المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

هل ستعزز الصين القدرات العسكرية الإيرانية في 2020؟

الأحد 26/يناير/2020 - 02:12 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
جويل ويثنو، عرض: مرﭬت زكريا

أكد وزير الخارجية الصيني" وانغ يي"، و نظيره الإيرانى محمد جواد ظريف بعد اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني " قاسم سليماني"، على ضرورة مواجهة ما أطلقا عليه بـ "السلوك العدواني و البلطجة" الأمريكية بشكل مشترك. وفي هذا السياق، أشار الباحث بمركز دراسة الشؤون العسكرية الصينية بجامعة الدفاع الوطني "جويل ويثنو" إلي أن التصريحات الصينية دائما ما تختلف عن الواقع الفعلي، لطالما كانت بكين حذرة في تعاونها العسكري مع إيران على خلفية العقوبات الدولية و الأمريكية التي كانت مفروضة عليها في هذا الإطار بسبب برنامجها النووي  على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.

ولكن من المتوقع أن تنتهى فترة القيود المفروضة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على بيع  الأسلحة لإيران، لذا، فإن مزيجًا من فرص السوق، الحوافز الاستراتيجية وضعف التكاليف السياسية قد يدفع بكين إلى إعادة النظر في نهجها الحذر ازاء التبادل التجاري مع طهران عسكريًا؛ فالعودة إلى شراكة أسلحة صينية إيرانية قوية، والتي ازدهرت في الثمانينيات من القرن الماضي، ستشجع طهران على سد بعض الفجوات في الأسلحة التقليدية والتحديات الجديدة التي تفرضها المواجهة مع  القوات الأمريكية وحلفاءها في المنطقة، وعليه، تحتاج واشنطن إلى العمل عن كثب مع شركائها الإقليميين لثني الصين عن  السير في مثل هذا الطريق، وإلا فإنها ستواجه تحدى كبير من قبل إيران خلال السنوات القليلة المقبلة.

أولاً- دوافع الصين المتعددة لدعم إيران عسكريًا

تباينت الاستراتيجية الصينية تجاه إيران منذ ثورة 1979 على خلفية الفرص والقيود الخارجية، فمن ناحية، سعت بكين إلى تحقيق المصالح الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بتصدير المنتجات الاستهلاكية والاستثمارات في قطاعي النفط والغاز الطبيعي في إيران. وباتت الصين فضلاً عن ذلك في الثمانينيات أكبر مورد لإيران فيما يتعلق بالأسلحة مستفيدة من الحرب الإيرانية العراقية المتواصلة؛ حيث شملت عمليات التصدير الصينية لإيران أصولاً مثل الدبابات ومقاتلات J-7 ،ناقلات الجنود المدرعة والصواريخ أرض جو وصواريخ سيلك وورم المضادة للسفن التي تبلغ قيمتها مليار دولار، و التي تم استخدام العديد منها ضد الناقلات الأجنبية والبنية التحتية الكويتية. و كانت إيران أيضًا حليفًا جيداً في علاقات الصين مع القوتين العظميين؛ حيث ساهمت المساعدة العسكرية الصينية في تحويل إيران إلى "حصن" ضد الاتحاد السوفيتي، وكانت فيما بعد ورقة يمكن التعويل عليها فيما يتعلق بمحادثات الولايات المتحدة الأمريكية  حول بعض القضايا الأخرى، بما في ذلك مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان.

من ناحية أخرى، أدت رغبة بكين في تجنب العقوبات الأمريكية إلى الحد من التعاون مع إيران في تكنولوجيا الصواريخ النووية والبالستية. ففي أعقاب الكشف عن البرنامج النووي الإيراني في عام 2003، بدأت الصين في تقليص وارداتها النفطية ومبيعات الأسلحة والتبادلات الدبلوماسية مع طهران. أما في عام 2010، وافقت بكين على عقوبات واسعة النطاق من مجلس الأمن الدولي شملت قيودًا على معظم مبيعات الأسلحة التقليدية لإيران، وفرضت هذه العقوبات قيودًا على الصين (لكنها استمرت في تحمل بعض الاتجار غير المشروع فيما يتعلق بالأسلحة وتكنولوجيا الصواريخ). كانت هذه الإجراءات متوافقة مع تجنب الصين لتقديم دعم صريح لـ "الأنظمة المارقة" مثل إيران، السودان وكوريا الشمالية، فضلاً عن حاجة الصين إلى الموازنة في علاقاتها بين إيران والقوى الإقليمية الأخرى، وخاصة المملكة العربية السعودية ودول الخليج، مما يساعد على تفسير إحجام الصين عن الوقوف بعيداً عن النزاعات الإقليمية، وهى حاجتها المستمرة لكسب ود كل الأطراف.

