المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
منى هاني محمد
منى هاني محمد

العلاقات الروسية – الباكستانية

الأحد 06/يونيو/2021 - 02:20 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تمهيد:

 لم تحظ العلاقات الروسية الباكستانية بالإهتمام الكاف فى ظل تحالف باكستان مع الولايات المتحدة الأمريكية الذى إستمر طويلاً على مدار التاريخ، وقد كان للعلاقات الروسية الباكستانية بعض الإيجابيات والعديد من السلبيات ولم يتم إقتناص  الكثير من الفرص لتحسين هذه العلاقة المتوترة إما بسبب موقف باكستان المؤيد للغرب أو الشكوك حول التحالف الروسي- الهندي. ومع ذلك، وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ظهرت باكستان كدولة على خط المواجهة في الحرب على الإرهاب وأصبحت العودة الإقليمية الروسية فرصة لتنشيط العلاقات.

 وهناك العديد من الفرص الإستراتيجية بالإضافة إلى الفرص الاقتصادية المتاحة للدولتين في ظل التكتلات الإقتصادية والإقليمية المعاصرة  ؛ فلدى صناع القرار في كلا البلدين سبل للتعاون ولاسيما بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. فباكستان حريصة على الحفاظ على أهميتها كلاعب رئيسي في أفغانستان في حين تريد روسيا تمثيل مصالحها في المنطقة من خلال المطالبة بحصة في سيناريو أفغانستان ما بعد 2014، وبالتالي تعتمد البدايات الجديدة في العلاقات الروسية الباكستانية في المقام الأول على أولويات صناع القرار.

مقدمة:

لقد كان الإرث التاريخي للعلاقات بين باكستان وروسيا نمطًا مثيرًا للاهتمام لما  يشهده من شد وجذب؛  فقد قدمت باكستان علاقتها مع روسيا منذ عام 1947 من منظور علاقتها بالهند. و النمط السابق الذى يوضح التفاعل بين باكستان وروسيا وضرورة إستغلال الفرص المستقبلية لإحياء العلاقات القابلة للاستمرار في ظل عظم الصداقة الهندية-الروسية والتحالف الهندي الأمريكي الناشئ هو موضوع هذه الدراسة. وانطلاقًا من أن السياسة الخارجية هي أداة لتحقيق المصلحة الذاتية الأفضل للدولة، فإن السياسة الخارجية لباكستان فيما يتعلق بروسيا لم تحقق أي شيء سوى المصلحة الذاتية.

وبالنظر إلى سيناريو أفغانستان في مرحلة ما بعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2014، سنجد أنه يضع باكستان في موقف غريب حيث في حين أن تحسين العلاقات بين روسيا وباكستان يصب في مصلحة كلا البلدين، إلا أن الهند تتطلع –في نفس الوقت- إلى دور رائد في البيئة الأمنية الإقليمية فى المرحلة التالية لإنسحاب الولايات المتحدة، لذلك تحتاج باكستان إلى التفكير في تقريب التحالف مع روسيا.(1)

انطلاقُا مما سبق، تسعى هذه الدراسة إلى تحليل العلاقات بين روسيا وباكستان من خلال الأبعاد والعوامل التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية واستكشاف إمكانية وجود بداية جديدة في ظل البيئة الأمنية الإقليمية والعالمية سريعة التغير والتي تطرح مزيداً من الفرص للتعاون والترابط.

أولًا:العوامل التاريخية:

يرجع تاريخ  "اللعبة الكبرى" التي تلعبها بريطانيا وروسيا إلى الحرب الأنجلو أفغانية الأولى (1839-1842)، كما أن شبه القارة الهندية لها علاقات مع الاتحاد السوفياتي منذ زمن الثورة البلشفية في أكتوبر عام 1918. ولقد تقلص عدد الهنود ما بين الهند البريطانية أو الراج البريطانى ومابين روسيا الشيوعية  الجديدة، كما صدمت "قضية بيشاور للتآمر" الشهيرة وغيرها من القضايا المماثلة بريطانيا إلى حد التمدد الشيوعي في شبه القارة الهندية.

وكان حزب المؤتمر الهندي يميل أكثر إلى المبادئ الشيوعية  للاتحاد السوفييتي.وكان ينظر إلى تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947 بازدراء آنذاك.وقد اعتبرت سياسة "فرق تسد" الإمبريالية البريطانية فيما يتعلق بتسمية الرابطة الإسلامية كـ "أداة بريطانية" لا يزال صداها موجودًا  في حزام بشتون وبعض الأحزاب السياسية في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية، التى يطلق عليها الآن،خيبر باختون - خوا على الحدود مع أفغانستان.

ولم يمدد الزعماء الروس التسهيلات اللازمة للحاكم العام لباكستان، "محمد علي جناح" عند الاستقلال. فقد تأسست العلاقات الدبلوماسية بين باكستان والاتحاد السوفيتي في مايو 1948، في حين تم تعيين أول سفير لباكستان في موسكو  في أواخر ديسمبر 1949، وقام نظيره الباكستاني بتسليم أوراق اعتماده إلى الحاكم العام لباكستان في مارس 1950. وبالتالي استغرق تأسيس الاتصالات الدبلوماسية المناسبة وقتا طويلا لتتطور بشكل كامل. ومع ذلك، لم تكن هناك تصورات ثابتة لصناع السياسة في باكستان حول مستقبل الانضمام إلى معسكر محدد.(2)

ثانيًا:العوامل السياسية والدبلوماسية:

واجهت باكستان في مهدها العديد من التحديات الإقتصادية ،وندرة فى الأصول المدنية والعسكرية، وقيود على الموارد البشرية، ومشاكل دستورية، وكانت في أمس الحاجة إلى المعونة، لذا كانت تدرس احتمال تحالفها بما يتناسب مع المساعدة المقدمة لحل مشاكلها. ولقد بدأت باكستان خلال هذه الحقبة بتقييم العلاقات مع الاتحاد السوفيتى من خلال منظور علاقاتها مع الهند.

