المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

فرنسا ضد تركيا .. مواجهة في البحر الأبيض المتوسط

الخميس 19/نوفمبر/2020 - 02:32 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
هنري باركي.. ترجمة: أحمد سامي عبدالفتاح

دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فرنسا إلى القيام بدور قيادي من خلال اتخاذ قرار بدعم المصالح اليونانية والقبرصية في البحر الأبيض المتوسط. وفي خطاب ألقاه في 29 أغسطس، قدّم صورة عن البحر الأبيض المتوسط الذي تُزرع فيه الصراعات. وقد شملت كلمته الأوضاع في سوريا وليبيا، مروا بالنزاع حول الطاقة في شرق المتوسط.

و يعد الأمر الأكثر إثارة للقلق، بالنسبة له، هو أن التطورات الجديدة تؤدي إلى تفاقم الوضع الراهن. ويعد تراجع دور الولايات المتحدة في شرق المتوسط وحالة عدم المبالاة الأوروبية أمرًا مقلقًا للغاية بالنسبة لفرنسا. وفي الوقت ذاته، ترى فرنسا أن صعود تركيا وروسيا على الساحة في الشرق الأوسط أمرا خطيرا للغاية، خاصة أن كلاهما يحمل تراث تاريخي يسعى لتحقيقه.

ويرجع ذلك إلى أن أنقرة نشرت أسطولاً من السفن البحرية التي ترافق سفنها البحثية الزلزالية سعياً وراء الموارد الهيدروكربونية والنفوذ في شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد عبرت السفن التركية إلى المناطق الاقتصادية الخالصة لكل من اليونان وقبرص متحدية سيادتهما. وقد أوضح الأتراك أنهم مستعدون لاستخدام القوة إذا لزم الأمر، أثناء القيام بهذه المهام.

وتدرك فرنسا جيدا أن كلا من اليونان وقبرص ليس لديهما من الوسائل العسكرية ما قد يمنع تركيا من تحقيق أهدافها في شرق المتوسط.  ومن هنا، حاول ماكرون التدخل لدعم قبرص واليونان؛ واضعا خطأ أحمرا  لتركيا. وفي ما قد يكون الأول من نوعه، وبخ أحد زملائه الأعضاء في حلف شمال الأطلسي من خلال التأكيد بشكل واضح على أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأتراك لا يحترمون سوى الأفعال وليس الأقوال.

وسارع أردوغان إلى الرد باتهام الزعيم الفرنسي وآخرين بالجشع وعدم إدراك العواقب الوخيمة المترتبة على التصدّي للأتراك.

وفي قلب النزاع، يقع قرار تركيا باستكشاف الموارد الهيدروكربونية في المياه التي تعتبر ضمن المناطق اليونانية والقبرصية. والمنطقة الاقتصادية الخالصة هي تسمية قانونية، إلى جانب مفاهيم الجرف القاري والحدود الإقليمية، التي وافق عليها الموقعون على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 أو اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وبناءً على ذلك، يمكن للدول الساحلية المطالبة بمنطقة تصل إلى 200 ميل كمنطقة اقتصادية خاصة بها؛ بحيث يحق لها استغلال الموارد الموجودة بهذه المنطقة.

والمشكلة هي أن البحر الأبيض المتوسط هو بحر شبه مغلق حيث تصطدم مناطق EEZ الخاصة بكل من البلدان ببعضها البعض. ورغم أن تركيا ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فقد قررت أن تفسر أحكامها تفسيرا مختلفا. ولا يعترف المجلس بحقيقة أن الجزر لها أيضاً الحق في منطقة اقتصادية خاصة بها، وبالتالي فهي تتحدى الكثير من تسميات اليونان وقبرص في المنطقة الاقتصادية الخالصة.

تركيا لديها مشكلة صحيحة. مئات الجزر اليونانية التي تنتشر في بحر إيجة، وبعضها على مقربة من الساحل التركي، تحصر المصالح التركية فعلياً في شريط ضيق جداً. والإجابة التركية هي التأكيد على أن هذه الجزر جزء من جرفها القاري، وبالتالي فهي غير مؤهلة للمطالبة بمنطقتها الاقتصادية الخالصة.

وقد أوضحت الحكومة اليونانية أنها مستعدة للتفاوض شريطة أن تتوقف أنقرة عن تهديدها وأن تزيل أصولها البحرية. بيد أن الوضع مع قبرص مختلف تماما؛ حيث احتلت تركيا نحو 40% من الجزيرة منذ عام 1974 وترفض الاعتراف بقبرص، مما يجعل المفاوضات بين نيقوسيا وأنقرة غير محتملة في المستقبل القريب.

كما أغضب التدخل التركي الفرنسيين في ليبيا. وفي الشهر الماضي، تورطت سفن بحرية فرنسية وتركية في مشادة متوترة قبالة الساحل الليبي. كما أبرمت تركيا اتفاقاً من جانبها مع الحكومة الليبية بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة يهدف إلى تقسيم البحر الأبيض المتوسط إلى منطقتين بهدف منع قبرص ومصر وإسرائيل من تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط أنابيب.

وقد يكون لتدخل ماكرون القوي تأثيره المنشود. وهو يضغط على الأوروبيين لاتخاذ موقف لأن الجهود الألمانية للوساطة لم يكن لها تأثير كبير. و يفكر القادة الأوروبيون في فرض عقوبات على تركيا في قمتهم المقبلة في 24 سبتمبر. وقد خفف اردوغان موقفه، في رسائل الى العالم الخارجي، في وقت متأخر مشيرا الى انه منفتح على المفاوضات مع جميع الأطراف باستثناء قبرص التي لا تعترف بها تركيا. والأهم من ذلك، أنه أزال أورك ريس، السفينة الاستكشافية من بحر إيجة وأرسلها إلى الميناء.

وقد جاء القرار التركي بخفض التوترات تحسبا لقمة الإتحاد الأوروبي في 24 سبتمبر والتي قد تضع عقوبات على تركيا في وقت خفضت فيه وكالة موديز التصنيف الائتماني لتركيا. وفي تبريرها لقرارها، أشارت موديز ليس فقط إلى سوء توجيه الحكومة للاقتصاد ولكن أيضاً إلى التوترات المتصاعدة، بما في ذلك في شرق البحر الأبيض المتوسط، الناجمة عن مواقف السياسة الخارجية لتركيا.

ومع ذلك، لا يزال خطاب أردوغان في الداخل مُنمقاً؛ حيث يقوم بتهديد الفرنسيين وتأجيج المشاعر القومية. وفي مواجهة سلسلة من النكسات المحلية، يواجه مهمة لا تحسد عليها وهي معرفة كيفية النزول من سلم التصعيد.

Henry Barkey, France vs. Turkey: A Showdown in the Mediterranean Is Brewing, the national interest, at:

 https://nationalinterest.org/feature/france-vs-turkey-showdown-mediterranean-brewing-169048?fbclid=IwAR2W549MlENFYw3jm8pXeWAHOpRRbaAg3o-BxnnVgu0FSZW9Y3JjhO1nf9s

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