المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

ارتدادات عكسية... كيف تعيق إيران خروج العراق من أزمتها؟

الثلاثاء 10/ديسمبر/2019 - 03:24 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

كان ولا زال مبدأ تصدير الثورة أحد المبادئ الأساسية التي جاءت بها الثورة الإسلامية في إيران لعام 1979، وكانت العراق أولى الدول التي تم تطبيق هذا المبدأ فيها سيما بعد الحرب العراقية الإيرانية؛ حيث تنظر  إيران إلي جنوب ووسط العراق على أنه جزء من مجال نفوذها التاريخي، على خلفية التاريخ الطويل للحكم المشترك و الرابط المذهبي الشيعي، ومن هنا زاد التغلغل الإيرانى في بغداد سيما بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 ، و الخروج في عام 2011 بعد أن ترك العراق منهك و ضعيف على جميع الأصعدة.

 وعليه، خرج آلاف من العراقيين إلى الشوارع بداية من 1 أكتوبر لعام 2019 في انتفاضة شعبية بغالبية المدن الجنوبية التي يسكنها شيعة العراق، اعتراضًا على سوء الإدارة و الفساد المنتشر في غالبية المؤسسات الحكومية، و المطالبة برحيل الفاسدين وتأمين فرص عمل للشباب. ومن هنا، يظل النفوذ الإيرانى في العراق من أكبر العقبات التي تقف أمام عمليات التحول الديمقراطي على خلفية الاحتجاجات التي تندلع كل فترة ليست بالقصيرة. 

أولاً- جذور العلاقات العراقية الإيرانية

حاولت إيران التأثير على العراق بعد غزوه في عام 2003 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق زيادة علاقتها بالأحزاب و الجماعات الشيعية الموجودة هناك، و كذلك مع القوى العراقية الناشئة مثل الأكراد لإنشاء دولة فيدرالية ضعيفة يهيمن عليها الشيعة تستطيع طهران السيطرة عليها. و عليه، سعت طهران  تعزيز قوتها الناعمة في المجالات الاقتصادية، الدينية.

 كما حاولت طهران تعزيز نفوذها في العراق من خلال السياسات الانتخابية؛ حيث شجعت إيران أقرب حلفائها في العراق المتمثل في المجلس الإسلامي الأعلى في العراق (أو المجلس الأعلى الإسلامي العراقي سابقًا)، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، منظمة بدر وحزب الدعوة الإسلامية للمشاركة في العملية السياسية لما بعد عام 2003 والمنافسة في كل انتخابات قائمة واحدة لمنع الانقسام بين الأحزاب و الجماعات الشيعية.

نتيجة لما سبق، لعب حلفاء طهران دورا رئيسيا في تشكيل دستور عام 2005، كما حاولت طهران التأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية في عامي 2005 و 2010 ، و انتخابات المحافظات في عام 2009 ، عن طريق التمويل، ولا ينبع الدعم الإيرانى للقوائم السياسية الشيعية في العراق من الانتماءات الايديولوجية المشتركة والتضامن الديني ومعارضة الماضي المشترك  نظام صدام حسين ولكن أيضا من الاعتراف بأن هذه الجماعات الإسلامية تقدم لإيران خيارات أفضل داخل العراق من تلك التي قدمها التيار القومي العلماني لها سابقًا. وتلعب السفارة الإيرانية في بغداد إلى جانب القنصليات في البصرة ، كربلاء ،اربيل والسليمانية فضلاً عن قائد فيلق القدس "قاسم سليماني" دوراً كبيراً في فرض النفوذ الإيراني داخل العراق من خلال تنسيق العملية الانتخابية و مساعدة القوائم الشيعية على الفوز(1).

ثانيًا- دوافع الاحتجاجات في العراق

يعد انتشار الفقر، البطالة و الفساد فضلاً عن مواجهة النفوذ الإيراني من أبرز المحفزات التي دفعت إلي استمرار الاحتجاجات في العراق سيما في المناطق الجنوبية التي يسكنها الشيعة؛ حيث تعانى بغداد  من تصاعد معدلات الفساد وعلى الرغم من أن بغداد هو ثاني أكبر منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ويتلقى عشرات مليارات الدولارات سنويا من بيع الخام، لكن الحكومات العراقية لا تزال عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وللفساد تداعيات سلبية كبيرة على التنمية في العراق من بينها مواجهة المستثمرين الأجانب ضغوطا كبيرة على أعمالهم في ذلك البلد، وفي عام 2017 حل العراق في المركز 169 بين 180 دولة على مؤشر الفساد الذي تنشره منظمة الشفافية الدولية ويصنف مؤشر إدراك الفساد البلدان والأقاليم على أساس مدى فساد قطاعها العام(2).

ومن ناحية أخرى، تعانى العراق من تردى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، فعلى الرغم من إنفاق عشرات المليارات على قطاع الكهرباء، إلا أنها لا تزال في انقطاع مستمر، فضلاً عن تصاعد حدة أزمة المياه أيضًا في العديد من المحافظات العراقية. والجدير بالذكر أن ارتفاع نسب البطالة كانت من أبرز أسباب انتشار الاحتجاجات و استمرارها في العراق؛ حيث يعانى عدد كبير من الخريجين و حملة الشهادات العليا من البطالة جراء نقص فرص العمل وعدم قدرة الحكومة المحلية و الاتحادية على توفير مثل هذه الخدمات.

