المركز العربي للبحوث والدراسات : الصين تتألق في قمة العشرين وتفتح لنفسها مساراً لقيادة العالم (طباعة)
الصين تتألق في قمة العشرين وتفتح لنفسها مساراً لقيادة العالم
آخر تحديث: الأحد 11/09/2016 01:31 م إبراهيم نوار*
الصين تتألق في قمة

وكأنما قد هيأ القدر للصين أن تنعقد قمة مجموعة العشرين على أرضها وهي في أحسن حالاتها توهجاً وتألقاً بين أقرانها في المجموعة. إنعقدت قمة العشرين هذه السنة في الصين وهي تقود النمو في العالم بمعدل يزيد عن ثلاثة أمثال معدل النمو في الولايات المتحدة. وبينما هي كذلك، فقد جاءت أوروبا إلى القمة وهي تنزف من جرح خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وتعاني من أحمال ثقيلة بسبب مشاكل اللاجئين والديون السيادية في بعض الدول والبطالة في معظمها. وجاءت اليابان إلى القمة وهي تعاني من أعباء تعثر النمو وزيادة حدة المشاكل السياسية. حتى الدول النامية الصاعدة، فإن بعضها جاء إلى القمة وهي تنزف من جروح سياسية مثل البرازيل التي تم عزل رئيستها من الحكم بقرار من البرلمان.

وحدها الصين التي كانت تتزين وإلى جوارها تشعر بالنشوة بعض شريكاتها مثل روسيا التي تمسك بمفاتيح التوازن في أخطر مناطق الصراع في العالم، سورية، وتركيا التي جاء رئيسها إلى القمة وقد عزز سلطته وأحكم قبضته على المؤسسة العسكرية. الصين ورئيسها شي جين بينج وروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين وتركيا ورئيسها رجب طيب إردوجان كانوا بكل معنى الكلمة النجوم الحقيقيين لهذه القمة. لقد كان حضور الولايات المتحدة باهتا بينما يستعد رئيسها باراك أوباما لمغادرة البيت الأبيض إلى الأبد بعد نهاية مدته الرئاسية الثانية. وكان حضور أوروبا مترنحا بسبب مشاكل الإنقسام والهجرة والبطالة. ولذلك كله فإن النتائج التي انتهت إليها القمة تعكس طموحات الصين وروسيا أكثر من غيرها، بالقدر الذي يمكن التصريح به.

وسوف أقدم هنا للقارئ المهتم بالتعرف على التطورات الحقيقة التي تحدث في العالم من حولنا مقالا عن قمة العشرين الأخيرة في الصين، أتناول فيه ثلاث نقاط رئيسية هي على التوالي: ظروف انعقاد القمة ونتائجها، ثم تقييم نتائج القمة، وأخيرا ولأغراض التوثيق سوف أوجز تاريخ القمم السابقة وأهم النتائج التي توصلت إليها.

أولاً- نتائج اجتماعات القمة

في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الصيني شي جين بينج بعد ختام اجتماعات القمة، أعلن أن قادة المجموعة إتفقوا على تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي، ومقاومة الحماية التجارية، في إطار ما أسماه "توافق هانجتشو". لكنه لم يعلن اتفاقات محددة لمواجهة التحديات المتنامية للعولمة والتجارة الحرة، خصوصا بعد انهيار جولة الدوحة لمفاوضات تحرير التجارة، وزيادة تهديدات الحروب التجارية والمالية، خصوصا بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي. كذلك فإن القمة لم تعلن خطة محددة للتعامل مع عدد من المشاكل العاجلة التي تهدد الإستقرار العالمي مثل مشاكل الهجرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا. وعلى الرغم من أن بيان الرئيس الصيني في ختام القمة لم يتضمن إشارات سياسية قوية، فإن ملامح بعض اللقاءات التي جرت في مدينة هانجتشو الصينية التي استضافت القمة، ربما تنبئ عن خطر تجدد الحرب الباردة بين أقطاب العالم المختلفة، خصوصا بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد أن فشل الرئيسان الروسي والأمريكي في تقريب وجهات نظر ومواقف بلديهما من قضايا الصراع في سورية، التي تمثل الآن بحق خط المواجهة الرئيسي بين الشرق والغرب. لقد استمر الإجتماع المثير بين بوتين وأوباما نحو 90 دقيقة، لكنه لم يسفر عن أي اتفاق، وتم الإتفاق على تحويل الملف ثانية من مستوى الرؤساء إلى مستوى وزراء الخارجية حيث سيجري لافروف وكيري مباحثات ثنائية من جديد لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء المواجهات على الجبهة السورية.

وتضمن البيان الختامي معارضة قادة مجموعة دول العشرين لسياسة الحماية التجارية، في حين أشار الرئيس الصيني إلى أهمية البحث عن حلول لمشاكل بطء النمو في الدول الصناعية عن طريق زيادة الإنتاجية واستثمار طاقات الإبتكار والإختراع والتجديد التكنولوجي وليس فقط عبر التدابير المالية والنقدية. وقال شي بينج في البيان الختامي للقمة "نهدف إلى إحياء محركات نمو التجارة العالمية والاستثمار". وأضاف "سندعم آليات التجارة متعددة الأطراف ونعارض الحماية التجارية لدرء تراجع التجارة العالمية." وبالتأكيد فإن هذا الحرص على تحرير التجارة يعكس بصورة أساسية مصالح الصين والدول الصناعية الصاعدة، الصين بوصفها "مصنع العالم" و "أكبر مصدر في العالم" والدول الصناعية النامية بوصفها القاطرة الثانية التالية للصين في تحريك الإقتصاد العالمي سواء من حيث التجارة أو الإستثمار.

