رابعاً- المسارات المستقبلية للصراع العربي الإسرائيلي
لقد اتسم الصراع العربي الإسرائيلي بأنه صراع اجتماعي
ممتد وبكونه ذو طبيعة هيكلية ولعب فيه ميزان القوي دورًا مهما على أساس أنه صراع
مركزي وجودي وإحلالي، وبالتالي فإن السؤال هل تتغير خصائص الصراع التاريخي في هذا
التوقيت مع التطورات العربية الجارية والمتوقع أن تلقي بتداعياتها على مستقبل
الصراع على كل المستويات؟
إن الإجابة عن ذلك تتطلب مزيدا من التحليل حول طبيعة
الصراع في ظل الأجواء العربية الراهنة وما سوف تنتهي إليه لتحديد مستقبل هذا
الصراع وذلك على النحو التالي:
1- أنه لا تزال مصادر التهديد العليا والقائمة والمحتملة
قائمة بين الدول العربية وإسرائيل، ومن ثم فإن الحديث عن انتفاء المخاطر
الإسرائيلية واتجاه الدول العربية إلى التفاوض الحتمي ودخول الفلسطينيين تحديدا في
مفاوضات جارية لا يعني أن الأمر حسم، وأن مرحلة إدارة الصراع تستمر ولكن بآليات
أخرى مع التوقع بأن إسرائيل لن تسقط خياراتها العسكرية، وستستمر تطالب ببناء
إجراءات ثقة لسنوات طويلة حتى بافتراض التوصل لاتفاق نهائي حاسم، وهو أمر مستبعد
في هذا التوقيت، إذ إن كل ما تبحث عنه إسرائيل كدولة وليست حكومة اتفاق سلام مرحلي
غير حاسم يأخذ سنوات طويلة في تطبيقه حيث لا تزال السياسات الدفاعية لإسرائيل تأخذ
دائما على محمل الجد احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق ليس فقط على مستوى دول
المواجهة، ولكن أيضا في مواجهة احتمال تحالف عسكري واسع يضم مصر والأردن أيضا، بل
ودول إسلامية مثل إيران وتركيا وباكستان.
2- إن التطورات العربية الراهنة ستفرز أحد نموذجين للتعامل
مع إسرائيل
الأول: وهو الواضح حيث لا يمثل الصراع أولوية مطروحة، وأن قضايا الداخل ستفرض
نمط التعامل، ومن المتوقع استمرار ذلك لسنوات طويلة إلى حين تهدأ أو تستشعر نمط
الحكم، وسيأخذ هذا الأمر سنوات طويلة في ظل حالة الحراك السياسي والجماهيري ومناخ
عدم الاستقرار الداخلي، وفى ظل افتقاد الرؤي المجتمعية والسياسية، وعدم وجود رؤية
لنظام الحكم برغم الاتجاه لبناء مؤسسات واستبدال النخب وإقرار صيغ جديدة من دساتير
ومؤسسات جديدة للبناء الديمقراطي، وينطبق هذا على مصر باعتبارها أحد الدول
المركزية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، الثاني: حيث يعطي الأطراف
العربية وتنظيمات المقاومة الفلسطينية في حال تأثيرها المباشر جراء تطور العلاقات
الدولية من حولها (التقارب الأمريكي الإيراني) وبناء إسرائيل لإستراتيجية التقارب
مع واقع المفاوضات إلى تغيير حدود الصراع والخروج به من دائرة الثبات والتعايش
والإدارة إلى مسار مواجهة غير منضبطه يحددها التحالف (قوى التنظيمات الفلسطينية-
إيران) مثالا مما يدفع المنطقة لاختبارات جديدة منها شكل المواجهة/ التسوية
الجديدة .