ورداً على تخطيط رئيس الوزراء الهندي نهرو لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية في 7 مايو 1949؛ وجه الاتحاد السوفيتي الدعوة إلى رئيس الوزراء الباكستاني لياقت علي خان. وكان يمكن أن يكون هذا نقطة تحول في العلاقات الباكستانية-السوفيتية ،إلا أن علي خان إختار أن يزورالولايات المتحدة  الأمريكية بدلاً من ذلك.

وقد مهد الرد الباكستاني المواتي لمبادرات الولايات المتحدة الطريق لعلاقات أوثق مع الولايات المتحدة حيث انضمت باكستان في هذه المرحلة صراحة إلى المعسكر الغربي من خلال التوقيع على تحالفات "SEATO"عام 1954م و"CENTO" عام 1955م.

وقد كانت العلاقات متوترة في ذلك الوقت حيث اعتبر الاتحاد السوفييتي باكستان صديقًا لعدوه، وبالتالي دعم الهند علانية في جميع القضايا ولا سيما قضية كشمير. وخلال هذه الفترة (1956-1957)، حاول رئيس الوزراء - على الرغم من كونه مهندس السياسة الخارجية الباكستانية الموالية للغرب - تحسين علاقاته مع الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، لم تسعفه جهوده بسبب تحالف باكستان الواضح مع الولايات المتحدة إبان إشتعال الحرب الباردة  واستقالته في 1957م.

وكان حادث تحليق طائرة التجسس الأمريكية U-2أعلى المجال الجوي السوفييتي مثالاً صارخًا على سوء تقديرباكستان للإستجابة السوفيتية وتداعياتها ؛ إذ تمكن السوفيت من إسقاط طائرة U-2 في الأول من مايو 1960، وتبع ذلك إكتشافهم تواطؤ باكستان مع الخطط الأمريكية، وحينها هدد الرئيس السوفييتي "نيكيتا خروتشوف" بوضع  باكستان فى مرمى  القصف إذا ما تم إرسال المزيد من المهمات من أراضيها ضد السوفييت. ورغم ذلك جعلت باكستان من نفسها لعبة فى أيدى  التحالف الغربى وأشعلت غضب القوة العظمى العملاقة المجاورةبدلاً من أن تحافظ على  سيادتها وتحمى مصالح أمنها القومى.

وكان يُنظر إلى العلاقات الباكستانية خلال هذه الفترة على خلفية حرب 1964 التى وقعت بين الهند وباكستان، حيث لم تدعم الولايات المتحدة الأمريكية باكستان على الرغم من إنضمام باكستان إلى SEATO”" (3) و" (4) “CENTO، فعندما وقعت الحرب بين باكستان والهند في عام 1965م ظهر الاتحاد السوفيتي بوضوح كأكبر مورد للأسلحة والمعدات العسكرية للهند.

وبعد حرب عام 1965، أصبح سباق التسلح بين الهند وباكستان غير متناسق أكثر، حيث تفوقت الهند على باكستان بفارق كبير. وقد تدخّل الاتحاد السوفييتي للتوسط في تحقيق السلام بين باكستان والهند وسهّل اتفاقية وقف إطلاق النار المعروفة باسم "اتفاق طشقند".

أيضًا، يرجع عزوف باكستان عن الانضمام إلى الاتحاد السوفييتي جزئياً إلى علاقاتها الوثيقة مع الصين. وكما حدث في عام 1961، كانت الصين والاتحاد السوفييتي على رأس الداعين إلى الشيوعية. وكانت حرب عام 1971 صدمة حقيقة بالنسبة إلى الغرب الحليف لباكستان التى أصابها حلفاءها الغربيين بمزيد من خيبة الأمل. وقد لعب الاتحاد السوفييتي بعد توقيع "معاهدة السلام والصداقة والتعاون" مع الهند دوراً هاماً في الحرب الهندية الباكستانية عام 1971. وبعد ذلك دعم الاتحاد السوفيتي الهند علناً عبر ضمان تواجدها البحري في المنطقة.

وقد تعاطف الاتحاد السوفيتي مع "موكتي باهيني"، وشهد إنشاء بنغلاديش كفرصة لإلحاق الضرر بخصومه (الولايات المتحدة والصين). ومن المثير للاهتمام أن السفير الروسى بعد عدة عقود - فى عام 2012 – أشار فى بيان صحفى رسمي من القنصلية العامة الروسية في كراتشي إلى أن الموقف السوفيتي السابق ضد باكستان في عام 1971، كان "محرجًا إلى حد ما لعلاقاتنا".