وكانت قضية التعامل مع فائض إنتاج الصلب في العالم من القضايا الصناعية القطاعية التي تناولتها اجتماعات القمة، بناء على اقتراحات الخبراء ولجان العمل المتخصصة. وفي الوقت الحاضر فإنه في الوقت الذي يحاول فيه منتجو الصلب الغربيين، في الولايات المتحدة وأوروبا الحصول على عائد ربحية مرتفع لضمان مواصلة الإنتاج، فإن الشركات الصينية القادرة على تخفيض تكاليف التشغيل تقوم بالتوسع في الإنتاج والتصدير وكسب الأسواق من الشركات الغربية، وهو ما خلف أزمة كبرى في صناعات الصلب الأمريكية والأوروبية تهدد بإغلاق عدد من شركات الصلب الرئيسية مثل شركة الصلب البريطانية. وقد اتفق قادة مجموعة العشرين على الدعوة لتشكيل منتدى عالمى لاتخاذ خطوات لمعالجة الطاقة الفائضة لإنتاج الصلب. وتسيطر الصين على نصف الإنتاج العالمي من الصلب البالغ 1.6 مليار طن سنويا وسعت جاهدة لتخفيض قدراتها الفائضة المقدرة بنحو 300 مليون طن في حين أن ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي يمنح الشركات الصينية حافزا لزيادة الإنتاج من أجل التصدير.

كذلك تضمن البيان الختامي للقمة تحذيرا من أن النمو العالمي أضعف مما كان متوقعا في ظل استمرار المخاطر وعدم التوازن. وأعاد التأكيد على أن السياسة النقدية وحدها لا يمكنها خلق نمو متوازن. وقال البيان إن التحديات الجديدة مثل الإرهاب والهجرة أدت إلى تعقيد آفاق نمو الاقتصاد العالمي، مضيفا أن مجموعة العشرين وافقت على استخدام كل أدوات السياسة المتاحة للنهوض بنمو قوي ومستدام. ويمكن القول إن البيان الختامي للقمة إحتوى على سبع قضايا رئيسية هي: (1) تنسيق السياسات الإقتصادية بشأن النمو ومكافحة احتمالات الركود، و(2) البحث عن سبل جديدة لتحقيق النمو إلى جانب الإجراءات المالية والنقدية، حيث ركز الصينيون بشكل خاص على أهمية الإختراع والإبتكار والتجديد التكنولوجي، و(3) زيادة إحكام معايير وإجراءات الحوكمة الإقتصادية والمالية على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية، و(4) مواصلة حرية التجارة، و(5) زيادة الإستثمارات، و(6) إحكام إجراءات الشفافية ومكافحة الفساد على النطاق العالمي، وأخيرا (7) دراسة السبل الكفيلة بمكافحة التهرب الضريبي.

وقال الرئيس الصيني إن المجموعة وضعت استراتيجية من أجل نمو التجارة العالمية "لتحفيز التنمية الشاملة والمنسقة لسلاسل القيمة العالمية ودعم نظام التجارة متعدد الأطراف ورفض الحمائية وإطلاق العنان لإمكانات التجارة العالمية والحيلولة دون تراجع النمو التجاري العالمي". وهي تمثل أهداف ما أطلق عليه البيان الختامي "توافق هانجتشو". وتابع ان المبادئ الموجهة لمجموعة الـ20 لصنع سياسات الاستثمار العالمي التي تضع أول إطار عمل عالمي للقواعد التعددية الحاكمة للاستثمارات الدولية سيكون لها أهمية بالغة في تعزيز انتقال مجموعة العشرين من آلية استجابة للأزمات إلى آلية حوكمة طويلة الأجل، إضافة إلى مكافحة الفساد على المستوى العالمي، وتسوية النزاعات بين الصين وجاراتها خصوصا في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي.

ثانياً- تقييم النتائج

ومن وجهة النظر العملية، فإن نتائج قمة العشرين عبرت عن قصور في عدد من القضايا التي تهم المجتمع الدولي، والتي لم تحظ بالإهتمام الكافي من قادة دول المجموعة. ومن أهم القضايا التي لم تحصل على الإهتمام الكافي، وبالتالي لم يرد بشأنها ذكر في خطط العمل التي تعتزم الدول الأعضاء في المجموعة تطبيقها، قضايا البيئة والمحافظة على سلامة كوكب الأرض، وذلك على الرغم من الإتفاق التاريخي بين الزعيمين الصيني والأمريكي بالتصديق على معاهدة الأمم المتحدة للمناخ قبل ساعات قليلة من بدء القمة. وإلى جانب قضايا المناخ والمحافظة على البيئة فإن زعماء دول مجموعة العشرين لم يهتموا كذلك بالقدر الكافي بموضوعات الطاقة الجديدة والتعاون في مجالات تحسين كفاءة استخدام الطاقة على المستوى العالمي، وحظر التجارب النووية، إلى جانب عدد من القضايا الملحة مثل الهجرة والإرهاب والنزاعات البحرية الدولية، خصوصا تلك التي توجد الصين طرفا فيها، وسلامة الطيران والنقل البحري.   