وتشير أغلب المصادر الإسرائيلية وفي المقابل إلى أن
التطورات العربية الجارية ستتجه إلى عدة مسارات لتحكم مسار الصراع العربي
الإسرائيلي:
الأول: نجاح الثورات والانتفاضات الشعبية في تحقيق تغيرات جذرية في المنطقة
العربية، وتؤدي لصعود قوي وطنية وإسلامية وعلمانية وبشكل يؤدي إلى قيام مشروع عربي
إسلامي متكامل يغير من قواعد اللعبة السياسية ويرتبط ذلك بما يلي:
-
فشل تجربة الإسلام السياسي في دولة مركزية مثل مصر، وتعثر تجارب أخرى في
تونس وليبيا، وبالتالي فإن الرهان على أن تجربة الإسلام السياسي قد تنجح بعد إعادة
إصلاح تجربتها ومراجعة توجهاتها مرتبط بعدة آليات، وهي قدرة هذه الجماعات على
العودة من جديد وتقديم ذاتها للرأي العام وإتمام مراجعات جديدة وبناء مشروع
جماهيري وإجراء مصالحة تاريخية ربما تأخذ سنوات في ظل واقع سياسي جديد في دول
التحول السياسي.
-
إن موازين القوى في المنطقة ستستمر على حالها: عالم عربي منقسم ومشتت،
واستمرار الصراع على حالة مع إدارته بأنماط مباشرة في ظل حالة الخلل الهيكلي
الراهن مع تحقيق الحد الأدنى من التفاهم عبر صيغ للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية،
ولحين حدوث نقلة نوعية في مسار التفاوض، وهو ما يراه الإسرائيليون مرتبطا
بالتحولات الهيكلية في دول مركزية للصراع.
الثاني: نجاح
مرحلي للثورات والتطورات يؤدي إلى تحسين ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية دون
أن ينشغل بعملية الصراع ومساراته مع إسرائيل أو أن يسعى لتغيير موازين القوى في
المنطقة أو السماح لقوى المقاومة، وسيرتبط ذلك بما يلي:
-
نجاح دول المواجهة في الخروج من الأزمات الداخلية المتصاعدة وبناء مرحلي
وجزئي للمؤسسات واستقرار الأوضاع السياسية، وتحقيق الحد الأدنى من المتطلبات
الاقتصادية بما ينجح معه مسار التحول وعودة التوافق العربي على الأقل على مستوى
المواجهة مع إسرائيل مع التنسيق في
التعامل مع التهديدات الإقليمية الأخرى.
-
قدرة إسرائيل على التعامل مع مسار التحول وخاصة في بناء علاقات أكثر توازنا
مع دول مثل مصر والأردن، مع استمرار الأوضاع مع سائر الدول العربية على ما هي
عليه.
الثالث: فشل التطورات العربية في تحقيق أهدافها وعودة
الأنظمة الراهنة والمحتملة لتقديم نفسها من جديد مما يجعل إسرائيل تعيد منظومة
تعاملاتها على النموذج التاريخي للعلاقات العربية الإسرائيلية، وستستمر حالة
الاستقرار في توجيه مسار الصراع العربي الإسرائيلي وسيرتبط ذلك التصور بما يلي:
إن التعامل مع إسرائيل ليس "أولوية متاحة" أو
"ذات قيمة إستراتيجية" وإنما هي قضية مرحلية ولا تأتي على الأولويات
الراهنة، حيث لا تبرر المتطلبات الملحة للتعامل مع الصراع في ظل حالة الخلل الإستراتيجي
والامني الراهن، وأن إسرائيل لن تبادر بالمواجهة ولن تتبنى المواجهة على أساس أن
أمن إسرائيل يتحقق من دون مواجهات.
خامساً- اتجاهات
مقترحة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي: إشكالية العمل
سيواجه
الصراع العربي الإسرائيلي عدة مستويات بالنظر إلى التعامل مع الإشكالية الفلسطينية،
والإقرار بأن المفاوضات الحالية ستسفر عن دولتين احداها فلسطين على حدود 1967 مع
القبول بتغييرات يتفق عليها بين الأطراف من خلال مقايضة الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين،
وهو ما تتفق عليه اللجنة الرباعية مع إبقاء الأمر قابلا للتفاوض بين الأطراف
والكيان الفلسطيني المأمول يجب حسب مشروع نتانياهو أن يكون نزع السلاح ولا سيطرة
على إقليمه الجوي وحدوده خاضعة للمراقبة مع تأمين حدود الدولة والإبقاء في الأغوار
(غور الأردن)، وهو الأمر الذي يشير إلى أن مسار الصراع العربي الإسرائيلي ستحكمه
عدة اتجاهات في السنوات المقبلة ونشير إلى
ما يلي: