخيرة تحتاج إلى المراجعة، فلا تخفيض الدعم سيعيد التوازن المالي، ولا تخفيض الأجور. وسنبحث موضوع الأجور والمرتبات في مقال لاحق بإذن الله.