·        حضور باهت للولايات المتحدة

مع قرب نهاية فترة حكم أوباما، وتضارب حال المؤسسات في الولايات المتحدة خصوصا داخل الحزب الجمهوري، والغموض بشأن السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المقبل سواء كان هيلاي كلينتون أو دونالد ترامب، فإن حضور الولايات المتحدة في قمة العشرين كان باهتا إلى حد كبير. وربما كان النجاح الكبير الذي تصدر عناوين الصحف هو تصديق الرئيسين الأمريكي والصيني على معاهدة باريس للمحافظة على المناخ من الإنبعاثات الكربونية والسامة قبل انعقاد قمة العشرين. وباستثناء ذلك فإن أهم اللقاءات التي عقدها الرئيس الأمريكي على المستوى الثنائي على هامش القمة منيت بالفشل. لقاؤه مع بوتين فشل، ولقاؤه مع إردوجان فشل، بينما كانت لقاءاته الأخرى شكلية وبروتوكولية لم يعلق عليها السياسيون أهمية كبيرة.

·        أزمة ثقة بين موسكو وواشنطن بشأن سورية

من الصعب توصيف الخلاف الروسي- الأمريكي بشأن سورية بصورة مبسطة. إن الخلاف على سورية شديد التركيب والتعقيد، وهو أكثر من كونه خلافا على مصالح ثنائية محدودة، أو انحياز لطرف منهما ضد طرف أخر في الحرب. إن الصراع على سورية والحرب الدائرة هناك يعكسان خللا أساسيا في موازين القوى في العالم، وفي الخيارات الإستراتيجية للأطراف المختلفة المتورطة في الصراع. الروس من ناحيتهم لن يسمحوا هذه المرة بإعادة تقسيم الشرق الأوسط على غرار ما حدث قبل 100 عام (سايكس – بيكو) بدون أن يكونوا طرفا في عملية التقسيم. كذلك فإن الروس لن يسمحوا أبدا لحلف الأطلنطي بالإقتراب من الحدود الروسية أكثر مما فعلت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد ضم دول شرق أوروبا السابقة إلى حلف الأطلنطي بعد تدمير حلف واسو. والأكثر من ذلك أن كلا من واشنطن وموسكو تمتلئ بدوائر الشكوك في نوايا كل منهما تجاه الآخرى. ومن أحدث التطورات التي تم الكشف عنها في اليوم الأول من القمة ما رجحته مصادر الإستخبارات الأمريكية من أن موسكو تقود عملية خداع سياسي وحرب نفسية ومعلوماتية داخل الولايات المتحدة بهدف التأثير في نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية. وقد عبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بنفسه عن تلك الشكوك مؤكدا أن هناك أزمة ثقة عميقة بين الطرفين، خصوصا فيما يتعلق بالصراع في سورية. وعلى الرغم من إحالة ملف سورية مرة أخرى إلى وزيري الخارجية، الأمريكي جون كيري والروسي سيرجي لافروف، فإن فرص التقارب بين الطرفين ما تزال تبدو بعيدة جدا. وربما يتوصل الطرفان إلى بعض الإتفاقات الجزئية خصوصا على الجانب الإنساني، لإظهار إنهما يحرزان بعض التقدم.

·        الهجوم القاسي الذي شنه "مودي" ضد باكستان

على الرغم من إنه لم يسمها بالإسم، فإن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي يحظى باحترام كبير في أوروبا والولايات المتحدة، شن في كلمته الرسمية في قمة العشرين هجوما قاسيا ضد باكستان قائلا إن دولة واحدة في جنوب آسيا تنشر الإرهاب في المنطقة ويجب معاقبتها وليس إثابتها على ذلك. ووجه مودي بذلك رسالة قوية إلى كل القوى العالمية تفيد بأن مكافحة الإرهاب لا يتعلق فقط بالمنظمات الإرهابية وإنما يجب أن يأخذ في اعتباره أيضا الدول التي تشجع على الإرهاب في العالم. وربما كان جانب من هذه الرسالة موجها إلى القيادات الصينية نفسها التي ما تزال تحتفظ بعلاقات قوية مع السياسيين الباكستانيين ومع الجيش الباكستاني الذي تتهم الهند بعض قياداته بالضلوع في تشجيع العمليات الإرهابية في منطقة جنوب آسيا وفي منطقة الصراع التاريخي بين البلدين في إقليم كشمير.

·        التعاون السعودي الروسي مفيد لأسواق النفط

تحاول المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر بناء جسر جديد للتعاون الدولي مع روسيا من بوابة النفط. فالسعودية التي تواجه الروس بشكل غير مباشر في سورية، حيث تدعم القوى المناوئة للأسد بينما يدعم الروس حكومة الأسد، لا تستطيع بدء حوار مع الروس من البوابة السورية. ومن مصلحة كل من السعودية وروسيا أن تتماسك أسواق النفط وأن تستقر الأسعار عند مستويات مرتفعة بقدر الإمكان للحد من الخسائر التي نزلت بمنتجي النفط منذ منتصف عام 2014 حتى الآن. وكان وجود الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء على رأس الوفد السعودي في القمة مناسبة جيدة لمحاولة التقارب مع روسيا. وقد ردت روسيا إيجابا على طلب اللقاء السعودي والتعاون من أجل تنسيق مواقف الدول المنتجة، لكن روسيا تطالب السعودية بالموافقة على السماح لإيران بزيادة إنتاجها إلى المستوى الذي كان عليه قبل فرض العقوبات الدولية، وهو ما ترفضه السعودية حتى الآن.

