وفي أواسط القرن التاسع عشر، تم استحداث طرق لطبع الصور
الفوتوغرافية؛ ففى عام 1851تم اختراع
المحلول الكيميائى الذي ساعد في تذويب الصفائح المعدنية، مما ساعد على طبع الصور
الفوتوغرافية في الجريدة. فالتصوير الصحفي وسيلة للاتصال منذ أكثر من 150 سنة
تقريبًا. وظهر هذا واضحًا خلال حرب القِرَم عندما دخل المصور الصحفي إلى ساحات
القتال للمرة الأولى عام 1848، وكانت لجريدة "أخبار لندن المصورة" The
Illustrated London News السبق
الصحفي، لأنها نشرت صورًا مأخوذة عن صور التقطت على جبهة القتال.
أولاً- توظيف الصورة الصحفية في
تغطية الحروب
فى الصفحات التالية سيتم تناول نموذج لاستخدامات
الصورة الصحفية في الحروب المختلفة:
1- حرب القرم عام 1855
ظهرت أول
التحقيقات الصحفية المصورة أثناء حرب القِرَم عام 1855 The Crimean War. وكان
المصور الإنجليزى روجر فنتون Roger Fenton
الذي يرى بعضُ الذين تناولوا تاريخ الصحافة أنه هو أول مصور صحفي
في العالم، لأنه أول ناشر لريبورتاج مصور بعنوان: "حرب القرم التي جرت في شبه
الجزيرة شمالي البحر الأسود بين روسيا من ناحية وتركيا وفرنسا"، وحمل
معه إلى ميدان المعركة أجهزته الثقيلة لتحميض الصور بنفسه، بالإضافة إلى أدوات
لرسم المعركة، ولم تكن هناك أشرطة للأفلام حيث كان يعد بنفسه الكليشيهات ويستخدم
المواد الكيماوية في الحفر. ونشرت هذه الصور في صحيفة أالستريتد لندن نيوز The Illustrated London News ، غير أنه لم ينجح الرسامون الذين قاموا بتغطية تلك الحرب في نقل صور
الحرب الأولى بأدوات الرسم. ومنذ ذلك الوقت صارت آلة التصوير جزءًا لا
يتجزأ من المعلومات المدعمة بالصور التي تعتبر الدليل الحي الواقعي على أحداث
الحرب أينما وقعت.
وللتصوير الحربي أهمية كبيرة كحدث إستراتيجي، وهذا ما أظهره
الرواد الأوائل حيث صور الأماكن على الخرائط، حيث تتجمع الجيوش وتُنصب الكمائن
وتتقرر المعارك، وقد يخال الخط المصور الذي يلتقط الصور الحربية عندما تكون
ساحة القتال مليئة بسحابة من بخار البارود تنقشع تدريجيًا لتلك الصور بعد
ذلك على أن الأمر قد حدث بالفعل.
وقد أوضح لنا تاريخ الصحافة أن أول
مصور كان يرافق الحملات الحربية هو روجر فنتون، وهو أول مصور في العالم فكانت
مهنته الأصلية محام وهو أول سكرتير للجمعية الفوتوغرافية، وقد أبحر هذا المصور إلى
شبه جزيرة القِرَم عام 1855، وعاد من هناك عام 1856 ومعه ما يزيد على (300) صورة
عن تلك الحرب ، ولسوء الحظ لم تكن صورًا عسكرية، نظرًا لاستحالة اتخاذ وضع
الثبات مع الكر والفر خلال مدة الخمس دقائق المطلوبة لالتقاط الصورة، لذلك تركزت
الصور على بعض الخدمات الإدارية والقيادية وطرق وأساليب النقل أثناء الحرب. وكانت
أغلب الصور التي التقطها بطريقة غير مباشرة، حيث تمثل جماعة من الجنود كانت
مناظرهم غير مؤثرة ؛ لأن رؤساءه في الجريدة كانوا لا يريدون تعكير القراء بمشاهد
القتال في ساحات المعركة. وبالتالى أثبتت هذه الصور ما للتصوير من قيمة لا تُجَارى
في مجال رسم الملامح الحقيقية للأحداث بدرجة لم تكن في مقدور أي فنان أو رسام.
ولا شك أن حربَ القِرَم كانت مجسدة بالكلمة والصورة، وبشكل خاص خلال كتابات
أشهر المراسلين الحربيين ويليام راسل William
Russel الذي كان يعمل لجريدة التايمز The Times، كما كتب فيليب
نايتلي: "إن تغطية مراسل لحرب القرم تعد علامة على بداية بذل الجهود لنقل
أنباء إحدى الحروب إلى القراء في الوطن".
