المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

مسارات ارتدادية: ما هو مستقبل إخوان تونس؟

الخميس 09/سبتمبر/2021 - 06:05 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

لم تؤدّ قرارات الرئيس التونسي، يوم 25 يوليو 2021 إلى إبعاد حركة النهضة عن الحكم فقط، بل أكدت أيضا أن الإسلاميين، وجماعة الإخوان المسلمين على وجه الدقة، بلا مستقبل، منذ إقصاء النهضة من سدة السلطة فى تونس واتساع التأييد الشعبى لقرارات الرئيس؛ تزيد قتامة المستقبل السياسى للإخوان المسلمين فى العالم، خاصة فى ظل حالة الغضب الشعبى ضد الجماعة وأذرعها فى كل مكان، وفقدانهم للحلفاء، فالأحداث الأخيرة فى تونس لقيت ردة فعل عربية ودولية هادئة ومستوعبة، وهذا يعيد إلى الأذهان فشل تجربة الإخوان المسلمين فى مصر، وإخفاقهم فى محاولات الصعود إلى السلطة فى سوريا، منذ إقصاء النهضة من سدة السلطة في تونس واتساع التأييد الشعبى لقرارات الرئيس، تزيد قتامة المستقبل السياسى للإخوان المسلمين في العالم خاصة في ظل حالة الغضب الشعبي ضد الجماعة وأذرعها في كل مكان، وفقدانها الحلفاء.

ومنذ إعلان الرئيس التونسي سعيد عن هذه الإجراءات الجديدة، فقد وصف حزب حركة النهضة" الإسلامي، وهو أكبر أحزاب البرلمان، خطوة سعيّد بأنها "انقلاب"، في حين اعتبر التونسيين ما قام به الرئيس التونسي "جزءًا من المعركة ضد جماعة الإخوان"، في إشارة إلى حركة النهضة، التي يعتبرها معارضوها فرعًا لتنظيم الإخوان المسلمين في تونس، رغم أنها نأت بنفسها عن الجماعة في السنوات الأخيرة. ووسط ازدياد السخط الشعبي من إخوان تونس، تطرح التطورات الأخيرة في البلاد تساؤلات عما إذا كان نجم النهضة في العالم العربي بشكل عام أوشك على الأفول، على غرار ما حصل مع الإخوان في مصر.

ويمكن الإشارة إلى أن هذه الإخفاقات تؤثر بشكل أو بآخر على امتدادات الإخوان في كل دول العالم، فيبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تخلت عن فكرة دمج الإخوان في نظم المنطقة، وتركت الخيار للأنظمة الحاكمة ليدمجهم مَن يشاء، مثل "المغرب"، وليستبعدهم مَن يشاء، مثل "تونس، مصر، السودان"، وليحاربهم من يشاء، مثل "سوريا، ليبيا" وليعاديهم من يشاء مثل "السعودية والإمارات".

 

 

انقسامات داخلية

احتدمت الخلافات داخل حركة النهضة الإخوانية في تونس، وسط حالة من الارتباك الواضح على قرارات رئيسها، راشد الغنوشي، وتصعيد خطاب قيادات إخوانية بارزة ضد سياسته، خاصة بعد قراره تجميد عضوية عماد الحمامي وإحالته للتحقيق.

ويفسر المراقبون الصراعات بين أعضاء الحركة بأنها "صراعات جبلية"، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن الأزمة الكبرى التي تواجهها النهضة هي الرفض الشعبي الذي تجلى في رفض دعوة الغنوشي للتظاهر يوم 26 يوليو الماضي، وظل لساعات واقفًا أمام البرلمان المغلق في وجهه مع عشرات فقط من أنصاره، مما يجعل مسألة تجديد الدماء داخل الحركة باتت أمرا لا محالة.

وبالتالي فإن هناك تحركات تتم داخل الحركة في الوقت الحالي، وتستهدف جمع أكبر عدد من التوقيعات الرافضة لبقاء الغنوشي في منصبه، والمطالبة بالإعلان عن موعد انعقاد المؤتمر العام للحركة في أقرب وقت، وكذلك الاعتراف بالخطأ والاعتذار للشعب، في محاولة لتغطية الإخفاقات المتتالية، ويرى مراقبون أن حدة الخلافات والانقسامات داخل "النهضة"، قد تدفع الغنوشي لتقديم استقالته، وإفساح المجال أمام جيل جديد للقيادة.

إن مظاهر فشل جماعة النهضة لم تبدأ يوم 25 يوليو، لحظة استجابة قيس سعيد للاحتجاجات الشعبية وتحويلها إلى مواقف سياسية، بل إن الفشل السياسي، سواء في سنوات الحكم أو في سنوات المعارضة والسرية، كان مظهرا مرافقا لتاريخ الحركة. لم تناضل النهضة يوما من أجل مضامين اقتصادية أو اجتماعية، بل في الوصول إلى السلطة فقط.

إن الخلافات داخل الحركة لم تكن وليدة الاستحقاق الوطني، الذي ترجمه الرئيس سعيد بقراراته لحماية الدولة والمجتمع، وإن ما حصل كان بمنزلة الخطوة، التي كشفت عقم المشروع الإخواني في تونس من جانب، وقصمت ظهر هذا المشروع من جانب آخر.