·        إتفاق المناخ وحماية البيئة

لم تعد مخاطر تدمير البيئة مجرد احتمالات نظرية. ويقدم العلماء يوما بعد يوم أدلة جديدة على أن ارتفاع كميات غاز الكربون والغازات السامة تؤدي فعليا إلى ذوبان الكتل الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي وفي الصحارى الجليدية في سيبيريا بمعدلات سريعة. وقد أظهرت تقديرات العلماء في الولايات المتحدة إنه إذا لم يتم تخفيض معدلات وكميات الإنبعاثات الحرارية في الجو فإن أجزاء كبيرة من الساحل الشرقي للولايات المتحدة ستغرق وتختفي تماما خلال 100 عام. كما لاحظ العلماء أن الجبال الجليدية في القطب الشمالي تفقد كتلتها الصلبة عاما بعد آخر، وأن عددا من البحيرات الجليدية قد بدأت فعلا في الذوبان. وعلى الرغم من إن هذه المشاهدات وغيرها تترك أثارا عميقة في الأوساط الأكاديمية والعلمية، فإن الإستجابة لها على المستوى السياسي في قمة العشرين في الصين لم تكن بالقدر الكافي أو المكافئ لخطورتها. وباستثناء التصديق على معاهدة المناخ من جانب رئيسي الولايات المتحدة والصين، فإن الرد على مخاوف تدمير البيئة في مباحثات مجموعة العشرين كان ضعيفا جدا.

·        سلاسل القيمة العالمية وإرساء أسس تقسيم دولي جديد للعمل

كثيرا ما تحدث الإقتصاديون والأكاديميون عن نظام اقتصادي عالمي جديد منذ سبعينات القرن الماضي، لكن القليل منهم تمكن من وضع ملامح لذلك النظام، أو أوضح الأسس التي يقوم عليها. وراحت نظريات الإقتصاديين تجري في مسار بينما الإقتصاد الحقيقي يجري في مسار مختلف. وفي الوقت الحالي يبدو النظام الإقتصادي العالمي وهو يمر بمنعطف جديد، وهو ما أشار إليه الرئيس الصيني في كلمته في ختام قمة العشرين. ويعود هذا المنعطف الذي يمر به الإقتصاد العالمي إلى متغيرات كثيرة جديدة تفرض نفسها أهمها تعمق ظاهرة العولمة بينما البعض يحاول مقاومتها، والتغير الحاد في أسس التقسيم العالمي للعمل والذي تقاومة بدون وعي بعض الدول أو المؤسسات، واتساع نطاق تأثير الإبتكار والإختراع والتجديد التكنولوجي في الإنتاجية النهائية لعوامل الإنتاج سواء على مستوى الشركات أو الإقتصادات الوطنية بشكل عام. وقد فرضت هذه التغيرات ظهور نظام جديد لتقسيم العمل على المستوى الدولي لا يقوم على أسس نظرية "المزايا النسبية" التي صمدت منذ أيام ريكاردو في القرن التاسع عشر، ولا على أسس "المزايا التنافسية" كما أوضحها وطورها مايكل بورتر في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، وإنما على أسس جديدة ما يزال الإقتصاديون والأكاديميون يعملون على توضيح معالمها وإعادة صياغتها في إطار نظري. وبمقتضى هذه الأسس الجديدة فإن دول العالم لا تتخصص اقتصاديا على أسس المزايا النسبية أو التنافسية وإنما على أسس قدرة شركاتها وصناعاتها المختلفة على الإندماج في العملية الإنتاجية على المستوى العالمي. وهذا يعني أن منتجا عالميا واحدا ربما تشارك في إنتاجه مشروعات تقع في دول مختلفة، قد يصل إلى 60 دولة سواء كنا نتحدث عن صناعة السيارات أم نتحدث عن صناعة الأحذية. وربما نصل مع استمرار هذا النمط من تقسيم العمل إلى منتج تكون علامة إنتاجه "صنع في العالم"! ومن المدهش أن بعض الدول التي لم تدرك حتى الآن طبيعة ومفهوم نظام سلاسل خلق القيمة على المستوى العالمي (global value Chains) ما تزال تتحدث عن إنتاج ما يسمى "سيارة وطنية" أو إقامة "صناعة ملابس وطنية"! وقد تضمن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين في الصين على ضرورة تعزيز النمو الإقتصادي على أسس توسيع نطاق سلاسل إنتاج القيمة على المستوى العالمي.  

·        التجارة العالمية بعد فشل جولة الدوحة

ما تزال القوى الصناعية والتجارية العالمية تبحث في طرق تعزيز وتوسيع نطاق التجارة العالمية في إطار نظام متعدد الأطراف يستمد قوته من اتفاقات عامة تحتضنها منظمة التجارة العالمية. وعلى الرغم مما تم احرازه حتى الآن من نجاحات، إلا أن الإخفاق في تحقيق نتائج إيجابية خلال مفاوضات "جولة الدوحة" يطرح تحديات مهمة على المجتمع الدولي من أجل توسيع نطاق تحرير التجارة خصوصا تجارة الخدمات، وتبادل واستغلال حقوق الملكية الخاصة في ميادين براءات الإبتكار والإختراع الممكنة التطبيق في ميادين الإنتاج والصناعات والخدمات المختلفة. إن تقسيم العمل الدولي على أساس قواعد سلاسل القيمة على المستوى العالمي يتطلب توسيع نطاق تحرير التجارة السلعية وتجارة الخدمات، من أجل تحقيق أعلى إنتاجية ممكنة على المستوى العالمي. وقد أشار البيان الختامي لقمة العشرين إلى التحذير من خطر السياسات التجارية الحمائية والدعوة إلى توسيع نطاق تحرير التجارة على المستوى العالمي.