يتوازى ذلك، مع فشل حكومة رئيس الوزراء العراقي الحالي "عادل عبد المهدي" في تنفيذ الوعود التي جاءت بها و التي لم تستطع تلبية طموحات و حاجات المواطن العراقي على كافة الاصعدة؛ السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية، سيما تلك الوعود المتعلقة بمحاربة الفساد اتساقًا مع الشعارات التي جاءت بها و التي تتمثل في "محاربة الفساد" و الدعوة للإصلاح" و التي لم يتحقق منها شيئًا يذكر خلال أربعة سنوات كاملة(3).

ثالثاُ-  كيف تعيق إيران خروج العراق من أزمتها؟

حازت إيران دوراً متعاظما في العراق، منذ سقوط نظام  صدام حسين وغزو القوات الأمريكية للبلاد؛ حيث كانت الفرصة مواتية حينئذ لطهران حتى تجعل من العراق تابعاً لقراراتها، مستفيدة من الكثرة العددية للشيعة، الذين عانوا تضييقاً كبيراً في فترة حكم صدام، ومن القرب الجغرافي الذي مكنها من تعزيز  نفوذها سياسياً داخل البرلمان، ودينياً عبر التقارب مع المرجعيات الشيعية والإشراف على تسهيل حج الإيرانيين إلى النجف وكربلاء، وعسكرياً عبر التغلغل في أجهزة الدولة العسكرية.

الجانب الاقتصادي؛ لطالما ركزت طهران على تأمين وصولها للسوق العراقية؛ حيث تعد العراق  ثاني أكبر مستورِدة للسلع الإيرانية غير النفطية، وتحاول طهران تعويض خسائرها الاقتصادية جراء الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي، سيما وأن القطاع السكني الإيرانى الداخلي الذي يُعتبَر العمود الفقري للاقتصاد غير النفطي في إيران، سيشهد ركوداً كبيراً في ظل العقوبات، الأمر الذي ستكون له تداعيات غير مباشرة على مجموعة من الصناعات غير النفطية بدءاً من الأسمنت والفولاذ وصولاً إلى البتروكيماويات، وبالتالي، فإن الركود في الاستهلاك الداخلي سيدفع بإيران إلى زيادة صادراتها غير النفطية، مع إعطاء الأولوية القصوى في ذلك للبلدان المجاورة والحليفة مثل العراق وسورية(4).

الجانب العسكري؛ تسعى طهران إلى الإنفاق على مخططات اقتصادية من شأنها المساهمة في الحفاظ على نفوذها في العراق عبر المساعدة على إنشاء مؤسسات اقتصادية مرتبطة بالقوات شبه العسكرية الموالية لإيران داخل وحدات الحشد الشعبي، مثل عصائب أهل الحق، وحركة حزب الله النجباء. وكان لقرار رئيس الوزراء العراقي "عادل عبد المهدي" في الأول من يوليو 2019 القاضي بدمج الميليشيات المسلحة المؤيّدة لإيران المعروفة بأسم "الحشد الشعبي " بالكامل داخل القوات المُسلحة العراقية ظهيراً من شأنه شرعنه النفوذ الإيراني في العراق و ضمان استمراره لأطول فترة ممكنة، الأمر الذي من شأنه أن يُصعب مهمة الولايات المتحدة الأمريكية المنصبة على خفض النفوذ الإيراني في بغداد، بل و القضاء عليه على المدى الطويل. كما أن دمج القوات التابعة لإيران داخل الجيش العراقي من شأنه تحويل ميزان القوى لصالح الشيعة على حساب السنة فيما يتعلق بالجانب العسكري(5)

الهوامش

1.             Michael Eisenstadt, Michael Knights  and Ahmed Ali, Iran’s Influence in Iraq Countering Tehran’s Whole-of-Government Approach, the Washington Institute for Near East Policy, Policy Focus #111 , 2011, pp.2-8. 

2.      الفساد في العراق: أرقام ووقائع، الحرة، 7 /8/2018، متاح على الرابط التالي:

 https://www.alhurra.com/a/%25D8%25A7%25D9% .

3.      محمود جمال عبد العال، اللاطائفية: هل تؤدى الاحتجاجات الشعبية إلى تغييرات جذرية في العراق؟، 7/10/2019، مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة، متاح على الرابط التالي:

 https://cutt.ly/De3ZlgU .

4.      تامر بدوي، سعى طهران، التي بات مستقبلها الاقتصادي على المحك، إلى الحفاظ على تأثيرها في العراق وزيادته عبر الاستثمار في مخططات ومشاريع على صلة بالقوى شبه العسكرية الموالية لها، معهد كارنيجى للسلام الدولي، 23/5/2018، متاح على الرابط التالي:

 https://carnegieendowment.org/sada/76437.  

5.      شرعنه النفوذ.. إيران ستبقى مسيطرة على العراق لوقت طويل، وهذه المرة بالدستور، عربي بوست، 11/7/2019، متاح على الرابط التالي:

  https://arabicpost.net/%25D8%25AA%25D8%

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