وفي أعقاب الهزيمة الصادمة لحرب 1971 وخيانة القوى الغربية، اتبعت باكستان تحت زعامة "بينظير بوتو" سياسة "النظر إلى الشرق" في "ثنائية" نشطة ؛ فشهد ذلك العصر تحسن طفيف في العلاقات بين باكستان وروسيا. ففي مارس 1972، قامت بوتو بزيارة رسمية إلى الاتحاد السوفييتي، لتصبح أول رئيس وزراء تزور السلطة العظمى منذ استقلال باكستان في عام 1947. وفي الفترة من عام 1973 حتى عام 1979، تمتعت الدولتان بعلاقة قوية استفاد منها الاتحاد السوفيتي.كما شهد ذلك العصر تأسيس مصانع الصلب الباكستانية التي تم تمويلها من قبل السوفيت. ومع ذلك، لم يدم ذلك التعاون بين الدولتين طويلاً وتم إنهاؤه فى أعقاب انتخابات عام 1977 في باكستان.(5)

كان الغزو السوفييتي لأفغانستان نقطة حاسمة أخرى في العلاقات بين باكستان والاتحاد السوفييتي، ويقال بشكل عام إن الاتحاد السوفيتي نقل إلى باكستان أنه لا ينوي عبور خط ديورند وأن باكستان ستظل محايدة بشكل إيجابي. ويعتقد الكثيرين أن استخدام المجاهدين ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان كان رداً على دعمه الثابت للهند ولا سيما في حرب 1965 و 1971م.

 وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، دخلت روسيا الدولة الخليفة للإتحاد السوفيتى في دوامة من الصعوبات الأمنية والاقتصادية، وظلت الامور على هذا الحال حتى عام 2000، ومع ذلك تمكن الرئيس فلاديمير بوتين من تغيير الوضع وجعل روسيا مستقرة اقتصاديًا. وقد أدركت روسيا قيمة السلام وأثره على تحقيق الاقتصاد المزدهر وحلّت نزاعاتها الحدودية القائمة منذ فترة طويلة مع الصين وتركيا.

ومن الجدير بالذكر، أنه في الفترة (1994-1995( كان بإمكان الاتحاد الروسي وباكستان تحسين العلاقات أثناء حكومة بوتو، إلا أن هذه الفرصة ضاعت عندما اعترفت باكستان بأن طالبان هي الحكومة الشرعية لأفغانستان وتباطأت في حل قضايا أسرى الحرب السوفييت، ومع ذلك لم تقم روسيا على الفور بإدانة باكستان والهند على قيامهم بتنفيذ تجارب نووية عام 1998، رغم ضعف موقفهما الأمنى.

وفي أبريل عام 1999، قام رئيس الوزراء نواز شريف بزيارة رسمية مهمة إلى الكرملين، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء باكستان إلى موسكو منذ 25 عامًا، وقد لاقى ذلك قبولاً لدى الجانب الروسى الذى رحب بتحسين العلاقات بين الهند وباكستان من خلال إعلان لاهور في عام 1999.(6)

وفي أعقاب الحادى عشر من سبتمبر، رحب الجانب الروسي بقرار باكستان بالانضمام إلى الحرب على الإرهاب. وبقي الجانب الروسي خارج أي وحدة تابعة لحلف شمال الأطلسي أو قوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان. ولم يقم سوى بعمليات مشتركة للحد من تهريب المخدرات من خلال قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن فى أفغانستان (ISAF). وفي فبراير 2003، أدت زيارة الرئيس مشرف لموسكو إلى تشكيل مجموعة العمل المشتركة المعنية بمكافحة الإرهاب والفريق العامل المشترك المعني بالاستقرار الاستراتيجي واللجنة المشتركة بين الحكومات. ومنذ ذلك الحين، عملت الدولتان على التنسيق من أجل مكافحة تجارة المخدرات.

كذلك، شهدت العلاقات بين باكستان وروسيا ملاحظة إيجابية أخرى عندما قبضت باكستان على الإرهابيين الشيشان على الحدود الباكستانية الأفغانية في عام 2004 وسلمتهم للقوات الروسية،و في عام 2007، أصبح رئيس الوزراء الروسي ميخائيل فرادكوف أول رئيس وزراء روسي يزور باكستان في الحقبة ما بعد السوفييتية على مدار 38 سنة.

وفي عام 2011، دعمت روسيا علانية تطلع باكستان للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون SCO)) وقد ردت باكستان المعروف من خلال دعم تطلعات روسيا للإنضمام إلى عضوية منظمة الدول الإسلامية (OIC)وفي عام 2012، ألغى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته المرتقبة لباكستان، التي ورد أنها تحت تأثير اللوبي الغربي والهندى، فيما زار سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسى باكستان ووقع مذكرة تفاهم مع باكستان حول التعدين وإنتاج الطاقة والنقل بالسكك الحديدية. كما تعترف الهند بحقيقة أن العلاقات بين باكستان وروسيا تتحسن في ظل العلاقات الوثيقة بين الهند والولايات المتحدة.

وقد احتفلت باكستان وروسيا بمرور 65 عامًا من العلاقات الدبلوماسية في عام 2013 مع بدء حوار استراتيجي حول القضايا الثنائية واتفقوا على التعاون الشامل، وكمزيد من توطيد العلاقات كعمل تضامني قدم الرئيس فلاديمير بوتين رسالة تعزية إلى الرئيس آصف علي زرداري بشأن عمليات القتل الشيعية في كويتا في 2013. وفي أبريل 2014، زار وفد برلماني باكستاني برئاسة رئيس مجلس الشيوخ روسيا و عقد اجتماعات مع القيادة الروسية.