·        تحقيق نمو قوي بتعزيز الإبتكار والتكنولوجيا

ربما يكون هذا الهدف من أهم الأهداف التي تضمنها البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين في الصين. ومن الجدير بالذكر أن القمم السابقة للمجموعة إهتمت جميعا بالدعوة إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة والتحذير من خطر الركود، لكن الجديد هذه المرة أن الصين فرضت منطقها الذي يؤكد إنه ليس بالإصلاحات المالية والنقدية فقط يمكن تحقيق النمو القوي، وإنما من الضروري التأكيد على أهمية مداخل وطرق أخرى لتحقيق النمو القوي وأهمها المدخل التكنولوجي. ويجد المنطق الصيني لنفسه سندا من النظرية الإقتصادية منذ أن توصل روبرت سولو إلى طريقة لقياس إنتاجية عوامل الإنتاج وأكد أن الإنتاجية الكلية تحتوي على جزء (إيجابي أو سلبي) لا يمكن تفسيره إلا باستخدام متغيرات التكنولوجيا وكفاءة الإدارة والشفافية وحسن توظيف عامل الوقت وغير ذلك من العوامل غير الإقتصادية التي تسهم في تعظيم النتاج الإقتصادي لعوامل الإنتاج. ومع أن الصينيين لم يوجهوا إنتقادات صريحة إلى مدخل الإعتماد على الإصلاحات المالية والنقدية، إلا إنهم استطاعوا الإنتصار لمنطقهم الذي يقول إن تحقيق النمو القوي لن يتحقق فقط باستخدام الإجراءات المالية والنقدية وهو المنطق الذي تكرر دائما في القمم السابقة.

·        العدالة وتوفير المزيد من الوظائف

لم يهتم البيان الختامي كثيرا بالجانب الإجتماعي للنمو الإقتصادي، وإنما اقتصر فقط على الدعوة إلى تحقيق نمو اقتصادي قوي متوازن ومستدام. ويفتقر البيان الختامي إلى نص واضح يؤكد أهمية شمول ثمار التنمية وعدالة توزيعها على المستويات المختلفة. ويعتبر مبدأ شمول النمو من المبادئ الرئيسية لاتي تم تطويرها في أدبيات التنمية في العقود الأخيرة. وقد أثبتت الدراسات الجادة التي أجراها أكاديميون مرموقون مثل توماس بيكيتي وإيمانويل سيز وجوزيف ستيجليتز وطوني أتكينسون إلى أهمية عامل شمول توزيع عائد التنمية بالنسبة لعملية التنمية ذاتها، بمعنى أن التوزيع العادل لثمار التنمية يساعد على زيادة معدلات النمو واستدامتها. كذلك أظهرت دراسات ميدانية أجراها باحثو صندوق النقد الدولي ومؤسسات تقييم ائتماني مرموقة مثل "ستاندارد آند بوورز" أن تحقيق عدالة توزيع ثمار يؤدي إلى زيادة معدل النمو وأن انعدام العدالة يؤدي إلى تخفيض معدلات النمو وهدر الموارد وحدوث حالة من الإحباط السياسي خصوصا بين الشباب الطامحين إلى مستقبل أفضل. إن غياب قضية تحقيق العدالة وربط الدعوة إلى العدالة مع الدعوة إلى تحقيق نمو قوي تمثل ثغرة كبيرة في البيان الختامي لمجموعة العشرين.    

·        مكافحة الإرهاب

على الرغم من أن قضية مكافحة الإرهاب تحتل أولوية السياسة الخارجية الأمريكية، كما تحتل مكانة متقدمة ي غيرها من دول مجموعة العشرين، فإن هذه القضية لم تحصل على القدر الملائم من النقاش، خصوصا فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب على المستويين الإقتصادي والمالي وكذلك على المستوى المعلوماتي. ومن المعروف حاليا أن التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم تستخدم شبكات المعلومات ومواقع التواصل الإجتماعي لأغراض التمويل والتدريب عن بعد والتجنيد. وقد وصلت فاعلية هذه الأدوات إلى درجة عالية من الإحترافية والفاعلية في الدول الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة واستراليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. ويبدو أن غلبة الخلافات السياسية الأخرى، خصوصا فيما يتعلق بالصراعات في سورية، أدت عمليا إلى تقليل قوة الحافز على مناقشة قضايا مكافحة الإرهاب بالقدر الملائم. ومع ذلك فإنه من المتوقع أن تواصل دول المجموعة في اجتماعاتها الدورية مناقشة الموضوعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب على المستوى الدولي وسبل التعاون فيما بينها لتحقيق تقدم في الحرب على الإرهاب بما في ذلك تعزيز إجراءات الرقابة على استخدام شبكات المعلومات الدولية وشبكات التواصل الإجتماعي، وإحكام السيطرة على قنوات التبادل الإقتصادي والمالي والمعاملات المصرفية التي تستمد منها الشبكات الإرهابية قوتها.

