المركز العربي للبحوث والدراسات : بنية مفككة: أزمة الدولة في ليبيا واليمن (طباعة)
بنية مفككة: أزمة الدولة في ليبيا واليمن
آخر تحديث: الإثنين 27/10/2014 11:20 ص حازم عمر
بنية مفككة: أزمة

نظم المركز العربي للبحوث والدراسات ندوة السبت 25 أكتوبر 2014 بعنوان "أزمة الدولة في ليبيا واليمن". وافتتح الندوة وأدارها الأستاذ السيد ياسين، مدير المركز. وشارك فيها كل من: الدكتور حسن أبو طالب، رئيس تحرير مجلة أكتوبر ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، والدكتور إبراهيم الغويل المحامي الليبي، والسفير عمر الحامدي، سفير ليبيا السابق بالقاهرة، وشارك بالتعقيب الدكتور محمد السعيد إدريس، الخبير بالمركز العربي للبحوث ومستشار مركز الأهرام.

وأكد الأستاذ السيد ياسين، أن النظام الإقليمي العربي يمر بمرحلة حاسمة، لها سمات خاصة، حيث أشار إلى أن الدولة في النظام العربي أشبه بالدولة الفاشلة التي عجزت عن إدارة شئون المجتمع، ولم تشبع الحاجات الأساسية لمواطنيها، فضلاً عن عجزها في الدفاع عن أمنها القومي. وأضاف، أن عجز الدول عن إدارة شئونها، كما هي الحال في ليبيا واليمن وسوريا والعراق، يجعلها مؤهلة للتحول من الدولة الفاشلة إلى الدولة المنهارة.

وعرض الأستاذ السيد ياسين رؤية في ضوء ما تواجهه الدول العربية من حروب الجيل الرابع التي تعتمد على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من ناحية، والقوة من ناحية أخرى، خاصة وأنه ليس لها ميدان محدد، وتهدف إلى تفتيت مؤسسات الدولة، لاسيما وأن من يقودها هي عناصر تسعى لنشر فكرها التكفيري، وتتمثل الرؤية في العمل على تغيير الأوضاع الاقتصادية للملايين من البسطاء الذين تستغل ظروفهم الجماعات الإرهابية، ويعتبر ياسين أن مقولة "مواجهة الفكر بالفكر" لم تعد صالحة ولم تؤتِ ثمارها في ظل ظروف اقتصادية قاسية.

السيد ياسين: "الدولة في النظام العربي أشبه بالدولة الفاشلة التي عجزت عن إدارة شئون المجتمع، ولم تشبع الحاجات الأساسية لمواطنيها"

أولاً: اليمن على طريق التفكك

عرض الدكتور حسن أبو طالب، التطورات التي طرأت على الدولة اليمنية منذ 21 سبتمبر 2014، حيث سقوط مؤسسات الدولة اليمنية في العاصمة صنعاء بيد المسلحين الحوثيين الذين يحملون اسم "أنصار اللـه"، وما أعقبها من توقيع اتفاق تسوية للأزمة اليمنية بعد وساطة من المبعوث الأممي جمال بنعمر وبحضور الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور.

ونتيجة السيطرة السريعة للمسلحين الحوثيين على مؤسسات مهمة في الدولة من بينها مواقع عسكرية حصينة في شمال العاصمة وغربها، في ضوء التعليمات التي أصدرها وزير الداخلية لمنتسبي الوزارة بعدم مواجهة الحوثيين واعتبارهم أصدقاء للشرطة في حماية المرافق اليمنية، يفسر الدكتور حسن أبو طالب ذلك بأن المواجهة لم تكن بين الدولة وبين الحوثيين الذين أُعطوا فرصة كاملة للاعتصام والبقاء في وسط العاصمة، وتُركوا يحاصرون العاصمة دون مقاومة تذكر، ولكن كانت مواجهة بين الحوثيين كممثلين لمذهب بعينه في مواجهة قوى نافذة أخرى من آل حاشد والأحمر وحزب الإصلاح الإخواني، وهي القوى التي تعد امتدادًا لنظام صالح، ولعبت دورًا في تحجيم الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، الذي آثر ألا تتدخل قوات الجيش فى هذه المواجهة وترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي وفقًا للتقاليد التاريخية اليمنية في الصراع بين القبائل.