   كما صرح رئيس مجلس الشيوخ، ناير حسين بخاري إن باكستان وروسيا لديهما تقارب في وجهات النظر حول معظم القضايا الإقليمية والدولية. كما صرح وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف بالمثل قائلاً "أن روسيا تولي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع باكستان لأنها بلد مهم في المنطقة والعالم الإسلامي".(7)

ثالثًا: العوامل الاقتصادية والتجارية:

كانت العلاقات الاقتصادية لباكستان مع الاتحاد السوفياتي فاترة إلى حد ما منذ نشأة باكستان. ففي أوائل الخمسينيات أسس الاتحاد السوفييتي وباكستان علاقات تجارية عندما وافق الاتحاد السوفييتي على استيراد القطن والجوت والجلود. واشترى الاتحاد السوفيتي الجوت الباكستانى(نبات تصنع منه الألياف)مقابل 150 ألف طن من القمح في صيف عام 1952 خوفاً من حدوث مجاعة في باكستان. وفي عام 1958، أقامت باكستان والاتحاد السوفيتي أخيراً اتحادًا تولى إدارة حقول النفط الباكستانية، وأعرب هذا الإتحاد عن اهتمامه بإنشاء أول مصنع للصلب في البلاد. وفى  في عام 1961، قدم الاتحاد السوفيتي قرضًا بقيمة 27 مليون روبل إلى باكستان للتنقيب عن النفط والغاز، مما كان سبباً فى إنشاء منظمة لتطوير النفط والغاز في باكستان فى وقت لاحق.

كما قدم الاتحاد السوفيتي الخبرة الفنية وقدم قرضا بقيمة 200 مليون دولار إلى باكستان لإنشاء مصانع الصلب الباكستانية في عام 1972 والذي كان من المقرر أن تقوم باكستان بسداده فى النهاية،إلا أن بعض الشركات الباكستانية أفسدت هذه الترتيبات حيث قامت بإنتاج كميات كبيرة من البضائع ذات الجودة المنخفضة، وفي النهاية رفض الاتحاد السوفيتي الالتزام بالترتيبات. وظل هذا القرض المستحق عقبة في طريق العلاقات بين الاتحاد الروسي وباكستان. ومع ذلك تعهد الاتحاد الروسي مرة أخرى بتمويل تدريجي لمصانع الصلب الباكستانية في عام 2012. وقد تضخمت التجارة الثنائية بين باكستان وروسيا بقيمة 80 مليون دولار لتصل إلى 542 مليون دولار.

وعلى الرغم من الفرص التجارية المتوافرة، إلا أن الصادرات من باكستان إلى الاتحاد الروسي هزيله للغاية فقد بلغت فى عام (2012) 210 مليون دولار أى ما يمثل 0.04٪ من إجمالي حجم التجارة الروسية. وبالمثل بلغت واردات باكستان من الاتحاد الروسي عام (2012 ) 332 مليون دولار أى ما يعادل 0.07٪ من إجمالي حجم التجارة الروسية.وعلى الرغم من ذلك كان باكستان عام 2010-2011 أكبر مُصدر بطاطس للإتحاد الروسى حيث صدر 125.000 طنًا من البطاطس إلى الاتحاد الروسي.(8)

وعلاوة على كون باكستان المُصدر الرئيسى للكيناوا للإتحاد الروسى، لديها أيضاً وفرة فى  المنسوجات والسلع الجلدية والخضروات والفواكه.ورغم ذلك تتمثل المشكلات الرئيسة التى تحول دون تصديرهذه المنتجات هو الموقف غير المهني للمُصدرين والعقبات البيروقراطية على مستوى الحكومة.(9)

وفي أعقاب الفيضانات التي ضربت باكستان عام 2010، خفض الاتحاد الروسي الرسوم الجمركية بنسبة 35٪ على السلع الباكستانية كبادرة حسن نية. وكتدابير لتبادل التجارة، تم افتتاح مولين تجاريين باكستانيين في سانت بطرسبرغ، كما تم تأسيس مول تجاري في موسكو للترويج للمنتجات الباكستانية، وتم تأسيس منتدى الأعمال الباكستاني الروسي (PRBF) في عام 2009 لتشجيع التجارة والسياحة.

بالإضافة إلى وجود منتدى آخر وهو "مجلس الأعمال من أجل تعزيز التجارة مع باكستان" الذى يعمل بشكل فعال منذ تأسيسه في عام 2011. ومن أجل تعزيز التعاون الاقتصادي بين باكستان وروسيا تم تشكيل لجنة حكومية مشتركة بين الجانبين .. أما فيما يتعلق بالاستثمار الروسي في باكستان، فقد تم تقديم خيارات مختلفة من بينها تمويل خط أنابيب الغاز في إيران، وتوسيع إنتاج مصانع الصلب الباكستانية من 1 إلى 3 ملايين طن في السنة. كما تم عرض تمويل مختلف مشروعات الطاقة في باكستان كتوسعة تاربيلا، وسد ديامار بهاسا وغيرها من المشروعات.

رابعًا: العوامل الاجتماعية:

في أوائل خمسينيات القرن العشرين، شاركت كل من باكستان والاتحاد السوفييتي في العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية ؛ حيث تبادلت الفرق الثقافية فى كلا البلدين الزيارات وعُقدت عروض أفلام. كما قدم الاتحاد السوفياتي المساعدة الاقتصادية والتقنية في تنمية القطاع الاجتماعي، والإنتاجية الزراعية مثل مكافحة الآفات، وتحلية المياه وتآكل التربة، والتحكم في الفيضانات. كما ساعد الاتحاد السوفييتي في تشغيل محطة إذاعة متوسطة الموجة بالقرب من إسلام أباد التي أصبحت محطة الإذاعة الرئيسية للبلاد.

كما أضاف السوفييت ثلاثة محطات إذاعية أخرى .وتم تحرير عدة إصدارات من مجلة Tulu الإخبارية السوفيتية بانتظام من كراتشي منذ عام 1967 ؛ إلا أنه  تم وقفها في عام 1982 في خلفية الحرب الأفغانية. ولقد كانت مدينة كراتشي إحدى المدن الكبرى في باكستان مركزًا للسياح السوفييت حتى التسعينات حيث كان يتم تنظيم 8 رحلات يوميا من موسكو إلى كراتشي لاستيعاب هذا الكم الهائل من الزوار، غير أن هذا الاتجاه تلاشى مع تدهور الوضع في المدينة وتطوير دبي كمركز اقتصادي بديل.