·        سياسات الهجرة

تواجه أوروبا على وجه الخصوص كما يواجه العالم كله أزمة واسعة النطاق بسبب تدفق موجات الهجرة من الشرق الأوسط. ونظرا لأنه ليس من المتوقع أن تتوقف هذه الموجات، أو أن تقل حدتها في الأجل المنظور، فقد أصبح من الضروري تطوير سياسة عالمية جديدة للهجرة يتم بمقتضاها استيعاب المهاجرين الحاليين، والإستعداد لاستقبال الأعداد المتوقعة من المهاجرين في السنوات المقبلة، خصوصا بعد أن تشابكت الدوافع المختلفة للهجرة من الشرق الأوسط، سواء العوامل السياسية أو الإقتصادية والإجتماعية أو العسكرية. ومن المتوقع أن تتسبب مشكلات الهجرة في تعقيد العلاقات الإجتماعية داخل أوروبا على وجه الخصوص التي تمثل الوجهة الأولى للمهاجرين الفارين من صراعات الشرق الأوسط الكبير. ومن أخطر النتائج التي يمكن أن يفرزها الفشل في تنسيق سياسات الهجرة واستيعاب المهاجرين بروز نزعات عنصرية ضد المهاجرين في الدول الأوروبية سواء تلك التي تستقبل المهاجرين مثل اليونان وإيطاليا، أو تلك التي تمثل المقصد النهائي للمهاجرين مثل بريطانيا وألمانيا والدول الإسكندنافية. ومن غير الممكن مواجهة مثل هذه النتائج الخطيرة بدون تنسيق سياسات الهجرة على المستوى العالمي ومشاركة الدول المختلفة في تحمل أعباء المهاجرين، وذلك حتى تستقر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

وهناك الكثير من القضايا والموضوعات التي ربما غابت تماما عن القمة مثل حظر التجارب النووية على المستوى العالمي، ووضع نظام عالمي محكم لحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومقاومة الأمراض والكوارث الطبيعية والبشرية التي تتعرض لها الدول الفقيرة، وتطوير أنظمة السلامة والأمان في الطيران والملاحة العالمية. ومع ذلك فإن التقييم العام لنتائج القمة يعتبر تقييما إيجابيا، خصوصا إذا أخذنا في الإعتبار الطابع الإقتصادي لدور مجموعة العشرين.

ثالثاً- أهمية ودور مجموعة العشرين

قمة العشرين هي بمثابة الإجتماع الدوري السنوي لمجلس الإدارة الموسع للعالم، وهو المجلس الذي لا يقتصر فقط على الدول الصناعية المتقدمة مثل مجموعة الـ7 وإنما يضم إلى جانب تلك الدول أيضا دولا نامية أو صناعية صاعدة مثل الصين وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والأرجنتين والهند، ودولة واحدة تأهلت بفضل قوتها المالية والنفطية العالمية وهي المملكة العربية السعودية. وقد تم تشكيل المجموعة على خلفية اقتصادية أساسية وعيا من الدول الصناعية الغربية المتقدمة بأنها وحدها لا تستطيع ضمان استقرار الإقتصاد العالمي وأنه من الضروري أن تشارك الدول النامية في إدارة العالم، بعد أن أظهرت الأزمة المالية الأسيوية في النصف الثاني من التسعينات من القرن الماضي، أن الإختلالات الإقتصادية في هذه الدول يمكن أن تصيب الإقتصاد العالمي بأضرار بالغة. وعلى الرغم من هذه الخلفية الإقتصادية والمالية التي قامت على أساسها مجموعة العشرين، فإنها لم تستطع الهروب من بعض التطورات السياسية السريعة التي عصفت بالعالم، ففرضت التفجيرات الإرهابية في باريس وأنقرة نفسها على قمة العشرين في إسطنبول في العام الماضي، كما فرضت نفسها على قمة العام الحالي الحرب السورية التي تتورط فيها الولايات المتحدة وروسيا ودول حلف الأطلنطي بما فيها تركيا. وقد احتلت الحرب السورية حيزا مهما من المناقشات والحوارات التي تمت أثناء القمة سواء على المستوى الثنائي أو على المستوى الجماعي. ومع ذلك فإن قادة دول المجموعة يدركون إدراكا عميقا أهمية القضايا الإقتصادية ومسؤوليتهم المشتركة عن حسن إدارة الإقتصاد العالمي.

وإلى جانب أعضاء مجموعة العشرين يجوز للدولة المضيفة للقمة دعوة عدد من الضيوف للمشاركة في الإجتماعات بصفة غير رسمية. وقد تضمنت قائمة المدعوين في قمة الصين هذا العام عددا كبيرا من الزعماء والمسؤولين على غير العادة، بما يعكس مصلحة الصين في ترويج استراتيجيتها العالمية "حزام واحد- طريق واحد" لإحياء طريقي الحرير البري والبحري اللذين كانا يربطان الصين بالعالم في العصور الوسطى حتى ما قبل الكشوفات الجغرافية البحرية التي كان من ضمنها اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح. ومن الأسماء التي تم دعوتها لحضور القمة بان كي مون السكرتير العام للأمم المتحدة، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التشادي إدريس ديبي، والرئيس السنغالي ماكي سال ورئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف، ورؤساء أو رؤساء الوزراء في لاوس وتايلاند وسنغافورة وغيرهم إضافة إلى رؤساء ومديري المنظمات والهيئات الدولية. 