و جاءت نقطة التحول مع المفاوضات التي قادها الاتحاد الأوروبي بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة في الفترة من 2013- 2015؛ استفادت الصين من الاتفاقية عن طريق إرسال رئيس جمهورية الصين الشعبية "شي جين بينغ" في يناير 2016 لتوقيع "شراكة استراتيجية شاملة" مع إيران، والتي بنيت على تعاون أكبر في مجالات الطاقة والبنية التحتية؛ حيث اتفق الجانبان أيضًا على تطوير التعاون العسكري في مجالات عدة بما يتضمن التدريب، مكافحة الإرهاب والمعدات والتكنولوجيا. ووفقًا لقاعدة بيانات NDU أجرت الصين 12 تفاعلًا عسكريًا مع إيران بين عامي 2014 و 2018، بما في ذلك زيارات الموانئ البحرية، التدريبات الثنائية و ترتيبات عسكرية رفيعة المستوى، و استمرت هذه الأنشطة خلال عام 2019؛ حيث  التقى قائد القوات المسلحة الإيرانية بنظيره في بكين في سبتمبر  وقام بجولة في قاعدة بحرية صينية، وفي ديسمبر، أجرت القوات البحرية الصينية والإيرانية والروسية تدريبات تمهيدية في خليج عمان.

فعلى الرغم من استئناف أنواع أخرى من الارتباطات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، لكن استمرت الصين في الامتناع عن بيع الأسلحة لإيران،  ففي حين أن معظم عمليات نقل الأسلحة التقليدية مسموح بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن الاتفاقية تتطلب موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمدة خمس سنوات بعد التصديق عليها في 8 أكتوبر 2015. أما فيما يتعلق باستيراد التكنولوجيا المتعلقة بالصواريخ البالستية، فمطلوب إذن من مجلس الأمن أيضًا لمدة ثماني سنوات، و هذا يمنح الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا العظمى وفرنسا حق النقض (الفيتو) على معظم مبيعات الأسلحة الصينية والروسية (تم استثناء روسيا لاستكمال نقل نظام صواريخ الدفاع الجوي S-300 بقيمة 800 مليون دولار إلى إيران في نوفمبر 2016).

ثانيًا-  لماذا ترغب الصين في تسليح إيران؟

لم تكشف بكين بعد عن نواياها بعد رفع القيود التي فرضتها الأمم المتحدة على استيراد الأسلحة الإيرانية من الخارج و التى من المتوقع أن تنتهى هذا العام، لكن تجدد مبيعات الأسلحة الكبيرة لإيران سيعكس فرصاً متزايدة  لها مع تخفيف القيود. و ستكون في هذه الحالة إيران بمثابة فرصة جيدة و جديدة لمنتجي الأسلحة الصينيين؛ حيث يعد سبعة منهم من بين أكبر 20 مصنعًا للأسلحة في العالم، و يعد الشرق الأوسط بالفعل أكبر  سوق للأسلحة بالنسبة للصين و التي  بلغ حجم مبيعات الأسلحة فيه 10 مليارات دولار بين عامي 2013 و 2017.

وعلى الناحية الأخرى، شرعت طهران في التصنيع العسكري المحلي، إلي أن تمكنت من إنتاج بعض العناصر  مثل الطائرات بدون طيار؛ و لكن على الرغم من ذلك لا تزال تعتمد على دول مثل روسيا والصين لشراء قدرات تقليدية متقدمة. و عليه، يمكن أن تستفيد بكين من سد العجز الموجود في توفير بعض العناصر المطلوبة لتصنيع الأسلحة التقليدية في إيران. ففي أغسطس لعام  2015، نشرت صحيفة "تشاينا ديلي" تقريراً يسلط الضوء على جدوى طائرة المقاتل J-10 بالنسبة لإيران، ولكن يمكن للطائرة J-10C الأحدث التي يتم تسويقها على نطاق واسع من قبل الشركة الصينية AVIC أن تساهم أيضًا في تحديث سلاح الجو الإيراني (الذي يعتمد حاليًا على تكنولوجيا الثمانينات). علاوة على ذلك يمكن أن تستفيد إيران من بعض المنتجات الصينية في هذا المجال مثل طرادات الهجوم السريع Type-02، صواريخ كروز المضادة للطائرات YJ-22، والغواصات من طراز Yuan، والغواصات الجوية والصاروخية FL-3000N  أنظمة الدفاع HHQ-10، كما يمكن أن توفر بكين أيضًا الدعم الفني لإيران في تشغيل وصيانة هذه الأنظمة.