وعلاوة على ذلك قدم الاتحاد الروسي المساعدات إلى شعب باكستان في أعقاب الزلزال الذي وقع في عام 2005 وفيضانات 2010. ولا تزال باكستان تستقبل المتسلقين المتحمسين من روسيا وآسيا الوسطى كل عام في محاولة لتسلق الجبال الوعرة .

كما أن أحد المطاعم الفاخرة في العاصمة الروسية موسكو يطُلق عليه اسم "غاندهارا". وهو مطعم باكستاني يتميز بتماثيل بوذا من حضارة غاندهارا إلى جانب المأكولات الباكستانية. كما يوجد لدى الاتحاد الروسي 13 مليون مسلم في المجتمع المحلي 39 ممن لديهم تعاطفهم الطبيعي تجاه مسلمو باكستان.

كما أن الجالية الباكستانية فى الإتحاد الروسى تقدر بحوالي 2000 مواطن منهم 500 طالب من الطلاب. تضم جامعة موسكو الحكومية كلية للأردو، وقد وقعت جامعة البنجاب اتفاقية حول برنامج تبادل الطلاب مع جامعة موسكو الحكومية.علاوة على تأسيس مركز للدراسات الباكستانية فى موسكو، وبالمثل إفتتاح كلية روسية فى جامعةNUML  بإسلام أباد.

بالإضافة إلى بث برنامج "صوت روسيا"، وإطلاق موقع إلكترونى مشابه خلال ديسمبر 2013 وهو " صوت مؤتمر روسيا لكل باكستان" . كما أن هناك طعام باكستاني شهير ذات أصول روسية يدعى ب " “Shahslik وهو طعام مكون من اللحم وخضراوات مختلفة، يتم تشبيكها مع بعضها فى أعود من  الخشب و يشوى على النار ( كباب ).(10)

خامسًا:العوامل الاستراتيجية والعسكرية:

في عام 1967، حصلت حكومة باكستان على أراض لبناء "مجمع كهربائي ثقيل" فى تاكسيلا مع إمكانية التمويل من جانب الاتحاد السوفييتي. إلا أنه لم يتم تنفيذ المشروع ؛ نظراً لعدم قيام باكستان بتطوير أية علاقات عسكرية ملموسة مع الاتحاد السوفيتي على الرغم من رغبتها فى تحقيق ذلك، ويرجع ذلك بشكل أساسى إلى سياسات الحرب الباردة وأنظمة التحالف في جنوب آسيا.

وفي عام 2001، وافقت روسيا عن طيب خاطر على إطلاق القمر الصناعي الباكستاني ،" بدر" من محطة بايكونور لإطلاقها بأقل تكلفة ممكنة. ويواجه الاتحاد الروسي مشكلتين رئيسيتين ترتبطان بباكستان بشكل مباشر أو غير مباشر. أولهما، تجارة المخدرات في أفغانستان تصل إلى الاتحاد الروسي قبل وصولها إلى باقى أنحاء أوروبا،والمشكلة الأخرى  هي الهجرة غير الشرعية، حيث  يستخدم المهاجرون غير الشرعيين من باكستان الاتحاد الروسي كطريق لدخول أوروبا. ويتطلع الاتحاد الروسي إلى تعزيز التعاون في هذه المسائل الحاسمة في سيناريو الانسحاب من أفغانستان بعد عام 2014.

وينظر إلى زيارة رئيس أركان الجيش الباكستاني، أشفق بيرفيز كياني إلى الاتحاد الروسي في عام 2012 كخطوة إيجابية نحو التعاون بين باكستان والاتحاد الروسي في مرحلة ما بعد الانسحاب أفغانستان. كما زار رئيس سلاح الجو الباكستاني ( الطيار المارشال طاهر رفيق بوت ) روسيا في 2012، حيث أبدت باكستان اهتماما بشراء طائرات الهليكوبتر من طراز MI-35، MI-17، ومحركات لبرنامج JF17، وأنظمة الدفاع الصاروخي، والغواصات.

وفي نفس السياق، قام قائد سلاح الجو الروسي بزيارة باكستان في 17 أبريل 2013 لمناقشة صفقات عسكرية لأول مرة في تاريخ العلاقات الروسية الباكستانية. وقد أشير إلى ذلك على لسان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، خلال زيارته إلى باكستان عام 2012 ؛ "من غير المحتمل أن تبيع روسيا لإسلام أباد نظام دفاع جوي أو طائرات مقاتلة، ومع ذلك، يمكن توفير أنظمة مزدوجة الاستخدام مثل المروحيات من طراز Mi-1، بالإضافة إلى التدريب على القتال وتبادل الخبراء العسكريين".(11)

ويمثل عام 2014 خطوة إستراتيجية مهمة، حيث بدأ الاتحاد الروسي التفاوض على بيع طائرات الهليكوبتر من طراز MI-35 إلى باكستان، ورفع حظر الأسلحة المفروض على باكستان على الرغم من الاستياء الضمني لحليفتها الدائمة الهند.كما يمكن للاتحاد الروسي أيضا توفير رؤية أكبر للنظراء الباكستانيين في الحرب على الإرهاب، وذلك نظراً لخبرتهم في الحرب في الشيشان؛ حيث واجه الاتحاد الروسي نفس الموقف في سياق الحرب على الإرهاب في الشيشان وتغلب على ذلك، وقد يكون ذلك التعاون مفيدا جدا لكلا البلدين.(12)

وبالإضافة إلى كل العوامل السابقة، صرح وزير الخارجية الروسى سيرجي لافروف عام 2012 أن "باكستان تمارس نفوذا هائلا على أفغانستان..وإذا استمرت روسيا في تجاهل باكستان لصالح الهند، فإن ذلك سيتعارض في نهاية المطاف مع مصالح الأمن القومى لروسيا".