·        الدول الأعضاء

تشكلت مجموعة العشرين في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية لتعكس بذلك حقيقة ترابط الإقتصاد العالمي بصرف النظر عن درجة التطور الصناعي. وبدأت المجموعة في العام 1999 باجتماع لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية في 19 دولة تمثل الدول الصناعية المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان والدول الصناعية الناشئة مثل الولايات المتحدة والبرازيل، إضافة إلى الإتحاد الأوروبي، لكن اجتماعات المجموعة على مستوى القمة لم تبدأ إلا عام 2008 في واشنطن وسط غمار الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت الإقتصادات الصناعية. ومنذ ذلك الوقت إلتقى رؤساء المجموعة ثماني مرات. وتمثل المجموعة منتدى للحوار والتعاون الإقتصادي وتنسيق السياسات المالية والتجارية ومناقشة الإصلاحات الإقتصادية الضرورية على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية لإنعاش النمو وتعزيز حرية التجارة والمساعدة على خلق فرص جديدة للعمل للمواطنين ورفع مستويات معيشتهم. وتضم المجموعة دولة عربية واحدة هي المملكة العربية السعودية. ونظرا لطبيعة الدور الإقتصادي الذي تقوم به مجموعة الـ 20 فإن المكاتب الفنية للمجموعة ومسؤوليها على المستوى الوزاري فما تحت تعمل بالتنسيق مع المؤسسات الدولية الإقتصادية ذات الصلة بالنمو والتجارة والتمويل وقضايا العمل والهجرة وغيرها. وفي العادة يشارك ممثلو هذه المؤسسات في اجتماعات المجموعة الرئيسية على كل المستويات.

والدول الأعضاء في مجموعة العشرين هي: الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، المكسيك، روسيا، السعودية، جنوب أفريقيا، تركيا، بريطانيا، الولايات المتحدة، الإتحاد الأوروبي.

ولتسهيل وزيادة فاعلية الإدارة داخل المجموعة يتم تدوال الرئاسة بالدور وتتكون "ترويكا" من الدولة الرئيسة والدولة السابقة والدولة اللاحقة لتنسيق الإعداد للقمة كل سنة. وليست هناك سكرتارتارية دائمة لمجموعة العشرين أومقر دائم. وتتكون الترويكا الحالية من الصين (الدولة الرئيسة) وتركيا (الرئاسة السابقة) وألمانيا (الرئاسة المقبلة بعد الصين). وفي العادة يتم إعداد جدول أعمال القمة والمؤتمرات الوزارية بالتنسيق بين الدولة صاحبة الرئاسة والدول الأعضاء.

·        مؤتمرات القمة السابقة

واشنطن (الولايات المتحدة): 14-15 نوفمبر 2008، كانت أهم القضايا القمة هي تنسيق السياسات المالية وإصلاح النظام المالي العالمي وتطوير قواعد الرقابة على النظام المصرفي. وفي نهايته تم إعلان الإتفاق على خطة عمل تتكون من 47 نقطة لإصلاح النظام المصرفي العالمي.

لندن (المملكة المتحدة): 2 أبريل 2009، كانت أهم القضايا هي توفير المزيد من الموارد المالية لتجنب وقوع الإقتصاد العالمي في ركود عظيم، وتم الإتفاق فيه على إجراءات لتعزيز النمو بضخ 1.1 تريليون دولار في شرايين الإقتصاد العالمي وزيادة موارد التمويل المتاحة لصندوق النقد الدولي ومؤسسات التنمية الدولية بغرض مساعدة دول العالم على إنعاش اقتصاداتها وزيادة فرص النمو وتحقيق الإستقرار المالي.

بيتسبره (الولايات المتحدة): 24-25 سبتمبر 2009، كانت أهم القضايا هي تعزيز تعافي الإقتصاد العالمي وتحقيق نمو متوازن ومستدام على الصعيد العالمي مع استمرار إجراءات إصلاح النظام المالي العالمي.

تورنتو (كندا): 26-27 يونيو 2010: كانت أهم القضايا هي الحاجة إلى إعادة هيكلة العجز المالي في الدول الصناعية المتقدمة، وضرورة تخفيض هذا العجز إلى النصف في العام 2013 وتثبيت أو تخفيض قيمة الديون السيادية المستحقة على الحكومات في عام 2016 والإستمرار في برامج وإجراءات الإصلاح الهيكي والمالي والمصرفي في كل دول المجموعة مع مواصلة إحكام الرقابة على المعاملات المصرفية، وتعزيز قوة مؤسسات التمويل الدولية بضخ 350 بليون دولار كزيادة في رؤوس أموالها، والعمل على إنجاح "جولة الدوحة" لتوسيع نطاق تحرير تجارة الخدمات والتجارة بشكل عام، وهي الجولة التي فشلت بالفعل بعد ذلك.

سول (كوريا الجنوبية): 10-11 نوفمبر 2010، كانت أهم القضايا التي تم الإتفاق بشأنها إجراءات لمواجهة العجز التجاري وعجز المعاملات الجارية في الدول الصناعية المتقدمة والصاعدة ووضع القواعد التي تضمن التوازن واستمرار النمو.

كان (فرنسا): 3-4 نوفمبر 2011، كانت أهم القضايا تتمثل في تعزيز النمو العالمي بما يتيح تخفيض معدلات البطالة وإتاحة فرص عمل للشباب وتبنت القمة خطة عمل في هذا الصدد، كما ناقش الزعماء قضايا تحرير التجارة ومرحلة ما بعد فشل جولة الدوحة التجارية، وضرورة مواصلة المفاوضات التجارية لتحقيق أهداف توسيع تجارة الخدمات وحماية حقوق الملكية وحقوق براءات الإختراع والتكنولوجيا، كما ناقشت القمة إجراءات لتنمية سوق السندات العالمية واسواق السندات المحلية.  