كما يمكن أن تستغل الصين التصعيد الحالي بين الولايات المتحدة وإيران ورغبة الإدارة الأمريكية في تقليل مخاطر وجود جيش إيراني قوي؛ الأمر الذي قد يوفر فرصة أخرى للصين لاستئناف ممارستها السابقة المتمثلة في ربط مبيعات الأسلحة ببعض الأولويات الأخرى؛ مثل تخفيض مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان، دعوة للجيش الصيني للعودة إلى التدريبات الأمريكية مثل RIMPAC وإلغاء العقوبات الأمريكية على جيش التحرير الشعبي  أو وضع حد للعقوبات الأمريكية الأخرى المتعلقة بإيران على الصين و سيما الخاصة بالشركات الصينية المتهمة بشحن النفط الإيراني بطرق غير مشروعة.

ويشير الكاتب إلي أنه حتى لو لم يتم التوصل إلى مثل هذه الصفقات بين بكين و طهران، يمكن للصين استغلال الأزمة الأمريكية الإيرانية الحالية في المنطقة لتحويل موارد الولايات المتحدة وانتباهها عن جوار الصين، الأمر الذي من المؤكد أن  يؤدي لإضعاف الإستراتيجية الحالية لواشنطن في المحيط الهادئ، والتي يعتبر الكثير من المحللين الصينيين أنها تركز على تقييد الأنشطة العسكرية الصينية، مثلما ساعد تسليح إيران في الثمانينيات في ربط القوات السوفيتية.  ولكن يمكن أن ترد واشنطن من خلال التذرع بالقوانين المحلية مثل قانون العقوبات على إيران لعام 1996 وقانون مواجهة خصوم أمريكا لعام 2017 من خلال العقوبات، و لكن من المحتمل أن يكون لهذا الخيار قيمة رمزية لأنه على عكس العديد من الشركات المدنية الكبرى، فإن موردي الأسلحة الصينيين ليس لديهم وجود يذكر كما لا يمتلكون اقتصاد قوى مثل الاقتصاد الأمريكي، ومن المحتمل أن تدعو العقوبات الأوسع إلى الانتقام الصيني وتكون أقل فعالية على خلفية عدم رغبة أوروبا في موافقة واشنطن على هذا القرار.

ثالثاً- محدودية الخيارات الأمريكية

يؤكد الكاتب أن أحد أبرز الطرق لإبعاد الصين عن تكثيف عمليات نقل الأسلحة إلى إيران هو الإقناع، لأن تشجيع التحديث العسكري الإيراني من شأنه أن يغذي النزاعات في جميع أنحاء المنطقة، مما يعرض حصص الصين المستقرة في أسواق الطاقة، مشاريع البنية التحتية وحياة المواطنين الصينيين للخطر.

 على أن تتمثل الاستراتيجية الأخرى في بناء تحالف إقليمي للضغط على الصين؛ حيث يوفر مجلس التعاون الخليجي للصين شراكة أكثر جاذبية من تلك التي يمكن أن توفرها طهران خاصة إذا كان بوسع دول الخليج تبني موقف موحد لتعظيم المنافع السياسية.

 لكن بالنظر إلى القيود المفروضة على كلا الخيارين، ينبغي على واشنطن أن تفكر في كيفية استخدام الإقناع وبناء التحالف جنبًا إلى جنب مع وضع سيناريوهات واقعية، لأنه في ظل غياب الردع، سيتعين على الجيش الأمريكي الاستعداد لعالم تستطيع فيه إيران أن تخطو خطوات حاسمة في قدراتها الدفاعية التقليدية.


Joel Wuthnow, Will China Strengthen Iran’s Military Machine in 2020? National Interest, January 16, 2020, available at:

 https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/will-china-strengthen-iran%E2%80%99s-military-machine-2020-114681?fbclid=IwAR1RxD_mtltqMBu7pIIH5e7XymFf3XnYZu84KCoxI03YbsUYe9vn6XA1uqc&page=0%2C1

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