وفي ديسمبر 2014، وقعت باكستان وروسيا صفقة بقيمة 1.7 مليار دولار لبسط خط أنابيب الغازالطبيعي المسال بين كراتشي ولاهور خلال اجتماعات اللجنة المشتركة في إسلام آباد وموسكو. وخلال زيارة وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويجو إلى باكستان في نوفمبر 2014 تم توقيع اتفاق تعاون عسكري لتوفير طائرات هليكوبتر من طراز MI-35 لباكستان.

كما رفعت روسيا فعلياً الحظر الذي فرضته على بيع الأسلحة إلى باكستان، وتم إفادة باكستان باستعداد شركات روسية التشاور مع الشركات الحكومية والخاصة في باكستان لبحث إمكانية توريد معدات الطيران الروسية ؛ بما في ذلك طائرة سوخوي S-100 Civilian، و Tu-404 CM، MS-21، وطائرات الهليكوبتر.كما تهتم الشركات العسكرية الروسية بتلبية إحتياجات الحكومة الباكستانية و المؤسسات التجارية من الطائرات التجارية والمدنية وتوفير سيارات مدرعة خاصة من طراز "تايجر" إلى باكستان.

وعادة ما ينظر إلى أفغانستان في مرحلة ما بعد عام 2014 كمقارنة بسيناريو الحرب الأهلية بعد الانسحاب الروسي في عام 1989، ولاشك أن الآثار غير المباشرة ستؤثر على باكستان إلى أقصى حد بسبب حدودها مع أفغانستان سهلة الإختراق والإرث المشترك للمخدرات والعنف نتيجة قبول اللاجئين الأفغان .ولا يمكن لباكستان تحمل أعباءها الإقتصادية فى ظل الأضرار المفرطة للاجئين وشرور الحلفاء كما فعلت سابقاً في انسحاب ما بعد روسيا من أفغانستان في عام 1989؛ فالوضع الداخلي في الحرب على الإرهاب كحليف للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو لا يسمح لباكستان بتحمل أية موجة أخرى من الإرهاب.

علاوة على ذلك، فإن ميل الولايات المتحدة إلى دعم الهند كزعيم إقليمي في جنوب آسيا له تأثيره الحاسم على توازن القوى في المنطقة، كما تراقب الصين وروسيا وباكستان هذا الوضع عن كثب ومن ثم ينشأ تقارب المصالح الثلاثى بين الصين وروسيا وباكستان. إن تاريخ العلاقات الروسية - الهندية يبلغ ما يقرب من 67 عامًا، وبعد نجاحها في التغلب على الانهيار الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب الباردة، يعد الانتعاش الاقتصادي الروسي دليلاً على التزامها بالازدهار الاقتصادي.

كما تتمتع باكستان بسوق ضخمة محتملة فيروسيا يمكن توسيع نطاقها لتشمل دول وسط آسيا بفضل منتجاتها النسيجية والجلدية والمنتجات الزراعية ولا سيما  الخضار والفاكهه. وبالتالي، يمكن لروسيا الاستفادة من إستيعاب السوق للسلع الميكانيكية والمعادن والمنتجات الكيماوية في باكستان. ومن ثم يتفاعل كلا البلدين في المنتديات المشتركة لمنظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) ؛ وهى نفس الآليات التى يمكن استخدامها لتعزيز العلاقات التجارية الثنائية بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لباكستان بالاستراتيجية المناسبة أن تشرع في الحصول على أنظمة مزدوجة الاستخدام مثل MI-17 ومركبات النقل وتمهد الطريق لكسر الجمود وتحسين العلاقات، مما قد يؤدي إلى الحصول على تكنولوجيا عسكرية أكثر تطوراً من روسيا. نجحت روسيا في كبح جماح المتمردين الشيشان وخوض تجربة الحرب الباردة ضد القوة العسكرية غير النظامية في أفغانستان التي هي طالبان اليوم. كما أن لدى باكستان خبرة عسكرية كبيرة فى الحرب على الإرهاب ومن ثم يمكن تحقيق الإستفادة من ذلك عبر تبادل الخبرات بين الدولتين.(13)

كما ترى روسيا أن اهتمام الولايات المتحدة بإعادة تأهيل طريق الحرير كجهد للوصول إلى احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط في بحر قزوين الأورو-آسيوي ماهو إلا خطوة لإعاقة عودة روسيا إلى الظهور. وهذا الوضع آخذ في الظهور حيث شهدت روسيا تحسن العلاقات مع الصين عبر توسيع التجارة وحل النزاعات الحدودية من ناحية و حشد جمهوريات آسيا الوسطى في التحالف من ناحية أخرى. كما يمكن لباكستان أيضا أن تفكر فى تحسين العلاقات مع روسيا عبر دعم الصين في مقابل بعض التنازلات التجارية والدعم المالى الذى تشتد الحاجة إليه.

وفي أعقاب "لعبة الطاقة الكبرى" الجديدة في المنطقة وأزمة الطاقة الناجمة عنها، يمكن لباكستان إنعاش خط أنابيب الغاز تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند الذي يحظى بالفعل بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ويُنظر إليه كفرصة سانحة فى ظل تعزيز الدعم الروسي لخط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان.