لوس كابوس (المكسيك):  18-19 يونيو 2012،  كانت أهم القضايا تتمثل في مواصلة جهود تعزيز النمو ووضع توجيهات على مستوى دول المجموعة لزيادة فرص العمل، وزيادة رأس مال صندوق النقد الدولي بقيمة 456 بليون دولار مع تعديل نظام الحصص والحوكمة داخل الصندوق، والعمل على تحقيق إنجازات ملموسة على صعيد الأمن الغذائي والشمول المصرفي (بمعنى إتاحة المعاملات المصرفية للجميع بقدر الإمكان)، وتعزيز فرص النمو الأخضر (أي الذي يراعي المتغيرات غير الإقتصادية والمحافظة على البيئة).  

سان بطرسبورج (روسيا): 5-6 سبتمبر 2013، ناقشت القمة عددا من القضايا أهمها الإصلاحات الضرورية لتحقيق نمو قوي، مستدام ومتوازن، مع مواصلة خطط إصلاح وتطوير النظام المالي العالمي والرقابة المصرفية وتنفيذ ما تم الإتفاق عليه سابقا بخصوص إصلاح صندوق النقد الدولي وإتاحة الإمكانات الضرورية لتعزيز دوره على مستوى العالم. وفي هذه القمة إحتفل قادة المجموعة بمرور خمس سنوات على انعقاد أول قمة لهم مؤكدين على مسؤوليتهم في قيادة الإقتصاد العالمي.

بريسبان (أستراليا): 15-16 نوفمبر 2014، كانت أهم القضايا التي تم التوافق عليها وصدرت في البيان الختامي، ضرورة تعزيز قوة النمو العالمي، ووضع هدف لزيادة متوسط معدل النمو للدول العشرين بمقدار 2% من إجمالي الناتج المحلي، وزيادة التعاون في مجالات الطاقة وكفاءة استخدامها، والتحوط ضد خطر تجدد الأزمات الإقتصادية أو خروج النظام المصرفي العالمي عن نطاق السيطرة. وأعرب قادة دول العشرين عن قلقهم من انتشار الأمراض المعدية على المسنوى العالمي مع ضرورة بذل أقصى الجهود لمحاصرة مرض "إيبولا".

إسطنبول (تركيا): 15-16 نوفمبر2015: سيطرت التفجيرات الإرهابية المتزامنة التي تعرضت لها باريس (13 نوفمبر) والتي راح ضحيتها 132 شخصا، والتفجيرات الإرهابية في أنقرة (10 أكتوبر) على الجلسة الإفتتاحية للقمة، وتحولت القمة إلى ما يشبه المؤتمر السياسي لإدانة الإرهاب والتأكيد على التعاون العالمي في الحرب على الإرهاب. ومع ذلك فإن قادة الدول العشرين لم يبتعدوا كثيرا عن القضايا الإقتصادية المهمة خصوصا ما يتعلق بضمان استقرار النمو العالمي والتوازن الإقتصادي والسلامة المالية. واهتمت قمة العشرين أيضا بقضايا مكافحة الحروب في مجال شبكات المعلومات، وأهمية انضباط النشاط الحكومي في هذا المجال، كما أعاد قادة المجموعو على ضرورة توفير المزيد من فرص العمل للشباب وتخفيض مستويات البطالة.

هانجتشو (الصين): 4 -5 سبتمبر 2016، ناقش قادة مجموعة العشرين قضايا تعزيز النمو العالمي واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحيلولة دون تراجع النمو، وضرورة توسيع نطاق حرية التجارة والإستثمار والتحذير من خطر السياسات التجارية الحمائية، وضرورة مكافحة الفساد والتهرب الضريبي على المستوى العالمي، وتسوية النزاعات العالمية بالطرق السلمية. وللمرة الأولى إهتمت القمة بالتأكيد على دور التكنولوجيا في تعزيز النمو العالمي وعلى تكريس تقسيم العمل الدولي من خلال نظام سلاسل القيمة العالمية. لكن مجموعة العشرين لم تحقق نجاحا مهما في قضايا أخرى مثل المحافظة على المناخ أو حظر التجارب النووية أو فيما يتعلق باستيعاب المهاجرين. كما غابت قضايا تحقيق العدالة تقريبا عن مناقشات قيادات دول المجموعة خلال القمة.

إذن، يمكن القول أن مجموعة العشرين أنهت عمليا إنفراد الدول الصناعية الغربية بعملية صنع القرار في العالم الذي كان يتم من خلال مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى. وفتحت مجموعة العشرين للدول النامية الصاعدة صناعيا أن تحصل على مقاعد في مجلس إدارة العالم، كما حصلت أيضا قارات العالم المختلفة على تمثيل حتى لو كان رمزيا في مجلس إدارة العالم الموسع. فأفريقيا على سبيل المثال ليس لها إلا مقعد واحد تحتله جنوب أفريقيا، بينما يزيد تمثيل أمريكا اللاتينية ومناطق جنوب وشرق آسيا عن ذلك بكثير. لكن المجموعة تعبر في نهاية الأمر عن حدوث تغيرات عميقة في النظام الإقتصادي العالمي، وتستجيب لهذه التغييرات، وهو ما يجعل النظام الإقتصادي العالمي أكثر ديمقراطية عما كان عليه من قبل، وعما هو عليه حاليا داخل مؤسسات التمويل الدولية ومؤسسات التنمية والتجارة والإستثمار متعددة الأطراف التي تسيطر عليها عمليا الدول الصناعية المتقدمة.


*  رئيس وحدة البحوث الإقتصادية بالمركز العربي للبحوث والدراسات