وأشار أبو طالب إلى أن الدولة اليمنية تعاني من أزمة هيكلية وبنيوية منذ فترة طويلة، وأن الأحداث الأخيرة جعلت دولة اليمن رهينة توازن قبلي ديني طائفي مذهبي مناطقي مختلفًا تمامًا عما كانت عليه قبل سقوط العاصمة على يد الحوثيين. وأوضح أن هناك شبه اتفاق بين الباحثين اليمنيين بأن ما حدث في 21 سبتمبر 2014 قد أنهى نظام 1961.

وفي ضوء المعادلة السياسية الجديدة، وسيطرة الحوثيين على الشمال بداية من العاصمة وحتى حدود محافظتي عمران وصعدة، وتوقيع الاتفاق. ذكر أبو طالب أن ذلك سيحدث تغيير داخل بنية السلطة اليمنية، حيث يعني مشاركة الحوثيين والحراك الجنوبي في الحكومة، وأن تشكيلها لن يمر عمليًا إلا إذا رضي عنها الحوثيون، لاسيما فى غياب قوة موازية يمكنها أن تجبر الحوثيين على تنفيذ الجوانب العسكرية في ملحق الاتفاق والخاصة بتسليم كل المقار العسكرية التي استولت عليها.

وفيما يتعلق بالأبعاد الإقليمية لأزمة الدولة اليمنية، أشار أبو طالب إلى أن ما حدث في اليمن ليس شأنًا داخليًا فقط، بل له امتدادات إقليمية ودولية، فسقوط صنعاء في يد الحوثيين يعني أن السعودية أمام أيديولوجية جديدة بدلاً من القوى التقليدية مثل آل الأحمر. ويفسر أبو طالب صمت السعودية تجاه ما يحدث في اليمن بأنه يرجع لرؤيتها في اعتبار ذلك جزءًا من إعادة الترتيب في ضوء التغلغل الإخواني في المنطقة، معتبرًا أن المملكة السعودية في موقف حرج بالنسبة لليمن، حيث خرج أحد القادة العسكريين السعوديين ليؤكد أن هناك تأمينًا جيدًا لاتجاه الجنوب، وفي المقال جاء رد الحوثيين بأنهم لا يريدون الاقتراب من الجنوب وفقًا للاتفاقيات بينهم، وفسر أبو طالب ذلك، بأنه يرجع إلى اتفاق خفي بين السعودية وبين الحوثيين، خاصة بعد اللقاء الذي جمع ممثل عبد اللـه الحوثي مع وزير الخارجية السعودي.

أما بالنسبة للموقف الإيراني، يشير أبو طالب إلى أن هناك ارتباطًا بين جماعة الحوثيين وإيران منذ التسعينيات عبر إطار فكري مرتبط بالتوجهات المذهبية، وأن الأزمة الأخيرة تكرس النفوذ الإيراني في اليمن، فضلاً عن تأييدها لمشاركة الحوثيين في السلطة. وأن إيران ترى في ذلك نجاحًا ومكسبًا إستراتيجيًا لسياستها الإقليمية في اليمن منذ التسعينيات. ويعزز من التحليل السابق اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصلن ونظيره الإيراني جواد ظريف، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو اللقاء الذي تواكب مع حراك الحوثيين ومحاصرتهم للعاصمة صنعاء والاستيلاء عليها.

وفيما يتعلق بتداعيات تلك الأحداث على الدولة المصرية، ذكر أبو طالب أن التمدد الإيراني في المنطقة يخصم من النفوذ المصري ويؤثر بشكل سلبي على المصالح المصرية، ومع تزايد التوتر قد يكون له مردوده على البحر الأحمر وقناة السويس معًا.

وفي النهاية، يشير أبو طالب إلى أن أزمة الدول اليمنية شأنها شأن الدول العربية التي تتحقق بها عناصر الانهيار الذاتي نتيجة استمرار الفساد والاستبداد، وهو ما يرشح من وجود دول مثل اليمن وليبيا وسوريا في المنطقة.

د. حسن أبو طالب: إن الأحداث الأخيرة جعلت دولة اليمن رهينة توازن قبلي ديني طائفي مذهبي مناطقي مختلفًا تمامًا عما كانت عليه قبل سقوط العاصمة على يد الحوثيين

ثانياً: مستقبل الدولة الليبية

عرض السفير عمر الحامدي، أمين عام المجلس القومي للثقافة العربية، تطورات الأزمة في الدولة الليبية، في ظل صراع بين تشكيلين مسلحيْن يحظى كل منهما بدعم من الجبهتين المتنازعتين على الشرعية، فعملية "فجر ليبيا" و"مجلس شورى ثوار بني غازي" تحظى بدعم المؤتمر الوطني العام، بينما عملية الكرامة التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر تحظى بدعم مجلس النواب المنعقد في طبرق.