كما تطمح روسيا إلى الاحتفاظ بقواعد عسكرية في سيناريو ما بعد 2014 في أفغانستان والسبب وراء ذلك يرجع إلى قلقها بشأن التهديدات الإرهابية وتجارة المخدرات الخارجة من أفغانستان وزعزعة استقرار روسيا وآسيا الوسطى. وتشاطر باكستان نفس القلق كونها جارًا مباشراً لأفغانستان وخط المواجهة للحرب على الإرهاب. تحتاج باكستان إلى حماية حصصها في أفغانستان بقدر ما تريد روسيا زيادة دورها في السياسات الإقليمية لما بعد 2014.(14)

سادسًا: دوافع روسيا للتقرب من باكستان(أهمية باكستان لروسيا):

يرجع اهتمام روسيا بباكستان والتقرب إليها إلى موقعها الاستراتيجي وقربها من أفغانستان وبالتالي آسيا الوسطى، وعلى الرغم من أن باكستان لا تشترك مع أفغانستان نفس الحدود، إلا أنها تقاسمها نفس العناصر الجيوسياسية. فروسيا تعتقد أن لدى باكستان القدرة على كبح جماح طالبان وغيرها من الحركات الإسلامية المسلحة في المنطقة، والتي تعتبرها مصدر تهديد رئيسي لأمنها. بالإضافة إلى ذلك تعتبر باكستان من أكبر الدول المسلحة المؤثرة في المنطقة، وانطلاقًا من أن روسيا تضم عدد كبير من المسلمين ضمن سكانها، ترى أن تحسين العلاقات الثنائية بينها وبين باكستان يصب في مصلحتها، كما تعتبر روسيا باكستان جزءً ضروريًا لأي حل طويل الأجل في أفغانستان – فهي بمثابة المفتاح لأفغانستان مستقرة- وهذا ما تؤيده أيضًا الصين.

علاوة على ذلك مع سحب القوات الأمريكية من أفغانستان منذ عام 2014م، تتطوق روسيا إلى خلق مساحة استراتيجية لنفسها في المنطقة، والذي بدوره تقرب روسيا لباكستان سيساعدها على ذلك.

أيضًا تسعى روسيا لتحسين العلاقات مع باكستان لما يساعدها ذلك على كسب نفوذ على مستويين، يتمثل المستوى الأول في الحصول على فرصة جيدة في قضايا الإرهاب وفي أفغانستان، أما المستوى الثاني فيتمثل في الاستفادة من الاختلافات الحادثة بين الولايات المتحدة وباكستان، أيضًا من وجهة نظر روسيا بناء علاقات جيدة مع باكستان سيمثل مواجهة جزئية لأي محاذاة بين الولايات المتحدة والهند، كما يمكن أن يساعد في إعاقة الهند من الاقتراب الشديد من الولايات المتحدة. أيضًا تحتاج روسيا لطريقًا بريًا يساعدها على الوصول إلى موانئ مياه بحر العرب، وباكستان بدورها تلبي هذا الطلب. كما قد يفتح ذلك أيضًا فرص جديدة للبلدان غير الساحلية في آسيا الوسطى.

إجمالًا يمكن القول أن روسيا دائمًا ما تسعى لكسب حلفاء وشكاء جدد -خاصة بعد الأزمات الأخيرة مثل أزمة أوكرانيا- لمساعدتها في تحدي الغرب. والبحث عن أسواق جديدة لمواجهة أي هقوبات أو عزلة من قبل الغرب.

سابعًا: دوافع باكستان للتقرب من روسيا (أهمية روسيا لباكستان):               

تريد باكستان -من جانبها- أن تتبنى أفضل العلاقات مع روسيا لزيادة نفوذها مع الولايات المتحدة، فنظرًا للتوترات الأخيرة بين الولايات المتحدة وباكستان وبين الولايات المتحدة وروسيا، تريد باكستان أن تثبت للولايات المتحدة أن لديها خيارات استراتيجية أخرى والتي قد لا تكون بالضرورة تتناسب وتتلقى قبول الولايات المتحدة. كما تسعى باكستان كذلك للحد من الاعتماد على الولايات المتحدة، نظرًا للخلافات القائمة بينهما بسبب أفغانستان، واستخدام الولايات المتحدة للطائرات بدون طيار ضد الإرهابيين في باكستان.

أيضًا القرب المتزايد بين الهند والولايات المتحدة دفع باكستان للبحث عن حلفاء وشركاء جدد. كما ترغب باكستان في التشكيك في العلاقات التقليدية بين روسيا والهند من خلال تحسين العلاقات مع روسيا واللعب على انعدام الأمن في روسيا، وذلك في مقابل تحسين العلاقات الهندية مع الولايات المتحدة، وبالإضافة إلى ذلك تطمع باكستان في الحصول على إمدادات عسكرية وتكنولوجيا متطورة من روسيا، والتي من المتوقع أن تكون أعلى جودة من تلك التي يحصل عليها سواء من الصين أو تركيا أو أوكرانيا. كذلك تسعى باكستان لتحقيق مكاسب تجارية في شتى المجالات – وخاصة في مجال الطاقة وتطوير البنية التحتية والموارد الطبيعية والتكنولوجيا – من تحسين العلاقات مع روسيا.(15)

الخاتمة:

في سيناريو ما بعد انسحاب 2014 من أفغانستان، تتطوق روسيا إلى أن تجد نفسها في محيط الأمن الإقليمي، كما تدرك أن باكستان هي عامل رئيسي في هذه اللعبة الكبيرة المتجددة. وقد أعربت روسيا عن وجهات نظرها بأنها لا يمكن أن تهدد مصالحها في المنطقة من أجل الهند. إن الزيارات العسكرية وتحسين العلاقات الاستراتيجية بين باكستان والاتحاد الروسي يعد خطوة نحو علاقات أفضل لكلا الجانبين.