وقد ظهرت مجموعة من المؤشرات حول اضطراب الحركة تجلى في لجوء رئيس الحركة راشد الغنوشي إلى مغامرته بإقالة أعضاء المكتب التنفيذي للحركة لغرضين: الأول، التخلص من الأصوات المناهضة له داخل تنظيمه، وإبعاد شبح الإطاحة به من الزعامتين التنظيمية والبرلمانية، وإبقاء سيطرته وقبضته على قواعده المتذمرة أصلا من وجوده ونهجه، والثاني تصدير الصورة للرأي العام بأن ما حدث من انتكاسة للحركة كان نتيجة سلوكيات وتصرفات أعضاء مكتب الحركة، والتبرؤ من تبعات الهزيمة الكاسحة له وللحركة على المستويين الرسمي والشعبي.

إن جماعة الإخوان فى تونس فشلت فى بناء ثقة قوية مع الجماهير، لقد خيبوا آمال الناس وأنصارهم فى كل العالم، بالإضافة إلى فشلهم فى بناء تحالفات قوية على الصعيد الإقليمى والدولى، لقد عانت كثير من دول العالم العربى والغربى، من خلال مشاريع التدخل فى أوروبا واستغلال مساحات الحرية، وهو ما جعل الأطراف الدولية تتخوف منها.

مستقبل النهضة

مع تطور الأوضاع في تونس وسحب البساط من تحت أقدام حركة "النهضة" التي كانت تمثل المعقل الأخير للإخوان المسلمين في المنطقة العربية، يمكن أن يفتح ذلك أمامنا الباب لنرى الصورة من زاوية أوسع عن تيارات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط ومدى قدرتها على الصمود أمام المتغيرات التي تعيد تشكيل المنطقة، كما أن ما حدث يوم 25 يوليو يمكن اختصاره في أن الرئيس سعيّد قرأ جيدا الهتافات الشعبية فحولها إلى مضمون سياسي في شكل قرارات رئاسية هدفت إلى إيقاف النزيف. وكانت قراءة قيس سعيد للاحتجاج الشعبي مرفوقة بقراءة أخرى رصينة وغير شكلانية للدستور جعلته يقدم على قراره بثقة ومسؤولية. هذه الاستجابة الرئاسية للغضب الشعبي سحبت من حركة النهضة كل إمكانية لاستدعاء تراث المظلومية وثقافة الضحية، لأنها كانت في مواجهة شعب في المقام الأول.

وقد ساهمت هذه الإجراءات في تضييق الحركة أمام إخوان تونس وأنه ليس أمام الإخوان إلا الانتقال لمرحلة ما بعد الأخونة، التى ثبت فشلها والاتجاه لتوطين تنظيماتهم وأنشطتهم لتصبح جزءًا من هوية الشعب الوطنى، وتكريس خدماتها من أجل الوطن، وليس من أجل استراتيجية التنظيم الدولى، والتحلل منه وتفكيك ارتباطاتها الخارجية مع القوى الدولية. يبدو أننا مقبلون على حقبة جديدة، تتلاشى فيها التقسيمات الأيديولوجية الساذجة التى ترتكز عليها المنظومات السلطوية الإخوانية، فنحن نعيش فى عصر يمكن تسميته عصر الذكاء السياسى، ولا محل للطغيان الأيديولوجي، فأى شطط سلطوى مؤدلج وأحادى فى ممارسة السلطة والسياسة لا أفق له.

وتستند هذه الرؤية على أساس فشل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في حشد مريديه من أعضاء الحركة أمام البرلمان غداة قرار الرئيس سعيد بتجميد عمله، وفشله المضي قدما في إعادة بث الروح في أوصال حركته المنقسمة على نفسها وينخرها الفساد وتعلو ضده أصوات الأغلبية داخلها، كما أن حركة النهضة التونسية تغالب الزمن من أجل البقاء وسط تراكمات من الفشل والانقسامات المتصاعدة على أعلى مستوياتها، والأكثر تعبيرًا عن ترنُّحها هو الرفض الشعبي التونسي لها نهجًا وتنظيمًا وحكمًا، وضمن السياق ذاته الانقسامات الداخلية التي تشهدها الحركة ستلقي بظلالها على مستقبل تماسك الحركة وإمكانية صعودها مجددًا.

في الختام يمكن القول بأن حدث 25 يوليو في تونس لن تقتصر مآلاته على حركة النهضة، بل ستتوسع نحو كل قطر عربي يتحرك فيه الإخوان الذين يقعون اليوم أمام امتحان مرير: إما الإيمان بالوطن والدولة مشتركاً أساسيًا بين المواطنين (وهو ما يتناقض مع ثقافة الإخوان نفسها) أو تحمل دوس الجماهير قبل الأنظمة، لأن الدرس التونسي كان بليغًا ومفاده أن الشعب يركل كل من يدير ظهره لانتظاراته. تجربة السنوات التونسية الماضية أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الإخوان لا يصلحون للحكم، وأنهم أيضا جماعة بلا مستقبل.

المراجع:

1) لا مستقبل للإخوان فى تونس، على الرابط: https://alwafd.news/essay/57486

2) مستقبل الإخوان بعد إقصاء النهضة فى تونس، على الرابط: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=14082021&id=d8be797c-2373-4e04-a9b9-52ce9358e62d

3) النهضة في نفق مظلم.. هل تنهي الصراعات مستقبل إخوان تونس؟، على الرابط: https://cutt.us/HRhpt

4) هل يسدل التغيير في تونس الستار على حقبة الإخوان في العالم العربي؟، على الرابط: https://cutt.us/FyAnX

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