2- الحرب الأهلية الأمريكية (1861- 1864):
لقد كانت الحرب الأهلية الأمريكية (1861- 1864) أول حرب ظهر فيها المراسلون
الحربيون بالمعنى الصحيح، حيث قاموا بنقل الأخبار العسكرية بالوسيلة المتوافرة
آنذاك، وقد جاء في تاريخ وكالة الأسوشيتدبرسAssociated Press الكثير من الموضوعات التي تدور
حول نقل الأخبار العسكرية ونشرها، فأثناء الحرب الأهلية الأمريكية انضم أكثر من (500)
مراسل حربي إلى الجانب الشمالي في الحرب فوجدوا في التلغراف عونًا عظيمًا لعملهم،
ولكن التصوير الضوئي لم يساعدهم لأنه لم تكن هناك أية صحيفة أمريكية تمتلك
التكنولوجيا اللازمة لصنع الكتل الرمادية اللازمة لطباعة الصور. فكان لدى المجلتين
الأسبوعيتين المصورتين "ألسترتيد ويكلي" Illustrated Weekly و"هاربز"
Harpes ثمانون رسامًا
في الجبهة أثناء الحرب الأهلية الأمريكية رسموا أكثر من ثلاثة آلاف رسم للمعارك
والحضارات والقتال، نُشرت إما على هيئة كليشيهات نحاسية أو إرسالها إلى دار نشر
(أنطوان) في مدينة نيويورك التي أغرقت بدورها البلاد بصور الحرب.
إن الصور
والرسوم التوضيحية الخاصة بالحرب الأهلية ومنها صور صحيفة "هاربز" كانت تُظهر
دائمًا مشاهد المعارك دون ظهور أي أثر للبشر فيها، إنما كانت الصور تركز على
المواقع الطبيعية التي تحدث فيها المعارك، فأثناء الحرب الأهلية الأمريكية كانت
الصحف اليومية والأسبوعية حديثة العهد بتسجيل وتصوير الأحداث من خلال الاستخدام المنظم
للصور الصحفية، كما أن تركيز هذه الصحف على فكرة الخروج من تصوير أرض المعركة بشكل
خاص خلال الصور الأولى والرسوم التوضيحية، إلا أن الصور الخاصة بأرض المعركة في صحيفة
"هاربز" ومعظم مطبوعات الحرب في صحيفة "ليزلي" كانت تستخدم عديدًا
من الأساليب الإقناعية والصور الخاصة برسوم أرض المعركة.
وأُجريت بعد ذلك عديدٌ من الدراسات حول استخدام الصورة الصحفية في تغطية
الحرب الأهلية الأمريكية، فأجرى (بارك Park) (1995) دراسة عن الأشكال
المصورة والمرئية في أخبار الحرب الأهلية الأمريكية، حيث طبقت الدراسة على جريدة
أسبوعية باسم (هاربز)، جريدة يومية باسم (ليزلي) و أكدت نتائجها أن نشر الصور كان
يختلف باختلاف الاتجاهات السياسية المؤثرة على الصحف، وأن صحف هذه الفترة مزجت بين
الصور الصحفية والرسوم لزيادة فاعلية التفسير في إطار التأثير المرئي.
كما أشارت
النتائج إلى أن الصور والرسوم التوضيحية الخاصة بالحرب الأهلية ومنها جريدة
(هاربز) تظهر دائما مشاهد للمعارك، كما كانت الصور تركز على الموقع التي تحدث فيه
المعارك، ففي أثناء الحرب الأهلية الأمريكية كانت الصحف اليومية والأسبوعية حديثة
العهد تهتم بتسجيل وتصوير الأحداث من خلال الاستخدام المنظم للصور الصحفية، وأكدت
نتائج هذه الدراسة أن نشر الصور كان يختلف باختلاف الاتجاهات السياسية المؤثرة على
الصحف، وأن صحف هذه الفترة مزجت الصور الصحفية والرسوم لزيادة فاعلية التفسير في إطار
التأثير المرئى. وقد أجرى Park دراسة حللت
الصور الأرشيفية التي قدمتها "خدمة الإذاعة العامة" Public Broadcasting Service عن الحرب الأهلية الأمريكية، وقامت الدراسة بتحليل كيفية تقديم
الصور الخاصة بهذه الحرب من زوايا جديدة تزيد الإحساس بالأبعاد الثلاثية للصورة
بما يوفر رؤية أفضل وقدرة أكبر على التحليل والتفاعل مع الصورة من جانب الجمهور.