ولقد انتهى عهد التحالفات العسكرية. اليوم هو عالم التحالفات الاقتصادية والتجارية. كما يقيم بالاتحاد الروسي 13 مليون نسمة من السكان المسلمين، ويمكن استخدام هذا العامل كميزة للعلاقات بين الاتحاد الروسي وباكستان. وتستطيع باكستان التي تستفيد من هذه القوة أن تنشئ روابط اجتماعية واقتصادية قوية مع الاتحاد الروسي. كما تمتلك باكستان سوقًا ضخمًا محتملًا لمنتجاتها الزراعية والنسيجية والجلدية والسلع الرياضية في الاتحاد الروسي ودول آسيا الوسطى. ومن ثم تطمح باكستان إلى العضوية الدائمة في منظمة شنغهاي للتعاون، وقد ألمح الاتحاد الروسي صراحة إلى دعم زعم باكستان.

ويمكن أن يصبح التعاون في منظمة شنغهاي للتعاون حقبة جديدة في سياسة "التوجه إلى الشرق" بالنسبة لباكستان. فوجود الهند والصين وأفغانستان ودول آسيا الوسطى يجعل منظمة شانغهاي للتعاون منصة فعالة للتعاون الاقتصادي والتجاري.

أيضًا، يقيم الإتحاد الروسى موقع باكستان الجغرافي والجيوإستراتيجي ولاسيما ميناء جوادار باعتباره السبيل الأمثل للوصول إلى لتحسين العلاقات بين البلدين. كما أن الاتحاد الروسي يحرز تقدمًا كبيرًا في المستقبل فيما يتعلق بخط السكك الحديدية "Gulf Bering Strait" وباكستان فى طريقها لتحسين العلاقات.

ويجب أن يكون نهج السياسة الخارجية في باكستان هو المصلحة الذاتية بدلاً من التركيز على الهند. حيث يقوم منافسون بارزون مثل الولايات المتحدة والصين والصين وروسيا والصين والهند بتحسين العلاقات فيما بينهم  وتقريب وجهات النظر المختلفة ؛ ومن ثم ينبغى على باكستان أيضا أن تحذو حزوهم وتتعلم من هذه النماذج .

 وفي حقيقة الأمر، هناك حاجة ماسة فى الوقت الحالى إلى الإعتماد على تنويع سلسلة الحلفاء في ضوء انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2014. كما أن الاتحاد الروسي متلهف للعب دور مهم في تغيير المجال الجيوإستراتيجي، ومن ثم ينبغى على باكستان أن تحافظ على مصالحها الذاتية قبل كل شيء كما ينبغى عليها صياغة سياستها الخارجية مع الأخذ في الاعتبار أهمية تحسين العلاقات مع الاتحاد الروسي.

المراجع

1)           Zachary Keck, “Russia ends arms embargo against Pakistan” The Diplomat, June 4, 2014, https://thediplomat.com/2014/06/russia-ends-arms-embargo-against-pakistan/ (Accessed:15-11-2018).

2)           Rouben Azizian and Peter Vasilieff, “Russia and Pakistan: The Difficult Path to Rapprochement”:( Asian Affairs, Vol.30 ,2003)p.48.

3)      سياتو : هو حلف جنوب وشرق آسيا الذى تأسس سنة 1954 بهدف حماية المصالح الغربية فى المنطقة ومحاضرة المد الشيوعى

4)      سنتو هو حلف بغداد الذى تأسس عام 1955 إبان الحرب الباردة للتصدى للمد الشيوعى

5)           Rouben Azizian and Peter Vasilieff,Ibid,p.37.

6)           Rouben Azizian and Peter Vasilieff, Ibid,p.39.

7)           Arif Rafiq, “Pakistan: Russia's New Best Friend?”:( National Interest, September 27, 2015 http://nationalinterest.org/feature/pakistan-russias-new-best-friend-13945?page=3. ) (Accessed:24-10-2018).

8)           Arif Rafiq,Ibid.

9)           Muhammad Nawaz Khan and Beenish Altaf, “On the Way to Tomorrow” :(The Diplomatic Insight, No.6, 2013)p.12, https://trove.nla.gov.au/work/180149811?q&versionId=196099653(Accessed:24-11-2018).

10)    Robert D. Crews,”Mosque: Co-opting Muslims in Putin’s Russia”:( Foreign Affairs, March/April, Vol. 93, No. 2 (March/April 2014), p.130.

11)   Nazir Hussain and Quratulain Fatima,” Pak-Russian Relations: Historical Legacies And New Beginings":( Central Asia, Issue No.72, Summer 2013 (Published in June 2015), pp.14-15.

12)   Tim Craig,”As the US moves closer to India, Pakistan looks to Russia”, The Washington Post, https://www.washingtonpost.com/world/asia_pacific/as-obama-visits-india-pakistanl (Accessed 25-11-2018,)

13)   Nazir Hussain and Quratulain Fatima,Ibid,p.11.

14)   Uma Purushothaman,” “The Russia-Pakistan Rapprochement: Should India Worry?”:( ORF Issue Brief, No. 117  ,  November 2015)p.1, https://www.orfonline.org/research/the-russia-pakistan-rapprochement-should-india-worry/ (Accessed:20-11-2018).

15)   Uma Purushothaman,Ibid,p.2-3.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