 وحول أسباب الأزمة الليبية، أشار الحامدي، أن مثلث الأزمة في الدولة الليبية وغيرها من الدول العربية، يتمثل في ثلاثة أضلاع وهي: حالة التخلف العام. والضلع الثاني، حالة التجزئة المفروضة بالقوة، وأخيرًا حالة التغريب والاستلاب الثقافي. وأضاف أن التدخل الدولي في ليبيا جزء من سايكس بيكو 2014 التي تهدف إلى خلق دول قزمية، والتي تزداد احتمالاتها مع تزايد العنف المسلح من قبل الجماعات الإرهابية المتحالفة مع الغرب. مؤكدًا أن الأمة العربية عانت كثيرًا من خضوعها لسيطرة الاستعمار الغربي عليها طوال قرون كثيرة.

وأكد الحامدي أن ما حدث في ليبيا كان نموذجًا للدور الخارجي في الثورات العربية، وأن التدخل لحماية المدنيين لم يكن هو السبب الحقيقي في ضوء استمرار الصراع والاقتتال والعنف المسلح بين القبائل، وإنما كان لتحقيق المصالح الغربية، مشيرًا إلى أن تظاهرات 17 فبراير 2011 في ليبيا كانت مجرد مسيرة للعشرات وتحولت إلى ممارسة العنف، وكانت بمثابة مادة إعلامية خصبة لقناة الجزيرة للترويج لما يحدث في ليبيا ضد القذافي ودعمها للإسلاميين.

وأوضح الحامدي أن هناك إجراءات لابد من تنفيذها للسعي لحل الأزمة الليبية، من خلال الإفراج عن المعتقلين الليبيين سواء كانوا نساء أو رجالا، مشيرًا إلى أنه لأول مرة يتم اعتقال النساء في ليبيا على هذا النحو.

وأشار إلى أن الأزمة الليبية تلقي بظلالها على مصر، وقد تصبح مصدرًا للتهديد. في ضوء تعقد وانفلات الوضع الليبي، وغياب المؤسسات وانتشار السلاح وتغلغل المنظمات الإرهابية المدعومة من الخارج وغلبة ضيق الأفق لدى العديد من القيادات وفراغ السلطة.

وفي هذا السياق، أشار الدكتور إبراهيم الغويل المفكر الليبي، أن سبب الأزمة في الدول العربية هو غياب الرؤية، والصراع بين أتباع الحداثة من ناحية، وبين مؤيدي الخصوصية التاريخية من ناحية أخرى، وهو ما نتجت عنه مشكلة الدولة ومن يقودها؟ وأضاف أن الطائفية والعرقية والسنة والشيعة أسماء سياسية خلقت لافتعال الأزمات، وأن قوى الشر والرأسمالية هي التي تسيطر وما زالت مستمرة في افتعال الأزمات.

د. إبراهيم الغويل: "إن سبب الأزمة في الدول العربية هو غياب الرؤية، والصراع بين أتباع الحداثة من ناحية، وبين مؤيدي الخصوصية التاريخية من ناحية أخرى

ثالثاً: مآلات الدول العربية

أشار الدكتور محمد السعيد إدريس إلى أن مآلات الدول العربية تأخذ بُعدين هما: خصائص النظام، وخصوصية الدولة. وفيما يتعلق بخصائص النظام، فكانت الدولة العربية منذ الاستقلال وحتى الثورات تقوم على أساس الاستبداد والتسلط وفرض الأجهزة الأمنية وتهميش المجتمع المدني، وهو ما نتج عنه الدولة المأزومة التي عجزت عن القيام بالحاجات الأساسية، سياسيًا واقتصاديًا، وأمنيًا، ومعنويًا.

وفيما يتعلق بخصوصية الدولة العربية، أشار إلى أنها كانت دولة تابعة اقتصاديًا وسياسيًا وتكنولوجيًا، حتى في مراحل ولحظات التألق للنظام العربي كان من الصعب عقد قمة عربية دون تشاور مع الحليف الأمريكي. وأضاف أن أزمة الدولة في ليبيا واليمن وبلدان ثورات الربيع العربي تهدف إلى تدمير الدولة العربية.